الأربعاء ٩ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
مشكلة "من هو يهودي"

تدفع 8 بالمئة من اليهود الإسرائيليين للزواج في الخارج .

استفحلت في السنوات الأخيرة مشكلة عدم اعتراف المؤسسة اليهودية الإسرائيلية بمئات الآلاف ممن يعلنون يهوديتهم، ولكن يهوديتهم لا تتوافق مع تعاليم الشريعة التي يتبناها المتدينون المتزمتون، وهي المشكلة التي تواجهها إسرائيل منذ قيامها، ومعروفة باسم "من هو يهودي"، وتسيطر عليها المجموعات الأصولية اليهودية، المسيطرة بدعم الحكومات على المؤسسة الدينية الرسمية في إسرائيل.

فقد دلّت معطيات جديدة، ظهرت أخيرًا، ان 8% من اليهود الإسرائيليين، يضطرون في السنوات الأخيرة لعقد قرانهم خارج حدود إسرائيل، بسبب رفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهوديتهم، او بسبب التقييدات الدينية المتشددة على من يختار الزواج وفق المراسيم الدينية اليهودية، علما ان في إسرائيل لا يوجد قانون يسمح بالزواج المدني، وهو من أهم القضايا المدنية التي تواجهها كل حكومة، وتدور حولها أزمات ائتلافية جدية منذ سنوات طويلة.

وحسب المعطيات ففي إسرائيل حاليا 300 ألف يهودي ترفض المؤسسة الدينية اليهودية الاعتراف بيهوديتهم، لعدة أسباب، ومن بينها أنهم ليسوا من أمهات يهوديات بل من آباء يهود، وتعترف الديانة اليهودية بيهودية من أمه يهودية بغض النظر عن انتماء والده، كذلك ترفض المؤسسة الدينية الاعتراف بيهودية من تهوّد وفق الطرق الليبرالية الإصلاحية اليهودية الجديدة، خاصة خارج إسرائيل، ويُعد هؤلاء بمئات الآلاف في العالم، وأكثرهم في الولايات المتحدة.

ويسيطر على المؤسسة الدينية الأصوليون (الحريديم) الذين قبلوا بالكيان الإسرائيلي، خلافا لقسم آخر من الأصوليين، الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل لأنها قامت ليس وفق الشريعة اليهودية، التي تقضي بأن "قيام إسرائيل يتم بعد مجيء المسيح لأول مرة الى العالم".

وتقول المعطيات إنه منذ العام 2000 وحتى العام 2004 اضطر 32 ألف يهودي إلى عقد قرانهم خارج حدود إسرائيل، وبشكل خاص في قبرص، ومن ثم في روسيا الاتحادية وبلغاريا ودول أخرى، فالقانون الإسرائيلي يعترف بعقد زواج تم إبرامه خارج حدودها، وتتلاءم هذه المعطيات التي صدرت عن "مركز التعددية اليهودي"، مع معطيات دائرة الإحصاء المركزية، وتؤكد المؤسستان ان الوتيرة ارتفعت في العامين الماضي 2005 والحالي 2006، ولكن لا توجد بعد معطيات نهائية، ويشكل هذا العدد نسبة 8% من الذين تزوجوا في تلك الفترة، من بين اليهود في إسرائيل.

وفي إسرائيل عدة حركات مناهضة للإكراه الديني، تطالب بتخفيف القيود الدينية على اليهود، وإيجاد صيغة جديدة لتعريف "اليهودي"، من أجل حل أزمة مئات الآلاف من الذين يعرّفون أنفسهم يهودا، ولكن المؤسسة الدينية ترفض ان تعقد قرانهم، ومن بينهم من ليس لديه الأموال الكافية لسد النفقات المالية الباهظة لعقد قرانه خارج إسرائيل، وهم ينتظرون حلا لمشكلتهم منذ سنوات طوال.

وتقول عدة جهات يهودية وصهيونية في إسرائيل والعالم إن التشدد في تعريف "من هو يهودي" يساهم بشكل كبير في تقليص عدد اليهود في العالم (13 مليونا حاليا)، وتطالب هذه الجهات، ومن بينها الوكالة الصهيونية، بإجراء تغييرات في هذا التعريف، بهدف زيادة عدد اليهود في إسرائيل خاصة، إلا المتدينين يرفضون مثل هذا الأمر كونه مخالفا للشريعة اليهودية.

وتحتد الأزمة لدى المهاجرين اليهود الجدد في إسرائيل، الذين قدموا بمعظمهم من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتعيش غالبيتهم في ظروف اقتصادية سيئة، وهم على رأس المطالبين بسن قانون الزواج المدني، وتخفيف القيود الدينية.

وانعكس الأمر في الحملة الانتخابية البرلمانية المنتهية، وكان بند الزواج البند البارز في برنامج حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف، بزعامة العنصري افيغدور ليبرمان، كون هذا الحزب جذب أصوات غالبية المهاجرين الجدد، ليس بسبب ميولهم السياسية، وانما لأن الحزب رفع مطالب خاصة بالمهاجرين الجدد، وفي مركزها قضية الزواج المدني.

وطرح "يسرائيل بيتينو" مطلب سن قانون الزواج المدني في المفاوضات الائتلافية التي أجراها مع حزب "كديما" للانضمام الى الحكومة القادمة، قبل الإعلان عن فشل المفاوضات، وهناك سلسلة من المبادرات الخاصة لمشاريع قوانين في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) ولكن هذه القوانين تسقط سنويا بقوة الائتلاف الحكومي العلماني، المحكوم من الكتل الدينية المتشددة، ولم تنجح كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة في مواقفها من الأصوليين اليهود، في الدورة السابقة، في تحقيق أي انجاز في هذا المضمار رغم أنها كانت الشريك الأكبر في حكومة اريئيل شارون، ورغم ان الكتل الدينية المتشددة في المعارضة.

ولا يتوقع المراقبون أي تقدم في هذا المجال في الدورة البرلمانية الجديدة، خاصة وان الكتل الدينية ستكون هذه المرّة قوة حاسمة في الائتلاف الحكومي، وتسعى عدة اطراف لإيجاد حلول جانبية وليست مباشرة لحل أزمة "الممنوعين من الزواج" في إسرائيل، ولكن ليس بأي حال من الأحوال سن قانون للزواج المدني.

وكما ذكر فإن الغالبية الساحقة من "الممنوعين من الزواج" هم من اليهود المهاجرين الجدد الفقراء الذين ليست لديهم إمكانيات مالية في السفر الى الخارج لعقد زواجهم، ولهذا فإن الممنوعين من الزواج يشكلون 55% فقط من الذين يعقدون قرانهم في الخارج، أما الباقون، 45%، فإنهم من العلمانيين الذين يرفضون عقد زواجهم دينيا عبر المؤسسة الدينية التي تفرض عليهم شروطا غير معقولة في نظرهم، تتدخل في التفاصيل الدقيقة لحياتهم الشخصية، ومن بينها إلزام كل زوجين بالمثول أمام حاخام يهودي لسماع "محاضرات" حول كيفية الزواج والمعاشرة والحياة الزوجية بشكل عام، وغيرها، الأمر الذي يعتبره الكثيرون من اليهود أمرًا "مذلا ومهينا".

ولكن هذا الجانب ليس كل المشكلة في مجال العلاقات الزوجية، فكما هو الزواج صعب لدى مئات الألوف من اليهود، فإن آلاف الزوجات اليهودية يواجهن مشكلة الطلاق، فحسب الديانة اليهودية فإن قرار الطلاق على الغالب بقرار من الزوج، وحين يرفض الزوج تقديم موافقته على الطلاق فإن الزوجة تبقى معلقة في ذمته، حتى وإن هجرها لعشرات السنوات، حيث تقول أنباء صحافية ان هناك من الزوجات من تنتظر موافقة أزاوجهن على الطلاق منذ حوالي 30 عاما، وتطالب حركات نسوية يهودية في إسرائيل بوضع حد لما وصفته بـ "الاستبداد الديني" للمؤسسة الدينية اليهودية أيضا في مجال الطلاق.

ويتوقع مراقبون أن تستفحل ظاهرة "الممنوعين من الزواج"، مع ازدياد أعدادهم سنويا، خاصة على ضوء استمرار التشدد الديني في هذا المجال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى