الأربعاء ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠١٧
بقلم محمد زكريا توفيق

أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس أجاممنون

الثلاثية تتكون من ثلاث مسرحيات، يمكن أن تعرض منفردة في ثلاثة عروض، أو في عرض واحد، مسرحية تلو الأخرى حسب أحداثها الزمنية. بعض الشخصيات، تظهر في كل أجزاء الثلاثية.

في ثلاثية أسخيليوس، وهي الثلاثية الإغريقية الوحيدة الباقية، المؤلف يبين في كل أجزائها، أن المخطئ، يجب أن يعاقب، جزاء وفاقا لجريمته.

في مسرحية أجاممنون، الأولى في الثلاثية، تظهر بذور التراجيديا التي طغت على أسرة ملكية إغريقية من الزمن القديم. عشر سنوات قبل بداية أحداث المسرحية، الملك أجاممنون كان يستعد لقيادة الإغريق في حربهم الطويلة ضد طروادة، بينما الإلهة آرتيميس كانت ترفض إرسال الرياح المواتية لإبحار أسطول الإغريق الحربي، مالم يقوم أجاممنون بالتضحية بإبنته، إفيجينيا، قربانا.

قادة جيش أجاممنون، بعد أن ملوا الانتظار والبعد عن عائلاتهم، أجبروه على الامتثال والموافقة على ذبح ابنته قربانا للآله. وهو الأمر الذي لم تغفره له زوجته كليتيمنيسترا بقية حياتها.

هذه الأحداث، نجدها أيضا في مسرحية "إفيجينيا في أوليس" ل يوريبيديس. لم يكن الملك أجاممنون رجلا شريرا بطبعه. لكنه وجد نفسه يتعثر في إرادة الآلهة ويتلعثم في شباك القدر.

بعد نصره المؤزر على طروادة، الذي جاء أيضا في مسرحيتي "هيكوبا" و "نساء طروادة" ل يوريبيديس، تتآمر زوجته وابن عمه عليه و يتم الانتقام من أجاممنون ويقتل شر قتلة.

المسرحية الثانية في الثلاثية، "حاملات الشراب"، تكمل تراجيدية العائلة. لقد مرت عشر سنوات، وأصبح الآن بطلي المسرحية هما إلكترا، ابنته الكبرى، وأوريستيس، ابنه الوحيد. هذه المسرحية عبارة عن دراما الانتقام، تشبه إلى حد كبير مسرحية "إلكترا" ل سوفوكليس.

المسرحية الثالثة في الثلاثية، "ربات الغضب"، نجد أوريستيس بن أجاممنون، رجلا عجوزا ملبوسا بروح شريرة ألحت عليه باستمرار ودفعته لقتل أمه. لقد أقر بذنبه، وكان يبرر ذلك بأنه كان يثأر لمقتل والده. الإلهة أثينا تعفو عنه، لأنه شعر بتأنيب الضمير وندم أشد الندم على فعلته الشنعاء بقتل أمه.

أجاممنون

شخصيات المسرحية:

أجاممنون: ملك الإغريق

كليتيمنيسترا: زوجة أجاممنون، الملكة

أيجيسثوس: ابن عم أجاممنون

كاساندرا: جارية، كانت أميرة طروادية سابقا

رئيس الكورس

الكورس: مواطنون إغريق

رسول

المسرحية بأسلوب مبسط:

الكورس: أيتها الملكة كليتيمنيسترا، لقد جئنا نلبي ندائك

رئيس الكورس: جئنا نؤنس وحدتك أثناء غياب مليكنا، أجاممنون، في حرب طروادة.

الكورس: هل بلغتك أنباء عن الملك، أو تلقيت رسالة مطمئنة منه؟ بحق الآلهة تكلمي فنحن قلقون عليه وعلى جيشنا؟

كليتيمنيسترا: نعم، عندي أخبارا سارة ومؤكدة، جاءت مثل بزوغ الفجر من رحم الليل الطويل.

الكورس: أشركينا في سماع هذه الأنباء السعيدة، أيتها الملكة العظيمة.

كليتيمنيسترا: جيش الإغريق قد دخل مدينة طروادة واستولى عليها.

الكورس: غير معقول، إننا لا نكاد نصدق!!

كليتيمنيسترا: طروادة لنا الآن. ألا يكفي هذا؟

الكورس: السعادة تغمر قلوبنا والدموع تملأ عيوننا من الفرح.

رئيس الكورس: لكن ما هو الدليل؟ هل يمكن التأكد من هذه الأخبار؟

الكورس: ربما يكون هذا مجرد حلم؟

كليتيمنيسترا: حلم؟ أنا لا أتعامل مع التخيلات، كما أنني لست امرأة جاهلة.

الكورس: أخبرينا بحق الآلهة، متى سقطت طروادة في أيدينا؟

كليتيمنيسترا: هذه الليلة.

الكورس: كيف عرفت بهذه السرعة، وأي رسول استطاع أن يطير بهذه الأخبار من طروادة إلى هنا في هذا الزمن القصير؟

كليتيمنيسترا: إله النار! أضاء لي شعلة من اللهب والضياء حملت لي الأنباء.

الكورس: شكرا للسماء! أعيدي إلى أسماعنا الأخبار السارة مرة أخرى.

كليتيمنيسترا: لقد سقطت طروادة في أيدي الإغريق. نساء طروادة ترتمين الآن فوق جثث أزواجهن وأخواتهن القتلى، وتندبن وتنتحبن. الكهول يبكون ويرثون أولادهم وأحفادهم. رجال طروادة أصبحوا عبيدا لنا، ونساؤهم صرن جوارينا. جنودنا يستحقون الآن راحة ونوما هادئا بدون حراسة. بعد أن يأخذ جنودنا الغنائم والأسلاب في يوم أو يومين، سيبحرون مصحوبين بالسلامة وحماية الآلهة إلى وطنهم العزيز.

الكورس: يجب أن نستعد لتقديم القرابين للآلهة تعبيرا عن شكرنا لهم.

(تدخل كليتيمنيستر إلى القصر)

رئيس الكورس: زيوس، يا إله السماوات!

الكورس: زيوس العظيم، لك كل المجد والتكريم.

رئيس الكورس: انظروا! ها هو مركب الرسول يرسي على شواطئنا حاملا أغصان زيتون تشكل قوس النصر.

الكورس: الآن تأكد الخبر السعيد.

(يدخل الرسول)

الرسول: بعد عشرة أعوام، عدت اليوم إلى بيتي. نعم، اليوم أنا في بيتي. تقبلوا صلواتي وتشكراتي أيتها الآلهة.

الكورس: مرحبا بك بين أهلك وعشيرتك يا رسول جيش الإغريق. أهلا ورحبا.

الرسول: لمدة عشر سنوات وأنا أحلم بهذه اللحظة التاريخية. الآن أموت وأنا مرتاح البال.

الكورس: لقد أضناك حبك لوطنك.

الرسول: ردائي مبلل بدموع الفرح. لقد أخذنا طروادة. مجد الإغريق سيتحدث به الركبان وسيغنى به المنشدون في كل معبد.

رئيس الكورس: هذه الأنباء تهم في الدرجة الأولى ملكتنا، كليتيمنيسترا.

(تدخل كليتيمنيسترا: إلى المسرح قادمة من قصرها)

كليتيمنيسترا: قبل ذلك بمدة قصيرة، صرخت من فرط السرور عندما أخبرني إله النار في منتصف الليل بأن طروادة قد تم تدميرها ونهبها. الآن أيها المواطنون، هل صدقتم أن طروادة أصبحت لنا؟ وهل تأكدتم أنها ليست مجرد أضغاث أحلام امرأة؟ حالا سوف يخبرني الملك أجاممنون بكل شئ. وهل هناك ما هو أكثر مدعاة للفرح والسرور من أن تعلم الزوجة أن زوجها الغائب، هو في طريقه عائدا إلى بيته من الحرب سالما معافا؟ أخبر زوجي أيها الرسول بأن زوجته تريده أن يسرع في العودة بقدر الإمكان، وأنه سيجدها في انتظاره، مخلصة كما كانت على الدوام. زوجة كانت ترعى شؤون بيته وممتلكاته أثناء غيابه.

(تخرج كليتيمنيسترا: إلى قصرها، وكذلك يخرج الرسول من المسرح)

الكورس: عد يا مليكنا، يا مدمر طروادة. نحن نمدحك ونفتخر بك.

رئيس الكورس: لقد كنا نلومك أيها الملك، عندما بدأت الحرب. لقد كنا نحسب أنك قد أبحرت بعيدا عن شاطئ الحكمة.

الكورس: اعتقدنا أنك قد أخطأت عندما قدمت ابنتك قربانا للآلهة.

رئيس الكورس: لقد عدت أيها الملك لوطنك منتصرا!

الكورس: من كل قلوبنا نرجو لك الخير كله.

(يدخل أجاممنون تتبعه الأميرة الطروادية سبية الحرب ، كاساندرا)

أجاممنون: أول شئ يجب فعله بعد عودتي إلى حض مملكتي، هو شكر الآلهة، التي شملتني برعايتها وأعادتني سالما منتصرا لوطني. لعل النصر يظل حليفي على الدوام.

(تدخل كليتيمنيسترا: آتية من القصر)

كليتيمنيسترا: يا سكان المدينة، ها أنا أعلن، وبدون خجل، إخلاصي وحبي إلى زوجي العائد بعد غياب عشر سنوات. إنه أمر في منتهى القسوة، أن تنتظر زوجة مخلصة في البيت زوجها هذه المدة الطويلة، لكن الآن قد انتهى الانتظار والقلق وباتا من أحداث الماضي. الإشاعات التي تقول بأنه قد جرح أو قتل، كانت أكثر إيلاما. إن صحت كل الإشاعات التي تقول أنه قد جرح، لصار جسده مثل شبكة الصياد من كثرة الجروح والعلامات. أما الإشاعات التي كانت تؤكد موت الملك، فقد جعلتني أرسل أوريستيس، ابنك، إلى مدينة أخرى بعيدة، حتى لا يصيبه مكروه من انتقام الأعداء. لكن اطمئن ، إنه الآن في أمان وبصحة جيدة. لقد أضناني السهر والقلق وطول الانتظار. حتى أحلامي لم تكن تخلو من الكوابيس المرعبة خوفا عليك. لكن، لقد انتهت متاعبي بعودتك سالما. الجواري يقمن الآن بمد البساط الأحمر وينثرن حوله الزهور حتى تسير عليه، أيها الملك أجاممنون.

أجاممنون: إن السعيد من ينتهي به العمر ويرقد رقدته الأخيرة بين أهله في سلام.

كليتيمنيسترا: الآن، قد أتيت إلى بيتك العزيز. رجوعك يأتي مثل دفئ الربيع بعد شتاء قارس البرد.

أجاممنون: سوف أدخل بيتي ويرتاح بالي. أيها الخدم، خذوا هذه الجارية، اسمها كاساندرا. إنها من سبايا الحرب وأسلاب النصر. عاملوها برفق. إن الآلهة ترضى عن السيد الذي يعامل خدمه برفق. فلا أحد منا يحب أن يكون عبدا أو خادما.

(يدخل أجاممنون إلى القصر)

كليتيمنيسترا: الآن حقق يا زيوس أحلامي، واستجب لصلواتي. يا زيوس العظيم، اجعل الفاكهة الناضجة تسقط من نفسها، فهذا أوانها.

(تدخل كليتيمنيستر القصر)

الكورس: ما هذا الخوف المستبد الذي يقرع بعنف وترتجف له قلوبنا؟

رئيس الكورس: أي نذير يتوعدنا، وبالشر يطاردنا؟

الكورس: ما هذا الكابوس الكابس على أنفاسنا، والذي لا نستطيع أن نفصح عنه؟

رئيس الكورس: إحساسي يسبق لساني للإفصاح عن هذا السر.

الكورس: نحن نسمع لحنا حزينا متنافرا، حزينا متنافرا.

(تدخل كليتيمنيسترا: قادمة من القصر)

كليتيمنيسترا: أنت يا من تدعين كاساندرا. تعالي هنا. من حسن حظك أن وضعتك الآلهة في هذا القصر، حتى تنالي شيئا من الماء المقدس. أريد أن أتحدث إليك يا كاساندرا.

الكورس: إنها توجه إليك الكلام يا فتاة.

رئيس الكورس: لبي النداء. كليتيمنيسترا في انتظارك.

الكورس: أنت أسيرة حرب، ومن السبايا. يجب أن تطيعي سيدتك.

رئيس الكورس: يجب أن تطيعي يا كاساندرا.

الكورس: كليتيمنيسترا: تكلمك برفق. أطيعيها.

رئيس الكورس: هذه الفتاة تتصرف مثل الوحوش البرية.

كليتيمنيسترا: إنها فتاة مجنونة. إنها تستمع فقط لأفكارها المضطربة. لن أكلمها أكثر من ذلك حتى لا أحقر نفسي.

(تدخل كليتيمنيسترا: القصر)

الكورس: يا لها من فتاة بائسة. يحكم عليها القدر بلبس ثياب السبايا.

كاساندرا: أبوللو، أبوللو، وا حسرتاه.

الكورس: لماذا تنادين أبوللو؟ إنه ليس إله الحزن.

كاساندرا: يا له من رعب، رعب. يا أبوللو.

الكورس: أنها تناديه ثانية.

كاساندرا: طول الوقت ترعاني، والآن تقتلني.

رئيس الكورس: إنها تعبر عن آلامها.

كاساندرا: ما هذا البيت المخيف الذي قدتني إليه؟

الكورس: هذا هو بيت أجاممنون، مليكنا المحبوب. إنه ليس ككل البيوت.

كاساندرا: ماذا تخطط له هذه المرأة؟ أي مؤامرة تحيك خيوطها؟ هل من تقوم بصيد الفريسة، تسمي نفسها زوجة وملكة؟

رئيس الكورس: هذه الفتاة الغريبة تبدو أن لها حاسة شم شديدة مثل كلاب الصيد.

الكورس: إنها تعرف شيئا عن خيط يقود إلى جريمة قتل.

كاساندرا: حالا، حالا جدا، سوف تسقط. يا لها من خيانة فظيعة. إنني أسميها خيانة.

الكورس: إننا في حيرة من أمرها ولا نفهم ماذا تعني.

كاساندرا: إنني خائفة، خائفة جدا. ليس هو الوحيد الذي سيعاني، إنني أرى نفسي تتلعثم في شباك مقتله. آه من قسوتك يا أبوللو. لماذا قدتني إلى هنا؟ ولماذا أشاركه نفس المصير؟

الكورس: هذه الفتاة الغريبة تهذي، لابد أنها فقدت عقلها.

كاساندرا: بسرعة عودوا إلى أماكنكم. أبعدوا الثور عن البقرة. لكن، واحسرتاه! لم يعد هناك فائدة. فهي تطعن بقسوة، وهو يسقط على الأرض مقتولا.

الكورس: هل كلامها يخلو من معنى، أم نحن الذين لا نفهم ما تقول؟

كاساندرا: هل هذه شجاعة؟ من يتآمر للانتقام. هل هو أسد؟ قد يكون. ولكن أسد جبان. امرأة تقتل رجلا، مع أنها سبق أن استقبلته بحفاوة عند عودته. استمع إلى صياحها وهي تلوح بالنصر. إذا كنتم في شك من كلماتي، لكن ما الفائدة الآن؟ حالا ما هو آت آت. حالا سترون بأعينكم، وتصرخون خوفا وشفقة.

الكورس: إنها تقول الحقيقة.

رئيس الكورس: إذا كنت تقولين الحقيقة، لماذا تبقي هنا؟ لماذا لا تهربين بعيدا؟

كاساندرا: لا مهرب ولا راد لقضاء الآلهة. ما تقرره الآلهة يصبح نافذا.

الكورس: لا نعتقد أنك هدف لسهام المشيئة.

رئيس الكورس: دعونا نبتهل للآلهة.

كاساندرا: بينما أنتم تبتهلون وتدعون، غيركم يجهزون للقتل.

الكورس: واحسرتاه، نحن نشفق عليك من المصير الذي تتوقعينه.

كاساندرا: كل ما أرجوه هو أن تكون الضربة قاتلة، كي تنام عيناي في سلام بدون مقاومة.

رئيس الكورس: كيف للإنسان أن يشعر بالأمان وهو يسمع مثل هذه الحكاية؟

كاساندرا: أنا ذاهبة. ذاهبة إلى عالم المهزومين والمنكوبين. هذه نهايتي ونهاية أجاممنون.

(تمشي كاساندرا في اتجاه القصر، ثم فجأة تغير اتجاهها وتعود إلى المسرح)

الكورس: ما هذا؟

رئيس الكورس: ماذا ترين؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى