الاثنين ٢٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٦
بقلم أديب قبلان

هل سيعود؟

عجز المطر العاصف عن إلزام الأهالي في بيوتهم، فقد خرجوا حفاة القلوب لوداعه، عيونهم كمصبات الأنهار تنهمر منها أنهار الدموع إلى بحر الوداع الحزين.

لقد كان يتيم الأرحام وأبو الأيتام وصديق الضعفاء، كان بيته يزخر بالفقر كباقي سكان القرية رغم أنه يتفوق عليهم بأنه موظف حكومي وهم مزارعون بسطاء.

لقد ودعه أهل الحي بقلوبهم، ودموعهم هي الدليل على ذلك الوداع الحزين، لم يكتف سعيد و رزوق وعاطف بالبكاء بل كتبوا عبارات على الجدران وكأن الجدران من يحكيها، لم أصدق وهلة الحدث السعيد المحزن، محزن.. كلمة تليق بهذا الوداع نعم هو .. السعيد المحزن..

غادر وغادر معه الأمل بالعودة لأن الحرب طاحنة ومن المعجزات أن يعود من غادر.

"إلى اللقاء يا سلمان"

"الملتقى إما في الجنة وإما في الحي"

كانت هذه الكلمات هي الذكريات الوحيدة التي تركها أهل القرية؛ لأنهم لم يكونوا يملكون سوى البيوت القماشية المعروفة بالخيم.

جرت الأيام و أهل القرية بالانتظار.. "هل سيعود؟؟!!" كان هذا السؤال هو المحير لأهل القرية، ولكن السنون مضت والأيام جرت والشهور ركضت ولم يظهر سلمان!

أحاديث شتى تدور حول سلمان، هل استشهد أم مازال في الحرب

"يقولون أنه استشهد"

"بل يقولون أنه أصبح ضابطاً ذا رتبة عالية.. ولربما نسينا"

طال الانتظار و بدأت القلوب بالقلق، لم يستطع أحد أن يحصل على أي معلومات تفيد بأنه على قيد الحياة أو أنه استشهد.

بدأت الأخبار بالوصول إلى أهل القرية بعد مضي سبع سنين وكانت تصل أسماء الشهداء و أسماء الذين مازالوا على قيد الحياة إلى كل القرى، أصبح أهالي القرية يحاولون منع قلوبهم من الخروج من أبدانهم عند قراءة قوائم الشهداء عند الشيخ عبد المجيد خشية وقوع اسم سلمان في إحداها ويجتمعون جميعاً عند قراءة قوائم الأحياء أملاً بوجوده بينهم، ولكن.. لم يظهر أي اسم له في تلك القوائم فاجتمع شيوخ الحي على إرسال بعض الشباب إلى القرى المجاورة لعل الأمل يحيا بوجود اسمه في قوائم الأحياء، لم يتلكأ أحد من الشباب عن التطوع للبحث عن الفارس المغوار والبطل الشجاع.

وانطلقت المراسيل إلى جميع القرى والناس في انتظار الفرج، لقد كانت قلوبهم كاللهيب المشتعل الذي لن تنطفئ ناره إلا بعودة سلمان وبقية الشباب، لقد كانت القرية في حالة هياج.

بدأت المزارع تبكي على فراقك يا سلمان، هل ستعود؟! لقد أصبح اليتامى أيتاماً والأهالي فجعاناً، لقد ذهبت يا سلمان لتترك هؤلاء المساكين بانتظار العودة.

عبد القادر: "رحمك الله يا سلمان حياً أو ميتاً"

سعد: "عله يرجع فقد جهزت أرضه القفراء"

أشرقت شمس أحد الأيام بعودة الشباب هل أتوا بالبشرى والفرح أم بالشؤم والحزن؟!...

إنهم يحملون تابوتاً.. من يرقد به!!

لقد كانت الفاجعة إنه سلمان شهيد الوطن، جاء ليودع أهالي القرية قبل أن ينام إلى قيام الساعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى