الأحد ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل الأسطة

أنت كاتبا .... ماذا تفعل في الانتفاضة؟

يتصل بك محرر ثقافي في جريدة أسبوعية، ويثير على مسامعك العديد من الأسئلة. يطلب منك أن تكتب له عن دور المثقف في الانتفاضة. يرسل لك الأسئلة بالفاكس، بناء على طلبك، بعد أن أرسل الجزء الثاني من كلمة فاكس أولاً، فلما لم تنتبه إليه أرسل الأسئلة. (هي عادة أخذ الكثيرون يمارسونها معك، تتحدثون عن شيء، وتتفقون على أمر ما، وبدلاً من أن يرسلوا لك ما اتفقتم عليه يرسلون فتاة، فتضحك وتتظاهر بأنك خام، وحين يرون ردة فعلك يقولون هذا على مسامعك بطريقة غير مباشرة، كأن يلفظوا الرقم خمسين، ليشيروا إلى أنك خام وصيني الهوى، وما أنت بخامٍ ولا أنت صيني الهوى وإن كنت لا تكره الصين).

تتساءل ما الذي يمكن أن يفعله المثقف في ظل الانتفاضة. كان شعراء المناطق المحتلة عام 1948 في الستينيات شباباً، وكانوا ثوريين، كانوا شيوعيين، ولم يمانعوا في أن يقرنوا كلامهم بأفعالهم، حتى كبروا وما عادوا شيوعيين، وحتى أدركوا أن الكلمة لا تجدي نفعاً. (تكتب هذا مراراً في دراساتك عن محمود درويش وسميح القاسم اللذين قالا كلاماً وسجنا من أجله، وظنا، وهما شيوعيان أنهم سيصلحان العالم، حتى اكتشاف أنهما غير قادرين على إصلاح نفسيهما). وها أنت أيضاً، على الرغم من أنك لم تتعرض لما تعرضا له، تصبح أيضاً غير قادر على حل مشاكلك الخاصة.

تتساءل: ما الذي أفعله كاتبا في الانتفاضة؟ ثمة أطفال وشباب يرجمون الحجارة. ثمة مسلحون يحملون الرشاشات والبنادق ومنهم من هو خبير في المتفجرات. وهؤلاء معدون لخدمة السلطة الوطنية. وأنت لا تجيد سوى الكلام. تذهب إلى الجامعة لتدرس الطلبة، تزور قاعات التدريس، تعد الأسئلة، تصحح أوراق الامتحانات، وتصغي إلى الأخبار. ولأنك الآن غير ما كنت عليه شاباً، حيث تميل الآن إلى العزلة، فما عدت قادراً أن تكتب هموم الجماهير في نصوصك. هكذا وجدت الدراسات مكاناً للقصص وللكتابات النثرية التي كنت تكتبها بغزارة. وتشعر بالحرج. ماذا أفعل؟ تتابع نشرات الأخبار. تحاول أن تشارك في مهرجان شعر. تكتب أشعاراً رديئة لم تنشر أياً منها حتى اللحظة، فصفحات الثقافة تراجعت في فترة الانتفاضة، عدا أن صوتك بدا للشاعر (س) وربما لـ (ص)، صوتاً غير مرغوب فيه.

(أحياناً كثيرة تتذكر رواية أحمد حرب بقايا، وتقول هذه آخرتها: خرة).

ماذا يفعل المثقف في الانتفاضة؟ إن أي طفل يستطيع أن يصوب حجراً أفضل بكثير مما يصوبه شاعر مصاب بمرض القلب أو كاتب اعتاد أن يكتب فضعف ساعد يده ورق حتى كاد يصاب بترقق العظام.
تجلس، في الانتفاضة، في غرفة مكتبك في الجامعة. تجلس في منزلك. تتابع الأخبار. تعد القتلى والجرحى. تشاهد مئات الناس في الشارع، وحين تنشر مقالاً في جريدة: قد يقرأه ألف، ولكنك تتساءل: وما جدوى الكتابة. كم توقفت أمام قصيدة محمود درويش: وتحمل عبء الفراشة، وكم كررت السطر الشعري: ما جدوى القصيدة؟ ما جدوى القصيدة في الظهيرة والظلال، شاعر يستخرج الألفاظ والبارود من حرفين والعمال مسحوقون تحت النار والبارود في حربين.

وأحياناً تقنع نفسك بأن بقاءك على أرض الوطن هو فضيلة كبيرة. أن تظل مع الناس وأن تصغي إلى همومهم وأن تثرثر معهم. وأحياناً تضحك من كلام كبير يقوله المثقفون عن دور المثقف.

ماذا يفعل المثقف أو الكاتب في الانتفاضة؟ ماذا يفعل الكلام أمام الطائرات التي تقصف والدبابات التي تدك المنازل؟

أنقول إننا نكتب أحزاننا. أننا نكتب عن بطولات شهدائنا. أننا ذاكرة هذا الشعب أمام الزمن. ربما، ربما، وربما يكون بقاؤنا في الوطن فضيلتنا الوحيدة لا أكثر ولا أقل!!

السبت 14/7/2001


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى