الأحد ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم فاروق مواسي

الوطنيـــــة ، المعاملـــــــة

يقول الحديث الشريف " الدين المعاملة " - وهو درس يعلمنا أن الدين ليس قصرًا على الصيام والقيام بالصلاة وإعفاء اللحى والتمتمة المتظاهرة ، بل إن الدين هو النصيحة ، هو المسلك بما يتضمنه من أمانة وشهامة وشرف وصدق ووفاء ...

وإذا كان " الدين هو المعاملة " فكم أحرى أن تكون الوطنية كذلك ، وهي – أعني الوطنية - معتقد يدين به الكثيرون – على الأقل – في مستوى شكلي . ذلك لأن بعضنا حسِب الوطنية معنى مجردًا ، يتمثل في أن يتحمس لخط سياسي ما ، وهي تتحدث عن " عزتنا " و " مجدنا" و" إبائنا " ... الخ من هذه التعابير الماثلة فخامة وجزالة .

وقد يظن من يظن أن الوطنية تتمثل في تهور (أعني التهور فقط) يقوم به أحدهم ، فيودَع في السجن ، ثم ما يلبث أن يحصل على شهادة أنه خريج من مدرسة وطنية ....

وفي هذا السياق لا بد لي من ذكر فكاهة :

تمرد أحد عملاء البريطانيين ذات مرة بعد أن خيب أسياده أمله ، فأخذ يصرخ ويهتف : (فليسقط الإنجليز ! )، ( فليسقط الانتداب البريطاني ! ) ... ، ولكن الإنجليز لم يحركوا أمامه ساكنًا ، فتضايق هذا ، وأخذ يصرخ وهو يحملق عينيه : (اسجنوني .... أتحدااااااكم !)

لكن الضابط الإنجليزي قال له ، وهو يربت كتفه : " يا خبيبي ما نسجنك حتى لو سبيت الملكة ... بكرة بتروخ بطل .....).

ولرب مستفتٍ يتساءل : وما هي الوطنية إذن ؟ أليست تتلخص في مقارعة العدو ؟
وأنا لا أنكر أنها عماد في الوطنية ، ولكني أشك بسلوك بعض من يدعونها ......

فاسمحوا لي أن " أفش خلقي" – كما قال يوسف فرح ذات كتابة :

كيف يكون معلم وطنيًا ، وهو يقدم الشهادات المرضية المزيفة واحدة تلو الأخرى ليبرر غيابه ؟

كيف يكون معلم اللغة العربية وطنيًا – مثلاً - ما دام لا ينقح إنشاء الطلاب البتة ؟

وكيف يكون وطنيًا من لا يزيد في معلوماته - من مصادر ومراجع مستجدة حتى يفيد نفسه ثم طلابه ، فيغنى ويغني .

والصانع هل يكون وطنيًا ما دام خلف الوعد دينه وديدنه ، وما دام يكذب ويغش ناسيًا الحديث : " من غشنا فليس منا" ؟

ولا أدري كيف يكون شخص مقاول وطنيًا ما دام همه ووكده أن يستغل محتكرًا عماله (أو عاملاته) وما أكثر ذلك – مع الأسف – ، فيقدم لهم (لهن) أبخس الأجور من غير أن يؤدي حقوقا تأمينية مختلفة .

ولا أدري كيف يكون المسئول وطنيًا ما دام يحابي ويتحيز ، ويتحين الفرصة للانقضاض على خصمه السياسي وعلى جماعته ، من غير أن يجعل من قوته وسيلة للوصول إلى الناس بعفو عند المقدرة .

ولا أدري كيف يكون فلانًا وطنيًا ما دام يتاجر باستغلال ، فيلتهم أضعاف ما يستحق ، أو يكذب علان ويتناسى أنه يكذب إلى درجة أنه يصدق كذبته – شأنه شأن جحا ، وذلك بعد أن كذب على الصغار .
الوطنيـــة - أيها المدعون بها – هي العزوف عن الانتهازيـــة والاختلاسات السرية والعلنية ، والأنانية .

الوطنية هي المعاملة والنصيحة ـ، وهي ليست معنى رومانسيًا خياليًا ، وادعاءً استعراضيًا ، و " بلـــعًــا تسجيليًا وغير تسجيلي .

وقبل " حب الوطن " – أرضًا ونبتًا وطيرًا ونسيمًا ما أجدرنا أن نحب الإنسان في الوطن ، أن نخلص ونعطي ، أن نبحث عن حريتنا وكرامتنا ، فنعيش مع أصدقائنا وجيراننا وزملائنا بحرية وتكافل ، لا بتربص وبتضايق ......فتلك هي الوطنيـــة بالمعنى الأسمى .
وفي الختام اقرأوا معي أبيات أدونيس التي تتوافق مع بعض رؤيتي في هذا المقال :

" غدًا عندما بلادي تغني

أنا الحب يُؤثر عني

بوجهــــي محوت السوادا

وصرت لكل بلاد بلادا

فلم يبق في أرضنا ظلام ولم يبق شر

فقل : " أنا حر ، وأنت حر " .....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى