الأربعاء ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم غالية خوجة

العرب خارج الزمان ، اليابان و ادوارد سعيد خارج المكان

حتى الآن ، لم أجد وطناً يهين مبدعيه ، و يعلي من شأن مهرجيه ، إلا وطننا العربي الذي يستحق على ذلك جائزة نوبل بجدارة.

بلا شك ، هنالك الكثير من الإهمال في الأوطان الأخرى للمبدعين ، و حالات أخرى مشابهة لما يجري في عالمنا العربي ، لكنها لم تصل إلى هذه الكثرة التراكمية ، وهنالك ، أقصد بلادهم ، إذا أهملوا أو قصروا يشعرون بتأنيب الضمير فيبدؤون في إصلاح أخطائهم تجاه عمالقتهم ، تكريماً و استذكاراً ، تعويضاً و إشهاراً ، إلخ ..

أمّـا هنا ، و أقصد بلادنا ، فترانا بلا ضمير و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، فلا يهمنا كيف يعيش هذا المبدع ، و كيف يموت ذاك ، و لا يهمنا لماذا يقضي حياته حزيناً حتى تأتي لحظة الانفجار أو الانفراج سواء بجلطة أم بشلل أم بسرطان أم .. ؟ كل ما يهمنا أن (نفرفش) أو (نرقص) أو نطارد أخبار هذه المؤدية و تلك المتعرية لدرجة أن من يتابع أغلب قنواتنا و مجلاتنا و جرائدنا يحسدنا متسائلا ً باستعجاب: من أين يأتون بكل هذا المرح و السعادة و الحبور و الاستهلاك ؟ أ لا يوجد لديهم أي هم ّ أو غم ّ أو ألم أو حلم أو طموح ؟ أ لا يوجد بينهم جائع أو متسول أو مقهور أو ظالم أو مظلوم ؟ أ لا يرون أرضهم تقصف مع أبريائها و سمائها كل دقيقة؟!!!

قد لا يعرف المتسائل أننا ما زلنا في عصر الجواري و النخاسة و القبائل ، أو أنه قد يعرف ، فلا فرق .. ما دمنا نحن مصرين على ما نؤول إليه و لن يؤول إلينا !
المهم ، أذكر ـ تمثيلا ً لا حصراً ـ أن إحدى الجامعات الفرنسية رفضت استقبال أطروحة الجنون لـ "ميشيل فوكو " ، لكن فرنسا ـ و لطبيعتها المعهودة في احترام الاختلاف ـ أعادت لفوكو الاعتبار الضروري ، و لن أذكـّـر بسيرة الشاعر الفرنسي "آرثر رامبو" ، ولن آتي على ذكْـر شاعر عربي ـ محمد الماغوط ـ خانه وطنه لكنه لم يخن وطنه أبداً رغم مسرحيته "كاسك يا وطن" و قضائه لحياته على كرسي متحرك .

المهم الآخر ، هو هذا السؤال :
كم عربي قرأ "ادوارد سعيد" ؟ و كم قارئ عربي فهم "ادوارد سعيد" ؟ و إلى متى تظل أمتنا منشغلة بتحطيم كل ما يتصل بالمستقبل لتخرج عن الزمان الحاضر والماضي إلى الهاوية طبعاً ، و ليس إلى زمن إبداعي يخرج عن الزمان ؟

فوجئت بخبر ، رأيت أننا أحق فيه باعتبار "ادوارد سعيد" منا لا من اليابانيين الذين يهتمون بالتكنولوجيا أكثر من المحاور الحياتية الأخرى كما يشاع . و من خلال هذا الخبر تبيّـن أن اليابانيين أشد رقة لا سيما حين يتناول المخرج "ماكوتو ساتو" الياباني سيرة حياة المبدع المفكر العربي الفلسطيني العالمي "ادوارد سعيد" معتمداً على كتابه "خارج المكان" كدليل على موقف شخص مفرد من أمريكا نظير تصفيق الدول ، و كرؤيا لإنسان تشع بقضايا الإنسان انتقاداً و استباراً و إصراراً .

"ماكوتو ساتو" اعتمد على كلمات "ادوارد سعيد" لتكون دليله إلى القضية الفلسطينية في فيلمه الذي عرض في أيار الماضي ، و ما زال يشارك في العديد من المهرجانات.

"خارج المكان" فيلم مدته (137) دقيقة ، يؤسفني أني لم أشاهده ـ لأني لا أعلم متى سيعرض في وطننا العربي ـ يضيء قضايا الشرق الأوسط ـ على حد تعبير ساتو ـ لا سيما القضية الفلسطينية ..

كتاب واحد يكثـّـف قضايا الشرق الأوسط ! فماذا لو قرأ اللا مهتمون : تأملات حول المنفى / الثقافة و المقاومة / الثقافة و الإمبريالية ؟ بالتأكيد لمؤلف كتاب "الاستشراق" ؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى