الاثنين ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل الأسطة

الشحاذ اليهودي والشحاذ الفلسطيني

وأنا أحاضر الطلبة، في مساق الأدب الفلسطيني، ستشتعل الفكرة، من جديد، في ذهني. أن أكتب عن الشحاذ الهودي والشحاذ الفلسطيني في الأدب – تحديداً في نماذج من الأدبين الألماني والفلسطيني. كنت أحاضر عن القصة الفلسطينية القصيرة، وأقرأ مع الطلبة قصة نجاتي صدقي " شمعون بوزاجلو "، واسأل الطلبة عن صورة اليهودي فيها. وسألتهم إن كانوا قرأوا شيئاً عن صورة اليهودي في الآداب العالمية، وذكرت لهم مسرحية الكاتب العالمي ( شكسبير ): " تاجر البندقية "، وتحدثت لهم عن ( شايلوك ) الشخصية اليهودية المحورية فيها، وعن علاقته بالمسيحي ( أنطونيو )، وما آلت إليه، وإصرار ( شايلوك ) على تنفيذ شروط العقد.

وربما التفت الطلاب إلى ما قمت به، وتساءلوا. استخرجت ورقة من جيب قميصي، ودونت الفكرة، خوفاً من أن تغيب عن ذهني – هكذا أفعل دائماً حين تخطر لي فكرة، في أي مكان أكون -، وأخذت، فيما بعد، أقلب الأمر في ذهني. ربما استحق الموضوع دراسة، بخاصة أنني قرأت غير نص أدبي أتى فيها أصحابها – أي النصوص – على تصوير يهودي شحاذ أو فلسطيني شحاذ، بالألمانية أو بالعربية.

هل بالغ نجاتي صدقي، حين صورة في قصته، اليهودي شحاذاً ومرابياً ومحباً للمال، يسلك في حياته طرقاً غير سوية لجمعه مع أنه يملكه ويملك منه الكثير؟ وفيما بعد سأقرأ، بالألمانية، مثلاً طريفاً يقول: " لو أعطوا الشحاذ العالم كله، فإنه سيحن إلى العملة النحاسية "، وحين أكرره أمام بعض من أعرف ستردد أمي على مسامعي قصة النورية التي زوجوها ملكاً، فوقفت على الطاقة تطلب رقاقة [ خبز النور ]. وربما تذكر المرء هنا قصة ميسون التي تزوجت الخليفة معاوية، وأخذت، وهي في القصر، تحن إلى حياة البادية؛ إلى بيتها الذي تخفق الأرياح فيه، إلى لبس العباءة. وربما تذكر مشاهدو مسرحية عادل إمام " الزعيم " حالته لحظة أرادوا تنصيبه رئيساً للبلاد: لقد حنّ إلى كذا وكذا مما اعتاد عليه.

وبما أنني كنت قرأت رواية ( ثيودور هرتزل ) المعروفة: " أرض قديمة – جديدة "(1903) ( تقريباً )، - وهي مكتوبة بالألمانية، ولهذا أدرجتها ضمن الأدب الألماني، اعتباراً على معيار اللغة، لا اعتباراً على معيار الدين أو اعتباراً على معيار التوجه الفكري والسياسي، فقد كان ( هرتزل ) يدعو إلى الدولة اليهودية، وله كتاب معروفٌ بالألمانية هو: الدولة اليهودية-بما أنني كنت قرأت الرواية التي غالباً ما أعود إليها، فقد وجدتني أتذكر شخصية اليهودي ( ديفيد لوتفك ). كان هذا يقيم في المنفى، ثُمَّ هاجر، بعد مساعدة الحركة الصهيونية له، إلى فلسطين: أرض الميعاد. أرض السمن والعسل. وما طرأ على حياته من تغيرات إنما كان يخدم الفكر الصهيوني الذي دعا يهود المنفى إلى الهجرة إلى فلسطين. كان ( ديفيد ) في المنفى فقيراً ومعدماً ولا مهنة له سوى التسول. وحثته الحركة الصهيونية على الهجرة، وفعل، وفي فلسطين غدا إنساناً آخر: يعمل ويجني ويربح، وما عاد ذلك اليهودي الفقير الذي يعيش على صدقات الآخرين.

لم يكن نجاتي صدقي، إذن، في قصته بدعة في تصوير شخصية اليهودي شحاذاً، من باب تشويه صورة الآخر. فقصة صدقي أنجزت في العام 1947 تقريباً – أي بعد أربعة عقود تقريباً من كتابة ( هرتزل ) روايته. ولكن شحاذ صدقي – أي شمعون يوزاجلوا – من يهود البلاد، لا من يهود المنفى، وربما كان وضع الأولين، قبل أن تأخذ الحركة الصهيونية بيدهم، سيئاً جداً. ربما.

كيف غدا حال اليهودي في فلسطين بعد إقامة دولة إسرائيل؟ كم نسبة الفقراء فيها، وهل هناك من يمارس التسول؟ هذه أسئلة تحتاج الإجابة عنها إلى دراسة الحياة الاجتماعية في الدولة التي لا شك وفرت لمواطنيها حياة لا بأس بها. وفي المقابل فإن السؤال الذي يثار هو: كيف غدت حياة الفلسطينيين بعد أن تركوا وطنهم وعاشوا في المنافي؟

وربما تذكر المرء قصة سميرة عزام " لأنه يحبهم "، وربما تذكر أيضاً رواية غسان كنفاني " أم سعد ". تحول شخوص قصة عزام إلى لصوص وبغايا ومخبرين، فيما غدت " أم سعد " خادمة في البيوت. وربما تحول أكثر اللاجئين إلى عالة على الأمم المتحدة. هل هذا ضرب من التسول؟

وربما تذكر المرء هنا اللازمة التي يكررها محمود درويش في شعره: ضحية قتلت ضحيتها، وصارت لي هويتها. اليهود ضحية – ( البوغروم ) – في روسيا القيصرية، وهم كذلك ضحية – ( الهولوكست ) – في ألمانية النازية. وبعد تأسيس دولة إسرائيل انقلبت الأدوار. وربما أكرر هنا ما أقوله دائماً: ليس درويش فقط من قال هذا. هناك كتاب يهود، مثل ( دافيد غروسمان ) رأوا في حياة سكان المخيمات ما ذكرهم بحياة اليهود في المنفى.

سأقرأ قبل عامين تقريباً رواية فلسطينية لكاتب مغمور – سأنجز عنها دراسة في قادم الأيام – يصور فيها فلسطينياً لم يعد قادراً على العمل، بسبب إصابته، يغدو شحاذاً. والذي اقترح عليه أن يمارس هذه المهنة – إن كانت مهنة – صديق يهودي له، كان يعمل معه في الشركة.

ثمة شحاذ يهودي، وثمة شحاذ فلسطيني، ويا إلهي كم نتبادل نحن واليهود الأدوار !!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى