الخميس ١٥ حزيران (يونيو) ٢٠١٧

«زينة» قصة: زدرافكا إفتيموفا

محمد عبد الحليم غنيم

كان على زوجها أن يبحث عن وظيفة فى إسبانيا، لذلك فى ذات يوم مع عشرات من الرجال مثله، ارتدى البنطلون الجينز والمعاطف السميكة المبطنة، واستقل حافلة رخيصة إلى مدريد. ومع ذلك تشاجر مع زينة فى المساء.

فى الصباح أعطته قليلاً من الأموال قبل أن يرحل،كذبت عليه وقالت أن ذلك هو كل ما لديها. ثم تحدثت عن الديون التى تركها وراءه. وأن عليها أن تعيش لمدة شهر كامل على ليفز فقط (عملة بلغاريا) أشارت إلى أن ذلك المبلغ أقل بكثير من ثمن التذكر التى دفعها إلى الحافلة المتجهة إلى مدريد.

ترك لها جبلاً من الديون. ستة من بين أصدقائه طرقوا باب شقتها بعد ساعة واحدة من رحيله، كان أكبرهم،جارها ستويان، أعلن أن عليها أن تبيع ثلاجتها وتلفزيونها، وأنه لن يستطيع أن ينتظر، و أنه يريد استعادة نقوده. وأنه لا يمكن أن ينتظر، مع شخرة طويلة.

قالت:

ليس لدى فلس واحد، وأقسم أن ليس معى أى شئ.
لا مفر.

قال ذلك ستويان الذى كان الأثقل من بين العصابة، ثم أضاف:

جهزى المائتين يورو، أريدها غداً، سوف أحضر.

لقد نظرت إلى الوقت الذى ستكون فيه وحدها فى شقتها، كانت تسعى أن يكون الوقت لحياتها وأن تتحرر من تلك الوجوه الرديئة، التى تخص زوجها وأبنائها ومعاركم المريرة التى تغيرت قليلاً، فلن تزعجها بعد ذلك.

اتضح لزينة أنها قفزت من الرمضاء إلى النار، تساءلت ماذا تفعل مع أصدقاء زوجها، لا تريد أن تعطى لهم نقوداً، لا يمكن. ثمة صديق آخر جاء وأعلن لها أن زوجها مدين له بجراندين وأن عليها تسوية جميع الحسابات. وغنى عن القول أنهما تجادلاً طويلا.

ذهب أبناؤها أيضاً للبحث فرصة عمل أفضل فى أسبانيا كانوا مثله: ثرثارون لم يعثروا أبداً على وظائف لائقة، كانوا دائماً عاطلين عن العمل، لذلك أخقت زينة كل ما لديها من أموال. احتفظت برزمة البنكبوت فى كراسة قديمة بمكتبها.

بعد أن استقل أبناؤها وزوجها الحافلة القديمة إلى قرطبة، تنفست الصعداء.

مع ذلك كان منتهى سعادتها حياة قصيرة. حضر جارها ستويان فى المساء.أخذ يردد أن زوجها مدين له بمائتى يورو، قاطعته زينة:

 تعالى فى الأسبوع المقبل وسوف أدفع لك.

كان الأمر رائعاً فى المنزل خلال الأسبوع الأول من وحدتها: تناوبا الصمت وجهاز التليفزيون فى الترفيه عنها ا. ولم ستطع الحصول على المزيد من ذلك. ثم أزعجها فجأة الأمسيات الباردة ورياح الشتاء. فكرت فى ديون زوجها وجعلها الهاتف تشعر بالتوتر.

ربما ينبغى عليها أن تطلب من أى شخص الدردشة عبر التيلفون. اشترت زجاجة نبيذ وشربت نصفها. كانت زينة امرأة قوية على العكس من زوجها النفاج، رأت أنه لا جدوى من التذمر. راقبت ستويان، جارها، فكرت فى المائتى دولار المدين بهما زوجها له.

لم تكن قد تشاجرت مع ستويان، لكنها كرهته بشكل تام. كان هو و زوجها قد اعتادا أن يثملا لساعات كل يوم. ذكرها الرجل بعربتها الفورد القديمة القابعة فى الجراج، لم تستطع أبداً أن تبيع العربة القديمة، صدئة وإطارات عريضة فى المكان كله.

فى المساء، رأت زينة ستويان يغادر الحانة مترنخاً فى طريقه إلى شقته، و كلب ضال يسير وراءه.

كان على زينة أن تتحدث إليه عاجلاً أم آجلاً، و كانت قد عملت حسابها لكل شىء، لم يكن هناك جدوي للانتظار على أى نحو، بدا ستويان مذهولاً عندما رأى زينة عند باب شقته. وقفت هناك محاولة ألا تفكر فى شعر الدهنى و قميصه القذر.

سألها ستويان:

 ماذا تريدين؟

لم يحاول حتي أن يربط سرواله ؛ الجلد المترهل من بطنه يتألق مثل بركة موحلة فى الضوء الخافت. كرهت رائحة العفن فى المجاز الضيق لكنها لا تريد أن تعود إلى المنزل و تحدق فى التليفزيون أو إلى صور أبنائها. بدا لها بصورهم على الحائط يحاولون أن يتسولوا الأموال من أجلها.

كذبت قائلة:

 طلب زوجي مني أن أعتنى بك و هو فى إسبانيا

 ماذا؟
كما لو كان قد أصيب بالخرس بعد تلك ال"ماذا" الحادة. استطاعت أن تتعايش معها، لكن الرجل أقسم و أطلق الشتام وراءها، و كرهت زينة الكلمات القذرة.

 لقد طهوت لك حساء البطاطس.

 لا أريد حساء بطاطسك.

قال ذلك و هو على وشك أن يغلق الباب فى وجهها، ثم تذكر، فأضاف و هو ينفجر مثل الخنزير:

 أنت مدينة لى بمائتى دولار؟؟

فكرت زينة، كل الرجال نفس الشىء، مجرد بقع قذرة على زجاج نافذة غرفقة معيشتها. حسناً، فكرت يمكنها أن تتعامل مع أى بقعة أياً كان نوعها. قالت:

 لدى زجاجة براندي فاخرة.

لم يكن لديها فى الوقاع براندى فاخر على الإطلاق، كل ما كان لديها هو نصف زجاجة من الروم، لم يشربها زوجها لذلك خبأت الخمر فى صندوق الأحذية القديمة. يمكهنا أن تخفى المنزل كله عن زوجها لو أتيحت لها الفرصة.قال سويان و هو يدفعها نحو الباب الخارجي، بينما يزحف الأمل حثيثاً – فى ذات الوقت – إلى صوته:

 أنت تكذبين بخصوص البراندي.

قالت زينة:

 لن يضيرك أن تأتى و تتحقق من طعمه، فوق هذا زوجي مدين لك بمائتي دولار.

كانت واثقة أنه سوف يتبعها، لو أنها نزلت على السلم مسرعة نحو شقتها قبل أن يفكر ستويان فى الأمر بشكل جيد، و يمكنها أن تراهن بحياتها على هذا. وقد حدث بالفعل، لقد تبعها وهو يجر قدميه و نعليه فى بطء دونما حماس. إنها لا تحب الرجال الذين يلبسون النعال. تساءلت زينة فى نفسها أين يمكن أن تجلسه، لن يكون فى غرفة جلوسها على أية حال، فيمكن لرائحته الكريهة أن تقتل زهورها. المطبخ، نعم، أخذته إلى المطبخ.

أخرجت قدحين قديمين كانت قد احتفظت بهما فى الخزانة.لا يستحق ستويان كؤوساً جديدة أو فاخرة.

 لماذا هذه الاقداح صغيرة جداً ؟ أنا لست مريضاً.

قال الرجل ذلك و هو يلقى بنفسه فوق الأريكة، كانت زينة قد غسلت المفارش منذ يومين فحسب، و بقع الشحم فى بنطلونه سوف تجعلها تصاب بالغثيان، أضاف:

 أعطينى هذه الكأس.

أشار بإصبع السبابة الغليظ نحو كأس وحيدة فوق الطاولة، كانت كأساً من ذلك النوع الذى شربت فيه الحليب هذا الصباح.

بلا رغبة قدمت زينة إليه الكأس، ثم أخرجت زجاجة البراندي، فى الواقع لم تكن زجاجة، كانت إبريقاً ضخماً، وهكذا كان ذلك الشىء– إلى حدما– مغبراً و قذراً أيضا.إنه شىء يخص زوجها، وصل ستويان إلى المائدة.

 انتظر.

قالت ذلك فى لهجة حانية كما لو كانت تتحدث إلى زوجها. نهض ستويان من فوق الأريكة، فانزلق سرواله ليكشف عن جزء كبير من جسده الأسمر، أصبت زينة بالرعب خشية أن يكون قد غضب، لذلك صبت على الفور قليلاً من البراندي فى كأسه، فانتزعها و هو يقول:

 أعطينى فاتحاً للشهية الآن، أن تكذبين على بخصوص البراندي. إنه فاسد.
ردت زينة فى عنف:

 ليس لدي أي فاتح للشهية.

تحسبت لذلك كما لو كانت ثملة تنتظر مواجهة الإبريق الفارغ.غضبت من نفسها، كان عليها أن تخفي بعض الشراب مقدماً.

قال ستويان و هو يمد ساقيه:

 أعطني شىء آكله.

وقبل أن تقع له شريحة من الخبز انتزع منها الرغيف ومزقه فى قطع كبيرة والتهمه. توترت زينة دون أن تخفى اشمئزازها، ثم قطعت شريحة صغيرة من رغيف وأخذت تمضغ فى تمهل وترو، كان لديها جبن فى الثلاجة بالطبع، لكن لا. لا جبن يقدم لمثل ذلك الجلف. على أية حال استطاعت أن تقدم بعض المقبلات بعد كل ذلك. فتحت الثلاجة و أخرجت برطمان من الفلفل الصغير، أخضر مثل الثعابين حار جداً و يكفى لقتل مدينة جميلة. أخرجت الفلفل من البرطمان و تظاهرت أنها تأكل منه، أمسك ستويان بالسكين و حاول أن يغرزها فى الفلفل ففشل، لذلك دفع بالإبهام و السبابة داخل البرطمان، أما هى فصبت المزيد من البراندي فى كأسه، قطرات ضئيلة من البراندي الردىء. انتزع الرجل الإبريق من يدها و ملأ كأسه إلى الحافة ثم ابتلعه وهو يراقبها عن قرب. بعد وهلة، قضم قطعة أخري من الرغيف و حاول أن يمضغها فشرق بها.. أعملت زينة عقلها، لقد حان الوقت، لن تسمح له بأن يشرب البراندي كله، مدت يدها ولمست بقعة من جلده البني الخشن، وجرحته بشعرها الأسود الحريرى.

صاح الرجل:

 ماذا تفعلين بحق الجحيم؟

لم تبد اهتماماً بصوه الغاضب، القطع اللينة من ملابسه الداخلية متدلية و فضاضة من عند الأماكن الممزقة فى سرواله. لا تسمح زينة لزوجها أن يلبس مثل هذه السراويل الرديئة، طوال حياتها فكرت زينة، لقد فقدت بالفعل نصف إبريق البراندي و هذا ما أخافها. قالت للرجل:

 لقد رتبت لك ذلك من سنوات مضت.

كنت هذه كذبة صريحة، مما جعلها لا تشعر بالطمأنينة أخذت الكأس من ستويان و ألقت ببقية البراندي فى فمهما.كان طعمه بشعاً. كان بشرته مثل ورقة السنفرة تحت أصابعها، شعرت بحكة ثم صبت له كأساً آخر، لكنها لم تسمح له بالحصول على الشراب كله، كانت أذكي من ذلك.قالت:

 لقد تجهزت لك و أنا مسرورة لذهاب زوجي.

فغر فاه نحوها، سقط بعض البراندي على الأرض.غمغم ستويان:

- أنا... أنا صديق.. أنا صديق زوجك.

قالت زينة:

 زوجي مدين لك بالأموال.

أغلق ستويان فمه، فشجعها ذلك أن تأمره:

 اجلس.

هكذا أمرته و لجزء من الثانية نسيت مشبك حزامه الصدىء الذى كرهته لحظة أن رأته. كان لديها شعور أن هناك الكثير من التراب فى طيات جلده بحيث لو أنها بذرت بعض الأعشاب فإن الأعشاب ستضرب بجذورها هناك وفوق بطنه البارزة، غمغم الرجل بكلمات، لكن زينة لم تهتم.

قالت:

 ستكون على ما يرام.

و حسبت أن الوقت قد آن لصب المزيد من البراندي له. حاولت ألا تنظر إلى بشرته. كان الحب يحدث لديها بسهولة دائماً.كان يكفى ألا تنظر إلى وجهه و بطنه بينما الأعشاب تضرب بجذورها هناك.انزلقت صعوداً ثم هبوطاً، أعلاه و أسفله و شعرت بأن كل شىء على ما يرام. فعلت ذلك تقريباً

قال ستويان:

 أنت... عظيمة.

لم يستطع أن يهتم كم هى عظيمة. قالت له:

 لا تتنفس فى وجهي.

الرجل الكبير جلده مثل صفحة الحديد، حاول الجلوس، فأوقفته و نظرت إلى وجهه قائلة:

 زوجي صديق لك. أليس كذلك ؟

فقال:

 نعم.

قالت:

 هو صديقك و أنا أهتم بك.

 لكن...

إنها تكره البشر الذين يقولون " لكن " قالت:

 أكره الرجال اللذين يقولون " لكن "

قال ستويان:

 انظري هنا.

ثم أضاف:

 ربما لا ينبغى عليك أن تردي إلى مائة دولار.

فكرت أنها فى حاجة إلى قلم حبر حالاً. عندماً كان زوجها فى المنزل، أعدت قائمة مفصلة بالبقالة التى يجب أن تشتريها من السوبر ماركت. أرادت أن تتأكد أن لديها قائمة مماثلة لستويان. ربما عند نقطة محددة يمكنها أن تجعله يذهب إلى السوبر ماركت من أجلها، قال ستويان:

 إذا أعطيتنى الشىء نفسه أكثر من مرة.

ثم أضاف:

 لا ينبغى عليك أن تدفعى أى شىء.

كان الجو باردا فى المطبخ بينماعيناها تتفحصان بقع الشحم على بنطلونه.

قالت:

 لقد دفعت لك بالفعل كل ما على زوجى من دين لك. انهض الآن.

فغمغم:

 كان ذلك رائعاً.

تطلعت إلى وجهه، أبيض و منفتح، ثم فحصت أرض المطبخ التى كانت نظيفة قبل أن يدوس عليها ستويان و قالت:

 لقد دفعت لك كل ما زوجي مدين به لك. فاتورة حساب قصيرة تصنع صداقة طويلة. اذهب الآن.

 لكن.

تكره زينة الرجال الذين يقولون لكن، كرهت جلده و رائحته، فكرت عبر عقلها. كان هناك المزيد من الأصدقاء الآخرين دائنى زوجها بالنقود أيضاً.

انتهت

المؤلفة: زدرافكا إفتيموفا / Zdravka Evtimova، كاتبة بلغارية معاصرة (ولدت في 24 يوليو 1959 في برنيك، ببلغاريا)، لها أربع مجموعات قصصية وأربع روايات نشرت جميعا باللغة البلغارية.

ظهرت قصصها القصيرة في العديد من المجلات الأدبية الدولية. ترجمت بعض من مجموعاتها القصصية القصيرة إلى اللغات الأخرى. ولدت فى بلغاريا حيث تعيش وتعمل فى مجال الترجمة الدبية من الانجليزية والفرنسية والألمانية،كما نشرت عدة مجموعات قصصية باللغة الانجليزية منها: سماء مرة 2003، و شخص آخر عام 2005 و الآنسة دانتيلا عام 2007. وغيرها.

محمد عبد الحليم غنيم

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى