الأربعاء ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٦
بقلم سها جلال جودت

ليلة عرس النار

احذر غضب الجاهل والمغضوب عليهم فإنه إذا ثار مثل النار أعمى

سامحيني أيتها الجليلة، سامحيني، ليتك تعودين، بسلطان جبروتي وطيشي وأنانيتي أطلقت العِنان لحاكم قلبه مثل قلب التنين ولسانه نار أكول، تلتهم كل شيء ولا تكترث بمن يصيح، يخاف ، يستجير وقد فعلتها ، نعم فعلتها طيشاً ، حقداً ،حكماً، لؤماً ، قولي ما تشائين فما عادت كل الأقوال تعيد الذي ضاع .

سامحيني وانثري زهرات حبك على حزني وبكائي ودموعي، سامحيني ولا تعتبي أو تغضبي ، كل شيء ضاع حرقته نار غيرتي ، ضعف بصيرتي، قلة حيلتي ، الوساوس احتلت مساحات تفكيري الجامد ، أرى النار كيف تصاعدت وانتشرت لتحرق كل شيء بما فيهم أنت ، كانت فكرة جهنمية ، الانتقام سيد القوة وإمبراطور اللؤم ، لم أجد من يقول : انتبه ما تفعله جريمة نكراء، الغريب إنني لم أستمع إلى النصيحة فقلبي كان مأجوراً!! وهل يصغي فؤاد مأجور إلى وساوس أكبر وأعتى من تفكيره ، قلت لك مراراً خروجك وحدك يثقل كاهلي، يؤرقني، يزيد من ضلالي ، لم أكن أصدق أنك كنت تخرجين من أجل عمل شريف ولقمة كنت تحتاجينها، الآن وبعد أن أيقنت أنني ظلمتك أشعر بتلك النار تكوي قلبي الجائع إلى ابتسامتك الحزينة الشاحبة التي افتقدتها في عتمة هذا الظلام إنها ما تزال ترتسم أمام عيني المغمضتين بعد أن فقدت بصري وأنا أحاول أن أطفئ النار ، حين اشتعلت تلك اللعينة وبدأت تعلن ثورتها الغاضبة وجوعها النهم أدركت خطورة فعلتي فدق قلبي، وجيبه الخافق أرعبني ودفعني نحو الباب كي أفتحه وأنا أصرخ ملء وجع روحي : توقفي لا تقتربي من غرفة نومها، كلي كل شيء إلا صاحبة الابتسامة الحزينة الشاحبة ، لقد أخطأت ، أنا مجنون ، مجنون، من يفعل فعلتي غير مجنون، في اللحظة تلك التاث عقلي، تطوحت خطواتي، ضاق نفسي، اربدت الدنيا في عيني والدخان يتغلغل هو الآخر ليسفك بياض غيرتي، أنا القاتل الذي كدّر عليك حياتك منذ أن وعيتك تخرجين، كنت مثل غصن البان، أنوثتك الفائرة على الحياة كانت السبب، ومغامراتي مع من كن يشبهن بعض ملامح شمسك الدافئة جعلن مني رجلاً يخاف من خروج المرأة ، ثقة انعدمت مفازاتها بين سرادق اللقاءات الخفية، على سطوح العمارات ، وأمام مرآة الشبق والجنون ، بعد اللذة أحس بهذا الوجع المتسرطن في جوانية ذاتي لماذا ارتكبت الفاحشة والمنكر ؟ لماذا لم أكن رجلاً عفيفاً ؟ هل العفة مقتصرة على النساء، على العذارى ، كنت أحاول انتشال نفسي من براثن من تدعي حبي والهيام بي، لكنني ضعيف أمام مقاومة الدعوة للغرفة الشاغرة والسرير الدافئ، فلا أجد مفراً سوى بتلبية الرغبة الجامحة التي تثور في داخلي مثل بركان لن تخمده سوى تلك التأوهات المغروسة في ذاكرتي حتى ليلة عرس النار .

قلت لك : لن تذهبي !
بتلك النظرة التي أمقتها في عينيك رمقتني وفتحت الباب ومضيت، سمعت صوت كعب حذاءك على سلالم الدرج يفرقع جنون عقلي وهياج غضبي، كانت ابتسامتك هي السبب، فرح عينيك مخرز أشعل فتيل الغيرة في صدري فدق قلبي بمثل ذاك الوجيب ليلة التهمت النار جدران البيت.
صرخت من فوق : سأقتلك يا بنت الكلب .

وتردد صدى جملتي الطائشة في صديد روحي " سأقتلك يا بنت الكلب " واشتغل ذهني بأفكار جهنمية كانت تروح وتجيء ، وبدأت أفكر ، السكين لا ، ربما صراخك هز يدي فتضيع مني الفرصة فتهربين بعد أن تولولي فيلتم الجيران علينا ويوبخون فعلتي وربما يتآمرون معك على زجي في السجن .

لن يطفئ غليلي سوى النار !!

ورميت بعود الثقاب من فتحة الباب قبل أن أغلقته فتناهت إلى سمعي صوت حشرجات الأثاث حين استعرت النار بهم وبدأ الدخان يتصاعد ، عدت مسرعاً ، ضربت الباب برجلي كان قاسياً لم أقدر على فتحه وكان عليّ أن أفعل أي شيء لأخرجك قبل أن تصلك تلك الآثمة اللعينة، تلك الجائعة النهمة، تذكرت صوتك الذي ندّ عن آهة آلمت قلبي حين صرخت بملء قدرتك على الحب الذي تملكين ذات ليلة ماطرة: هل احترقت يدك، دعني أداويها.
وأسرعت تبحثين عن مرهم وماء بارد ، يا لعقم رد المعروف ! يالفظاعة الشرور الضالعة في روح ونفس من كنت تخافين عليه !!

أخيراً جئت حافياً مغمض العينين، بل قولي مغمض البصر والبصيرة، جئتك كي ألتمس عفوك وسماحك، شيء ما دق قدمي في الأرض حال دون تقدمي، أمدّ يدي، هي الأخرى ترتجف ثم تتقلص ورويداً رويداً تدخل في جسدي، فأصبح بلا يدٍ، أمدّ الثانية بنفس الحركة تضيق وتصغر وشيئاً فشيئاً تزول هي الأخرى بعد أن تصبح داخل هذا الجسم الضئيل، أحاول الصراخ، يخرج من حنجرتي دخان أسود قاتم، يا للمصيبة حتى هذا خسرته، فقدته، يبقى شيء واحد لم أفقده حتى اللحظة تلك، سأحاول إخراجه، إنه يخرج، بدأت أول دمعة بالسقوط، مرت على خدي، لحقتها أخرى مرت على طرف شفتي لحستها أحسست بملوحة عذبة رطبت حنجرتي وسرت في عروقي فتحركت يداي، وتقدمت خطوة، خطوتان، ثلاث خطوات لقد تحررت، فأسرعت بالجري، عدوت بسرعة حتى وصلت قبرك لاهثاً مرهقاً متعباً، ماذا تريدين أن تقولي لي، هل عفوت عني حتى تحركت، أريدها من روحك الطاهرة، من عفتك التي ظلمتها، هيا أيتها الرحمة الظليلة مدي شراع النجاة نحوي، قبليني، اغسليني بماء الدعاء، أرجوك سامحيني، كانت مفاجأة كبيرة، لحظة ارتعاش ظلت ساكنة في تلافيف ذاكرتي، لم تقتلك نار غيرتي وطيشي، الذي قتلك خوفك عليّ عندما رجعت في تلك الليلة الشقية وعلمت من الجيران أنني كسرت الباب وأصبحت داخل النيران، الصدمة كانت في أن تفقديني هي سبب موتك المحتم، كم كنت لئيماً وصلفاً وجاهلاً، أستحلفك بأمومة العذراء، بوجع المخاض، بقبلة الرضيع، بحنان ساقية الاحتضان للطفولة أن تسامحيني كي أغسل أدران نفسي بوضوء دعواتك من سابع سماء حتى سابع أرض، أخيراًً أقرُّ لك بذنبي أمامك وأمام كل الناس كي لا يقع بسوء فعلتي من تشبه ذاكرته ذاكرتي.

18/7/ 2006

احذر غضب الجاهل والمغضوب عليهم فإنه إذا ثار مثل النار أعمى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى