الاثنين ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل الأسطة

تبتعد عن الوطن ... فتجده حاضراً

تغادر نابلس لأسبوع أو أسبوعين، وحين تغدو في المناطق الأردنية تهمس: لعلك الآن تنفق هذه الفترة، بهدوء! لعلك الآن لا تصغي إلى أخبار الموتى والجرحى، لعلك، وأنت جالس في غرفة في فندق لا تسمع أصوات الرصاص ولا تشاهد الجنازات.

تجلس في غرفة في فندق. تحاول أن تقرأ شيئاً، أن تراجع مقالة ما، أن تسترخي قليلاً. تشعل المذياع وتتابع الأخبار متابعاً عاداتك في الوطن. وتصغي إلى نشرة الأخبار التي تتصدرها أخبار الوطن المحتل.
تسأل المرأة الغزية عما جرى فتقول: لقد دمروا بيتنا، وتعبر عن غضبها من جهات عديدة. تقول: يحدث هذا في رفح. وتلحظ، في النشرة نفسها، ما يحدث في الخليل. اشتباكات عنيفة ومواجهات يبدو فيها المستوطنون، لسلاحهم وحماية الجيش لهم، مغرورين لدرجة لا تتصور.

تزور في اليوم التالي جريدة الدستور. تلتقي بالصديق فخري صالح والشاعر محمد الظاهر. يرحبان بك، وتجلسون معاً. تثرثرون عن الماضي والأصدقاء. تذكر محمدا بما رواه لك، عن علاقته بالشاعر غسان زقطان. ويروي لك محمد عن مشروعه الشعري، عن هاجسه في أن تكون أشعاره ذات مذاق خاص. "هذا ما أبحث عنه، وهذا ما يهمني "يقول محمد ويتابع: "ولا يهمني إن قالوا إنني الشاعر الألف". وتعتقد أنك نسيت الوطن وما يجري فيه، لأنك وفخري ومحمد غدوتم أسرى ماض، أسرى ذكريات عشرين عاماً خلت. فجأة يدخل شاب وبيده ورقتان. يقول: فاكس من بيت الشعر في رام الله يخبر عن تعرضه للقصف، فتعقب: للمرة الثالثة. ويقرأ فخري صالح الخبر: جرح الشاعر أحمد يعقوب. وهكذا يغدو الوطن محور الحديث. وهكذا لا تنجح في أن تنساه ولو لساعات.

تمارس عادتك في غرفتك في الفندق. تكتب. تخربش. تقرأ، وحين تصاب بالملل وتشعر بالضجر تجد يدك تضغط مفتاح التلفاز. تصغي، من جديد، إلى نشرة الاخبار: القوات الإسرائيلية تقصف مدينة نابلس بمدافع الدبابات. تتذكر أحاديث الناس في نابلس: نابلس هي مكان الاشتباك القادم. وكنت تستبعد هذا، فنابلس، خلافاً لغزة ورام الله وبيت جالا والخليل، ليست على تماس مباشر مع المستوطنات، وإذا ما حدث قصف فسوف يكون عابرا. تتذكر ما حدث منذ 28/9/2001، بداية الانتفاضة. ثمة أحداث عابرة أبرزها قصف السجن الذي بناه الانجليز. وثمة ما جرى ليلاً حيث تقيم، في المساكن الشعبية الشرقية. كانت ليلة أردت أن تكتب عنها مقالة، ولكنك دونت العنوان فقط:
"ليلة شنفرية في المساكن الشعبية"

صحوت وأهلك والجيران في الساعة الثالثة تقريباً على أصوات طائرات، وفي ليلة ثانية صحوتم أيضاً على صوت ثلاث قذائف مدفعية وسرعان ما عادت الأمور إلى ما كانت عليه. وأخذ الناس يتساءلون عما جرى، فلم تجدوا، حتى الصباح، جواباً. قلت لعله الشنفري قد أغار علينا، وأخذت تقرأ:

وليلة نحس يصطلي القوس ربها
وأقطعه اللاتي بها يتنبل
دعست على غش وبطش وصحبتي
سعار وارزيز ووجر وأفكُل

ولم تكمل قوله:

وأصبح عني بالغميصاء جالساً:
فريقان مسؤول وآخر يسأل

وأدركت أنها مدافع الاحتلال، لا كلابه وذئابه. تتهاتف الجمعة 13/7/2001 مع والدك، فيخبرك عن القصف.

تبتعد عن الوطن، فتجده أمامك. تحاول أن تنسى، تحاول أن تكتب عن شيء آخر، في موضوع آخر، فلا تكتب إلا عما يجري، وتصبح، مثل أكثر أدباء فلسطين، أسير موضوع واحد هو الموضوع الوطني. تتذكر ما كتبته سلمى الخضراء الجيوسي في كتابها "موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر" وتتذكر (فيرينا) معلمة اللغة الألمانية. حين التقيت بها وكنت نتحدث وإياها كنت تجعل من فلسطين محور العالم، وكانت (فيرينا) تخاطبك: يا عادلُ! ألا توجد في هذه الدنيا موضوعات أخرى غير فلسطين؟ وقد أسمعك الطلاب الألمان الكلام نفسه فيما بعد. وها أنت، من غرفتك في الفندق تخاطب (فيرينا): يا فيرينا ماذا أقول لك الآن!

الجمعة 13/7/2001 مساءً


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى