الجمعة ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
الوحدة من أمامهن والأولاد خلفهن

الأرامل.. حكم اجتماعي بالإعدام!

رشا لطفي

كتب عليهم القدر مواجهة الحياة ومعاناتها.. أن يعيشوا محنة حقيقية تختبر إرادتهم وتكتشف معدنهم.. يعيشون في دوامة نفسية بعد أن غاب رفيق العمر وخطفه طائر الموت ورحل إلى الرفيق الأعلى.. يستعيدون في لحظات الصفا ذكريات الماضي الجميل ويحنون في ساعات الجفا إلى أيام العشرة الخالدة التي لا تمحوها السنين.. قد تنساب الدموع منهم بغزارة ويبكون في وجدانهم لوعة ومرارة.. المجتمع من حولهم لا يرحمهم، ونظرات الشفقة تقتلهم.. يبحثون عن يد حانية تنتشلهم من الضياع، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!.

فريسة سهلة

حكايتهم تبوح بمعاناتهم.. تكشف آلامهم.. تظهر حسرتهم على مجتمع وضعهم في دائرة النسيان وينظر إليهم كأنهم عالة عليه.. لم يرحم ظروفهم ولم يقترب منهم؛ بل تجاهلهم عن عمد وقصد.

صفاء (أرملة) تقول: "لم أفكر في الزواج؛ لأنه في مثل حالتي كان لا بد لي أن أختار بيني وبين أطفالي وقد اخترت أطفالي.. الفراغ القاتل يجعل من العمل الشيء المهم جدًّا للأرملة بغض النظر عن نوعية المجتمع، فبعد وفاة زوجي نجحت في عملي أكثر، وأثبت كفاءتي فيه ولكن نسيت نفسي، والترمل جعلني أتعلم كيف أكون صلبة في مجتمع كالغابة، وقد تعلمت من دوري الإنساني كيف أملك زمام قلبي، ولم يصادفني رجل ينجح في إفلات هذا الزمام".

نجلاء.. تزوجت وهي تبلغ من العمر 16 سنة وعندما بلغت العشرين ترملت وواجهت العالم بمفردها، تتحدث بصراحة: "الجميع يشفق عليّ، والبعض يطمع فيّ ويراني فريسة سهلة من السهل اقتناصها قائلين إنني امرأة مجربة، والحقيقة أن المأساة التي تحياها الأرملة بعد تلك التجربة القاسية مغلفة بالخوف من كل شيء.. أعترف أن خوفي جعلني في ريبة دائمة.. كنت قبل أن أصبح أرملة أتوقع الخير قبل الشر.. أما الآن فأنا أتوقع الشر حتى يثبت من أمامي الخير، وهذا أمر طبيعي في مجتمع ينظر إلى المرأة من منظور واحد؛ لذا لن أفكر في الزواج حاليًّا وإن تزوجت فسأتزوج من أجل المجتمع الذي يأمرني بذلك في كل خطوة أخطوها".

كلام الناس

أرملة عمرها 27 سنة ولم تنجب قالت: وضعي حساس للغاية، فقد تزوجت عن حب دام 3 سنوات ورحل زوجي بعد سنتين من زواجي ولم يرحل الحب.. جميع من حولي وخاصة أهلي يأمرونني بالزواج؛ لأنني ما زلت صغيرة ويخشون عليّ من الفتنة.. يتركون نبض قلبي ويحكمون عليّ كالقاضي الذي لا يطبق سوى قانون المظاهر الكاذبة "سمعتك والناس، إزاي هتعيشي لوحدك من غير راجل. مش نفسك في طفل يملي عليكي دنيتك"، وأنا لا أتخيل -لمجرد الزواج وبمجرد أن العالم يأمرني بذلك- كيف أفصل جسدي عن روحي؟!".

لا يخفى على أحد أن الأرملة قد تعاني مشكلات اقتصادية عدة، ولا سيما في حالة عدم وجود مصدر دخل أو معاش عقب وفاة الزوج؛ وهو ما يدفعها إلى الخروج إلى سوق العمل واشتغالها بأعمال قد لا تتناسب ومستواها التعليمي أو الاجتماعي من أجل توفير لقمة العيش لها ولأولادها، وهناك نوع من النساء يمتلك إرادة حديدية نجح في أن يسطر قصة نجاح رغم قسوة الحياة.

والحاجة "صفية الجزارة" من النوعية الأخيرة، فهي أشهر جزارة في مصر، عندما تُوفِّي زوجها لم تجلس في بيتها فريسة للاكتئاب واليأس، بل صممت على استكمال المشوار وحمل المسئولية وغزت مهنة اللغة الرسمية لها هي الساطور، ونجحت بحد السكين أن (تقطع) همومها و(تشق) طريقها إلى النجاح لتمتلك، ونجحت في أن تثبت أن الأرملة يمكنها أن تعيش في ظلها وليس ظل الرجل فقط، وتمكنت من تربية أبنائها وحصلوا على أعلى الدرجات العلمية.

ضغوط نفسية

الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي يسلط الضوء على الحالة النفسية التي تئول إليها الأرملة بعد فقدان زوجها، مؤكدًا أنها ترزح تحت ضغط نفسي هائل مبعثه شعورها بالوحدة بحيث تختلف درجته من امرأة إلى أخرى، هذا إضافة إلى شعورها بالتوتر والعصبية؛ وهو ما قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى عزلتها وتجنبها الاختلاط مع الناس، وهذا الابتعاد القسري أو الاختياري يجعلها فريسة معاناة جديدة يولدها الكبت الجنسي المرافق لاكتئاب وقلق يأتيان في أعراض جسدية.

ويؤكد الخبير النفسي أنه في حالة فقدان شريك العمر يتأجج في أعماق نصفه الثاني شعور بالافتقاد الشديد يجعل للفراق أنيابًا تنهش صاحبها، ولا يمكن لهذا الشعور أن يزول إلا بوجود بديل يعوض الشريك الراحل غير أن هناك شروطًا معينة لدخول هذا البديل، فسن الأرملة عند وفاة زوجها تلعب دورًا مهمًّا في مدى قدرتها على العيش مع شريك أو بدون شريك، فإذا كانت شابة تزداد حينئذ حاجتها النفسية والعاطفية التي يلبيها الزوج.. فمسألة السن غاية في الأهمية؛ لأن العلاقة بين الزوجين تسير بعد عمر معين في اتجاه بعيد عن الحاجات الجسدية على اعتبار أن القيمة المعنوية للزواج أعمق من القيمة الجسدية.

كذلك من الشروط الهامة شكل علاقة الأرملة بأولادها، فكثير من النساء يستبدلن عاطفة الأمومة بكل المشاعر المفقودة بعد وفاة أزواجهن، وعلى الرغم من أن هذا الشكل السامي للعلاقة قد لا يعوضها تمامًا، فإنه كافٍ أحيانًا لمساعدتهن على تجاوز الأزمة.

ويركز الدكتور يسري على ضرورة زواج الأرملة؛ لأن المرأة تظل ولآخر يوم في عمرها في حاجة لوجود رجل في حياتها بعيدًا عن أي احتياجات مادية بيولوجية، كذلك حاجة الأرمل النفسية للزواج التي تكون مضاعفة لحاجة الأرملة، ففي سن معينة تبلغ هذه الحاجة لدى الرجل أعلى درجاتها، فإذا استطاع ارتباط الأم الوثيق بأولادها أن يعوضها عن فقدان الزوج فإن ارتباط الأب بأولاده لا يعوضه عن فقدان زوجته.

نظرة المجتمع

وتؤكد عزة كريم، الخبيرة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أن الأرامل يعانين من مشاكل اجتماعية عدة أبرزها النظرة التي ينظر المجتمع الشرقي إليهن بها، وحكمه بالإعدام الاجتماعي عليهن؛ حيث يسلبها حقوقها التي ضمنتها لها الشريعة الإسلامية، خاصة مسألة الزواج بعد وفاة الزوج، فلا يقتصر تجاهل المجتمع لدعم الأرملة دعمًا وجدانيًّا واجتماعيًّا لانتشاله من أحزانه، ولكنه يصدر حكمًا بالإعدام الاجتماعي فلا يراعي ما للأرملة من حاجات نفسية وجسدية، خاصة إذا كانت في مقتبل العمر؛ حيث تنهشها الوحدة والفراغ القاتل، فإذا ما فكرت في الزواج بعد وفاة زوجها فلا يتردد المجتمع في اتهامها بنكران الجميل للزوج الأول وعدم مراعاتها مشاعر أهله وأبنائه والسعي وراء مصالحها الشخصية على حساب مستقبل أبنائها.

وتضيف الدكتورة عزة أن المشاكل الاجتماعية تختلف بين الأرملة والمطلقة؛ ذلك أن الأرملة غالبًا ما تتمتع بنوع من التعاطف معها، وهو ما يجعل الآخرين يدخلون في حوار معها تقديرًا لوضعيتها الاجتماعية حتى وإن كانت دون أولاد؛ إذ يعتبرها الجميع "مكسورة الجناح" إلا أنها مع هذا تقدر على تغيير وضعيتها.

وفي حالة وجود الأبناء يكون الوضع أيضا أفضل بكثير؛ لأنهم يحمونها اجتماعيًّا من نظرة الإشفاق والدونية؛ لأن غيابهم يعني غياب الخصوبة، وهو ما قد يجعلها أحيانًا بمثابة "أرض بور"، وقد تمنعها هذه النظرة من إعادة حياتها بسبب الاتهام بالعقم.

القدوة المحمدية

ويرى الدكتور محمد المنسي، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم المصرية، أن الشريعة الإسلامية أوصت بحسن معاملة الأرامل والعناية بهم وخاصة النساء؛ بل حث الإسلام على الزواج بالثيبات وعدم تركهن عرضة للاتهام والكلام، فأكثر اللاتي تزوجهن الرسول صلى الله عليه وسلم كنّ ثيبات.

ويضيف أن الإسلام ترك للأرملة حرية اختيار الزوج دون ولي، وهذا ما أقره الإمام أبو حنيفة.

ويعارض الدكتور المنسي أولئك الذين يرفضون زواج الأرملة بحجة الخوف على بناتها من دخول رجل غريب بيتها، فقد ورد في الآية 23 من سورة النساء قول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ، فبنات الأرملة بمثابة أولاد الزوج، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعى على ثلاث بنات فهو في الجنة له أجر المجاهد صائمًا قائمًا".

"عش حياتك.. لسه الحياة ممكنة"، شعار رفعته أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سوسن عثمان والتي تبنت إنشاء "جمعية تدعيم الأسرة"، وتضم في عضويتها كبار المسنين والأرامل، وتشتمل على جوانب ترفيهية مختلفة للترفيه عنهم وإتاحة المجال لهم للاستمتاع بحياتهم بصورة طبيعية، فتقوم الجمعية بتنظيم الرحلات والحفلات، فضلاً عن قيامها بالزواج رافعة شعار الحياة تبدأ بعد الستين، وتؤكد الدكتورة سوسن أن فكرة زواج المسنين والأرامل ليست بالجديدة؛ فهي تطبق في غالبية الدول الأوربية للتغلب على مشاعر الوحدة، وما يترتب عليها من أمراض، وحتى لا يصبح كبار السن والأرامل عالة على أبنائهم.

رشا لطفي

عن إسلام إون لاين


مشاركة منتدى

  • انا ايضا ارملة ليس لي اولاد و ارفض الزواج مطلقا رغم ان الكل من بينهم اهل زوجي يضنونني سانسى و اتزوج و انهم هم من ضاعو في ابنهم ولست انا كنت احبه اكثر من نفسي و حقا لن اتزوج وفاءا لزوجي وان احببت ان اشعر بالامومة ساتبن طفلة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى