السبت ٢٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٨
مهنيون وباحثون يرصدون
بقلم أحمد المريني

الحضور الثقافي في الإعلام المغربي

بين الثقافة والإعلام علاقة تأثير وتأثر في المُجتمع وثقافته السائدة، رغم التطور المُتسارع والمُتزايد لوسائل الإعلام. وللبحث عن حجم الحضور الثقافي في وسائل الإعلام المغربية، نظم المركز الإعلامي المتوسطي بفضاء جامعة (نيو إنكلند الأمريكية) بمدينة طنجة (شمال المغرب)، ندوة فكرية حول موضوع حظ الثقافة في وسائل الإعلام المغربية. شاركت فيها أوساط إعلامية مغربية مختلفة، مكتوبة وسمعية بصرية وإلكترونية. للوقوف على واقع الاعلام الثقافي وظروف اشتغاله، لتحديد حجم الإكراهات والأعطاب المهنية التي تعترض الإعلام الثقافي.

وفي أثناء رصد التجارب المهنية لمختلف المنابر الإعلامية المغربية المختلفة، قاربت المداخلات الموضوع من زوايا مختلفة، في محاولة لخلق إعلام ثقافي جاد يعاني من التغييب تارة والتفاهة والتحقير تارة أخرى... وأكدت المداخلات على الوضع المتردي للمادة الثقافية ضمن الحضور العام لباقي المواد الإعلامية. إذ تحتل أسفل سلم الترتيب، وتغيب في مناسبات عديدة لتفتح الفرصة أمام أنواع أخرى من المواد سواء في الإعلام الإلكتروني أو الورقي أو السمعي البصري.

وهكذا أجمع المتدخلون على الحضور اليتيم للمادة الثقافية داخل المؤسسات الاعلامية، إلا أن الأزمة وصفت بالمركبة ولا تعدو أن تكون انعكاسا للخطاب السياسي والثقافي للأحزاب، مشيرين الى غياب سياسة ثقافية رسمية تسعى الى بناء الانسان المغربي المتسلح بالمعرفة، وما يليها من غياب إرادة المؤسسات الصحافية، والتكوين الصحفي المشتغل بالمجال وإرادة الإدارات المؤسساتية الثقافية.

ويفسر هذا التغييب بحسب وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج الذي حضر فعاليات هذه الندوة ، أن الثقافة تحولت إلى وضع استجداء الآخر لإحراز المكانة اللائقة بها في الأصل، فهي تحتاج إلى المحاججة والترافع كي لا تنزوي في الظلّ. لأن رصد تلك العلاقة يطرح صعوبات، يضيف الأعرج رغم الجهود المبذولة في هذا الاتجاه منذ سنوات عديدة.

ولما كان الوضع السليم هو أن تحتل الثقافة مكانة لائقة لغناها الثقافي بالمغرب، عبر إيجاد نماذج ناجحة تجمع بين الجماهيرية والتبسيط والإقبال والتبسيط. فقد أكد الوزير الأعرج أن الموضوع يكون أكثر جدلية حين يلامس الإعلام، واستحضار حاجة الإعلام والثقافة لبعضهما البعض، فالإعلام يحتاج إلى الجماهيرية ليحافظ على وجوده الاقتصادي، وهنا تكمن الإشكالية التي يجب إيجاد حلول مستعجلة لها، بالانتقال من النخبوي إلى الجماهيري.

وسجل عبد اللطيف بنصفية، الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، ضعف حضور المنتوج الثقافي في البرامج التلفزية المغربية الذي يجمع بين الترفيهي والثقافي. لكنه أرجأ الحكم على الموضوع قبل رصد الإنتاج في الحقل الإعلامي بالمغرب، وأوضح أن قطاع الصحافة المكتوبة بالمغرب اهتمت بالثقافة بصفة دائما، على شكل مواد متفرقة موزعة على أركان وملاحق ومجلات متخصصة.. وهذا الحضور يتنوع بين ما هو إخباري إبداعي، ونقدي وترجمات.. وفي هذا السياق كشف الشاعر صلاح بوسريف، المدير المسؤول عن مجلة الثقافة المغربية، أن الصحافة تأسست على الثقافة، ولم تكن دخيلة عليها كما حدث في مصر والشام. مذكرا بأول ملحق ثقافي بصحيفة العلم المغربية سنة 1947، موضحا أن الأحزاب استمدت قوتها من المثقفين الموجودين بها.

وخلال رصد تجربته الإعلامية بالمغرب وقفت مداخلة وزير الثقافة السابق بنسالم حميش، عند تجربته في ممارسة الصحافة الثقافية، متسائلا عن الدور الرئيس للتعليم. وانتقد المثقفين الذين " يلتقون دراميا" ويغلب على لقاءاتهم الخلاف العبثي والعلاقات الفاترة، مما أدى إلى إفراز كتاب ومثقفين أطلق عليهم "المعتزلة الجدد".

وفي مكاشفة أخرى قال الأديب ياسين عدنان ، المشرف على البرنامج التلفزي مشارف، أن برنامجه الثقافي الذي يرصد حصيلة الإنتاج الأدبي والفكري بالمغرب، معلق في الفراغ وغير مسنود بمنتج قوي ولا بقارئ يتلقى الكتاب ويبحث عنه في الأسواق. مما حول برنامجه إلى الحلقة الأضعف، الشيء الذي يفسر برمجته في وقت متأخر من الليل.

وفي محاولة لإيجاد حل للازمة، دعا المشاركون خلال اختتمام هذا اللقاء، إلى وضع استراتيجية للنهوض بالإعلام الثقافي، وتشكيل إطار جمعوي يضم الصحافيين الفاعلين في الإعلام الثقافي. ودعوا في نداء اختتمت به هذه الندوة إلى الانخراط الجيد في عصر الصناعات الثقافية. وتكثيف مناسبات الحوار والإنصات المتبادل بين الفاعلين المهنيين والمؤسساتيين. مؤكدين حرصهم على استقلالية الثقافة والنشاط الإعلامي/الثقافي. كما دعوا إلى استغلال الإمكانيات التي تتيحها تكنولوجيا الإعلام للنهوض بالمادة الثقافية. وحق الصحف في الدفاع عن مبيعاتها.

وقد أثيرت ردود فعل حول الموضوع من طرف المهتمين الذين حضروا فعالية الندوة، تمثلت في الاتفاق على دور الإعلام في تعزيز ونشر الثقافة، أي الدور التثقيفي الذي لا يتحقق إلا بواسطة وسائل إعلامية ملتزمة بقضايا مجتمعها، مدركة لمسؤوليتها الوطنية ودورها التنويري. غير أن محتواها من البرامج والموضوعات الثقافية ضئيل في الصحف المحلية، والبرامج المسموعة والمرئية. فرغم تعدد وسائل الإعلام يظل دورها الثقافي في تراجع مقارنة بالماضي.

ويرجع المهتمون التقصير في الحضور الثقافي في وسائل الإعلام، إلى عدم اهتمام المتلقي بالمادة الثقافية، وفقر المردود المادي من ناحية الإعلانات ودعم البرامج الثقافية. بالإضافة الى ما هو مرتبط بجودة المادة الثقافية وافتقارها للشكل الجذاب، وعدم تسويقها بما يراعي متطلبات الإعلام، كما يعود هذا التقصير إلى نقص في المتخصصين في الإعلام الثقافي.

وفي غياب ذلك يقتصر دور الأوساط الإعلامية على إعادة نشر ما أنجز سابقا بطريقة سيئة وضعيفة... دون رسم الخطط والاستراتيجيات الكفيلة في نشر الثقافة وبناء علاقة تكاملية مع وسائل الإعلام.


مشاركة منتدى

  • أظن أن مربط الفرس في أزمة الثقافة أمران اثنان:
    1- عدم التشجيع على البحث والتأليف بعدم دعم الكتاب ونشره إلا ما كان بمحاباة أو موالاة
    2- انعدام التسويق والعرض كما في دول أخرى بحيث يبقى الكتاب المغربي في الداخل وسوقه كاسدة وقراؤه قليلون أو منعدمون ومن ذلك أيضا مضايقات الضرائب والجمارك وغيرها في مجال استيراد الكتب ونشرها وتوزيعها وتيسيرها للقراءة والقراء

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى