الجمعة ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

المغرب النووي

يبدو أن المواطن المغربي لا زال في "دار غفلون" بخصوص كل ما يرتبط بالمجال النووي كأن لا حق له في المعلومة والإخبار ورغم أن الأمر يهمه.

وفي هذا الصدد يستغرب المرء عندما يسمع وزير الطاقة ينفي أن يكون للمغرب أي فكرة أو مشروع أو برنامج يتعلق بإحداث محطات، في حين يؤكد بعض المسؤولين في المكتب الوطني للكهرباء أن هذا الأخير يشرف على مشروع للطاقة النووية. فهل وزير طاقتنا يسعى إلى استغفال المغاربة عندما يؤكد قائلا: "الأهم بالنسبة للمغرب هو ضمان أمن التزود بالمواد النفطية في كل لحظة"، هذا دون الإشارة لمشروع المكتب الوطني للكهرباء؟

ومن المعلوم أن الدولة استثمرت الكثير في المجال النووي، كما أن الإرادة الحكومية بدت قوية في الإقرار بالإطار القانون المنظم للنشاط النووي بالمغرب.

كثيرون هم الذين يربطون مباشرة عبارة "نووي" أو "ذري" بالقنبلة، لكن هناك مجال سلمي واسع جدا لاستعمال الذرة، علما أن هناك 8 بلدان يتوفرون على القنبلة النووية: فرنسا، روسيا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، الهند، باكستان، وهناك دول أخرى تسعى في السر لولوج هذا "النادي النووي".

ولا تزال منطقة المغرب العربي من أكثر المناطق التي تحظى باهتمام دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لعدة اعتبارات منها التاريخية والجغرافية والسياسية. وهذه "الخطوة" لم تكن مجرد علاقات عابرة، بل تأسست على جملة من الاتفاقيات والشراكات الثنائية، لاسيما في المجال الجيو إستراتيجية، في هذا الإطار وجب التعاطي مع الإشكالية النووية بالمغرب في الفضاء الشمال الإفريقي، فما هي آفاق المغرب في المجال النووي؟

سؤال، تحاول أسبوعية "المشعل" المساهمة في الإجابة عليه عبر هذا الملف الذي سعى لإثارة جملة من القضايا المرتبطة بالإشكالية النووية ببلادنا.

البرنامج النووي... رؤية الحكومة

من الرغم من التصريحات المتناقضة تارة والمتعارضة تارة أخرى، تسعى الحكومة المغربية لتحقيق سنة 2008 تنويعا لتقليص استهلاك منتوجات النفط (في حدود 50 في المائة)، لاسيما تعزيز مصادر أخرى لتوليد الكهرباء، ومن ضمنها الطاقة النووية. علما أنه لم يسبق أن أعلنت الحكومة عن برنامج نووي واضح المعالم ومحدد الأهداف، ما عدا ما تم الكشف عنه بخصوص بعض برامج المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية المحتشمة بهذا الخصوص، والتي لا ترقى لتوصف لا ببرنامج نووي ولا بإستراتيجية نووية.

فحسب جملة من التصريحات الرسمية، على لسان مسؤولين كبار، لم يسبق للمغرب أن نوى إنشاء منشآت للطاقة النووية لتلبية احتياجاته من الطاقة الكهربائية. وعلى ما يبدو لا يتوفر المغرب إلى حد الآن على خطط لبناء محطات توليد الكهرباء تعمل بالطاقة النووية، علما أنه هو البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي لا ينتج النفط، هذا من جهة. لكن من جهة أخرى تبرز بعض التصريحات، من هنا أو هناك، تقر بأن بلادنا ستبدأ في انجاز خطة جريئة لإحداث محطة لتوليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية للحد من ثقل الفاتورة البترولية، وقد قيل أن هذه المحطة ستشيد بالدار البيضاء.
ومهما يكن من أمر فإن فرنسا تدعم البرنامج النووي بالمغرب، وقد سبق لسفيرها بالرباط أن أعلن أن الخيار النووي لازال مهملا بالمغرب ولا يحظى بالأهمية اللازمة رغم أن كل المؤشرات تفيد أنه لا خيار له في مجال الطاقة إلا هذا المسلك.

ومن السهل على المرء أن يلاحظ أن تصريحات المسؤولين المغاربة لا تركز إلا على الرغبة في التعاون مع الشركاء الأوروبيين من أجل إقامة شبكات للنفط والغاز والكهرباء ومد خطوط أنابيب عبر الأراضي المغربية لتزويد السوق الأوروبية (شبكة للكهرباء تربط بين المغرب وإسبانيا وخط أنابيب الغاز بالبحر الأبيض المتوسط لنقل الغاز من الجزائر إلى إسبانيا).

المغرب وخيار الطاقة النووية

لقد سبق للمدير العام السابق للمكتب الوطني للكهرباء، أحمد ناقوش، أن قدم لوزير الطاقة مشروع إستراتيجي يعتمد في أحد أجزائه الرئيسية على المجال النووي. وبعد مدة أجريت دراسة تقنية واسعة المدى ولم يبق إلا الموافقة السياسية للمرور إلى التطبيق. علما أن فتح الله والعلو أعلن أمام البرلمان في خريف 2005 أن المغرب قد انطلق في "مغامرته النووية"، لكن بعد أيام قليلة أنكر محمد بوطالب، وزير الطاقة، وجود أي خيار نووي بالمغرب الشيء الذي أثار عدة تساؤلات بين الفاعلين الاقتصاديين في مجال الطاقة.

وقبل التفكير في الطاقة النووية سبق للمغرب أن اهتم بالصخور النفطية المتواجدة بناحية بن كرير، إلا أن دراسة الجدوى أظهرت أن كلفة المشروع والمنتوج ستكون باهضة جدا وتفوق بكثير سعر البترول. وبعد ذلك اهتم المغرب بالخيار النووي كإحدى الأولويات المسطرة في التصميم الخماسي 1977-1981، إذ برمج أحداث محطة نووية لإنتاج الكهرباء من أجل التقليص من الفاتورة النفطية، آنذاك تم التفكير في تركيب مفاعل "تريكا" بكلية العلوم بالرباط مع تزويده باليورانيوم الذي سيستخرج من الفوسفاط المغربي آنذاك بخصوص المجال النووي.

ويبدو أنه بالرغم من أن المكتب الوطني للكهرباء اكتسب تجربة عالية في مجال إنتاج الكهرباء الحراري والمائي، ونقل وتوزيع التيار الكهربائي، إلا أن مجال الطاقة النووية مختلف كليا ويتطلب درايات ومهارات ومعارف وعقلية وثقافة نووية جديدة، لاسيما فيما يخص القدرة على التصدي للأخطار المفترضة. علما أن القائمين على الأمور في هذا المجال ظلوا يولون أهمية قصوى للجانب الاقتصادي (التخلص من التبعية الطاقية، تعددية مصادر الطاقة...) دون الجوانب الأخرى.
وعلى مستوى الخطاب الرسمي يبدو أن المغرب يتبنى تارة الخيار النووي للتخفيف من عبء فاتورة النفط، ويستبعده تارة أخرى، أو أنه في آن واحد يتبناه ويستبعده.

ورغم ذلك فإن المكتب الوطني للكهرباء يشرف على مشروع خاص بالطاقة النووية من المفترض أن يكون جاهزا بحلول سنة 2017، ويتعلق الأمر بمفاعل نووي بطاقة ما بين 700 و 1000 ميغا واط.
للإشارة، يعرف المغرب نموا مطردا في استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة 8 في المائة سنويا، أي ما يعادل ما تنتجه محطة نووية بقوة 400 ميغاوات. وتتوفر بلادنا حاليا على 5 محطات لتوليد الكهرباء تنتج 90 في المائة من الحاجيات، والباقي يتم استيراده من إسبانيا عبر شبكة خطوط أحدثت سنة 1977 تربط المغرب بأوروبا.

وحسب البعض، إن المغرب لا خيار له الآن في مجال إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة النووية إلا بتسليم هذا الامتياز لشركة أجنبية في منطقة حرة لإنتاج الكهرباء لفائدة المكب الوطني للكهرباء.
وقد سبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن حددت موقعا ساحليا يقع جنوب مدينة الدار البيضاء يعتبر في نظر خبرائها صالحا لإقامة مفاعل نووي به لغرض إنتاج الكهرباء.

المفاعل النووي المغربي

في بداية الألفية الثانية اقتنى المغرب أول مفاعل نووي، وهو المتواجد الآن بالمركز الوطني للدراسات النووية بالمعمورة التابع للمركز الوطني للدراسات والعلوم والتقنيات النووية.

وتساءل الكثيرون عن سبب عدم قدوم الحكومة المغربية بحملة إعلامية لتوضيح الهدف من اقتناء هذا المفاعل وتسليط الأضواء على الضمانات القانونية والعلمية حتى يكون المواطن على علم بما يجري ببلاده، لاسيما وأن هذا من حقه ما دام المفاعل ممول من مال الشعب.

إن هذا المفاعل من صنع الشركة الأمريكية "جينرال أتوميك"، اقتناه المغرب في إطار اتفاق أبرم سنة 1980 بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية. والمغرب يعتبر حاليا من بين 24 دولة أبرمت اتفاق تعاون نووي مدني مع واشنطن.

مفاعل المعمورة من نوع "تريكا مارك 2"، ويتوفر على معامل حراري سريع وسلبي وقوته 2 ميغاواط قابلة للارتفاع إلى 3 ميغاواط، وهذا ما يجعله قابلا للتركيب بالجامعات ومراكز البحث وبوحدات لإنتاج الكهرباء.

علما أن براءة اختراعه سجلت سنة 1958، ويستعمل كوقود "اليورانيوم زيكو ريوم"، وهو وقود يحتوي على 8.5 في المائة من اليورانيوم في كتلته الإجمالية.
وفرت الشركة الأمريكية "جنيرال موتورز" المعدات المرافقة للمفاعل، كما تكلفت بعملية تركيبه. وكشفت إحدى المصادر المطلعة أن بعض الشركات الفرنسية ساهمت في انجاز ورش المفاعل، وعلى رأسها شركة "سبي باتينيول" (SPIE BATIGNOLLES).

وتطلب هذا الورش ما يناهز 80 مليون أورو (900 مليون درهم)، في حين تطلب اقتناء المفاعل 680 مليون درهم 40 في المائة منها كقروض دعم من طرف أمريكا وفرنسا.
وبلغ دعم الدولة المالي في الغلاف الإجمالي للمشروع ما يناهز 120 مليون درهم.

بدأت أشغال ورش المفاعل بالمعمورة في صيف 1999 بعد إجراء أبحاث علمية مع خبراء أمريكيين وفرنسيين وكوريين جنوبيين، وقد كان مقررا أن يتم تشغيل المفاعل في بداية سنة 2006، إلا أن التأخير المسجل بخصوص تاريخ الانطلاقة يعود بالأساس إلى نهاية مفعول اتفاق التعاون في المجال النووي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية مع حلول سنة 2000، وكان لا بد من انتظار تجديده سنة 2001 ليغطي 20 سنة قادمة، لكن لم تتم المصادقة على التجديد إلا في صيف 2002.

وأكد لنا مصدر مطلع أن الوقود النووي المستخدم في تشغيل المفاعل النووي قد وصل فعلا إلى المغرب وينتظر تعبئة المفاعل به قريبا جدا تحت إشراف أمريكي وتحت مسؤولية ستة مهندسين وتقنيين مغاربة تلقوا تكوينا خاصا بهذا الخصوص. وتشير مختلف المعطيات المتوفرة الآن إلى أنه من المتوقع أن يبدأ تشغيل مفاعل المعمورة في الأسابيع القليلة المقبلة.

بعد مرحلة التجريب التي قد تدوم سنة أو أكثر، سيدخل المفاعل في الدورة الإنتاجية لإنتاج أكثر من 10 أنواع من النظائر المشعة ذات الاستعمالات الطبية والصناعية.
ويبقى من أهدافه الرئيسية المساهمة في تطوير المجالين الطبي والصناعي والتقليل من الاعتماد على النفط لتوليد الكهرباء عبر توفير كل الشروط الملائمة اعتماد سياسة طاقية تعتمد إدماج الطاقة النووية في نسيج طاقتنا.

وبهذا الخصوص تم إعداد طاقم خاص للإشراف على المفاعل النووي وصيانته وتدبيره، إذ خضع جملة من المهندسين والتقنيين المغاربة لدورات تدريبية على نفس النوع من المفاعلات في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والنمسا وماليزيا.

وحسب أكثر من مصدر يعتبر نموذج "تريكا مارك 2" من النماذج المتميزة بدرجة عالية من الأمان وقد استعمل كثيرا عبر العالم ولم يسبق أن لوحظت أي حادثة، علما أنه نموذج يحظى بتتبع الوكالة الدولية للطاقة النووية التي دعمته دعما كاملا.

المركز النووي هل هو سر من أسرار الدولة؟

منذ التفكير في إحداثه بدعم أمريكي، ظل أمر إقامة المركز النووي المغربي سرا من أسرار الدولة.
وبقي الأمر محجوبا عن المواطن المغربي منذ 1986، ولم تتسرب أي معلومات عنه رغم بداية أشغال تشييده في سنة 1999، ولعل هذا الطابع السري هو الذي أدى إلى اختيار بقعة أرضية في قلب غابة المعمورة بالقرب من القاعدة العسكرية الكائنة ببلاد الدندون (بوقنادل)، وهي قاعدة أمريكية قديمة ظل يلفها جدار سميك من السرية إلى حدود جلاء آخر جندي أمريكي عن المغرب في الستينيات، وهي قاعدة قيل أنها كانت متخصصة في التجسس وتابعة للباتاغون آنذاك.

وفي سنة 1998 زار عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول السابق، الصين وتمكن من إبرام اتفاق مع بيكين بخصوص إقامة مفاعل نووي بطانطان الشاطئ لتشغيل محطة لتحلية مياه البحر قصد تزويد مدينة طانطان بالماء الشروب، إلا أنه يبدو أن المشروع أغتيل قبل الولادة بفعل ضغوطات اللولبيات الإسبانية والجزائرية.

النفايات النووية

من يريد النووي عليه كذلك قبول النفايات النووية. وقد أثار هذا المشكل مؤخرا جدلا واسعا عندما وافق منتخبو مدينة القنيطرة بدعم من السلطات المحلية على إقامة محطة لايداع وتسريب مياه ناتجة عن نفايات مشعة في نهر سبو عبر شبكة التطهير. وقد تم الإقرار بهذا الخصوص دون إشراك فعاليات المجتمع المدني، لاسيما وأنه أمر قد تكون له انعكاسات على المدينة وساكنتها.

واعتبارا للتعتيم الذي لازال يكتنف المجال النووي بالمغرب بدأت تبرز جملة من التساؤلات مفادها هل تلك النفايات من إنتاج داخلي أم أنها آتية من الخارج؟ وإن كان مصدرها داخلي أين كانت ترمى من قبل؟ وكيف يتم التعامل معها؟

إن الإشكال المثار مؤخرا بمدينة القنيطرة ولّد ردود فعل مختلفة ومتباينة. وبهذا الخصوص أصدرت أكثر من جهة بيانات وبلاغات. وقد تميز فرع حزب الطليعة ببيان تجاوز الصيغ التقليدية، إذ طرح الإشكال في إطاره العام آخذا بعين الاعتبار تفاعلاته على المستوى الجهوي والوطني والدولي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، هذا مع دعوة كل فعاليات المجتمع المدني للاهتمام بهذه القضية نظرا لخطورتها الآنية والمستقبلية باعتبارها قضية تهم كل المواطنين ولا يجوز اقتصار التقرير بصددها على جهة دون غيرها.

الجزء الثاني

الجزائر والنووي

تشير الأرقام والمعطيات المتوفرة إلى أن الجزائر تتوفر على مخزون هام من الطاقة. فقد بلغت عائدات الطاقة الجزائرية خلال سنة 2004 ما يناهز 31.5 مليار دولار (ما يفوق 315 مليار درهم).
وهذا المكانة التي تحتلها الجزائر في إنتاج الطاقة يجعلها قادرة على جلب استثمارات أجنبية متنوعة تساهم في دفع عجلة الاقتصادي الجزائري وتمكينه من توظيف أموال في مجال الأبحاث النووية وهذا ما لا يتوفر عليه المغرب.

في فجر الستينيات، بعد حصولها على الاستقلال، سمحت الجزائر للجيش الفرنسي بإجراء أبحاث نووية في قاعدة سرية، وهذا ما كشفت عنه جريدة "لونوفيل أوبسيرفاتر" في شهر أكتوبر 1997.
ومقابل هذا حصلت الجزائر من فرنسا على القاعدة الفرنسية بالموقع المسمى "ركان" بكل تجهيزاتها، وهي قاعدة خصصت لتجارب مرتبطة بالقنبلة النووية وبها تجهيزات لإطلاق صواريخ باليستيكية. كما قامت فرنسا بتدريب بعض الجنود الجزائريين على الحرب الكيماوية بالمدرسة العسكرية بمدينة "غرونوبل".

وحسب أحمد زروف، كولونيل سابق بالدرك الملكي، أن الجزائر تمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية، وأنها ظلت تسعى لولوج "نادي السلاح النووي". وقد سبق لجريدة "أوجوردوي لوماروك" أن نشرت ورقة بهذا الخصوص تحت عنوان: "النووي، بوتفليقة ليس أهلا للثقة" وخلصت إلى كون الجزائر تمتلك قدرات تمكنها من إنتاج قنبلة نووية، إلا أن أغلب المحللين السياسيين اعتبروا أنها مجرد مزايدات مرتبطة بتداعيات ملف الصحراء.

وفي نفس الاتجاه أقر أحمد زروف أن هذا ما يفسر موقف جيمس بيكر بخصوص ملف الصحراء، لاسيما وأنه مستشار لكل الشركات الأمريكية الناشطة بالجزائر .

وطالبت واشنطن الجزائر أكثر من مرة أن تفتح أبواب مفاعليها النوويين أمام المراقبين الدوليين في مجال الطاقة. ففي سنة 2004 تعرضت الجزائر لعدة ضغوطات أمريكية لقبول قيام مراقبين دوليين بزيارة مفاعلي "نور" و "سلام" الجزائريين.

آنذاك أكد أكثر من مصدر غربي أن في إمكان هذين المفاعلين النووين تخصيب اليورانيوم وإنتاج ما بين 3 و 5 كيلوغرامات اليورانيوم المخصب سنويا، وتزامن هذا مع تكذيب واشنطن للأخبار القائلة أن الولايات المتحدة الأمريكية تنوي إحداث قاعدة عسكرية بالجنوب الجزائري للتصدي لتنظيم القاعدة التي كانت آنذاك (2004) قد بدأت تهتم بمنطقة الساحل.

المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية

في 26 فبراير 1999 صدر مرسوم الوزير الأول الذي أعطى الضوء الأخضر للمركز النووي لبناء مقره بجماعة سيدي الطيبي (إقليم القنيطرة).
وتم اختيار بقعة أرضية وسط غابة المعمورة على بعد أمتار قليلة جدا من القاعدة العسكرية التي كانت في السابق مقرا لقاعدة أمريكية تخصصت في الاتصالات والتجسس.

بدأت مختبرات المركز في الاشتغال منذ سنة 2003، ويديرها طاقم متخصص في مختلف المجالات (الصيدلة، البيولوجيا، الهيدرولوجيا، الراديوغرافيا الصناعية، الوقاية النووية وتدبير النفايات المشعة).
وحسب مديره العام، خالد المديوري، مازال المركز يشكو من قلة موارده المالية والتي لا تتجاوز الآن 40 مليون درهم على شكل دعم من طرف الدولة.

وللإشارة هناك جملة من المطالب لا زال أطر المركز ينتظرون تحقيقها، لاسيما فيما يتعلق بالأجور والتعويضات، وهذا في وقت ما زال فيه المفاعل النووي للمركز لم يشتغل بعد.

رأي في طموح المركز الوطني للدراسات النووية – المفاعل النووي

ترى البروفسور نزهة بن الرايس عواد (متخصصة في الطب النووي) أن طموح المفاعل النووي المغربي كبير جدا ومن الصعب تحقيقه بخصوص إنتاج المادة المستعملة في مجال الطب النووي والمستوردة من الخارج: (RADIO – ISOTOPES).

وذلك لعدة اعتبارات، من أهمها أن الطب النووي بالمغرب مازال جنينيا جدا وفي بداية بداياته، وسيكون من قبيل المخاطرة التوجه نحو مثل هذه الصناعة. هذا، علما أن دول المغرب العربي تقتني تلك المادة مباشرة من أوروبا ومفاعل "سفري" المتواجد بجنوب إفريقيا يغرق الأسواق الإفريقية بهذه المادة.
وردا على هذا الرأي أكد المدير العام للمركز الوطني للدراسات والعوم والتقنيات النووية، خالد المديوري، على أن المركز ساهم في تخفيض سعر بعض المواد المستعملة في مجال الطب النووي، لاسيما بخصوص مادة "إيود 131" (المستعملة في معالجة السرطان)، إذ كان سعر حصة الشخص الواحد يناهز 12 ألف درهم، فأصبح المركز يوفرها بسعر لا يفوق 3500 درهم فقط. وبذلك يكون المركز قد ساهم في تمكين عدد أكثر من المواطنين لاقتنائه. علما أن التوصل إلى تغطية حاجيات المغرب في هذا المجال يعتبر، في حد ذاته انجازا مهما جدا.

ثقل فاتورة الطاقة

يعتبر المغرب البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي لا ينتج النفط حاليا ولا يتوفر على حقول نفطية برية، لذلك ظل يستورد كميات كبيرة منه، وهذا ما يسبب في عجز ميزانية الدولة وينعكس على المواطنين على شكل ارتفاع كلفة المعيشة ومصاريف الكهرباء.

ففيما بين 1994 و 2005 انخفضت حصة المنتوجات النفطية في ميزان الطاقة من 85 في المائة إلى 60 في المائة بفعل الرفع من كميات الفحم والغاز المستورد المخصصين لإنتاج الكهرباء. وسعى المغرب لتخفيض نسبة المنتوجات النفطية إلى 50 في المائة بالاعتماد على الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والهوائية، وكذلك الكهرباء المولد عن طريق الطاقة النووية رغم أن جملة من التصريحات الرسمية ظلت تفي هذا الخيار الأخير.

البروتوكول النووي المغربي الأمريكي

رُفع الحظر على المغرب في مجال النووي المدني بفضل واشنطن، وكان ذلك بمباركة الرئيس الأمريكي جورج بوش لاتفاقية 1980 المتعلقة بالتعاون النووي بين البلدين.

وقد كشف أكثر من مصدر مطلع أن الرئيس الأمريكي أعطى شخصيا تعليماته لوزير الشؤون الخارجية كولن باول، آنذاك، ولوزير الطاقة أبراهام سبينسر، قصد الاهتمام عن قرب بتطبيق توصيات الاتفاق مع المغرب. وفي هذا الصدد جاء في إحدى الصحف الأمريكية القريبة من البيت الأبيض على لسان الرئيس جورج بوش : " إذا كان المغرب لا يتوفر على أي مركز نووي، فهذا لا يعني أنه لا يرغب في ذلك أو أن الإمكانيات تعوزه".

للإشارة، فإنه لأول مرة نلاحظ رئيسا أمريكيا يهتم شخصيا بتنمية المجال النووي بالمغرب.
آنذاك تناسلت أخبار وإشاعات بخصوص إقامة مفاعل بضواحي مدينة الصويرة ثم بطانطان. الشاطئ إلى أن استقر الرأي على إحداث المركز النووي بغابة المعمورة.

ومن المعلوم أن المغرب يعتمد على الخارج لتغطية أكثر من 90 في المائة من حاجياته الطاقية، كما أن الدفاع عن الخيار النووي ليس وليد اليوم، فالمغرب انخرط في الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ 1957، سنة واحدة بعد حصوله على الاستقلال. وفي سنة 1986 كان ميلاد المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية والذي اضطلع بمهمة تهييء الشروط لإحداث أول محطة نووية بالمغرب، ومنذئذ أحيطت القضية بسرية تامة ولم يعرف المغاربة أنه تم الشروع في إحداث مركز نووي على مساحة 20 هكتار قي قلب غابة المعمورة.

ضحايا التجارب النووية الفرنسية بشمال إفريقيا

يبدو أن أولى التجارب النووية الفرنسية أنجزت بالصحراء الجزائرية فيما بين 1960 و 1966. ففي الخمسينيات قررت الحكومة الفرنسية تمكين فرنسا من السلاح النووي. وفي سنة 1957 أحدثت السلطات الفرنسية منطقة عسكرية محظورة بمنطقة " زكان" بالصحراء الجزائرية على بعد 700 كلم جنوب بشار، حيث أقامت قاعدة عسكرية ضمت أكثر من 3000 جندي، وكانت أول تجربة نووية فرنسية في فاتح أبريل 1960 وتلتها تجربة ثانية في 27 دجنبر 1960 ثم ثالثة في 25 أبريل 1961. وحسب أحد العلماء الفيزيائيين الحاضرين خلال التجربة الأخيرة " إيف روكار" كانت لها تأثيرات بيئية وخيمة وصلت انعكاساتها إلى التراب المغربي رغم تحديد المنطقة المتضررة في دائرة قطرها 150 كلم ( المنطقة المحظورة).
ومنذ 4 سنوات أسس ضحايا التفجيرات التجريبية الفرنسية بالصحراء الجزائرية جمعية للمطالبة بإقرار الدولة الفرنسية بمسؤوليتها بهذا الخصوص. وتظم هذه الجمعية حاليا أكثر من 3000 عضو.

مشروع طانطان

يعود التفكير في مشروع طانطان إلى عدة سنوات خلت، ويتعلق الأمر بإحداث محطة لتحلية مياه البحر لتزويد المدينة بالماء الصالح للشرب.
ومازالت لم تظهر إلى حد الآن إمكانية تحقيق هذا المشروع من عدمه رغم أن المنطقة تعرف خصاصا واضحا في المياه. علما أن حكومة اليوسفي سبق لها أن أجرت محادثات بهذا الخصوص مع الصين، إذ أبرم الوزير الأول اتفاقا مع نظيره الصيني بهذا الخصوص، كما أنه تم إعداد دراسة جدوى أولية للمشروع، كما وافقت الصين إمداد المغرب بمفاعل نووي لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل تلك المحطة.

النووي يشنج العلاقة بين المغرب وإسبانيا

سبق لعدة فعاليات سياسية أن عبرت بوضوح عن قلقها مما أسمته برغبة المملكة المغربية في إقامة مشروع نووي بمدينة طانطان الشاطئ.

وقد صعدت أوساط حزبية إسبانية من احتجاجها بهذا الخصوص، بل ذهب بعضها إلى درجة مساءلة
الحكومة الإسبانية.

وتحدثت الصحافة الإسبانية عن بناء مفاعل نووي بجنوب المغرب، في حين أن الفكرة الأصلية تتعلق بمشروع إقامة محطة لتحلية مياه المحيط الأطلسي، مزودة بكهرباء مولد بالطاقة النووية.
وقد برزت قضية مدينة طانطان من جديد في أبريل 2005 عندما عبرت حكومة جزر الكناري مرة أخرى عن قلقها بخصوص تفكير المغرب في السماح بأحداث قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، إذ اعتبرتها إسبانيا كرد فعل واشنطن على قرار الحكومة الاشتراكية الإسبانية الرامي إلى سحب جنودها من العراق في مايو 2004، بعد مرور شهر واحد من وصول الاشتراكيين إلى الحكم بإسبانيا.

كما سبق لإحدى جمعيات حماية البيئة بإسبانيا، منذ سنوات، أن احتجت بشدة على اتفاقية عقدها المغرب مع الصين بخصوص أحداث مفاعل نووي لأغراض سلمية بالجنوب.

وقد تزامن الاحتجاج الإسباني مع الاحتجاج الجزائري، وهذا على الرغم من أن الاتفاقية التي عقدها الوزير الأول السابق، عبد الرحمان اليوسفي، مع الصين سنة 1998 كانت تخص محطة لتحلية مياه البحر.

وأولى "الخضر" الإسبان كذلك أهمية كبرى لهذا المشروع حيث اعتبر أحد القائمين على مركز القضايا البيئية بإسبانيا أن أي مشروع يخص إقامة محطة نووية في المغرب، لو تحقق، فسيضر كثيرا بالسمعة السياحية لجزر الكناري.

وقال "رومان رودريكيز"، رئيس تحالف "الكناري الجديدة الكبرى"، إن هذا الموضوع يعتبر بالغ الأهمية بخصوص مصالح وأمن جزر الكناري، وطالب السلطات بالتزام الحذر واليقظة الدائمين، كما دعا إلى توجيه استفسارات للحكومة الإسبانية وإثارة القضية في البرلمان الإسباني.

وقد تأكد بجلاء أن سياسيي جزر الكناري هم الذين كانوا وراء هذا التصعيد. علما أن هذه الجزر تقع وسط مياه المحيط الأطلسي، وتقابل الشواطئ المغربية على بعد 100 كلم من طانطان – الشاطئ وتضم 3 جزر كبيرة وهي "لاس بالماس" و "تينيريفي" و "لانتاروتي" إضافة إلى جزر صغيرة كثيرة.

التصدي للخطر النووي

لازالت بلادنا في بداية بدايتها على درب المسار النووي، ولا تتوفر بعد على تراكمات تمكنها من اكتساب خبرات خاصة بالتصدي للأخطار النووية التي تحدق بها. ويبدو أن هذا الواقع يتير بعض القلق لدى البعض.

ولعل من النقائص في هذا الصدد استمرار غياب الإطار القانوني المنظم لمختلف الأنشطة المرتبطة، بشكل أو بآخر، بالمجال النووي، وكذلك غياب آليات المراقبة والرصد والتتبع تغطي كافة التراب الوطني.
وحسب جملة من الاختصاصيين لازالت بلادنا تفتقر للدراية والمعدات وشبكة آليات كافية للتنبؤ بتلوث إشعاعي أو قرب حدوثه للتصدي إليه في الوقت المناسب.

وهذا ما تبين بمناسبة العطب الذي تعرضت له الغواصة الإنجليزية "تيرليس" بمضيق جبل طارق في بداية سنة 2001. ومن المعلوم أن العطب ارتبط بمفاعل الغواصة رغم أنه تم التستر على ذلك من طرف السلطات المغربية خلافا لما حدث في إسبانيا، وفعلا كان العطب من الأعطاب الخطيرة، إذ كان مفاعل الغواصة مهددا بالذوبان بفعل تعطل منظومة التبريد به.

وهناك جهة واحدة بالمغرب هي التي خرجت عن الصمت بخصوص هذه القضية آنذاك، إنه حزب البيئة الفتي الذي تجرأ وكشف سياسة النعامة المعتمدة من طرف السلطات المغربية.
وحسب مجلة "علوم وحياة"، يعتبر البريطانيون مسؤولون بنسبة 80 في المائة على الإشعاعات النووية التي تعرضت لها البحار، وقدرت النفايات المرمية في المحيط الأطلسي على امتداد 40 سنة بما يناهز 75 ألف طن في أمكنة متفرقة من المحيط، 3 منها قريبة جدا من المياه الإقليمية المغربية وهذا أمر ما زال متسترا عليه.

فكم من غواصة نووية تعبر مضيق جبل طارق في السنة؟ وما هي الاحتياطات المتخذة بهذا الخصوص؟
لا المغرب ولا إسبانيا نفسها، في مقدروهما الجواب على هذه الأسئلة، "الحلف الأطلسي" (OTAN) هو سيد الموقف بهذا الخصوص ولا جهة أخرى سواه.

- معطيات عامة -

ظهر أول مفاعل نووي سنة 1951 بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ 1960 دخلت الطاقة النووية في عصر التصنيع. وفي بداية سنة 1997، تمكن 32 بلدا من أحداث بنيات تحتية نووية لإنتاج الكهرباء، إذ تم إحصاء آنذاك أكثر من 440 مفاعل نووي في حالة اشتغال. وفي سنة 2000، تمكنت الطاقة النووية من إنتاج 31 في المائة من الكهرباء المستهلك بأوروبا الغربية (77 في المائة بفرنسا) و 15 في المائة بالولايات المتحدة الأمريكية و 28 في المائة بأمريكا اللاتينية و 24 في المائة بإفريقيا.
علما أن كل من الدانمارك واليونان وإيرلندة ولوكسهيورغ والنرويج والبرتغال والنمسا رفضت اللجوء إلى الطاقة النووية، في حين أن إيطاليا وهولندة وألمانيا والسويد اعتمد سياسة التخلي تدريجيا عن استعمال الطاقة النووية لتوليد الكهرباء.

الطاقة المتجددة

ظل المغرب يسعى إلى تشجيع استهلاك الطاقة بتنمية مصادر الطاقات المتجددة ( الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية). وسبق لوزير الطاقة والمعادن، محمد بوطالب أن صرح قائلا :" ليس ثمة تفكير في تقليص استهلاك منتوجات الطاقة، بل إنه علينا الزيادة في استهلاكها لأن نسبة استهلاكها تعتبر محددا للتنمية الاقتصادية". وسبق للمغرب أن أبرم شراكة مع البنك الدولي للقيام بتأسيس إطار قانوني خاص بالطاقات المتجددة والآليات الخاصة لمراقبة فعالياتها.

وتساهم الطاقات المتجددة بأربعة في المائة من إنتاج الطاقة بالمغرب، وينتظر ارتفاع هذه النسبة إلى 10 في المائة بحلول سنة 2010، لاسيما عبر تفعيل شراكات مع بلدان أوروبية ( خاصة ألمانيا)، علما أن الطاقة النووية غير معنية ويقتصر الأمر على الطاقة الشمسية والهوائية بالأساس.

خلاصة القول

إن النشاط النووي المغربي ما زال في مرحلته الجنينية، ولا زال مقتصرا على المجالات الضيقة (الطب النووي، البحث العلمي، الفلاحة، بعض الأنشطة الصناعية)، ورغم ذلك فإن بلادنا ليست في مأمن من الأخطار النووية باعتبار موقعها الإستراتيجي وقربها من أوروبا، وباعتبار كثرة مرور المواد المشعة عبر مضيق جبل طارق.

وإذا كان الخيار النووي أضحى مفروضا على المغرب حاليا، فإنه يتطلب الوقت وموارد مالية ضخمة، فإذا أردنا انجاز محطة نووية لإنتاج الكهرباء بقوة 1200 ميغاواط (وهو الحد الأدنى)، وانطلقت الأشغال بخصوصها منذ الآن، فإنها ستتطلب على الأقل ما بين 10 و 15 سنة لتصبح ذات جدوى. أما على المستوى المالي، فإنها تتطلب على أقل تقدير ما يناهز 25 مليار درهم على امتداد 10 سنوات، وهذا أمر يبدو صعب المنال اعتبارا لوضع الاقتصاد الوطني. لكن، وبالرغم من كل هذا يبدو أن المغرب لا خيار له وهو في حاجة للطاقة النووية للتقليل من تبعيته المفرطة في هذا المجال، علما أنه إن توفرت بنية تحتية كافية، فإن الطاقة النووية ستظل أقل كلفة نسبيا وأضمن للاستقلالية الطاقية.

علاوة على أن اكتساب التكنولوجيا النووية أضحى ضروريا حاليا بالرغم من كل السلبيات المفترضة.
ويرى البعض أن الاستهلاك الأسري للطاقة ما زال ضعيفا بالمغرب ولا يستوجب الاعتماد على الطاقة النووية، علما أن معامل استهلاك الطاقة الفردي يعتبر من المؤشرات الأولى للسيرورة التنموية، ولا زال ضعيفا عندنا إذ لا يتجاوز 0.4 في المائة.

فما هو مستقبل المجال النووي بالمغرب؟ هل سيتمكن المغرب من العضوية في نادي البلدان النووية أم أنه سينتهي به الأمر ليكون مجرد مستودع لنفايات نووية؟ إنه السؤال الذي أضحى مطروحا حاليا.

المغرب النووي

يرى أغلب الفاعلين الاقتصاديين بالمغرب أن الخيار النووي في مجال الطاقة على امتداد 20 أو 30 سنة القادمة هو بديل أضحى مفروضا، علما أنه خيار يظل رهين عاملين أساسيين: ضخامة الاستثمارات اللازمة وقواعد السلامة بخصوص استعمال المفاعلات النووية.
ويأتي الجدال بخصوص الطاقة النووية بالمغرب في وقت يشار فيه إلى الأزمة الغربية – الإيرانية بخصوص إصرار الأولى على حقها في المضي قدما في برنامجه النووي لإنتاج الطاقة والذي تخشى واشنطن أن يكون ستارا لبرنامج صناعة أسلحة نووية، تثار تساؤلات عديدة بخصوص عدم دخول الدولة العربية مجال إنتاج الطاقة النووية (خاصة الدول الفقيرة نفطيا، وعلى رأسها المغرب)، في حين تتجه أغلب الدول الكبرى نحو استغلال الطاقة النووية، ولا من يحرك ساكنا، لكن بمجرد أن تفكر دولة عربية للسير في هذا المنحى ترتفع أصوات الاحتجاج وتتناسل التلويحات بالتهديدات لثنيها عن ذلك، وقد تنصاع الحكومات، وربما هذا ما هو قائم بالنسبة لحكومتنا بهذا الخصوص، ولتسليط بعض الضوء على هذه الإشكالية استضافت أسبوعية "المشعل" بعض الفعاليات لها دراية بالمجال النووي بالمغرب وخارجه.

عبد المجيد الصاوي الكاتب العام للمركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية

المطلوب تهييئ القاعدة والبنية التحتية في المجال النووي بالمغرب

 المجال النووي من المجالات التي ما زال يحوم حولها الغموض بالنسبة للمواطن العادي، ماذا يمكن القول كمدخل عام بهذا الخصوص؟

+ إن استعمالات الطاقة النووية لها تقريبا قرنا من الزمن، ومنذ الاكتشافات الأولى في القرن العشرين بدأ استخدامها في المجال الاقتصادي وفي المجال الطبي (الفحص)، وبعد ذلك ولجت الميدان الصناعي بالأساس كمواد لمراقبة الجودة والنوعية ومراقبة التجهيزات والمنظومات الصناعية. فالتقنيات النووية أضحت منذ ذلك الوقت تعتبر وسيلة للتأكد من الجودة والفعالية في منظومة الإنتاج الصناعي وسلسلة تصنيع المنتوجات، وهذا بصفة عامة وكذلك في ميدان الفلاحة، لاسيما فيما يرتبط بتطوير المزروعات والمنتوجات الفلاحية، وفي مجال التنقيب على المياه الجوفية ومخزونها ومصادرها و"عمرها" الافتراضي، إذن إن التقنيات النووية تمكننا من معرفة رصيد البلاد في هذا المجال، وكذلك نفس الشيء بخصوص المعادن والجيولوجيا وفي مجال البيئة، خصوصا فيما يرتبط بمراقبة التلوث والحفاظ على البيئة.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين (وبالضبط انطلاقا من الأربعينيات) بدأ استعمال التقنيات النووية
في النطاق الصناعي، وتحققت قفزة نوعية يفضل توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية، والآن هناك 17 في المائة من الكهرباء عبر العالم مولدة من تلك الطاقة.

ففي الدول الأوروبية تتموقع هذه النسبة ما بين 25 و 80 في المائة، وقد أخذت قرار السير على هذا الدرب (اللجوء إلى الكهرباء النووية) في بداية السبعينيات مع الهزة النفطية لسنة 1973، وذلك سعيا وراء ضمان الاستقلالية في مجال الطاقة عموما.

والمغرب بدوره، في هذه الفترة بالذات، اعتمد برنامجا نوويا طموحا في فجر الثمانينيات (التصميم الخماسي 1977 – 1981)، وقام بإجراء الدراسات الأولية اللازمة، وانتهى به الأمر إلى اختيار موقع سيدي بوبرة بضواحي آسفي الذي ضبط المكتب الوطني للكهرباء موقعه وأنجز دراسة اقتصادية ودراسة جدوى تضمنت مقاربة نووية. ولمواكبة هذا المسار أحدث المغرب مركزا للأبحاث النووية سنة 1986 لتهيئ القاعدة والبنية التحتية في المجال النووي بالمغرب.

 وماذا عن المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية (CNESTEN)؟
+ تم أحداث هذا المركز سنة 1986 كما ذكرت، بغرض تحقيق بنية وطنية لتفعيل تنمية التكنولوجيا والتقنيات النووية وتهييئ الشروط لتقعيد آليات توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية بالمغرب وترسيخ البحث العلمي في المجال النووي.

وللمركز 3 مهام أساسية هي: البحث العلمي والتطبيقي، تطوير استعمال التقنيات النووية، وليكون أداة الدولة في مجال الخبرة (المجالات الإشعاعية) والتحليلات.

مثلا عندما طرأ مشكل الغواصة النووية البريطانية "تيرليس" بالبحر الأبيض المتوسط قام المركز بإجراء كل التحاليل اللازمة وقام بكل الإجراءات التي تتطلبها مثل هذه الوضعيات وأعد تقريرا مفصلا في الموضوع وقدمه للمسؤولين.

ومن انجازات المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، إحداث مركز الدراسات النووية بالمعمورة (CENM). فمنذ يناير 2003 تكلف مركزنا بتسيير مركز (CENM) وهو الذي يشكل أول لبنة للبحث العلمي والتقني ببلادنا لتفعيل رغبة المغرب في استعمال الطاقة النووية لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 هل جميع أطر المركز مغاربة؟

 نحن 220 شخص، منهم 60 من الدكاترة و30 مهندسا و 50 تقنيا متخصصا (باكالوريا + سنتين) وكلهم مغاربة، وأغلب الدكاترة تلقوا تكوينا بالخارج فيما بين 1989 و 1995، وهؤلاء تمكنوا من تفعيل دينامية داخلية طوروا عبرها برامج للبحث وللتكوين ساهمت في إرساء آليات لتكوين أطر جديدة في المجال النووي. فهناك طلبة يأتون إلى المركز لتهييئ الدكتوراه وبعضهم ينخرطون فيه كعاملين به. أما التقنيون المتخصصون، فقد تلقوا تكوينا خاصا ودقيقا في ميادين التطبيقات النووية حسب القطاعات.

 إذن لا وجود لأطر أو موظفين أو عاملين أجانب بالمركز؟

 نعم، لا وجود لهم. ويجب الإشارة إلى أن المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية لا يهتم إلا باختصاصاته (العلمية والبحثية والتجارب)، أما الميادين التي هي خارج عن اختصاصاته (مثل: نقل الموظفين، والأمن والحراسة والمطعم والبستنة والصيانة) فقد تكلفت بها شركات من القطاع الخاص.
 ماذا عن المفاعل النووي الذي يتوفر عليه المركز اليوم؟

 بدأت أشغال بناء المفاعل النووي بالمركز منذ فبراير 2004، وهذا بعد تجديد عقدة التعاون الثنائي التي تربط بلدنا بالولايات المتحدة الأمريكية وهو مفاعل نووي Triga mark2بقوة 2 ميغا واط.

 كم يوجد من مفاعل بالمغرب الآن؟

 مفاعل واحد وهو الموجود بمركز المعمورة.

 لكن فيما مضى دار حديث عن مفاعل قيل أنه سيقام بكلية العلوم بجامعة محمد الخامس بالرباط؟

 المفاعل النووي الحالي هو في واقع الأمر تتمة ذلك المسار الذي دشنه الملك الراحل الحسن الثاني في الثمانينيات، إذ فكر بعد سنة 1973 في ضرورة بلورة برنامج نووي، وفي التصميم الخماسي 1977 – 1981 بُرمج اقتناء مفاعل نووي بقوة 100 كيلو واط وتقرر إقامته بكلية العلوم بالرباط، ثم تحول الاهتمام إلى المدرسة المحمدية للمهندسين، لكن في سنة 1986، بعد إحداث المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، قام هذا الأخير بتحيين دراسة الجدوى اعتبارا لجملة من التطورات، لذا تم تقرير التخلي على ذلك المفاعل وتعويضه بمفاعل أقوى، قوته 2 ميغا واط، وهو المفاعل النووي الوحيد المتواجد الآن بالمغرب، وسيتم تشغيله في الأسابيع المقبلة ليدخل مرحلة التجريب التي قد تتطلب ما يناهز سنة على الأقل.

 ما هي استعمالات هذا المفاعل النووي؟

 أولا ننوي إنتاج محليا ما يجلبه المغرب من مواد في مجال الطب النووي (Isotopes) من الخارج، وهذا في حدود التوصل إلى تقليص هذه الواردات إلى حدود 50 في المائة في المرحلة الأولى.
في حين أن المهمة الأساسية للمفاعل النووي تظل هي إنتاج "النترونات" التي تلعب دورا حيويا في جملة من التحاليل وفي مختلف المجالات، وحاليا ما زال المغرب لا يتوفر عليها. ومع بداية إنتاجها ستفتح الأبواب في مجال التنقيب الجيولوجي والمعدني، وفي المجال البيولوجي والمجال البيئي وجملة من التطبيقات.

 ما هي الجهة الوصية الآن على المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية؟

 المركز تابع حاليا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

 يبدو أن المغرب لا زال في البداية في المجال النووي إلا أنه حقق تراكمات أولية لا بأس بها مقارنة مع جملة من الدول الإفريقية والعربية، فهل مركز له إشعاع خارج الحدود الوطنية؟

 قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من التذكير أن حيوية المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية تكمن بالأساس في انفتاحه على الجامعات والمعاهد والمدارس العليا الوطنية وعلى الباحثين المغاربة المشتغلين في مجال الطاقة النووية وما يجاورها. وتتقوى دينامية المركز أكثر بحرصه على الارتباط الوثيق بالإشكاليات الوطنية. وفي هذا الصدد نسجنا شبكة من العلاقات مع عدة مؤسسات وأبرمنا مع الكثير منها عقود برامج بحوث تطبيقية تهم مشاكل مطروحة في جملة من القطاعات. وهكذا يربطنا عقد مع المكتب الوطني للسكك الحديدية ومركز الأبحاث التابع للمكتب الشريف للفوسفاط والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للكهرباء، وكذلك مع عدة فاعلين في القطاع الخاص، لاسيما في مجال الطب النووي والمجال الصناعي.

كما يضطلع المركز بتكوين تقنيين متخصصين في ميدان الوقاية الإشعاعية وميدان الجدوى الصناعية ومراقبة النوعية وتكوين أطر عليا في إطار ما يسمى بالتكوين "ما بعد الجامعي" لفائدة متخصصين ومهندسين إفريقيين، وهذا في أكثر من مجال أضحى مركزنا يتوفر على خبرات مهمة بخصوصها (مجال تحلية الماء، الأمن النووي مثلا).

وهناك تعاون مع دول صديقة، مثل فرنسا، ومع مراكز مماثلة لمركزنا ومع جامعات كبرى بأمريكا وفرنسا.

 إذن راكم المركز النووي المغربي خبرات مهمة، فهل بلادنا مهيأة بما فيه الكفاية للتصدي لأي مشكل نووي مفترض؟

 إذا كنت تعني الأخطار أو انعكاسات حوادث نووية آتية من الخارج (البلدان المجاورة)، يمكن القول أن بلادنا تتوفر الآن على مشروع برنامج للمراقبة الإشعاعية على صعيد التراب الوطني تسهر عليه حاليا وزارة البيئة ونحن نلعب دور التقنيين المتخصصين في هذا المجال (أداة الدولة التقنية كما قلت آنفا).

 نعم، لكن أعني أخطار داخلية؟

 أولا لابد من التذكير أن المصادر النووية أو استعمال التقنيات النووية لا تشكل خطرا إن هي أديرت جيدا وطبق المواصفات والمعايير المعمول بها عالميا، فهناك مبدأ في القانون النووي يقول بأن الاستعمالات النووية تخضع للترخيص، إذن هناك رخصة مسلمة من جهة تضطلع بمهمة المراقبة، وهناك كذلك مبدأ تتبع مسار المواد المشعة عن قرب، باعتبار أن مصادرها معروفة وتتابعها السلطة المعنية منذ استيرادها ثم استعمالها حتى النهاية لتراقب إرجاع النفايات الصادرة عنها إلى مصدرها الأول. والنفايات التي يتكلف بها المركز هي المعروفة بالنفايات "اليتيمة" أي التي لا يعرف مصدرها الأصلي.

 أعني في الحقيقة وقوع مشكل في المفاعل النووي، هل المغرب مهيأ لهذا الاحتمال؟

+ فيما يخص أمان المفاعل النووي فهو أمان داخلي مدمج (Intrasèque)، وفي أقصى الظروف، وعلى اعتبار أكبر حادثة مفترضة، فسوف لن يكون لها أي انعكاس على العاملين بالمفاعل. وهذا لا يعني بأنه عندما يقع حريق أو ما شابه ذلك لا قدر الله، فالمركز يتوفر على خطة طوارئ داخلية (تصميم الطوارئ الداخلية)، وهي جملة من الإجراءات الواجب اتخاذها. علما أنه رغم أن درجة الأمان كبيرة وكبيرة جدا نقوم برقابة دائمة للبيئة، وهي رقابة مفروضة من طرف القانون.

 بخصوص النفايات النووية، ما هو واقع الحال بالمغرب؟

+ هناك ما يناهز 200 مصدر للنفايات النووية الصناعية (على سبيل المقارنة هنا 4000 بفرنسا)، علما أن المغرب يقدم سنويا تقريرا بموجب المعاهدة الدولية بخصوص تدبير تلك النفايات.
وبالضبط قدمنا ذلك التقرير بفيينا في الأسبوع الفارط.

 لكن، أليس هناك بالمغرب نفايات نووية مصدرها غير معروف أو آتية من الخارج؟

+ لا... أبدا.

 طرحت هذا السؤال لأن هناك بعض الأصوات تروج لجملة من الآراء تتخوف من أن يصبح المغرب "مزبلة" نووية؟

+ بكل صراحة، أولا وقبل كل شيء توجد حاليا جملة من المعاهدات التي تمنع منعا كليا هذا النوع من التجارة. إضافة إلى أن هناك مبدأ إعادة النفايات النووية إلى مصدرها الأصلي. وبالتالي الجواب على سؤالكم هو: لا توجد بالمغرب نفايات نووية آتية كنفايات، وكل المواد الإشعاعية تخضع لمراقبة صارمة بالمغرب، والنفايات الناتجة عنها ترجع إلى مصدرها الأصلي عملا بمقتضيات المعاهدات الدولية والتي يعد المغرب من أوائل البلدان المصادقة عليها.

 يتوفر المغرب على الفوسفاط، وقد قيل أنه يحتوي على نسبة من اليورانيوم، هل من الممكن يوما ما التفكير في استخراجه لاستعماله في المجال النووي؟

+ فعلا أجريت دراسة جدوى بهذا الخصوص، لكن تبين أن الكلفة عالية جدا، علما أنه حتى ولو تم فصل اليورانيوم، ليس أي نوع منه صالح للمفاعل النووي، لأن هناك من الأنواع التي هي "عقيمة" (كما يقال) والنوع "الخصب" الوحيد هو اليورانيوم 235 وهو الوحيد الذي يمكن استعماله في المفاعل النووي.

 ما هو وضع الكهرباء المولدة من الطاقة النووية بالمغرب؟

+ هناك جملة من الدراسات تؤكد أن الكهرباء النووي لها مستقبل أكيد في العالم، وهو الخيار الذي اعتمده الكثير من البلدان.
فالمغرب يستورد حاليا 97 في المائة من الطاقة من الخارج واللجوء إلى هذه التكنولوجيا أضحى أمرا حتميا الآن، وقد سبق للمكتب الوطني للكهرباء أن أجرى دراسة في هذا المجال سابقا، وأعاد تحيينها مؤخرا وخلصت إلى كون أنه الخيار الأنسب الواجب أن يسير فيه المغرب، وأن "الكهرباء" النووي له مكانة أكيدة في نسيج الطاقة بالمغرب.
كما أن الطاقة النووية أضحت الآن، لعدة اعتبارات، هي الأنسب لتشغيل محطات تحلية ماء البحر، وبالتالي المغرب في حاجة للكهرباء المولد من الطاقة النووية، وهو خيار له عدة إيجابيات.

 أثارت إشكالية إقامة محطة معالجة مياه واردة من المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية، وذلك قبل تسريبها إلى نهر سبو بالقنيطرة ضجة كبيرة، هل لديكم توضيحات بهذا الخصوص؟

 أولا إن النفايات (مياه) التي أثارت هذه الضجة هي ناتجة عن نفايات طبية صلبة تمت معالجتها بالمركز، إنها مياه نتجت عن إحراق تلك النفايات، وهي لا تشكل أدنى خطورة إطلاقا، بحيث يمكن تصريفها في شبكة المياه المستعملة، وقد تم اختيار إقامة محطة صغيرة بوادي سبو قرب القناة الرئيسية لشبكة التطهير لأن مركزنا غير مرتبط بتلك الشبكة، وإن كان الأمر كذلك لما قمنا بنقلها إلى القنيطرة.
وعموما وجبت الإشارة إلى أن النفايات الطبية التي نعالجها بالمركز لا تتعدى مدة حركيتها الإشعاعية ما بين يوم واحد و 3 أيام، وفي أقصى الحالات لا تتجاوز 6 أيام، ومن المعروف علميا أنه بعد مرور نصف هذه المدة تتلاشى القوة الإشعاعية إلى النصف لتنحدر بسرعة إلى الاقتراب من الصفر. والمياه المعنية بالأمر، في أقصى الحالات، لا تتعدى فيها نسبة الإشعاع النووي النسبة الطبيعية.
وللإشارة إن الكمية الإجمالية لهذه المياه لا تتجاوز ما قدره 3000 متر مكعب في السنة على أقصى تقدير حاليا.

 المجال النووي، من المجالات التي ما زال يكتنفها الغموض بالمغرب، ألا تعتبرون أن بلادنا في حاجة حاليا لثقافة نووية لتفهم جملة من الإشكاليات، لاسيما وأننا نلاحظ نوعا من "الجهل" لدى العموم بهذا الخصوص؟

 طبعا، التوعية في هذا المجال ضرورية، ويجب أن تكون في جميع المراحل، وأحسن أداة للتوعية هي المؤسسات التعليمية، وبالخصوص المدرسة والإعدادية. نلاحظ أن التلميذ لا يكتشف المجال النووي إلا عندما يصل إلى مستوى الباكالوريا، وهذا بالنسبة للشعب العلمية فقط (أي نسبة ضئيلة جدا من التلاميذ)، أما بعد الجامعة فيتقلص هذا العدد أكثر، ويطمح المركز الآن في إحداث أدوات وآليات للتواصل تمكننا من القيام بعمليات تحسيسية في المؤسسات التعليمية. وهذه السنة استقبلنا وفودا من التلاميذ (150 فقط في المجموع)، وزرنا 10 ثانويات وهذا غير كافي على الإطلاق.
وطموحنا هو إدماج ثقافة نووية في المقررات التعليمية. كما أن للإعلام دورا حيويا في هذا الصدد.

الأستاذ محمد الخطاب فاعل سياسي وحقوقي

 

الطاقة النووية بإمكانها المساهمة في التنمية المستديمة

 ماذا تعني لكم الطاقة النووية وما هي مبررات التسابق النووي؟

+ إن الكهرباء النظيفة الناتجة عن ما يسمى بالمصادر القابلة للتجديد، الطاقة الشمسية، الطاقة المولدة من الرياح، طاقة "البيوماس"، الطاقة الحرارية، الطاقة المولدة من أمواج البحر، كلها تستحق الدعم القوي. إلا أن الطاقة الإجمالية لهذه التقنيات لتوليد الكهرباء للعقود القادمة محدودة، والطاقة النووية شأنها شأن الطاقة الناتجة عن استخدام الرياح والمياه والشمس، بإمكانها توليد طاقة دون انبعاث ثاني أوكسيد الكاربون أو غيره من الغازات الحبيسة. الفرق الجوهري هو أن الطاقة النووية تكون هي الخيار الوحيد الذي تبث تفوقه في القدرة على إنتاج كميات ضخمة من الكهرباء النظيفة على المستوى العالمي، وبعيدا عن أن تكون الطاقة النووية والطاقة الناتجة عن المصادر المتجددة منافسة لبعضها البعض، فإنه على العكس من ذلك، تقتضي الضرورة الملحة بأن تعمل معا حتى يتم إشباع احتياجات العالم الهائلة من الطاقة النظيفة. وهكذا يتجلى أنه لا يمكن لعالمنا أن يفي باحتياجاته المتنامية للطاقة – بدون تلوث – دون اللجوء إلى التوسع الجاد في الطاقة النووية.

إلا أنه في ذاكرة الناس فإن الحديث عن الطاقة النووية يحيل مباشرة على أسلحة الدمار، لكنه في الواقع وبعد انتهاء الحرب الباردة برز حقل نشاط جديد وهو القيام بعزل المواد النووية من أسلحة الدمار وتحويلها إلى وقود لاستخدام الطاقة النووية في المجال المدني.

وفي هذا الإطار يبدو مشروعا إصرار العديد من البلدان القوية لاستغلال الطاقة النووية، ذلك أن هذه الطاقة توفر استقلالية الحصول على الطاقة وضمان التزود بها، إلا أن التوفر على الطاقة النووية لأغراض مدنية مكلف للغاية وهذا ما يثقل كاهل دول الجنوب ويجعلها غير قادرة على المنافسة في هذا المضمار.

وأمام انتشار الطاقة النووية وبعد واقعة تشير نوبيل التي لطخت صورة الطاقة النووية فإن تم فرض نظام أكثر صرامة من السابق حتى يكفل الأمان والسلامة عند التعامل بالمواد النووية وكذلك لضمان التقيد بمعايير السلامة والأمان الصارمة بموجب ما أوصت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA) التابعة للأمم المتحدة.

وعند الحديث عن الطاقة النووية وإيجابياتها على كافة المستويات المدنية، فإنه يجب أن لا يغيب عنّا آثارها السلبية والمتجلية في الفضلات والنفايات النووية.

وبالتالي فهذه النفايات النووية ذات الإشعاع القوي تتطلب مخازن دائمة مصممة تصميما جيدا، بحيث تسمح للإشعاعات بالتحلل إلى درجة المستويات الطبيعية.

إن التقنيات النووية الآن توفر طاقة نظيفة خالية من التلوث – بالمعايير المذكورة أعلاه – كما أنها تساعد على تحسين الطب التشخيصي ومعالجة جملة من الأمراض الغذائية للإنسان وحماية الثروة الحيوانية وتنمية موارد المياه وعقلنة تدبيرها وحفظ الأطعمة وتقوية مراقبة الجودة والنوعية الصناعية وتقدم علم البيئة حسب آخر دراسات الهيئة النووية الدولية (WNA)، وعليه فإنه الطاقة النووية بإمكانها المساهمة في التنمية المستديمة.

 بعد هذا المدخل العام ماذا عن المغرب وعن الوضع القانوني في المجال النووي؟

 إن المغرب يتوفر على عدة مؤسسات لها علاقة بالمجال النووي، فهو يتوفر على:

أولا: المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية (CNESTEN) المؤسس بمقتضى ظهير 14 نونبر 1986 ومرسومي 19 يناير 1987 و 29 أبريل 1993 واختصاصه يتجلى في القيام بأبحاث حول الطاقة والعلوم والتقنيات النووية والعمل على تطويرها، وكذلك القيام بمراقبة كل المنشآت النووية وإدارة المواد النووية واستيرادها وتخزينها وتوزيعها.

فهذا المركز إذن له الاحتكار في هذا الباب، كما أن من بين مهامه تجميع وتخزين ومعالجة النفايات ذات العلاقة بالموضوع.

وثانيا: مركز الدراسات النووية بالمعمورة (CENM) (مرسوم 7 دجنبر 1994).

وثالثا: المجلس الوطني للطاقة النووية (CNEN) (مرسوم 5 ماي 1993) تابع للوزير للوزير الأول.

رابعا: اللجنة الوطنية للسلامة النووية (CNSN)، وقد أنشئت بمقتضى مرسوم 7 دجنبر 1993.

خامسا: المركز الوطني للحماية من الإشعاعات (CNRP) ومهمته هو السهر على احترام قانون 12/10/1971 الجاري به العمل في هذا الخصوص وهذا المركز تابع لوزارة الصحة.

وسادسا: جمعية المهندسين المتخصصين في هذا المجال (AIGAM) والتي أسست سنة 1985.
أما بالنسبة للجانب التشريعي فإنه لا زال يعرف بعض الاحتشام سواء من حيث الإسراع بإصدار تشريعات واضحة ومتخصصة، أو من حيث الحاجة إلى إعادة النظر في النصوص الموجودة حاليا مثل قانون 12 أكتوبر 1971 الخاص بالحماية من الإشعاعات والذي لا يمكن اعتباره قانونا شاملا وخاصا بالجانب النووي. وتحتوي ترسانتنا الآن على ظهير تأسيس المركز الوطني للطاقة المشار إليه أعلاه والمرسوم المرتبط به ومرسوم إحداث المركز الوطني للطاقة النووية، وهذا علاوة على نصوص تتعلق بالأمن النووي وهي مراسيم 7 نوفمبر 1994 و 9 نوفمبر 1995 و 26 فبراير 1999.
أما فيما يتعلق بالحماية من الإشعاعات فهناك مرسومان صدرا معا بتاريخ 28 أكتوبر 1997. كما أن هناك عدة مراسيم تنظيمية لازالت لم تر النور بعد.

وبالنسبة لمشاريع القوانين التي لازالت قيد الإعداد، فيتعلق الأمر بكل من القانون المتعلق بالمسؤولية المدنية وبالتعامل مع النفايات ونقل المواد الإشعاعية. إلا أن المؤمل من كل هذه المعطيات القانونية السالفة الذكر هو أن يعمل المغرب من الناحية التشريعية على ملاءمتها مع القوانين الدولية وإعطاء الأولوية في التطبيق لمضمون تلك المواثيق في حالة تعارضها مع التشريع الوطني، خاصة وأن المغرب قد صدّق على العديد من الاتفاقيات، وبالتالي فهو أصبح ملزما بمقتضياتها، وبالتالي فإننا نتمنى صادقين أن يعمل المغرب على صياغة مدونة خاصة بالقانون النووي تجمع شتات النصوص سواء منها الموجودة أو التي هي في طور الإعداد حتى يسهل الرجوع إليها وحتى يتم طبعا إطلاع الجميع عليها بسهولة، خاصة وأنه لا يعذر أحد بجهله للقانون.

 أثيرت زوبعة ودار جدال واسع بمدينة القنيطرة حول موضوع رمي النفايات الصادرة عن مركز الدراسات النووية بالمعمورة في نهر سبو، ونشرت بيانات في الموضوع، ما هو تعليقكم على هذا الموضوع؟

 كما لا يخفى عليكم فإن مدينة القنيطرة تعتبر من أكثر المدن المغربية تلوثا، وبالضبط نهر سبو الذي يمكن أن نقول عنه أنه نهر ميت. والأمر كما في علمكم يتعلق بقرار اتخذ على مستوى ولاية القنيطرة (الكتابة العامة) ويقضي برمي النفايات النووية المجمعة والمخزنة بمركز الأبحاث النووية بالمعمورة بنهر سبو داخل المدار الحضري لمدينة القنيطرة، أي في مكان آهل بالسكان وفي نهر يعتبر متنفسا للساكنة.
وإن هذا الفعل سيؤثر لا محالة على هذه المدينة إذ سيحرم قاطنتها من الاستفادة من مزايا هذا النهر، من ضفافه، كما سيحرم الكثير من شباب المدينة من بعض الرياضات باعتبار أن جملة من الرياضات المائية تمارس في نهر سبو وسط المدينة، علما أن نهر سبو يصب في البحر على مستوى المهدية، وعلى هذا النهر بين المكان المقدر رمي النفايات النووية به والبحر يوجد ميناء المهدية للصيد البحري، فلكم أن تتصوروا الانعكاسات البيئية والصحية إضافة لتأثير كل ذلك على شاطئ المهدية الذي يعتبر مصطافا يؤمه آلاف المواطنين من داخل وخارج مدينة القنيطرة، مما قد يعني إمكانية حرمان الساكنة كذلك من الثروات السمكية ومن استغلال هذا الفضاء السياحي.

وإن العديد من مكونات المجتمع المدني والسياسي بادرت إلى الاحتجاج الحضاري على هذا الفعل وعلى انعكاساته السلبية المشار إلى بعضها أعلاه. فهناك من أصدر بيانا لتسجيل الموقف وهنا من أصدر بيانا يتضمن معطيات علمية وتقنية كما هو الحال بالنسبة لبيان الكتابة الإقليمية لحزب الطليعة بالقنيطرة، إذ تضمن عدة أسئلة وتساؤلات موجهة للأجهزة المسؤولة عن هذا الملف، والتي لحد الآن لم يصدر عنها أي جواب بخصوصها رغم خطورتها.

ومهما يكن من أمر، فإن المجتمع المدني والسياسي بمدينة القنيطرة مصمم العزم على مقاومة هذه العملية حتى لا يتحول نهر سبو إلى مقبرة للنفايات النووية التي يجهل مصدرها، باعتبار أن الكل مصمم على جعل مدينة القنيطرة مدينة نظيفة من الإشعاعات النووية وغيرها، خاصة وأنه بالرجوع إلى المحاضر المنجزة بالولاية لا نجدها تتحدث إطلاقا عن طبيعة تلك النفايات ولا نوعها ولا مصدرها ولا مدى خطورتها، ويعتقد أي مطلع على تلك المحاضر أن الأمر يتعلق بلجنة منح رخص البناء.
فالمحيط الأطلسي أقرب للمركز المنتج لتلك النفايات من نهر سبو وكان الأولى رميها به، فكيف يعقل أن تنقل تلك النفايات الخطيرة ويتجول بها وسط المدينة قبل الوصول إلى مكان رميها بنهر سبو، وهذا في الوقت الذي تفرض فيه الوكالة الدولية للطاقة النووية بناء مثل هذه المراكز بعيدا عن المكان وعن الأماكن الآهلة بهم.

الأستاذ محمد خطاب محام، ناشط حقوقي وفاعل سياسي.
maitre_khattab@yahoo.fr

نجيب الخياط رئيس جمعية التنمية والمحافظة على البيئة
نحن مع المفاعلات النووية بالمغرب لكن لابد من اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة

 من الإشكالات التي أثارت الجدل مؤخرا، إشكالية النفايات النووية، أنتم كفاعل في مجال المحافظة على البيئة، كيف تقيمون تأثيراتها المفترضة على البيئة؟

 موقفنا واضح في هذا الموضوع، فالنفايات النووية تعد مشكلا عالميا، ونحن كجمعية متخصصة في البيئة، لا يمكن أن يكون موقفنا عكس مواقف الجمعيات العالمية التي تحارب هذا المشكل، الذي يهدد سلامة البيئة.

أما النفايات النووية بالمغرب، فهو أمر محاط بسرية كبيرة، بحيث نسمع، كما يسمع الجميع أن هناك نفايات نووية في المغرب، ولكن ليس هذا الأمر مؤكدا.

على كل حال، فإننا نعلم أن المغرب، يريد إنشاء مفاعل نووي، من أجل أغراض سلمية، كمفاعل طانطان الذي حاربته جهات إسبانية – جزائرية، فلقي حتفه في المهد، حيث أراد المغرب أن يعقد مع الصين عقدة من أجل هذا الغرض، لكن كانت هناك معارضة سنة 1981 ضد هذا المفاعل النووي، كذلك هناك أيضا مفاعل نووي بالصويرة الذي يشتغلون عليه حاليا، ثم مفاعل معمورة، الذي هو في أطواره الأخيرة.
فنحن لسنا ضد هذا المفاعل النووي، لأن المغرب كما يعلم الجميع يستورد 90 في المائة من الطاقة من إسبانيا، الجزائر... فهو محتاج كل الاحتياج لهذه الطاقة، لهذا نعتبر أن الطاقة النووية رهان للاقتصاد المغربي.

 لكن ما هو معلوم أن المفاعل النووي له تأثيرات على البيئة؟

 إن المغرب يعاني من مشاكل اقتصادية على رأسها مشكل الطاقة، لهذا نشجع المفاعلات النووية التي ستخفف من هذا النقص الحاصل. أما بخصوص تأثيرات هذه المفاعلات النووية على البيئة فليعلم الجميع، أن كل الدول بما فيها الدول المتقدمة، تعاني من هذا المشكل، ففرنسا مثلا رغم أنها دولة متقدمة فإنها تعاني من مشكل النفايات النووية.

 لكن كيفما كان الحال، فإن فرنسا دولة متقدمة والأكيد ستتخذ الاحتياطات اللازمة؟

 إن المشكل المطروح، هو مشكل الاحتياطات الواجب اتخاذها لنتجنب مخاطر النفايات النووية، فنحن نملك أطرا مكونة في الفزياء النووي، الذي سيفيد في هذا الجانب. لهذا ومع اتخاذ الاحتياطات اللازمة، لابد من أن نساهم في تفعيل المفاعلات النووية في طانطان، المعمورة، الصويرة، طنجة.. وعلينا ألا نتأخر عن الركب، فها هي الجزائر قد تقدمت في مجال المفاعل النووي، وتقف ضد المفاعلات النووية بالمغرب.

إذن، هذا رهان اختلط فيه الاقتصادي بالسياسي، حيث لا يعقل، أن نقول بجرة قلم أننا ضد المفاعلات النووية دون أن نستحضر مصلحة البلاد.

 في رأيكم، هل من حق المواطن المغربي التعرف على هذه الإشكالية لاسيما المخاطر البيئية المرتبطة بها؟

 نعم من حق الشعب المغربي أن يطلع على هذه القضية وتفاصيلها، لهذا نعلن أنه لا يجب أن تبقى هذه القضية محاطة بمثل هذه السرية التامة، فلابد من دمقرطة المعلومة، لإيصالها إلى المواطن المغربي، وهذا دور المجتمع المدني ودور الإعلام والقوى السياسية.

 ماذا قدمت جمعيتكم في هذا المجال لِتُعَرف المواطن على هذه الإشكالية؟

 إذا كان هناك نشاط، سنؤكد موقفنا الذي يصب حول تشجيع المفاعلات النووية، لسد النقص الحاصل في الطاقة، لكن مع إشعار المواطنين بخطورته والمطالبة باتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تحفظ البيئة والإنسان.

 أثار مؤخرا مشكل إيداع نفايات المركز الوطني للدراسات النووية بالمعمورة "بو القنادل" بالقرب من نهر سبو زوبعة، ما هو موقف جمعيتكم، كفاعل في البيئة؟

 ما سمعت أنه سيتم إرسال النفايات النووية إلى بريطانيا لإحراقها وقد عقد المغرب معاهدة مع بريطانيا لتتكلف بالنفايات النووية، كَلَّفته 10 ملايير سنتيم.
أما بخصوص وضع النفايات النووية بإحدى المدن المغربية فجمعيتنا، لا علم لها بهذا الموضوع.

وفاء المخلص مفتشة جهوية لإعداد التراب والبيئة (الغرب الشراردة بني حسن) (القنيطرة)

الدول التي تستعمل الطاقة النووية لا تستهين بمواطنيها

 أثارت إشكالية النفايات النووية جدالا كبيرا بالمجتمع المدني، مؤخرا في مدينة القنيطرة، فكيف يمكن تقييم واقع حال هذه النفايات بالمغرب؟

+ إن الإشكالية المطروحة الآن على المستوى العالمي بخصوص النفايات النووية أو الأخطار النووية بصفة عامة، أظنها تخاطب كذلك المواطن المغربي حيث ثار الجدال حول صحة هذه الأمور، هل هي موجودة أم مجرد إشاعات؟

يمكن القول في هذا الباب أن السياسة النووية تم استحضارها منذ الثمانينيات، حيث قامت وزارة الطاقة بدراسات على أساس إحداث مركز نووي، الذي كان سيقام على شريط الأطلس الساحلي، إلا أن هذه الدراسات جمدت ولم تعد واردة منذ الثمانينات. لكن هذا لا يعني عدم رجوع الدولة إلى هذه الحلول خصوصا وأن ثمن برميل البترول بلغ 70 دولار هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن الطاقة النووية في حد ذاتها ومستوى التكنولوجيا اليوم مضبوطة وفي حالة الاستعمال العادي ليس هناك أي خطر.
وقد تخلت الدولة عن برنامجها النووي، لكن المشكل الذي فجر هذه القضية، هو عثور أحد العمال في ميناء الدار البيضاء على قطعة معدنية أثارت إعجابه فصحبها إلى بيته بالمحمدية ووضعها فوق شاشة التلفزيون مما أسفر عن موت عائلة بأسرها بفعل الإشعاعات النووية، لهذا بدأت السلطات تقوم بجمع هاته النفايات النووية المستعملة في الميدان الطبي.

بعد ذلك تعاونت "AIEA" (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) التابعة للأمم المتحدة مع الدولة، فتم إحداث المركز النووي بالمعمورة، ومن مهامه تجميع كل النفايات النووية ومعالجتها حتى لا تبقى مشعة، أما بخصوص الضجة التي أحدثتها بعض فعاليات المجتمع المدني بالقنيطرة فقد اجتمعت لجن محلية ووطنية وخبراء من "AIEA"، حيث أجرت دراسات حول تأثير النفايات على البيئة، فاستخلصوا أن معالجة المواد التي تحتوي على ما هو نووي لا تشكل خطرا، حيث قدروا رميها في مؤخرة وادي سبو، حيث الالتقاء بين البحر والوادي لن يكون له أي انعكاس.

كما يجب على المواطن المغربي أن يعلم، أن اختيار وادي سبو، لم يأت عبثا، بل هو نتيجة دراسات وتتبعات وهو مسؤولية ثلاث وزارات: "الطاقة والمعادن، الصحة، البيئة" وقرار التخلص من النفايات مُوَقَّعٌ من طرف الوزير الأول هذا من جهة، أما من جهة أخرى فتتمثل في كل من المفاعلات النووية في أوروبا وأمريكا، هي كائنة بمراكز البحوث الجامعية، وهذا دليل على عدم وجود أدنى خطورة.
كذلك يجب أن يعلم المواطن المغربي أن الباحثين قرروا عدم رمي النفايات بالمعمورة حفاظا على الفرشة المائية ونظرا لأن المركز غير مرتبط بشبكة التطهير.

فلا يجب أن نتخوف من اعتبار مدينة القنيطرة، مستودعا للنفايات النووية، حيث من خلال الدراسات، خرجنا ببرنامج التتبع، الذي تشرف عليه أكثر من وزارة.

فهناك فرق بين الأمس واليوم، ونحن في ظل حكومة مسؤولة، لا تستطيع أن تطلع على الخطر وتحيطه بالسرية، فقد كانت هناك ضجة في مدينة القنيطرة من أجل لا شيء، لهذا فبحكم مسؤوليتي، وبحكم مسؤولية الوزير ومسؤولية الحكومة في تدبير الشأن، فإن المسألة لا تشكل هذه الخطورة ولا تتطلب مثل هذه الضجة التي أحثت مجانا بخصوصها.

 أثارت إشكالية النفايات مؤخرا جدالا واسع النطاق، ما رأيكم في ذلك؟

+ أن يهتم المواطن المغربي بموضوع يهم البيئة، فهذا أمر صحي، لا يمكن إلا أن نعتز به، فهو يثبت أن هناك وعي لدى المواطنين لتتبعهم لقضايا حيوية من حجم الاهتمام ببيئتنا.
فلم يكن هناك سبب لكل هذه الضجة، ولكن تم تضخيم هذا الموضوع، بفعل النقص الحاصل في التواصل بين الجهات لإخبار المواطنين، ثم التسرع في إطلاق بعض الأحكام واستنتاج بعض النتائج من طرف المواطنين لأنهم يعتمدون على المادة المتوفرة، لهذا فمع مثل هذه القضايا الحيوية، يجب أن يتحلى الجميع بنوع من التريث والمسؤولية، وأن نسعى جميعا للحصول على صورة واضحة للواقع لأن ما وقع في موضوع النفايات النووية بالقنيطرة، هو موضوع تم تضخيمه كثيرا والدليل على ذلك، هو أنه بعدما تم إعطاء توضيحات، هدئت الأمور وكأن شيئا لم يحدث.

لهذا ما أريد أن أضيفه هو الثناء على دور الإعلام والمجتمع المدني في تتبع قضايا تهم بلادنا، ولكن لابد أن يكون في إطار المسؤولية، وأن يقع البحث والتحري قبل نشر أي شيء.

 في نظركم ما هي المصادر التي تنتج هذه النفايات النووية؟

+ من بين المصادر التي تنتج النفايات النووية، هناك مصادر طبية مثل الأشعة الباطنية، مواد علاج مرض السرطان وبعض المعامل التي تستعمل process، هذا ما نعلمه بخصوص مصادر النفايات.

 هل هناك مراقبة صارمة من طرف الجهات المسؤولة لمصادر هذه النفايات؟

+ إن اللجنة الوطنية التابعة لوزارة الصحة هي التي تقوم بعملية المتابعة والمراقبة، فمثلا بخصوص الأشعة الباطنية فلا يمكن السماح للطبيب المختص القيام بعملية إلا بعد قيام لجنة تابعة للوزارة المعنية بمراقبة أدوات هذه الأشعة، حيث لا يتم منح الرخصة إلا بعد توفر كافة الشروط المطلوبة في هذا المجال.

 هل راكم المغرب كمية من النفايات التي أصبحت تشكل له خطرا؟

+ إن القطاع النووي، قطاع له استعمالات كثيرة، لأنه لا يمكن القول بأن الدول التي تستعمل الطاقة النووية تستهين بمواطنيها.
نعم هناك أخطار حينما نصل إلى مستوى معين، وهذه الأخطار هي التي هزت الرأي العام، مما أدى إلى ضرورة اتخاذ جميع التدابير في مرحلة إجراء البحث عن بدائل، أما في المغرب، فنحن لازلنا في مرحلة إجراء أبحاث، فلسنا دولة نووية حتى نقول أننا راكمنا من الإنتاج والتطور من يصبح يشكل بالنسبة لنا خطرا يستدعي قيام تحركات قوية.
فالاستعمال العادي للطاقة النووية لا يشكل الخطر، ومنافع هذا القطاع مهمة جدا للاستعمال، لكن هذه الاستعمالات يجب أن تكون مقننة ونحن في بلادنا نبحث عن آليات للتنمية، لتثبيت أسس التنمية البعيدة المدى، والقطاع النووي من القطاعات التي تستعمل وستستعمل بكثافة في المستقبل في الميادين السلمية "العلمية والطبية" لذلك علينا أن نتحلى بما يلزم من الاحتياطات فلدينا مركز للأبحاث في هذا الميدان ويجب أن يتطور ويتقوى هذا المركز، لأننا نحن في حاجة لهذه الصناعة، وفي نفس الوقت لابد من اتخاذ الاحتياط اللازم من طرف كل الجهات المسؤولة، إذا ما كان هناك إنذار بخطر، ليس فقط في الميدان النووي، ولكن كذلك في الميادين الأخرى. أما عن سؤالك، فنحن لم نبلغ درجة التخوف من هذا المنتوج، بل يجب أن نتطور فيه، خصوصا وأن جيراننا قطعوا أشواطا في هذا الباب، لأن لهذا المنتوج استعمالات كثيرة، في الطب، في الطاقة، في الصناعة....، وهناك تحديات كثيرة، ونحن كدولة نطمح إلى استعمال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة من أجل تطويعها لصالح تنمية مستدامة وسليمة لبلادنا.

 لكن ما يروج في الأوساط السياسية، أن هناك دول عظمى تعمل على تخصيب اليورانيوم التي تخلف نفايات، كإسرائيل وأمريكا، هذين البلدين يبحثان عن دول لإيداع تلك النفايات، ومن بين الدول المرشحة لهذه المهمة هي المغرب، ما رأيكم في هذا القول؟

+ هذا تخوف مشروع، لكن هناك القانون الدولي الذي نحن منخرطين فيه، كذلك هناك معاهدة دولية خاصة بالنفايات الخطيرة، وقد صادق عليها المغرب وتمنع أن يصبح المغرب مستودعا لهذه النفايات.
نحن في مرحلة انتقالية، في مجال تحيين ترسانتنا القانونية من أجل الحماية المستدامة لمواردنا، فكل هذه القوانين أخذت بعين الاعتبار، التحولات التي عرفها المجتمع المغربي وعرفها العالم، فالإشكالات التي تطرح عالميا، نحن معنيون بها.

وهناك دور مهم يقوم به الدرك الملكي في المحافظة على البيئة، حيث هناك فرقة خاصة بالبيئة التابعة إلى الدرك الملكي.

البعد النووي في الصراع العربي الإسرائيلي

دردشة مع فوزي حسين حماد عبر شبكة الانترنيت
أستاذ متفرغ – هيئة الطاقة الذرية المصرية منذ مارس 1994 حتى الآن
مستشار الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتعاون الفني (المشاريع النموذجية) (1994-1995)
خبير في الأمان الدولي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتعاون الفني (المشاريع النموذجية)–1996
رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية (1990-1994)
مؤسس ورئيس جهاز التنظيم والأمان النووي بهيئة الطاقة الذرية (1984-1990)
رئيس لجنة التنظيم والآمان النووي بهيئة الطاقة الذرية (1982-1984)

 كيف تتخلص إسرائيل من نفاياتها النووية؟

+ البرنامج النووي الإسرائيلي هو برنامج سري ومفاعل "ديمونة" وسبل التخلص من النفايات المشعة ليست منشورة على الإطلاق، ولكن هناك أخبار تتواتر بين الحين والآخر في الصحف الإسرائيلية أن هناك تلوثا إشعاعيا حول مفاعل ديمونة؛ بسبب مشاكل في معالجة النفايات المشعة، ولان المفاعل سري ولا يخضع لنظام الضمانات وليست هناك بعثة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا أي مفتشين بهذا الخصوص، كما أن إسرائيل لم تطلب أي معونة من الوكالة الدولية في هذا الصدد، ولكن من المتوقع ذلك لان المفاعل قديم (عمر المفاعل حوالي 37 سنة) ويمكن أن تكون به مشاكل في نظام تصريف المخلفات بالإضافة إلى أن المفاعلات العسكرية مثل ديمونة لا تخضع لرقابة مستقلة من الدولة ولا من لجان الأمان النووية، فمن المتوقع أن يكون هناك مشاكل خطيرة. حتى في الولايات المتحدة الأمريكية في برنامجها العسكري في موقعه بولاية واشنطن توجد مشاكل خطيرة بخصوص النفايات المشعة.

 كيف ترى سعي الدول العربية والإسلامية للحصول على التقنية النووية وهل يكفينا الاحتجاج على حصول إسرائيل على ذلك وكفى ؟!

 الاحتجاج هو أول أسلوب يستخدم؛ لأنه أسهل أسلوب وهو الأسلوب المتاح أما بالنسبة للحصول على التقنية النووية السلمية فهذا أمر واجب وضروري، لقد كانت الطاقة النووية من أركان القرن الماضي، وسيطرت على مجريات الأمور سواء كان ذلك حربا أو سلما، أي بناء المفاعلات السلمية أو بناء القنابل النووية. وفي ضوء أن العرب جميعهم هم أطراف في معاهدة منع انتشار السلاح النووي فقد وافقوا بمحض إراداتهم على عدم الدخول في مجال إنتاج السلاح النووي، إلا انه لا يوجد مبرر على الإطلاق في التقاعس في الدخول في مجال تكنولوجيا النووية السلمية وهي المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء أو تحليلة مياه البحر أو كليهما، وكذلك في التوسع في استخدام المفاعلات الصغيرة والبحثية، في أغراض البحوث والتعليم وإنتاج النظائر والمصادر المشعة لاستخداماتها الواسعة طبيا وزراعيا وصناعيا وغير ذلك. وحقيقة الأمر أن المفاعلات الموجودة في العالم العربي توجد في مصر وفي ليبيا وفي الجزائر وفي المغرب مؤخرا، وهناك مفاعل صفري أي مفاعل صغير في سوريا وباقي المنطقة خالية من المفاعلات النووية؛ حتى أن هناك جامعات بها برامج للهندسة النووية وليس بها مفاعلات للتعليم؛ وبالتالي فالتعليم نظري فقط وليس تعليما عمليا، إضافة إلى هذا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قامت ببرنامج واسع لدراسة جدوى استخدام المفاعلات النووية لتحلية مياه البحر وتم ذلك مع دول منطقة شمال إفريقيا بالكامل واستمرت الدراسة 6 سنوات وأثبتت الجدوى الفنية الاقتصادية للتحلية النووية وأوصت بان تتقدم الدول بمواقع محددة وان تقيم مفاعلات صغيرة تجريبية للتحلية. وهناك دول مثل الصين على استعداد للتعاون لإقامة مفاعلات في هذا الغرض فلم تتقدم إلا دولة واحدة وهي المغرب ويجري حاليا القيام بدراسة تفصيلية عن هذا المشروع قبل تنفيذه.

 إلى أي مدى تسهم الطاقة النووية في حل مشكلة الطاقة؟ وهل تعتقدون أن العائد منها يبرر تكاليفها الاقتصادية والبيئية والأمنية خاصة مع وجود مصادر بديلة وآمنة للطاقة مثل الشمس والرياح؟

 أولا، لا توجد في مصر مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء، فمصر لديها مفاعلان بحثيان أولهما قدرته 2 ميغاواط وبدأ العمل منذ 61، ثم مفاعل مصر الثاني الذي تم التعاقد عليه في سبتمبر 92 ودخل الخدمة في فبراير 98، وقدرته 22 ميغاواط أما برامج مصر لإدخال مفاعلات الكهرباء فقد تعثرت جميعا ولم يتم إنشاء أي مفاعل. لكنها لا تملك مصر إمكانيات إنتاج سلاح نووي حالياً، لأنها انضمت إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية منذ عام 1981 وبالتالي لا تعمل في أي مجال يتعلق بإنتاج السلاح النووي.
وبالنسبة لاقتصاديات الطاقة النووية وأثرها البيئية وغير ذلك نريد أن نوضح إن عدد الدول التي تستخدم المفاعلات لتوليد الكهرباء في العالم عددها الآن حوالي 32 دولة، في مقدمتها فرنسا التي تولد أكثر من 75% من احتياجاتها الكهربية من مفاعلات نووية بلغ عددها أكثر من 60 مفاعلا، ونود كذلك أن نشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية بها اكبر عدد من المفاعلات النووية في العالم؛ إذ يبلغ هذا العدد أكثر من 100مفاعل. وإذا انتقلنا إلى الدول في آسيا نجد أن اليابان - وهي دولة أصيبت من القنابل الذرية 1945- تملك برنامجًا نوويا نشطا وكبيرا؛ فهي تولد ثلث احتياجاتها الدولية من المفاعلات النووية ولديها دورة وقود نووي كاملة، وإذا ذهبنا إلى بلاد من الدول النامية نجد أن كوريا الجنوبية تولد كذلك 40 في المائة من احتياجاتها الكهربائية من الطاقة النووية، بل والأكثر من هذا أنها تقوم بتصميم وتصنيع المحاطات النووية بدرجة اعتماد على الذات قدرها 95% ، كذلك الهند تقوم بتصنيع محطاتها النووية بدرجة اعتماد على الذات بنسبة 98%. وبالنسبة للأخطار البيئية من المحطات النووية فيكفي أن نعلم أن الطاقة النووية لا تولد غاز ثاني أكسيد الكربون مثل الطاقات البترولية والفحمية وغيرها؛ وهذا ما يسبب المشكلة الأساسية للبيئة في العالم وهو سخونة الكوكب بسبب تأثير الصوبة الذي يهدد كوكب الأرض حاليا وفي المستقبل، ولكن نريد أن نوضح أن الطاقة النووية كأي مصدر من مصادر الطاقة؛ لها مخاطر ولكن هذه المخاطر في الحدود المقبولة ، وتم الاستفادة منها بالرغم من الأخطار التي وقعت وأدت إلى حوادث نووية في مفاعل "ثري ميل ايلند" في الولايات المتحدة وكذلك حادث تشرنوبل في الاتحاد السوفياتي السابق، وبعد ذلك تم تعزيز أمان هذه المحطات. وبالنسبة لأي مصادر أخرى من الطاقة مثل الطاقة الشمسية وغيرها فان السياسية الرشيدة لأي برنامج للطاقة هو الاعتماد على المصادر المختلفة منها، في إطار توليفة مناسبة تعتمد على المصادر الطبيعية للطاقة في كل بلد؛ إذن هناك مكان لكل مصدر من مصادر الطاقة مع الإشارة أن الطاقات الجديدة والمتجددة لازالت في نطاق تجريبي، ولا نستطيع أن نبني حتى الآن محطة قدرها 1000 ميغاواط من الطاقة الشمسية أو الرياح أو غيرها، ونحن نشجع تنمية كافة المصادر، فإن احتياجات الطاقة لمواجهة النمو السكاني سواء في المنطقة العربية أو غيرها تحتاج إلى كافة المصادر، مع أنني كذلك أحب أن أوضح أننا لا يجب علينا كعربً ونحن أمة منتجة للطاقة - أن نسرف في إنتاج البترول، بل يجب أن نرشد استخدامه حتى يكون مفيدا للأمة العربية والعالم على المدى البعيد، بدلا من أن يجري تخزينه في بلاد أخرى كما يحدث الآن في أمريكا.

 ذهبت تقارير صحفية متعددة إلى عزو الهزات الأرضية الأخيرة التي ضربت المنطقة العربية وتركيا
إلى إجراء إسرائيل تفجيرات نووية في باطن الأرض، ما رأيكم في ذلك؟

 حينما حدثت هذه الهزات تم اتصال بمنظمة الحظر الشامل للاختبارات النووية ومقرها أيضا في فيينا، والمفروض أن هذه المنظمة لها عدة مراكز رصد في العالم؛ وذلك لتتبع أي تفجيرات نووية، وقد اتصلت مباشرة بهم وأفادوا أن هذا ليس تفجيرا نووياً. ويمكن إضافة أنه من المعروف أن إسرائيل قد أجرت تفجيرا نوويا في عام 79 بالاشتراك مع جنوب إفريقيا، وذلك في جنوب المحيط الهندي وتم رصد هذا التفجير بواسطة قمر صناعي أمريكي إلا أنه تم التغطية على هذا الخبر. ولكن في تقرير كثير من المعلقين.. فان ذلك كان اختبارا نوويا إسرائيليا

 هل كان العراق قد اقترب من امتلاك أسلحة نووية بالفعل؟ وهل لديه الإمكانية الآن لتجديد هذه القدرات؟

 لقد قام العراق بتصميم وتنفيذ برنامج شامل لإنتاج أسلحة التدمير الشامل؛ من نووية وكيماوية، وبيولوجية. وبالنسبة للسلاح النووي تدل المعلومات المتوفرة الآن انه بالنسبة لخط البولتونيوم فقد أنتج كمية صغيرة 2 جرام، وهذا يدل انه استطاع أن يسيطر على أسلوب فصل البلوتنيوم واليورنيوم المشع. وبالنسبة لانتاج المادة الانشطارية: وهي اليورنيوم على المخصب فقد عمل في عدة تكنولوجيات، منها: تكنولوجيا الطرد المركزي، وتكنولوجيا الفصل بالطرق الكهرومغناطيسية واستطاع أن يقوم بفصل اليورنيوم المخصب بكميات بسيطة، هذا كله يوضح انه تم إعداد الأجهزة والمعدات اللازمة، وفي نفس الوقت أجرى التجارب المبدئية التي توضح انه اكتسب الخبرة في مجال إغناء اليورنيوم؛ وهذا يعني أن القضية أصبحت قضية وقت لإنتاج كميات وفيرة يستلزمها السلاح النووي، وفي عام 1995 نُُُشرت أخبار عن الوزير المسؤول عن البرنامج النووي -وكان صهر الرئيس صدام حسين كامل- انه في الفترة الأخيرة كانت هناك محاولة لاستخدام اليورنيوم المخصب من احد المفاعلات العراقية التي تخضع لضمانات دولية وتم تحويله لمادة صالحة للإنتاج العسكري ولكن التدخل العسكري في الخليج (حري الخليج الثانية) أوقفت هذا الاتجاه، ونشر أيضا ما يفيد أن العراق قد استكمل تصميم القنبلة النووية وكان بانتظار الحصول على المادة الانتشطارية اللازمة.

كان من أول الأهداف العسكرية في حرب الخليج الثانية تدمير المنشآت النووية العراقية والمفاعلات أيضا، وتم ذلك بنسبة كبيرة من النجاح؛ ذلك لان منشآت اغناء اليورنيوم هي منشآت كبيرة وتم التعرف على مواقعها، بواسطة فرق التفتيش وكذلك بمقتضي القرار رقم 687 الصادر من مجلس الأمن، وبمقتضى الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة قامت لجنة خاصة بالمشكلة بفتيش ونزع السلاح العراقي، وكما نعلم جميعا فانها أشرفت على تدمير البرنامج النووي إلى الحد الذي أعلنت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه تم تدمير كافة المنشآت النووية العراقية؛ وبالتالي فإنها لا تقوم الآن إلا بجهد في الرصد طويل الأجل؛ حتى لا تتمكن العراق من إعادة بناء منشآت نووية. هناك نقطة إضافية هامة: أنه في أي تفكير في إعادة بناء البرنامج النووي العسكري فهناك حاجة إلى استيراد معدات متقدمة -كما فعلت في الماضي - وفي ضوء الحصار المضروب على العراق، وفي ضوء حالة الانهيار الاقتصادي والصحي الموجود في العراق - في تقديري- ليست هناك إمكانية لإعادة ما تم تدميره في الزمن المنظور

 ما هو تقديركم لحجم المخاطر على الدول العربية المحيطة بإسرائيل من جراء التسربات النووية من ديمونة؟

 إن المخاطر الحقيقة هي من وجود المفاعل ومن التسليح النووي وهو الخطر الأساسي الذي يشكل تهديدا للأمن القومي للعرب، وليس هناك أسلوب أو طريقة عربية لمواجهة هذا السلاح سوى الدعوة إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، أما بالنسبة للتسربات من مفاعل ديمونة، وخاصة ما أثير من النفايات المشعة بالرغم من عدم توافر معلومات عن هذا الموضوع - كما سبق أن أوضحنا- إلا أن هذه الأخطار تبقى محدودة في المنطقة. ويُطرح أيضا من علماء إسرائليين أن مفاعل ديمونة القديم به أجزاء متهالكة وبالتالي يمكن عند وقوع هزات أرضية أن يحدث انهيارات في المفاعل تؤدي إلى تسرب إشعاعي وهذه نقطة جديرة بالدراسة إذا توافرت معلومات عن المفاعل، ولكن كل ما يمكن عمله في هذه المرحلة هو الرصد الإشعاعي في الدول العربية المتاخمة لإسرائيل حتى يمكنها قياس أي زيادة في المستويات الإشعاعية؛ ووفقا لذلك تتخذ إجراءات الأمان الإشعاعي اللازمة. وعلى حد علمي.. هناك أجهزة للرصد الإشعاعي قرب الحدود من مصر وكذلك من الأردن وكذلك من سوريا.

 هل يمكن للمسلمين أن يقفوا بندية أمام الكيان الصهيوني بدون امتلاك القوة النووية ؟
هل هناك تعاون نووي بين البلاد الإسلامية كباكستان وإيران وما أثره استراتيجيا على الصراع الإسلامي ضد الصهيونية؟ وهل يمكن التطبيع والسلام في ظل عدم التوازن النووي بيننا وبين إسرائيل؟

 أولا: موضوع الندية يبدأ بالتعاون وهذا فريضة غائبة في العالم العربي والعالم الإسلامي؛ فان التعاون الموجود هو يشكل تنسيقا وفي اضعف الحدود. نحن نرى كيف يتم التعاون مثلا في أوروبا، الذي وصل إلى ما يشبه حكومة أوروبية نحن نرى كيفية التعاون داخل حلف شمال الأطلسي ونرى التعاون في دول منظمة التعاون الاقتصادي، نحن نرى كيف يجتمع رؤساء الدول الصناعية الثمانية كل 6 أشهر، وحينما يكون هناك حادث أو أمر دولي هام تجرى مشاورات على جانب واسع، فهل لدينا هذا الحجم من الاجتماعات والقرارات المشتركة؟!

نحن المنطقة الوحيدة في العالم التي تبدو وكأن عقدها قد انفرط، هذا بالنسبة للتعاون العربي. أما بالنسبة للندية وبالتالي في وسط هذا السلوك السياسي لا نستطيع أن نتحدث عن الندية وبالمناسبة يقال: إن عدم انعقاد القمة العربية لان هذا الاجتماع وحده يخيف إسرائيل ولا استطيع أن أتكلم عن الندية في هذا المناخ السياسي، بالنسبة لقضايا التطبيع فالرأي انه لا تطبيع إلا بعد التوصل لاتفاق سلام شامل ويتضمن ذلك إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية، أو أسلحة الدمار الشامل؛ هنا يمكن القيام بالتطبيع الحقيقي.

 يرى بعض الدارسين أن التفجيرات النووية الباكستانية والهندية قد عقدت المسألة النووية في الصراع
العربي - الإسرائيلي وزادت من تعنت إسرائيل في موقفها فهل تتفقون مع هذا التحليل؟

 بلا جدال أنها عقدت الموقف، وان هذا طرح على الشارع العربي: لماذا تخلفنا؟ طرحت كذلك لماذا لا ننتج سلاحا نوويا؟ في كافة المؤتمرات واللقاءات التي حضرتها منذ مايو 98 كنا دائما نواجه هذه الأسئلة، وطبعا كنا نرد عليهم بأننا حسمنا أمرنا في هذا الموضوع، وأصبحنا أطرافا في المعاهدة النووية. في اعتقاد كثيرين -أيضا-.. إن إسرائيل يمكن أن تعلن أنها دولة نووية، إلا أن آخرين يرون أن ذلك سوف يعرضها لقطع المعونات والمساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالتالي سوف تستمر في سياساتها الحالية وهي سياسة الغموض النووي أو التعتيم النووي، ويبدو أن هذا ما قررته إسرائيل، و قد مر أكثر من عامين ولم يحدث أي تفجير.
هناك بعض الذين يثيرون أن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة إسلامية وتم نفي ذلك بكل تأكيد من الجانب الباكستاني، ومن الممكن أن يعقد ذلك الموضوع حينما تبدأ مفاوضات إنشاء المنطقة الخالية من أسلحة التدمير الشامل ومن المحتمل أن يطرح الإسرائيليون التهديد النووي الباكستاني للمنطقة. إلا أن ذلك مردود عليه بان مشكلة الهند وباكستان هي مشكلة في جنوب آسيا وليست في غرب آسيا.

 هل ما يذكر عن قدرات إسرائيل النووية حقيقة أم مبالغ فيه؟

 الحقيقة أن الذي يذكر عن الأسلحة النووية يستند أساسا إلى المعلومات والبيانات التي أدلى بها الفني الإسرائيلي المغربي الأصل فعنونو في أكتوبر 1986 إلى صحيفة "الصانداي تايمز الانجليزية"، وهذه المعلومات هي أساسا التقرير الذي يتواتر في وسائل الإعلام المختلفة والتي تحدد عدد الرؤوس النووية في إسرائيل بحوالي أكثر من 200 رأس نووي وفي اعتقادي.. انه ليس هناك مبالغة في هذا التقدير بالنسبة لما اطلعت عليه من مصادر حديثة

 كيف يرى فوزي حماد، أهمية توفر القدرات النووية للدول العربية لمواجهة إسرائيل مقابل التفوق العسكري الشامل؟هل إسرائيل تبالغ بحجم قدراتها النووية؟ ما أبرز الاستخدامات المجدية والآمنة للطاقة النووية؟

 الحقيقة التحدي الإسرائيلي يكون بالتحدي الحضاري أن تنشئ الأمة العربية الإسلامية أقطارا تعتمد على العلم الكبير والتكنولوجيا المتقدمة هذا جانب هام من جوانب الدولة العصرية: العلوم التكنولوجية المتقدمة وأن تشكل التكنولوجيا المتقدمة الاقتصاد القطري أو الاقتصاد العربي هذا الأمر أصبح ضرورة بقاء؛ إذ أن التخلف التكنولوجي وحده - دون إسرائيل- كفيل بتفتيت ما بقي لدى العرب والمسلمين. أن التقدم العلمي والتكنولوجي هو ضرورة بقاء فإذن هو التحدي الحضاري الذي لا بد أن نعمل من أجله، ثم أن هناك أسلحة تدمير شاملة أخرى مثل: الأسلحة الكيماوية وغيرها يمكن أن تشكل أيضا رادعا، صحيح إنها ليست في مستوى السلاح النووي إلا أنها مع أسلحة تقليدية متقدمة - يمكن أن تشكل رادعا بجوار التقدم التكنولوجي.

 ما مدى تأثير الطاقة النووية على الدول العربية؟

 نحن نرى أن العالم العربي لم يستخدم الطاقة الذرية بالمستوى اللازم. إن المنطقة العربية تكاد تكون هي الوحيدة في العالم التي ليست لديها مفاعلات لتوليد الكهرباء أو تحليلة المياه، إذا نظرنا إلى قارة إفريقيا نجد أن الدولة الوحيدة التي لديها مفاعلات لتوليد الكهرباء هي جنوب إفريقيا، بينما تنتشر المفاعلات في أوربا وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية. إن الدولتين الإسلاميتين الوحيدتين اللتان بهما برامج نووية هما : باكستان فلديها محطتين لتوليد الكهرباء الأولى من كندا والثانية من الصين وتجري التشاور لإنشاء محطة ثالثة بتعاون مع الصين. أما إيران- وهي الدولة الإسلامية الثانية- فهي تحاول أن تستكمل وتشغل محطة "بوشهر" والتي بدأ إنشاؤها في عصر الشاه وقد وصلت إلى 70في المائة منها إلا أنه توقف العمل بها بالكامل بعد قيام الثورة، كان هذا الإجراء غير مفهوم.

 إلى أي مدى يمكن الاستفادة من الكفايات العربية المهاجرة في هذا الميدان، وهل يمكن – بالفعل - توظيف تلك الكفايات للعودة بمردود حقيقي في برنامج عربي موحد، وهل لدينا كفايات يمكن أن تغطي كل التخصصات المطلوبة لذلك؟

 أولا: توجد في العرب المهاجرين كافة الكفايات العلمية والتكنولوجية، ولكن – حقيقة - ليست هذه المشكلة؛ المشكلة في الأساس هي الإرادة السياسية، في كل دول تريد أن تبني تكنولوجيا نووية سلمية ويأتي عقب الإرادة السياسية الإدارة اللازمة لذلك. إن تركيز كل الموضوع في كلمتين: الإرادة والإدارة، وإذا تم التخطيط الدقيق لأي مشروع تكنولوجي نووي أو غير نووي يمكن الاستفادة بالخبرات المهاجرة؛ لأنه دون هذا البرنامج المخطط لا يستطيع أن يعمل فيه علماء عملوا في أنظمة مخططة متقدمة.
أرى أن استخدام العلماء في الخارج يكون لفترات قصيرة، وليس للإقامة لان هؤلاء العلماء تعودوا على نظم إدارية معينة، وعلى مستويات معينة في العمل وفي المعيشة، وعلى خدمات ورعاية وفي مناخ متقدم بحيث أن ملاءمتهم للمناخات هذه لا تكون على المستوى الرفيع ولكن استخدامهم يكون لفترات قصيرة للاستفادة بخبراتهم بشكل أكثر فاعلية.


مشاركة منتدى

  • إذا كانت الجزائر قد سمحت لفرنسا بإجراء تجارب نووية على أرضها-ولو سرا كما يزعم- فليس من حقّها أن تطالب بالتعويض، والعالم كلّه يعرف بقضية مطالبة الجزائر فرنسا بتعويضات لسكان منطقة رقان وفرنسا تنكر أحيانا وتتماطل أحيانا أخرى، وكيف أنّها سمحت بذلك بعد الإستقلال والتجارب كانت سنتي 1960-1961 والجدزائر استقلت في 05/07/1962؟على المؤرخ أو السياسي أو الباحث أن يكون موضوعيا وبعيدا عن الأحقاد السياسية يا بلدنا الشقيق، هل ستنشرون؟

  • سلام عليكم
    هل المقالات هنا في منها منشور ورقيا ولا جميع النشر الكتروني فقط..
    وهل الديوان موقع الكتروني فقط ولا يتبع جهة أخرى مثل صحيفة أو أيا كان ؟؟؟؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى