السبت ١٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم تيسير الناشف

التقدم والثقافة في السياق العربي

منذ مدة طويلة تتعرض المجتمعات والثقافة العربية، شأنها شأن سائر المجتمعات النامية وثقافاتها، لغزو فكري غربي، ويقع تأثير غربي قوي على الدول والشعوب العربية. ويُعَرَّف المجتمع بأنه سكان منظمون لأداء وظائف الحياة الرئيسية.(1) وثقافة المجتمع تتكون من كل الطرق التي بها يفكر أعضاؤه حول مجتمعهم ويتواصلون بشأنه فيما بين أنفسهم. يمكن أن تُعَرّف الثقافة بأنها "كل طرق التفكير والسلوك والإنتاج التي تُورث من جيل ألى الجيل التالي بواسطة التفاعل التواصلي – أي عن طريق الكلام والإيماءات والكتابة والبناء وكل ]أنواع[ الاتصال الأخرى بين البشر – وليس عن طريق النقل الوراثي، أو الوراثة".(2) يبيّن ذلك التعريف أن ثقافة الشعب مسمدة من الفضاء الاجتماعي والفكري والقِيَمي والتاريخي والنفسي والجغرافي لذلك الشعب. ويقبل كثير من العرب قسما كبيرا من الأفكار الغربية بسمينها وغثها وبتحاملها وموضوعيتها في آن واحد والممارسات الغربية بجوانبها الإيجابية والسلبية. ولقسم من هذه الأفكار أصول أيديولوجية لا تتفق بالضرورة مع الرؤية الاجتماعية والقيمية والخُلقية للشعوب العربية.

وفي مواجهة هذا الغزو الفكري للثقافة العربية دور بالغ الأهمية، وخصوصا بعد أن أصاب الضعف عددا من مقومات المنعة القومية من قبيل المؤسسات السياسية والاجتماعية وقويت تبعية العرب الاقتصادية. وهناك حالة تبعية عربية حضارية وفكرية للغرب. العرب يستوردون أنظمة الغرب ومنتجاته. ولكنهم لم يتعلموا أو لم يطبقوا المنهج العلمي الذي أنتج هذه النظم والمنتجات.ودب الوهن في نفوس قسم من العرب، واستشرى الفساد وتعززت المغالاة في النزعة الاستهلاكية. وعلى الرغم من ذلك لا تزال جوانب فكرية وقيمية وتراثية عربية صامدة في وجه هذا الغزو.
وفي صفوف العرب توق إلى تحقيق التقدم الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والتكنولوجي. ولهذا التوق أسباب منها حافز التقدم الذي يوجده الموروث الحضاري العربي العظيم، وإدراك أن من الضروري إحراز التقدم من أجل المحافظة على الوجود العربي المادي والحضاري وتحقيق الرفاهة الإقتصادية والأمن الإجتماعي.

غير أنه تقوم عوامل قوية تمنع أو تؤخر تحقيق العرب لهذا التقدم. وسنقوم بإبداء ملاحظات حول بعض هذه العوامل في هذا المقال.

يعاني العرب – شأنهم شأن شعوب نامية أخرى – من مشاكل عويصة كثيرة على مختلف الصعد. ومن تجليات هذه المشاكل الفقر والأمية والمرض وتزايد التدهور الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والقيمي وتردي وضع المرأة الإجتماعي والإقتصادي والقانوني والتبعية العربية الإقتصادية والمالية والصناعية للغرب وغياب الفعالية في مواجهة مشاريع السيطرة الأجنبية والضعف الذي يعتور حركات التكامل والتوحيد العربية والتحرر الوطني وانتهاك حقوق الإنسان وانعدام شرعية عدد كبير من النظم الحاكمة وغيرها من التجليات.

وتعاني الشعوب العربية أيضا من عادات وتقاليد وقيم تحيط الاستسلام والاتكال بالقداسة وتشجع عليهما. وتسيطر هذه العادات والتقاليد والقيم على الشعب نتيجة عن خضوعه طيلة قرون للحكم الاستبدادي والسيطرة الأجنبية. وتسيطر أيضا تفسيرات تراثية على العقلية العربية. وأوجدت هذه التفسيرات نظام قوة اجتماعيا يقوم على السيطرة المطلقة للأب والأخ الأكبر في العائلة ورئيس مؤسسة من المؤسسات ورئيس الحمولة وشيخ القبيلة والوزير ورئيس الدولة.

ويعاني العرب من الإهانة القومية على يد جهات فاعلة أجنبية. وتهدر الطاقات والموارد العربية. وحققت تلك الجهات قدرا كبيرا من النجاح في محاولاتها لتجزئة الوطن العربي وترسيخ تلك التجزئة وإضعاف أو تغييب وعي العرب بدورهم العالمي والحضاري التاريخي وبمصالحهم الحقيقية وبواقع عصرهم وبدور تلك الجهات في إخضاعهم وتجزئتهم وكسر شوكتهم واستغلالهم، وبمغزى وجودهم الحضاري وبرسالتهم وبعظمتهم وبعالمية وانسانية ثقافتهم وحضارتهم. إن محاولات التقدم الماضية والحاضرة تعتور بعض جوانبها العيوب المستمرة نفسها.

هذه الحالة أعاقت ولا تزال تعيق وتقيد نشوء الوعي بحقوق الإنسان وبالقيم الديمقراطية واحترامها ونشوء القدرة الفكرية والعقلية على الإبتكار والإبداع، وبالتالي على تغيير الحالة المزرية هذه الى حالة أفضل.

وفي تناول الإشكال الفكري العربي ينبغي الوعي باختلاف مصادر تردي الحالة العربية. يجري ارتكاب خطأ حينما يرجع بعض المحللين المسؤولية عن هذا التردي إلى جهات فاعلة خارجية فقط، أو إلى جهات فاعلة داخلية فقط. ومن الخطأ أيضا أن يعمم، كما يفعل بعض الدارسين، الانحطاط العربي الراهن على القسم الأكبر من التاريخ العربي.

ولعل من عيوب الخطاب الفكري العربي أنه يفتقر إلى الشمول. فهو لا يتناول جميع المسائل والاحتياجات الاجتماعية والقومية والنفسية الضرورية التي يحتاجها الفرد العربي. وبالتالي لا يسهم الخطاب العربي إسهاما كافيا في تبيان وتحليل بعض المشاكل التي يوجدها عدم تلبية هذه الاحتياجات. ومن هذه المسائل قضايا الحب في سن المراهقة ومقتبل العمر قبل الزواج ومسألة وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والمستوى الفكري والديني والعلمي للخطباء في المساجد. وبالنظر إلى أن الثقافة العربية هي الى حد كبير ثقافة التستر والتكتم والكبت فقليل من الناس لديهم الجرأة الادبية والنفسية على تناول هذه المسائل.

وتختلف الكتابات العربية بعضها عن بعض في مدى تعبيرها عن الواقع العربي وفي نسبة الموضوعية والذاتية في تكوينها. قسم من هذه الكتابات عبارة عن طرح ذاتي لا يمت الى الواقع بصلة كبيرة، يعكس آمالا وأماني وأحوالا نفسية. وقسم لا يستهان به كتابات تتسم بالموضوعية ويتسم طرحها بالوصف والتحليل والتنبؤ على نحو عقلي. وليس من الصحيح ما كتبه محمد عابد الجابري أن الخطاب العربي المعاصر فارغ أجوف، منفصل دائما عن الواقع وأنه كان في جملته ولا يزال "خطاب وجدان وليس خطاب عقل ... لقد كان ولا يزال يعبر عما "يجده" الكاتب العربي في نفسه من انفعالات إزاء الأحداث، وليس من منطق هذه الأحداث". وفي هذا السياق تعتور كتابات الجابري نفس العيوب – من التعميم والتعصب والمغالاة في الحكم والكتابة على نحو غير عقلاني أحيانا – التي يحذر هو القارئ منها.

وفي الحقيقة أنه لا يوجد خطاب عقلاني مائة بالمائة في الكتابات الأدبية وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي الكتابات الفلسفية بالنظر إلى أنه لا يمكن فصل العنصر الذاتي عن العنصر الموضوعي في الخطاب. وهذه الظاهرة نجدها في قسم من الكتابات الغربية. وذكر حقيقة وجودها في كتابات غربية ليس المقصود به أن يكون للعرب عذر عن وجودها في كتاباتهم. يقصد بهذا الذكر القول للذي يتعالى على الفكر العربي على أساس انطلاقه من توهمه بأنه لا توجد سوى كتابات عقلانية القول إن ذلك الإنطلاق خاطئ.

وحتى تحرز مجتمعات التقدم فيجب أن يتناول خبراء العلوم الاجتماعية المسائل والمشاكل المقترنة بتحقيق التقدم. يجب أن يراعي علماء الاجتماع حالة المجتمع وخصوصياته الثقافية والتاريخية. إن كثيرا من المفاهيم التي تعرقل تحقيق التقدم، من قبيل النظام الأبوي (البطرياركي) والقبلية والطائفية، مفاهيم لا يمكن التصدي لها إلا بحل المسائل بطرائق علم الاجتماع وعلم النفس وعلم السياسة لأن هذه المفاهيم تتضمن عناصر اجتماعية ونفسية وسياسية.

والمسائل الثقافية ليست مسائل ثانوية ولكنها مسائل جوهرية. فهي ترتبط بطبيعة العلاقة بين شرائح المجتمع، وبين المجتمع والدولة والحكومة. فلا توجد تقريبا مسألة ذات صلة جوهرية بطبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة ليست مسألة ثقافية بطبيعتها: الأمية والعمل والتعليم والقيم والأخلاق ومسائل المرأة واللغة والتعليم وانعدام قدر كاف من التنظيم والتخطيط ومسائل أخرى كثيرة مسائل ثقافية.

ومن الصحيح والواجب من المنظور القومي والإنساني والديمقراطي أن يكون للمفكرين والعلماء والمتخصصين دور مهم في عملية صنع القرار وذلك لأن لديهم الاختصاص ذا الصلة المهنية والتخصصية بموضوع القرار السياسي ولأن من الأفضل أن يتوفر من ناحية التوصل إلى القرار الصحيح منظوران أو أكثر على توفر منظور واحد، هو منظور المتولين للسلطة الحكومية، وأيضا لأن من الأفضل أن يساهم في صنع القرار أشخاص تقل مصلحتهم في الموضوع الذي يتخذ القرار بشأنه.

ولنمو وازدهار الثقافة والفكر يجب أن يتوفر الفضاء السياسي والفكر المتمتع بقدر كبير من الحرية الذي يتسع لمختلف الاتجاهات الفكرية في شتى المجالات. وفي هذا الفضاء يمكن لهذه الاتجاهات أن تتحاور وتتفاعل فيما بينها.
وللمفاهيم في شتى المجالات ديناميتها، لأن تلك المفاهيم متفاعلة فيما بينها ولأنه يحدث تفاعل بينها وبين العقل في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية المتغيرة.

وكثير من الأفكار والقيم الغربية التي دخلت المجتمعات النامية أدت إلى هدم أو تغيير قسم من بُنى الفكر والمواقف والسلوك أو إلى تشويش سلاسة أداء تلك البُنى لوظائفها. وقد أسهم هذا الهدم والتغيير في منع استمرار التطور الاجتماعي السلس العادي الطبيعي لتلك البُنى. وأدى ويؤدي هذا المنع في حالات كثيرة الى ردود فعل عكسية.

ولا يمكن إحراز التقدم الذي ينشده الناشدون منا في مختلف مناحي الحياة إلا بتحقيق شروط، ومن هذه الشروط عدم القفز على الواقع وتجاهله بل التعامل العقلي المدروس معه على نحو هادف إيجابي نشيط لتحديد الذات ورؤيتها وتأكيدها وتعزيزها لتصنع تلك الذات تاريخها ولتسهم في صناعة تاريخ العالم. ومن هذه الشروط أيضا تحقيق الحرية: الحرية السياسية والاجتماعية والفكرية، حرية الفرد في قراره واختياره وأفعاله، وذلك ضمن القيم العليا التي يأخذ بها المجتمع ومصالحه. وفي الواقع أن الحرية الفكرية في شتى المجالات في كثير من البلدان يقوم بتقييدها الذين يتولون السلطة الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية غير الحكومية، من قبيل التقاليد والعادات.

ولإحراز التقدم لا بد من التحرر من القيود الفكرية التي فرضها علينا الذين انتحلوا لأنفسهم صفة المفسرين والمقررين لحدود حيزنا الفكري في مختلف مجالات الحياة. إن التقييد الفكري يزيل إمكانية الإبداع الفكري الضروري لإحراز التقدم. فإحراز التقدم يتطلب توفر القدرة الفكرية على التصدي لحالاتنا الإشكالية التي تمنعنا من السير قدما بحياتنا وكياننا وعلى تشخيص أدوائنا وعلى القيام بعلاجها. ولن تتوفر هذه القدرة الفكرية بدون تهيئة الحرية الفكرية.
وللعرب في الوقت الحاضر دور سلبي في صناعة التاريخ. لا يسهمون إسهاما إيجابيا في صناعة التاريخ. التاريخ يقرر مصيرهم وواقعهم. وتقوم أسباب في قلة التاثير العربي في التاريخ. ومن أسباب ذلك، كما أسلفنا، أن الأمة العربية خضعت ولا تزال خاضعة لأدواء اجتماعية وثقافية ونفسية داخلية ولضغوط جهات فاعلة أجنبية.

ومما ساعد تلك الجهات على تحقيق أهدافها أنها داهمت العرب وهم يفتقرون إلى القدرة على السيطرة على حالتهم السياسية والثقافية والاقتصادية ويعانون من الحكم الأجنبي، وان العرب واجهوها وهم بدون وحدة النظرة السياسية الاجتماعية الاقتصادية وقبل أن يتحدوا اتحادا فدراليا أو كونفدراليا.

وثمة تفكك في المجتمع العربي، ويكاد هذا التفكك ان يتخذ سمة الانتحار الجماعي. ومن أسباب هذا التفكك المغالاة في النزعة الفردية، والاستبداد السياسي والريبة القوية بين الحكام والمحكومين، والاحتقان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وسخرية أفراد الشعب من المتولين للسلطات في مختلف المجالات الذين لم يثبت سلوكهم للشعب أنهم يحترمون ما ينادون به ويدعون إليه، وعدم اقامة العدالة الاجتماعية والتعرض للحكم الاجنبي والخضوع للحكم العثماني، وغلبة القيم القبلية والطائفية الضيقة الافق وغلبة النظام الذكوري الأبوي.

ولإحراز التقدم ينبغي ليس فقط توكيد دور العلم في هذا الإحراز ولكن توكيد استقلال العلم من منظوره عن مؤسسات أخرى.

ولإحراز التقدم من اللازم أيضا إيجاد مسافة بين الذات والموضوع. أعرب هشام جعيط عن الرأي في أنه "يتطابق قلب الإسلام والعروبة (في المشرق) مع ذاته تطابقا له من الكمال والارتباط بالماضي ما يجعله يعجز عن رؤية ذاته ورؤية ذلك الماضي".(3) وكتب جعيط أنه "بما أن شخصية المغرب ممزقة فعلا فقد أفرزت مسافة تجاه الذات، وهي بذلك حررت نظرتها إليها، وهو الشرط الضروري لكل حقيقة".(4)
وللفكر المجرد أبعاد مختلفة. وهذه الأبعاد تتيح القيام بالاختيار عند الهبوط بالفكرة المجردة إلى مستوى أقل تجريدا وأكثر تحديدا، إلى مستوى التفاصيل والجزيئيات. وإمكانية الاختيار هذه تتيح للشعب العربي أن ينتقي من الأفكار المجردة التفاصيلَ والجزيئيات التي تساير نمط العيش الذي يريده وتساير الجوانب الطيبة الإيجابية – من منظور الشعب العربي – في الحضارة العالمية المعاصرة، وتحقق التقدم الذي ينشده. وبعبارة أخرى، عن طريق التهيئة الاجتماعية والثقافية والنفسية المقصودة يمكن للعرب أن يختاروا من الأفكار المجردة التفاصيلَ التي تساير مضامينُها ومفاهيمها ما يريده العرب من التقدم.

ويتطلب إحراز التقدم توفر إجماع شعبي أو شبه إجماع شعبي على استصواب الأخذ بالسبل والوسائل الكفيلة بالتقدم. وبالنظر إلى الانفصال الكبير القائم بين الدولة والمجتمع في العالم العربي – وهذه الحالة قائمة على تباين في كل أنحاء العالم - فمن بالغ الصعوبة تحقيق ذلك الإجماع أو شبه الإجماع على تلك السبل والوسائل.

وفي ظل هذه الحالة التي تتضمن عوامل تعيق الإحراز التام للتقدم يمكن تحقيق قدر من التغير وبعض جوانب التقدم، ولكن لا يمكن تحقيقهما التام. في ظل الظروف القائمة لا يمكن تحويل الإمكان العربي الحبيس إلى حقيقة واقعة وسيظل الإمكان العربي مقيَّدا. ولن يحقق الإمكان العربي إلا بإزالة تلك العوامل.

وفي وجود هذه الحالة – حالة التخلف – للعامل العقلي أثر كبير. في هذه الحالة ثمة ارتباط وثيق بين النفس والعقل، وثمة تأثر وتأثير بينهما. والعامل العقلي في وجود حالة التخلف هذه أصبح عاملا عقليا-نفسيا وعاملا نفسيا.

وتحقيق التقدم العربي، أو تحقيق التقدم لدى شعوب العالم الثالث، يتطلب إجراء التغيير الثقافي. ليس من السليم، من المنظورين القومي والإنساني، أن تقحم ثقافة شعب على أجواء ثقافة شعب آخر، كما حدث في حالة الثقافة العربية. ورافق هذه الحالةَ التقاطُ بعض الليبراليين العرب مركبات ذهنية ونفسية معينة من فضاء الفكر الأوروبي وبثوها في الفضاء الثقافي العربي بدون محاولة التحقق من استعداد العرب لقبولها ومن ملاءمتها للاحتياجات العربية.

والتغيرات التي تجتاح بسرعة العالم كله لا تتخطى ولن تتخطى العرب. ومن هذه التغيرات أن أجزاء العالم تترابط بعضها ببعض ترابطا إلكترونيا. وتنطوي هذه التغيرات على فقدان العرب لجوانب من ثقافتهم وطرق حياتهم. وينبغي للعرب أن يضعوا التخطيط لتنميتهم وسلوكهم حتى يحسنوا تحقيق أكبر قدر ممكن من إدارة التغيرات التي تجتاحهم وتفاجئهم.

وقد يمكن للعرب أن يروا ما يمر بحالة الاختفاء ولكن لا يمكنهم أن يتنبأوا بكل ما سينشأ. وتكمن في عدم الإمكانية هذا معضلة وذلك بالنظر إلى أن التغيير والاختفاء يتطلبان بناء الجديد، ومن الصعب القيام بهذا البناء بينما لا يدري المرء، بسبب الغموض الذي يكتنف الحياة والظروف التي نعيش في ظلها، ما يختفي على وجه الدقة وما ينشأ الآن وسينشأ. والغموض من دواعي الإثارة والقلق دائما. والتحدي الذي يواجهه العرب وسائر الشعوب النامية أكبر بالنظر إلى أنهم يخضعون للتأثير والتغيير أكثر من مساهمتهم في إحداثهما.

وطيلة العقود الستة الأخيرة أمكن تبين اتجاهات فكرية ونظرية مختلفة لدى العرب. ومن الاتجاهات الرئيسة الاتجاه اللاتاريخي والحداثي التابع والتبريري والتوفيقي والوضعي والعلمي والعقلي. ولهذا الفكر النظري تجلياته على تفاوت في الاقتصاد والأدب والفن والتربية والثقافة والحياة العسكرية. ومما لا ريب فيه أن قسما من هذه الاتجاهات، من قبيل الاتجاهين العلمي والعقلي، يدل على التقدم من الناحيتين المنهجية والموضوعية. وحتى يكون لنا إسهام في الحضارة العالمية ينبغي لنا ألا نكتفي بالتقليد وأن ننهج المذهب العقلي والعلمي والنقدي إزاء الأفكار والمذاهب الأجنبية، مسترشدين برؤانا وبرسالتنا وباستراتيجيتنا العليا.
ومن الجوانب المثيرة والعجيبة لدى البشرية ما يمكننا أن نوجده ولم يوجد بعد والقدرة البشرية على استكشاف جوانب من الطبيعة والكون لم يتمكن بشر قبل هذا العصر من استكشافها.

(1) William Kornblum, Sociology in a Changing World (New York: Holt, Rinehart and Winston, 1988), p. 85.

(2) Ibid.

(3) هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي. نقله إلى العربية المنجي الصيادي. (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1990)، ص 7.

(4) نفس المرجع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى