الاثنين ٢٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم فيحاء عبد الهادي

المرأة العربية بين الشرق والغرب ـ تراجع أم تقدم؟!

ما هي صورة المرأة العربية في المنظور الثقافي الغربي؟ وما هي صورة المرأة العربية في وسائل الإعلام العربي؟ وما هو دور المرأة العربية في رسم سياسات الثقافة العربية؟ كانت هذه هي محاور الندوة، التي أقيمت بمقر منظمة اليونيسكو- باريس، يومي: 8-9 حزيران 2005، من تظيم اللجنة الاستشارية لخطة تنمية الثقافة العربية (أرابيا)، التي تندرج خطتها لتنمية الثقافة، في صلب رسالة اليونيسكو، المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين، بالعمل عن طريق التربية والثقافة والعلم، على توثيق عرى التعاون بين الأمم، لضمان الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات السياسية للناس، دون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الدين أو اللغة، كما أقرها ميثاق الأمم المتحدة لجميع الشعوب.
برزت من خلال الندوة بعض القضايا، التي يجدر طرحها للحوار، وعلى رأسها قضية بدت متناقضة: تحدث بعض المشاركين عن تقدم ملموس في وضع المرأة العربية، وتحدث بعضهم الآخر عن تراجع جلي لوضع المرأة العربية. فأين الحقيقة؟! هل تراجع وضع المرأة أم تقدم في القرن الحالي؟! وهل نستطيع الحديث عن امرأة أم أن الأصح أن نتحدث عن نساء؟

يتمسك أصحاب الرأي القائل بتقدم وضع المرأة، بما هو معروف من إيجابيات، بالنسبة لازدياد مشاركتها في الحياة العامة. بينما يتمسك أصحاب الرأي القائل بتراجع دورها، بالظواهر السلبية التي تصاحب التقدم.

أما النظرة الموضوعية، التي أتبناها، فتضع الظاهرة ضمن سياقها، وتحاكمها بما قدمت، ولا تتبنى الأحكام المطلقة، فالتقدم في وضع شائك كموضوع المرأة، لا يكون صاعداً على طول الخط. هو نضال عنيد تخوضه النساء، مع الرجال المؤمنين بقضية المرأة، وليس منّة من الحكومات العربية؛ لذا فهو معرض للهبوط والصعود، ويمكن أن يشهد تراجعاً مؤقتاً يتبعه صعود، أو تراجعاً يحتاج وقتاً طويلاً، كي يترسخ في الحياة الاجتماعية العربية.
ومن الضروري من أجل ترسيخه، أن يتجسد هذا التقدم، في قوانين وتشريعات، تحمي هذا التقدم، وأن تتبناه القواعد العريضة من النساء، كي تكون له قابلية الحياة والاستمرار. فما الفائدة التي تتحقق للنساء، حين يشرع قانون أحوال شخصية تقدمي، دون أن تتبناه غالبية النساء؟!

من هذا المنطلق، نستطيع فهم ما يبدو متناقضاً في وضع المرأة العربية أحياناً. نرى التقدم والتراجع يتصارعان معاً، حيث الغلبة للنضال في سبيل تثبيت المطالب أحيانا، ولتوازن قوى المجتمع أحياناً أخرى. في مصر، صاحب تقدم وضع المرأة - على الصعيد الاجتماعي الذي تمثل في رفع الستار عن موضوع ختان البنات، وصدور إعلان القاهرة الذي جرَّم هذه الظاهرة - تشريع قانون العمل الموحد الجديد، الذي انتقص من حقوق المرأة كأم، في موضوع الإجازات، وانخفاض مشاركة المرأة المصرية في البرلمان المصري. وفي الوقت نفسه، حصلت المرأة على حق تطليق نفسها، وحصل أطفال المصريات المتزوجات من أجانب، على الجنسية المصرية. وشكل افتتاح محكمة الأسرة في آذار 2004 أملاً لإنصاف المرأة المصرية.

وفي الأردن، تعدل قانون الانتخابات، ليتيح للمرأة مشاركة أوسع، حيث أتيح لست نساء الدخول إلى البرلمان، كما عينت سبع نساء في مجلس الأعيان، وخصصت في الوزارة الأردنية ثلاثة مقاعد للسيدات، بالإضافة إلى تعيين امرأة كناطق رسمي باسم الحكومة، التي تحمل الآن أيضاً حقيبة وزارة للثقافة؛ وفي الوقت نفسه، رفض المجلس النيابي التعديلات التي أدخلتها الحكومة على قانون العقوبات، لتشديد العقوبة على مرتكبي جرائم الشرف. بالإضافة إلى عدم إقرار قانون منح الجنسية لأبناء الأردنيات.
وفي فلسطين، وبالرغم من تعاظم مشاركة المرأة الفلسطينية، في مجال المشاركة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية: في سوق العمل المأجور، وسوق العمل غير الرسمي؛ إلا أن تمثيلها في مواقع صنع القرار، ما زال متدنياً، كما أن نضالها من أجل وضع قانون أحوال شخصية ينصفها، ما زال متعثراُ، ولم تستطع أن تضمن تدخلاً إيجابياً لها (كوتا) في المجلس التشريعي، بالرغم من ضمان تدخل إيجابي لها، في المجالس البلدية.

لا نستطيع الحديث عن نساء، تحملن السمات نفسها، في أنحاء الوطن العربي كافة؛ لكنا نستطيع الحديث عن سمات متقاربة للنساء، في الوطن العربي.
ورغم التقدم النسبي الذي أحرزته النساء، في مجالات متعددة؛ إلا أنهن يعانين معاناة مزدوجة: معاناتهن كمواطنات عربيات، تحملن هموم شعوبهن العربية، وآلامها وآمالها، ومعاناتهن كنساء، تعانين التمييز بسبب جنسهن؛ الأمر الذي ينعكس من خلال قوانين غير منصفة، تضعهن في موقع التابع لا الشريك، ما يضعف إمكانية استفادة الوطن من خبراتهن وطاقاتهن.

ما زالت النساء تناضلن على جبهات عديدة: جبهة الفقر والتخلف، وجبهة الحريات التي لا تتجزأ، والتي تشتمل على حريتهن كنساء، تلك الحرية التي تقتضي النضال بشكل أساس، لتطوير قانون الأحوال الشخصية في البلاد العربية، والمشاركة في النظام التنفيذي، والتشريعي، والقضائي، والإدماج في خطة التنمية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى