الأحد ٤ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم جميل السلحوت

رواية «فيتا» وصراع الحياة

صدرت رواية "فيتا" للأديبة الفلسطينيّة ميسون أسدي قبل أيّام، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها لوحة "الأرملة" للفنّانة فيتا تانئيل في 140 صفحة من الحجم المتوسّط.

الأديبة ميسون أسدي أديبة فلسطينيّة، مولودة في دير الأسد في الجليل الأعلى، صدر لها عدّة مجموعات قصصيّة وروايات، وعشرات القصص الموجّهة للأطفال. تعمل الكاتبة ميسون الأسدي باحثة اجتماعية.

اسم الرّواية: جاء في الصفحة 127 من الرّواية على لسان بطلة الرّواية "فيتا" أنّها :" قرّرت أن تكتب رسالة لأفراد عائلتها الذين تركتهم بعيدا في مدينة خيرسون الأوكرانيّة. أرادت أن تكون رسائلهاعبارة عن لوحة فنّيّة، يختلط فيها الفنّ الواقعيّ بالسّرياليّ، رسالة تصالح فيها نفسها مع نفسها، وكأنّها تقول بحماسة شديدة:" لن أكون بعد اليوم أنا عدوّة أنا."

الواقعيّة الاشتراكيّة: من يطلّع على كتابات ميسون الأسدي سيجد أنّها كاتبة واقعيّة، تستمدّ مضامين قصصها ورواياتها من تجاربها وخبراتها العمليّة، مستفيدة من دراستها لعلم الاجتماع، وعملها كباحثة اجتماعيّة، وأديبتنا المولودة في قرية دير الأسد في الجليل استفادت من ثقافتها وتأثّرها بالأدباء السوفييت الذين أهدتهم روايتها؛ لأنّهم "تركوا أثرا وإرثا إبداعيّا في روحي" –حسب تعبيرها-. وهذا التّأثير الثّقافي جعلها تفصح عن مكنونها فتقول:" مع تطوّر وعيي، أصبحت أشعر بوضوح أنّني أنتمي لهذا الكون وليس إلى مكان محدّد." ص 5. وهذا يعني أنّ الكاتبة قد تخطّت حدود الانتماء القومي والدّيني إلى الانتماء الانسانيّ الأمميّ.

وبهذا البوح فإنّني أعتقد أنّ الكاتبة وجدت لنفسها مبرّرا لكتابتها هذه الرّواية عن مهاجرة أوكرانيّة تركت مسقط رأسها، وهاجرت من بلادها ومسقط رأسها أوكرانيا إلى اسرائيل، ولما اكتشفت زيف الدّعاية الصّهيونيّة المضلّلة ما لبثت أن عادت إلى بلادها الأصليّة. وكذلك الأمر بالنّسبة لروايتها "تراحيل الأرمن" التي تتحدّث عن مأساة الأرمن وما تعرّضوا له من مذابح وترحيل جماعيّ على أيدي العثمانيّين.

وإذا ما عدنا إلى رواية "فيتا" التي نحن بصددها فإنّه يتأكّد لنا من جديد أنّ أديبتنا كاتبة واقعيّة تستمدّ مضامين كتاباتها من تجاربها الحياتيّة، فلوحة الغلاف والرّسومات الدّاخليّة بريشة "فيتا تانئيل-حيفا"، وبطلة الرّواية فنّانة تشكيليّة اسمها "فيتا" والكاتبة تعيش في حيفا أيضا، فهل روت لنا الكاتبة قصّة حقيقيّة لحياة فيتا الفنّانة صاحبة لوحة الغلاف والرّسومات الدّاخلية؟ وفي تقديري أنّ هذا ما حصل، مع أنّني لا أجزم بذلك.

و"فيتا" بطلة الرّواية ولدت في أوكرانيا من أب سكّير وأمّ مغلوبة على أمرها، وجذورها يهوديّة مع أنّها لم تتربّ على القيم اليهوديّة، عانت من وضع أسرتها الفقيرة، ومن علاقة غير سويّة مع والديها وشقيقها وشقيقتها، هاجرت إلى اسرائيل في بداية شبابها، بعد أن جرى تضليلها من قبل ناشطي الوكالة اليهوديّة، سكنت حيفا والتحقت بمعهد لدراسة الفنّ التشكيليّ، عانت كثيرا في حياها، ارتبطت بعلاقة مع شابّ عربيّ، ما لبث أن تزوّجها، وأنجبت منه واعتنقت الدّيانة الاسلاميّة ليجنّبا أبناءهما الخدمة في الجيش الاسرائيليّ. ومن ضمن ما عملته هو أنّها قامت برسم سيّدة ترقد في مستشفى مقابل أجرة مُرضية، لتكتشف أن صور اللوحات المعلّقة في ردهات القسم الذي ترقد فيها المرأة العجوز كانت هديّة من تلك السّيدة العجوز، والتي توفّيت قبل أن تنهي "فيتا" رسمتها، ولتترك تلك السيّدة أجرة الفنانة في مغلّف مع وصيّة لها تهبها فيها اللوحات الفنّيّة التي كانت تجمعها وتحتفظ بها في خزانة مغلقة في بيتها. ولا تلبث الفنّانة أن تعود بصحبة زوجها وابنتها إلى مسقط رأسها حاملة معها اللوحات الفنّيّة، لتعيد ترميم بيت أسرتها الذي ولدت فيه، وترتّب حياتها من جديد.

ويلاحظ القارئ لهذه الرّواية أنّ كاتبتنا تتحلّى بثقافة فنّية تشكيليّة بائنة، يظهر ذلك جليّا من خلال الكثير من الأسماء لفنّانين عالميّين مثل دافنشي وسالي وغيرهما، والكثير من أسماء اللوحات الفنّيّة العالمية وبعض القصص الفنّية. ولا أعلم إن كانت الكاتبة نفسها تمارس الرّسم التّشكيليّ أم لا.

البناء الفنّي: قامت الكاتبة بسرد روائيّ متسلسل لحكاية روايتها بلغة فصيحة لا ينقصها عنصر التّشويق، وكانت تغوص في نفسيّات شخوص روايتها بصورة مقنعة للمتلقّي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى