الجمعة ٢١ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
قصة قصيرة :
بقلم أحمد الطيب اسماعيل

الليل والسَّحر

هو نفس الوجه الذى رأيته منذ سنوات فى زحام مدخل كلية التربية ، لبرهة كنظرة واحدة خاطفة ، بعدها اختفت تماماً وسط الزحام ، أستوقفتك قليلاً ، متأملاً بعينين تأهتين جموع الواقفين ، حبيساً تلك النظرة ، عدت بعدها إلى عالمك اللامبالى ، لطالما حاولت عادة النسيان أن تنسيك ....

هو نفس الوجه الذى ينظر إليك الآن يطالبك باجابة واحدة لسؤاله ، كانت هى أجمل ما تحلم به ، شعرت بإرتباك وأنت ترى ضوء حدقتيها العسليتين يسحبك ليُعيدك إلى الحياة ، بعد أن أوقفك اليأس ....

ترسم خطوطاً متعرجة فوق لوحتها ، لاتعرف ما يعنى ذلك ، تمر أحداث حياتها منذ رحيل أبيها إلى الآن ، لم تجرؤ فى يوم أن ترسم خطاً واحداً يعنى شيئاً لها .
هل ستسطيع أن تبدل حياتك وتعيد إليك نفسك ، بهذا فكرت وأنت تنظر إليها عند مأذنة الحسين ، كان زحاماً أيضاً ، ولكن فى هذه المرة كانت نظراتكما واثقة ، تحلمان سوياً وفى اللحظة ذاتها ، دائماً كانت تنظر إلى الأفق السماوى البعيد ، عيناها تدمعان عند الغروب تحلم بصباح جديد ...

الآن وقد اقتربت ، منذ رؤيتها لك وأنت تعبر الشارع وهى تعلم جيداً أنك قمت بهذا الدوران لتمر أمامها ، وحين أصبحت على مقربة منها ن التفتتْ إلى الناحية الآخرى متجاهلة وجودك ، وقفتَ قليلاً تعزى نفسك بأن التنافر الشديد يعنى على جانبه الآخر تجاذباً شديداً ، تركتها وفى منتصف الشارع تماماً ، التفت لتجدها تنظر إليك نظرة مبهمة حذرة ، تكمل سيرك متسائلاً هل يستطيع الانسان أن يضع كل نفسه خلف نظرة عينيه ناظراً بنفسٍ آخرى ؟! .

وأنتِ لا تعرفين لماذا أصابتك رعشة لحظية حين ألتقت عيناكما ، عاوتِ النظر إلى العربا المتسارعة ، تتذكرين وقت الغروب وقسوته على نفسك ، تتحسسين خاتم خطبتك لشخص آخر ، تشعرين بالرضا .

تستطيع الآن أن تلملم معطفك الذى سيقيك شتاءً بارداً طويلاً ، حتماً سترجع إليك عادة النسيان ، وتعود لتنظر نظرة لامبالية ، تُمضى الليل ساهراً ، تدخن فى شراهة ، ضاحكاً فى هيستريا تُدمع لها عينيك ، جاذباً شهقة عالية بلا معنى ....
أحمد الطيب إسماعيل
مصر ــ المنيا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى