الأحد ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

بدءاً باجتهادات الحمّام وحتى نشاطات الميدان العام

أول أيام العيد .. ابنتك / زوجتك / أمك / أختك تدخل عليك البيت باكية ووجهها غارق بالدمع بعدما كانت قد خرجت لتقضي عيدها وتنهل نصيبها من الفرحة كما خططت .. أليس أمراً مؤسفاً ؟!
ماذا لو دخلت عليك البيت باكية ومصابة .. أليست كارثة ؟!

حسناً .. ماذا لو كانت باكية ، ومصابة ، وممزقة الثياب ؟!! .. لحمها يظهر واضحاً تحت بقايا الثوب الممزق !
ماذا لو كانت بالإضافة لهذا كله محطمة نفسياً ؟! مهتوكٌ عرضها ؟!
خرجت نهاراً عذراء وعادت ولم تعد كذلك ..
صف ردة فعلك ..

لستُ أتحدث عن رواية سوداء من روايات دستويفسكي ، ولا فيلم مأساوي كارثي من الأفلام القديمة .. ولا حتى كابوس بشع رأيته في ليلة نمتها بعد اكتئابٍ حاد ..
أتحدث عن ما حدث منذ أيام في القاهرة .. بنت المعز .. ميدان وسط البلد تحديداً .. عن عشرات الشباب الذين كوّنوا حشوداً واتحدوا بغير اتفاق .. بوازع من إلحاح هرموني جمعهم جميعاً لا أكثر ولا أقل..
اجتمعوا أمام سينما مترو بوسط البلد ليشيعوا الفوضى والدنس والفُجر .. ليتحفزوا بمنتهى الشبق عند مرور أي أنثى فيتحلقوا حولها وينزعوا عنها ملابسها و ... يأكلون التفاح من شجرٍ قد حُرّم عليهم ..
بدون تمييز يصطادون .. سواء كانت ساقطة .. محترمة .. سيدة .. بنت .. محجبة .. او حتى منقبة .. لا فارق .. المهم أن في جسدها يكمن الهرمون المطلوب ..

تخيل أختك تمر .. يجرون نحوها بعددهم الكبير فترتعب وتعدو .. يمسكون بها ويتحلقون ، وينقضون جميعاً بلا استثناء .. يمزقون ملابسها .. يتحسسون جسدها وهي تصرخ ، وهم في لذتهم غارقون ..
تتهمني بالقسوة ؟ تود قتلي لأني – فقط – أصف ؟!!
فما بالك بمن فعل ؟!! .. من حرّك يديه هنا وهناك ليزيد من صرخات أختك ودموعها ..
ما بالك بمن شهد هذا المشهد ولم يحرك ساكناً ؟! .. ألقى نظرة واهتاج ثم ذهب إلى حال سبيله ؟! .. ماذا ستفعل به ؟!
ما بالك بمن كان زيه الميري رمز سلطته ووقف قائلاً : لا شأن لي ؟! .. ما مدى الانتماء الذي ستشعر به تجاه هذا البلد ؟! .. ومدى الحب الذي ستكنه لهذا الزي الميري ؟! ..

نحن أمام كارثة بكل المقاييس .. أن يتم هذا في دولة إسلامية عربية ، وبين أظهر رجال شعبٍ كشعب مصر ؛ كارثةٌ لا شك ..
أمرٌ يجب أن نتوقف عنده – بصدق هذه المرة – ونوقفه .. ونقلب بوقفتنا هذه كل الأوضاع ..
نثور على الإعلام الذي وهبنا لسنوات طويلة متصلة أعمالاً ماجنة ، وعلى السايبرز التي تقدم فيلماً من أفلام الـ sex بسعر أقل من سعر البيضة الذي يزحف نحو الجنيه الآن ..
وعلى الكثير من مثل هذه القذارات التي تزاحم بعضها كي تفسح لنفسها مجالاً في حياتنا ..

فلننظر لتوقيت هذا الحدث .. أول يوم بعد رمضان .. رمضان ، بكل ما فيه من خير وطاقة روحية هائلة يصعب وصفها كان مجرد عائق يحول بين هؤلاء الشباب وبين شهوتهم .. لينطلقوا فور انقضائه ويعيثون فساداً .. مبرهنين بذلك على أنه قد تم بالفعل انقراض الجانب الروحي والحسي فيهم ، وتم الفصل التام بين الروح والجسد لتندثر الروح ويسود طغيان الجسد .. ويُسخّر – كنتيجة لهذا – العقل لخدمته ..

وماذا عن المكان ؟ .. هل ثمة إشارة قدرية ما في أن يتم هذا المجون أمام دور عرض السينما ؟ .. دور عرض السينما التي التزمت عرض الإسفاف والابتذال على كافة صوره وأشكاله لعشر سنوات مضت أو يزيد ؟ ..
وهل ثمة رسالة ما في أن تمتد أيادي العابثين – رغم الحراسة المشددة - إلى صدر النجمة الشهيرة التي كانت متواجدة في هذا التوقيت ؟ .. هل شعر نجوم الابتذال بمقدار الحب والاحترام الذي يكنه جمهورهم لهم ؟
سينما الإفيهات التي أشاعت الفوضى .. تَحطّم شباك تذاكرها بفعل الفوضى ..
وسينما الابتذال التي سببت السعار الجنسي .. عبثت الأيادي بأجساد نجماتها تحت تأثير السعار الجنسي .

الشاب الذي أشبع شهوته يوم العيد في وسط البلد عاد لبيته هادئ البال على الأرجح ليجالس أمه وأخته وأهله ويشاركهم ما تبقى من يوم العيد وينام بعدما يدعو الله بالستر .. لكنه سيظل مريضاً في داخله .. يوقن بذلك بينه وبين نفسه ، وستظل هذه نظرته لنفسه أبد الدهر .. حتى أمام زوجته ، وأمام ابنته ..

ولا أخص بحديثي هذا من يتحرش وحسب .. بل أقصد كل من يقضي وقته أمام موقع إباحي ، وكل من يمارس لذته خلسة ، وكل من يسترق النظر إلى أنثى في غفلة أو جهراً ، وكل مدّعي ثقافة يحمل كتباً لا تحوي إلا أدباً أيروسياً قذراً .. أدب هو في رأيي أشد خطراً وأعظم تأثيراً من الوسائل المرئية بسبب براءة مظهره .
الشاب الذي ينتمي إلى أي صنف من هؤلاء .. هل يستطيع أن يردد بعد الآن : " أنا المصري كريم العنصرين " ؟ هل أصبح لهذه الترنيمة معناها أصلاً في ظل ما يحدث ؟
صدمتني عبارة قاسية من إحداهن : " الحمد لله إني مش موجودة في مصر حالياً " .

دعوني أدقق النظر في أمر الكارثة الكبرى الحقيقية من بين هذا كله : انحدار الشخصية المصرية وانحطاطها لمثل هذه الدرجة .. التحرك الجماعي شبه المنظم – وبشكل علني – من أجل شهوة حيوانية .
كنا نتشدق دوماً بروح التحضر المخلوطة بكيان الشخص العربي عامةً والمصري خاصةً ؛ ونقول أن الغرب لا يمتلك مثل هذه الروح وإن امتلك التقدم .. وكان دليلنا حادث نيويورك الشهير .. عندما انقطع التيار الكهربي هناك لمدة نصف ساعة فانتشرت حوادث الاغتصاب والسرقة والتمرد والشغب .. بينما لم يحدث هذا في مصر قبلاً ..
الآن ماذا نقول وهذا الحدث – الذي تم في وسط البلد - وحده يمزج بين جوانب سلبية خطيرة ؛ يكفي وجود أحدها للقضاء على أمة ؟

أولاً : عدم السيطرة على الشهوة والانسياق بعميانية تامة تحت سطوتها .. مما يهدم أهم وأبسط أسس الإنسانية ..

ثانياً : الصفاقة النادرة والجهر بالمعصية بمثل هذا الشكل .. فيتحول الأمر من بعض الاجتهادات الفردية – على سبيل الهواية – في الحمّام ، مروراً بتبادل أفلام الـ sex خلسة ، ثم تبادلها علناً ، وزيارة أماكن الدعارة المنتشرة ، وانتهاءً بما حدث .. التحرش العلني في أشهر ميادين العاصمة .

ثالثاً : عدم التمييز وفقدان المعيارية .. ليست كل المشكلة في التحرش بحد ذاته – وإن كانت هذه كارثة تكفي – بل إن جزءً كبيراً من المشكلة في أن يوقع هذا الشاب الرقيع الظلم على فتاة محترمة من دون سبب .. سواء كان هذا الظلم تحرشاً أو غيره ..
سابقاً كنا نقول : " احفظوا أنفسكم واتقوا الله في أهل بيتكم وابتعدوا عن الساقطات "
والآن نقول : " التهموا الساقطات فقط نرجوكم ولا تقربوا المحترمات " .
ترى ماذا سنقول غداً ؟

رابعاً : تهاون رجال الأمن الذي يكاد يقتلني قهراً .. تخلى رجل الأمن عن شرف وظيفته كرجل أمن مسئول عن كل ما يحدث من شغب حوله ، وطفق يشاهد هتك عرض الإناث كمن يشاهد حادثاً عادياً معللاً الأمر بأن اليوم يوم عيد !

خامساً : انتشار الفاحشة بشكل يدعو للذعر .. فلا تخلو كل شلة أو مجموعة أصدقاء شباب من شخص على خبرة ببيوت الدعارة ، أو على معرفة بساقطة يقدمها بين الحين والحين لبقية أصدقائه .. أو يقتسمونها سوياً ، وقد اعتبروا هذا أمراً عادياً من فرط انتشاره .. أو ربما للانغماس التام والإعجاب بإيقاع الحياة في الغرب ، أو المجتمع الأمريكي تحديداً الذي يغرقنا إعلامه .. وتناسوا أن ما يحدث هذا يندرج تحت لفظة ( زنا ) ..
أي أنه بين كل شلة ي مجتمعنا المصري زاني !
منذ بضع سنوات كان مجرد تصريح الفتى بممارسته للعادة السرية يمثل عاراً يُعيّر به بين أصدقائه حتى حين .. الآن : كل من لم يفخر بأنه أكل من طيبات الإناث حتى الشبع هو شاذ جنسياً بدون نقاش !

سادساً : انتشار رأي من يقول أن هذا : عادي جداً ويحدث كثيراً بشكل أو بآخر .. حتى ولو كان هذا عادياً ويحدث كل يوم .. هناك من يجهل ذلك وليس على دراية كافية بما يجري ..

كل من يظهر ليقول في رزانة ووقار أن هذا : ( عادي ) .. يساهم بقدر غير هين في تعاظم هذه الكارثة .. أو الظاهرة المفجعة التي نحن بصددها .

سابعاً : الفجاجة التي صدرت من بعض من انتقدوا هذه المشكلة .. وأقصد هنا تحديداً الانتقادات الموجودة على مدونات الإنترنت .. عرضوا الأمر بشكل فج وغير لائق .. فوصفوا تفصيلياً ما حدث للفتيات ، وذكروا حرفياً نصوص هتافات الشوارع المبتذلة ، ولم يفوّتوا بالطبع فرصة سبّ الحكومة والنظام ..
الوصف التفصيلي والذكر الحرفي سلبية كبيرة .. أشعر أنها كبت من نوع آخر يسبب أيضاً الأذى لمن يقرأ .. ولكن حسناً .. لن أقف مع هذا كثيراًً فقد يرجع هذا لاعتبارات شخصية ..
لكن ماذا عن أن نشق من كل مصيبة تحدث ترعةً لابد أن تصب في النهاية في بحر سبّ الحكومة ..
كَمَثَلِ شخصٍ شرب خمراً حتى الثمالة .. يسير في الصحراء مترنحاً فترتطم قدمه بصخرة تدميه .. تجده يصرخ : حكومة بايظة !

ما دخل الحكومة بالأمر بالله عليك ؟ وكيف تتهمها بالـ ( بوظان ) وأنت سكران أساساً ؟!
لن أثرثر في هذا الأمر كثيراً لأني تحدثت في مقال سابق عن رؤيتي للمعارضة الصحيحة التي يجب أن تكون .. وأكرر أني ها هنا لستُ أدافع عن الحكومة .. وإنما فقط أدعو إلى مَنطَقة معارضتها كي يسمعنا الآخرون ويهتمون بحديثنا ..
تماماً كـ مشكلتنا الآن .. المشكلة مشكلة سعار جنسي وتحرش في ميدان عام .. ما دخل نظام الحكم والرئيس بالأمر ؟ وما الذي يودي بك إلى الحديث عن غلاء سعر البنزين في الأيام الأخيرة ؟ أم أنك احترفت هذا ؟ .. ثم لماذا تسب ؟!
أشياء كهذه تسبب الغيظ وتشتت الجميع وتبعده عن صميم المشكلة .. فلنتجه بالنقد كله للإعلام – الذي لا أنكر أنه جزء من الحكومة ، لكن لا ننحرف لقضايا أخرى – ولكل جهة مسئولة عن إخراج سبب من الأسباب التي تساهم في هذه الكارثة .

كذلك لابد أن نكون على قدر من العقلانية والإنصاف ولا ننكر أن الشباب الـ ( تعبان ) هذا يمثل ضحية تم سحقها في المجتمع .. مهما بدوا وحوشاً يوم السعار الجنسي هذا ومهما رغبنا في قتلهم .. فهم محض ضحايا ..
ولكن فلنفكر سوياً .. ضحايا لمن ؟

ضحايا الإعلام ؟ أم ضحايا كل كاتب لا يتقي الله في موهبته ، ومنتج لا يتقي الله في ماله ، ومخرج لا يتقي الله في فنه ؟ أم ضحايا أصحاب السايبرز الذين يكسبون حراماً عن طريق شهوات الشباب ؟ أم ضحايا كل بنت فَرِحة باستداراتها الأنثوية فتخرج لتبرزها على الملأ في ملابس تدّعي أنها محتشمة ؟ أم ضحايا كل متحرش ( أوتوبيسي ) – على قده – حرّك الغريزة في أحشاءهم ودفعهم بشكل مباشر لأن يقلدوه ؟ أم ضحايا كل صديق يحدّثهم عن عاهرته ويقتسمها معهم ؟ أم ضحايا الآلاف من القائمين على المواقع الإباحية على الإنترنت ؟ أم ضحايا المخترقين الذين يسمحون بوجود مثل هذه المواقع ولا يدمرونها ؟ أم ضحايا رجال الأمن الذين تحرشوا بالصحفيات من قبل فأعطوا بذلك للتحرش شرعية ؟ أم ضحايا كل هؤلاء مجتمعين ؟

سابقاً كنا نقول على سبيل المبالغة : " لم يبقَ إلا التحرش علناً بحرية بالفتيات في الشوارع " .. وها قد حدث ..
الآن نقول : " لم يبقَ إلا أن يقتحم الماجنون الديار بحرية ويغتصبون الفتيات في غرفهن وقتما يشاءون "

اقتربنا جداً .. لم يعد هذا ببعيد !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى