الأحد ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٨
بقلم جمال سلسع

كلمة المهرجان العاشر

على أيِّ مكانٍ سأضَعُ لُغَةً، لا تَتَذَوَّقُ حروفُها
جدائِلَ الشمسِ؟ هل سأضَعُها على الجَبَلِ الذي
نقَشَهُ بلفورُ، غابَةً منَ الدماءِ؟
أم على اليمامِ الذي إختَطَفَ هَديلَهُ ترامب؟
وما بينَهُما عَهْدٌ جديدٌ، عَهدُ التَميمي، تعرِف
أنَّ الأرضَ لَها لغةٌ واحِدَةٌ. صوتٌ يرفضُ
ذُلَّ السوط. أحملُ لغتي هذهِ داخِلاً
من رصيفِ الإغتِراب، إلى حضورِ
المَذبَحَةِ، لأعيدَ شالَ أمِّي إلى لونِهِ وتُراثِهِ.
يَدورُ بي الوقتُ على عَجَلَةِ الدَمعِ، وأنا لا
أدورُ إلاَّ على ذاتي! فلا يُسعِفُني غيرُ ضَبابٍ
يَبْحَثُ عن وضوحِ ذاتِهِ! لأنَّني بلا وقتٍ يُلاشي
ظِلالَ هزيمةٍ، فوقَ صهيلِ المَرحَلةْ!
ولا أزالُ أرى وطني دَمْعَةً في كفي، وكفي
لا يرى سُنبُلَةَ قَمحٍ، في غِيابِ البوصَلَةْ!
ماذا جرى لحقولِ الروحِ؟أينَ عُشْبُ تاريِخِها؟
تَرَكَها حارِسُ المدينَةِ، أرمَلَةً في أزقَّةِ القُدس!
أينَ جِرارُها العتيقَةِ؟ لا زيتَ فيها يُضيءُ قنديلَها!
فَماذا عليَّ أن أبوحَ؟ والصمتُ علَّقَ غيابَ الزيتِ،
على أسماءٍ غريبَةٍ،تَجتازُ أسمائي وتُلغيها!
وجُرعَةُ الحُلمِ فينا جائِعَةٌ، وجِرارُنا دمعٌ،
وتارِيخُنا عِتابٌ! تَضيقُ بي الطريقُ، أمامَ
ساحَةٍ واسِعَةٍ من مَراحِلِ الجُلْجُلةِ! ولا شيءَ
في يدي سوى غيمَةٍ تاهتْ عن طَريقِها!
ولا شيءَ في وطَني، سوى أرضٍ أتعَبَها
النِداءُ على عُشَّاقِها! فَكيفَ لا يأوي إليها
سوى أحفادِ بلفور؟ يَضيعُ من يدي سحابٌ،
خبَّأتْهُ جَدَّتي كوصيَّةٍ في تُرابِ روحِها.
يُطارِدُني اغترابٌ، يَتْرُكُ صحراءَ تَستوطِنُ
الوصيَّةَ والتُرابَ والشمس!
وما زالت الأرضُ في حدودِ دمي،وحدودي
ضاعت على تَفاصيلٍ، وجَدتْ متاهَتِها في
مَذاقِ روحِها! فلماذا العتابُ يُرافِقُ جُرْعَةَ
الحُلمِ الجائِعةِ؟ ودمي على الطُرقاتِ، يُبَلَّلُهُ
خَجَلُ القَصيدَةِ، لأنَّهُ لم يَعُد يَعرِفُ المسافةَ،
ما بينَ الصُبحِ والمَكان!
فَلماذا البُكاءُ إذن، على وعودٍ تَركناها تنقَشُ
المذابِحَ فينا دَمعَةً دمعةً، وما تركنا لحظَةً
إلاَّ وكانتْ وسادَةً، نختَطِفُها من الوقتِ، لنستريحَ
عَليها من غُبارِ همومِنا! وما استراح الضميرُ
فينا يوماً! ولا يزالُ الوقتُ يَخطُفُنا حِكايَةً، عن
صباحٍ أصبَحَ رماداً، وعن مكانٍ تركناهُ في
غابَةِ النسيانِ!
جيلٌ خلفَ جيلٍ يقِفُ في عراءِ الحقيقةِ، وأمامَهُ
اغتِرابُ المُدِنِ، وفُصولِ المَذبَحَةِ، ولا يَقِفُ
مع ذاتِهِ،يُفَتِّشُ عن ألقٍ في ساعديهِ! والشاعِرُ يَقِفُ
في عَراءِ الوطَنِ،مشحوناً بِكلِّ أبجديَّاتِ البوحِ
والجُرحِ، يُفَتِّشُ عن ذاتِهِ وهمومِهِ، ما بينَ
الأفاعي والغَمامِ، فيدخُلُ من رَصيفِ الإغتراب،
إلى حضور المذبحَةِ، ليُعيدَ شالَ أمِّهِ إلى لونهِ
وتُراثِهِ، فيَهزُّهُ نخيلُ الكلماتِ، فأسمعُ صوتَ ذاتي
"لا تزالُ عاليةٌ سماءُ الأدبِ، ومنخَفِضَةٌ أرضُ
السياسةِ، فلماذا يقتاتُ الفُتاتِ الأدباءُ، وتَزدَهِرُ
على طاوِلَةِ السياسةِ، كلماتٌ لا ترتقي إلى أبجديَّةِ
شَمسٍ،تبوحُ في التوتُّرِ الدلاليِ الثقافيِ، للأدباءِ
والشُعَراءِ؟ فكيفَ أقومُ على شفَّافيةِ الروح،
ألملمُ خطوةَ الرعدِ القادمةِ؟
يا ويحَ قلبي! كيفَ تختبئُ الحروفُ؟. وهيَ الضميرُ،
وأنتَ صبحُ كَلاَمِها! أنتَ القِراءَةُ لمَّا تذوي
الأبجديَّةُ بينَ أوجاعِ الفصول!
نحنُ ساهِرونَ ومصابيحنا مشتَعِلَةٌ، تُرافقُ
عودةَ الوطنِ، من ظلاميَّةِ الوقتِ،
وبينَ يديّهِ القدس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى