السبت ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
شاعرة الحزن و البكاء
بقلم فرهاد ديو سالار

التشاؤم النفسي عند نازك الملائكة

الموجز

كان بعض الشعراء و الأدباء مشغولين بأنفسهم و يعكفون على آلامهم الخاصة و هذا اللون من شعر المعاناة و الألم الذي يهتم الشاعر ببيان آلامه النفسية و معاناته ينبع جميعاَ من أصل واحد و هو الإحساس بالضياع و الخواء و عبثية الحياة. و كانت أدبياتهم مبنية على التشاؤم لأنهم ساخطون على الدنيا متبرمون بالعالم و لا يرون فيه إلّا شراَ مستطيراَ لا سبيل إلى دفعه و طفحت دواوينهم بشعر المعاناة و الألم و الحزن فالحياة عندهم شر كلها و إن في ازدرائهم للحياة مغالاة و تشاؤماَ مضرين و يصرخون متألمين لأنهم فقدوا كل أمل و قوة فهم لا يرون في الحياة غير ظلام و فناء و يحسون بالقنوط غافلين عن قيمة الحياة. و من هؤلاء " نازك الملائكة" التي تكون الحياة عندها مليئة بالهموم و الشقاوات و في نفسها تشاؤم مرّ كثيف و الحياة في نظرتها متعقدة مع الخيبة و الخشية فتعبر عن أحاسيسها و عواطفها الذاتية الحزينة و تنكفئ إلى ذاتها خاصة حينما ترى أن كلما تغنيت من أحلام جميلة محض سراب و ليست له حقيقة، أو تجد نفسها محاطة بالأحزان و الآلام تدفع بها حالة من التأمل و المعاناة و الجهد الفكري.

الكلمات الرئيسية: نازك الملائكة، تشاؤم، عبثية الحياة، شعر المعاناة، الإحساس بالضياع.

المقدمة

هناك أشخاص كثيرون مسلكهم أمام الحياة و المجتمع سلبي و يؤدي ذلك إلى عزلتهم و ينتهي إلى نوع من العدم و الفناء و يرون أن الحياة كلها شر؛ لأنه غالب على الخير و من هؤلاء الذين شاهدوا شرور الحياة " ديدرو" فإنه يقرر أن المرء حيوان ضارّ لو ترك لطبيعته و "فولتير" يعتقد بتأصل الشر و "باسكال" يعتقد بوحدة الإنسان و جهل مصيره حيث يقول: " حين أنظر إلى هذا العالم الصامت كله، و فيه الإنسان لا نور لديه، متروكاَ لنفسه، كأنه ضالّ في هذا الجانب من العالم دون أن يدري من الذي و ضعه فيه و ما مصيره بعد الموت عاجزاَ عن كل معرفة......" (د. غنيمي هلال، محمد، قضايا معاصرة في الأدب و النقد، ص 71). أو "لابرويير" يرى الشر أصيلاَ في الناس و يقول: "لا ينبغي أن نغضب على الناس حين نرى قسوتهم و كفرانهم بالصنيع و ظلمهم و نسيانهم للآخرين، فهم هكذا خلقوا و هذه طبيعتهم". أو مثلاَ يرى "سارتر" أن الخير في العالم شعلة ضئيلة تهددها رياح الشر كل جانب و "البير كامو" يعتقد بعبثية الحياة و استعصائها في ذاتها علي الفهم (نفس المرجع، ص 75).

تعبر نازك الملائكة عن عواطفها الذاتية الحزينة و تنكفئ إلى ذاتها عندما تحس بالفراغ و الضياع و تشعب الأهداف و غموض الغايات كأنها تدور في حلقة مفرغة لا تعرف لها نهاية تنتهي إليها و تعترف بالحقيقة المرة هي أن عالم الرؤى و الأحلام الذي التمسته في الطبيعة سجن آخر لها من لون جديد فلهذا تطلب الخلاص منه. في هذا الأوان تحس بأن الموت غاية لها لأنها بلغت النهاية و تلاقت الموت على فراشها و ذاقت لذته و استعدت نفسها للرحيل خاصة أنها كانت بين فكي الموت بسبب حمى شديدة أصيبت بها و غلب اليأس عليها و لا حيلة لها أن ترحب بالموت بما أن حياتها تنقضي قريبا والألحان تموت على شفتيها قبل أن تقول كل ما عندها و تدفع نفسها إلى حب الحياة رغم الموت و تريد الحياة من أجل أن تقول أناشيدها كلها و بعد لا تبالي أن يجيء الموت و يخطفها:

ربما تنقضي حياتي قريبا

و تموتُ الألحانُ في شفتيّا

ليْس في الكونِ بعد شعري ما يغري

فؤادي فمرحبا بالممات

فإذا ما أتممت لحني كما أهوى

فماذا أريده من حياتي (نازك الملائكة،ديوان، دار ج1،ص 18)

و عندما تنفجر الآلام في وجودها قوية وتتناقض الحياة أمامها و كل ما يكون في وجودها و إحساسها تناقض الواقع والحقيقة في هذه اللحظة تحس ببطلان وجودها و خواء أعماقها العاطفية و تسعى في البحث عن معنى للوجود الإنساني و تؤمن بعبثية الحياة فتسري في أشعارها روح التشاؤم و النقمة و مكتبها الشعري أو حالتها النفسية مفعمة‌بالرومنسية و هي تدفق في إبداعها نغما حزينا و فكرا متشائما نتيجة المرارة و الخيبة في أعماق المحن و الأزمات و يزيد التشاوم فيها . و في هذه الحالة تميل أن تعود إلى الماضي الجميل و تهرب من قيود الزمان لأن فيه تحررا –كما هو شأن الشعراء الرومنسيين (د غنيمي هلال، محمد، الرومانتيكية،ص73)- و تستعرضه بكل تفاصيله و جزئياته،ربما تقنع نفسها لفشل تجربتها و تحس باليأس و التمزق و الاغتراب، في الحقيقة تقابل بين حالتين – كما يعتقد الدكتور" المهنا"(مجلة الشعر فصلية مصرية، العدد1٤، يناير٦198م ص10)- و يقول:"......حالة الاغتراب التي يمثلها الماضي المفعم بالحرارة مع أنه ميت من الناحية المعنوية و حالة الاغتراب التي يعكسها الحاضر الخامد على رغم من أنه لم يفقد حرارة الحياة و تمكن لها العودة إلي الماضي لأن فشل التجربة لا يعني نهاية التجربة".
تمثل نازك الملائكة درجة عظيمة من الألم النفسي و هو ميراث نفس فاشلة تطمع في المستقبل دون أن تنسى خذلان الماضي و قد أدركت هذا الموضوع فهما تاما خاصة بعد أن خرجت من المحيط العربي إلى محيط أجنبي و اشتد صراعها الذاتي و مقتضيات الحياة من حولها .
تلجأ الشاعرة إلى الأزمان من أجل هذه الأزمات، الزمن الماضي بكل ما فيه و انتظار الغد أي مواجهة القبور و الترحب بالموت لأنه يخلصها من هذه الأزمات و لو تكون باردة؛كما تقول:

ومن القبر ذلك المظلم البارد (نازك الملائكة،ديوان،ج1،ص83٦)

القبر ضمك في برودته (نازك الملائكة،ديوان،ج2،ص٦13)

أو يكون صورة من الوحشة والصمت والظلام:

لم أجد غير وحشة اليأس

و صمت مثل صمت القبور

أي قبر أعددت لي أ هو كهف؟

ملء أنحائه الظلام الداجي (نازك الملائكة،ديوان،ج1،ص25)

إذن تلجأ الشاعرة إلي دائرة الأزمان و هي الدائرة التي سمتها "يوتوبيا"منطقة يتعطل فيها حكم الزمن و رغم ذلك عالم يموت فيه الضياء و مرة يضيئه القمر و لكن الصفة الثابتة لها أنها أفق أزلي لا يدركه الفناء كما يعتقد الدكتور" شوقي ضيف"(فصول في الشعر و نقده، دار المعارف بمصر، ص ٦9). و قد نظمت في عنائها النفسي و قلق نفسها و صورت خوفها و فزعها و ألمها تصويرا رائعا و تشعر في حياتها شعورا عميقا بأن الشر و الشؤم يلازمانها و لا مفر منهما إلا أن تتخلص من الحياة و تستقبل الموت و ما الفائدة في هذه الحياة المليئة بالمشقات و الصعاب و يليق بها أن تستريح من عذابها و عنائها و تحس بلهيب اليأس المتقد في أعماق نفسها . و أزمتها النفسية أمام الوجود و الكون و أسرار الحياة و مصيرها شديد الحدة، فهي كثيرة التفكر في آلام الإنسان و مصيره و وجوده و الكون و ألغازه و الموت وأسراره و حاولت لتكشف أسرار الحياة و الطبيعة و ما بعدها فيسري التشاؤم في أشعارها فتحزن و تبتئس و تكتئب و لون الحياة بكآبة نفسها وأفكارها السوداء يلح عليها. و يقول الدكتور" هدارة" إنها استخدمت كلمة" ليس"في مطولتها " مأساة الحياة " خمسا و سبعين مرة و أطلق عليه "النزعة الليسية " لتضاف إلى " النزعة اللاأدرية "(د.هدارة ،محمد مصطفى ،دراسات في الشعر العربي الحديث، ص 93)

نرى طابعها أنه هو الحزن و الاضطراب و القلق النفسي و المعاناة، من أجل انهيار آمالها الواسعة و اشتهرت بشاعرة الحزن و البكاء و النواح و كل من يقرأ شعرها يشعر بالحزن الذي تعيش فيه الشاعرة و ينبع من أعماق قلبها و مصدر الآلام لا يخبو في نفسها؛ و في هذا المنطلق نذكر أشعارها التي تعبر عن تشاؤمها أمام الكون و الحياة و الأسرار و الألغاز و تعرف من تفكراتها و نظرياتها حولها.
بدأت الشاعرة نظم مطولتها الأولى في الثاني و العشرين من عمرها التي هي صورة واضحة من اتجاهات الرومانسية التي غلبت عليها في هذه الفطرة من حياتها و كان من مشاعرها التشاؤم و الخوف من الموت، و عنوان هذه المطولة "مأساة الحياة" و العنوان نفسه يدل على تشاؤمها المطلق خاصة أنها تعتقد بأن الحياة كلها ألم و إبهام و تعقيد و موضوع هذه القصيدة الطويلة فلسفي يدور حول الحياة و الموت و ما وراءهما من الأسرار و الألغاز؛ و تبدأ بهذه الأبيات:

عبثاَ تحلمين شاعرتي ما

من صباح لليل هذا الوجود

عبثاَ تسألين لن يكشف السر

و لن تنعمي بفكّ القيود (نازك الملائكة، ديوان مأساة الحياة، ص 21).

و ترى أن الأفق مجهول و لا فائدة للنظر فيه؛ لأنه لا يتجلى و القدر مستغلق صامت:

أبداَ تنظرين للأفق المجهول

فهل تجلى الخفي

أبداَ تسألين و القدر الساخر

صمت مستغلق أبدي (نازك الملائكة، ديوان مأساة الحياة، ص 22).

تحدثت الشاعرة كثيراَ في أشعارها عن الإنسان و عن سر وجوده كما تحدثت عن عجزه عن معرفة هذا الكون الغامض المعقد و تعتقد أن حياة الإنسان مجهولة غامضة مليئة بالأسرار و الآلغاز التي لم يكن في إمكان أحد أن يكشفها حتى الآن و مضمون الشعرها اليأس و العجز عن حل هذه الأسرار و الألغازو الرجاء لا طائل تحته:

نحن نحيا في عالم ليس يُدرى
سره فهو غيهب مجهول
أي شيء هذا الفضاء؟ و ما سر
دجاه ؟ هل خلفه من حدود؟
هو سر الحياة دقّ على الأفهام
حتى ضاقت به الحكماء
ما الذي يطلع النجوم على الكون
مساء؟ ما كنه هذا الوجود؟
فأيأسي يا فتاة ما فهمت من
قبل أسرارها ففيم الرجاء؟ (نازك الملائكة، ديوان مأساة الحياة، ص 23).

و تعتقد أن النسان ليس بقادر أن يكشف الأسرار لكنها تسعى أن تجد السعادة و هناك صراع للوصول إليها و لكن أخيراَ تقنع بالجهل و تريح نفسها من عناء الصراع في سبيل وصولها لأنه لا يوجد أحد أن رآها إذن تبقى كلغز:

فيم لا تيأسين؟ ما أدرك الأسرار

قلب من قبل كي تدركيها

أسفاَ يا فتاة لن تفهمي الأيام

فلتقنعي بأن تجهليها

نحن ندعوه بالسعادة لكن

ليس منا من ذاقه أو رآه

ذلك اللغز ذلك الحُلُم المحجوب

خلف الضباب أين تراه ؟ (نازك الملائكة، ديوان مأساة الحياة، ص 22).

و تعتقد أن الألم جزء لا ينفصل عن الوجود الإنساني و عقوبة طبيعية و أنه دائما َمع الحياة و هذا الجرح عميق عندما كان الإنسان في شبابه و لا فائدة من البقاء مادامت الحياة تجرح الإنسان بالأسى و العذاب :

كل ما في الوجود يؤلمني الآن
و هذي الحياة تجرح نفسي (نازك الملائكة، ديوان، ج 1، ص ٤3).
كل ما في الوجود يجرحني الآن
و لون الحياة يطعن نفسي (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 257).
و أكفّ الحياة تجرحني فيم
بقائي؟ حسبي أسى و عذابا
في ربيع الشباب ما أعمق الجرح
إذا كانت الحياة شبابا (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 250).
و لا مفر للإنسلن من آلامه و هو محاصر بها مادام يعاني الحياة:
أين أمضي يا رب أم كيف أنجو
من قيود الفناء والأيام
ضاق بي العالم الفسيح فيا
للهول أين المفر من آلامي (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 213).
و لا يمكن أن يفر من الأوهام و الأفكار:
آه لو كان في الحياة مفر
من شقاء الأوهام و الأفكار (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٤18).

و تريد أن تفهم ماذا تصنع بها المأساة في المستقبل المجهول و ماذا يستقبلها من أجل هذا تنادي القلب بقولها :

حدثي القلب أنت أيتها المأساة

يا من قدسميت بالحياة

ما الذي تصنعين بي في الغد المجهول

ماذا تري مصير رفاتي ؟ (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 25).

لهذا السبب تقرر أن تسأل عن الليل ربما يظهر لها ما تريد و لكن تشاهد الأوهام تسخر منها و لا تجيبها و يبقي سؤالها في هذا المجال بدون جواب:

طالما قد سألت ليلي لكن
عزّ في هذه الحياة الجواب
ليس غير الأوهام تسخر مني
ليس إلا تمزق و اضطراب (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦2).

كما تكون الحياة مبهمة، إن الموت لغز أيضاَ و حل هذا اللغز صعب جداَ و ما زال يبقي لغز عميقاَ:

هل فهمتُ الحياة كي أفهم الموت
و أدنو من سره المكنون
لم يزل عالم المنية لغزاَ
عزّ حلاَ علي فؤادي الحزين (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦2).
و أكفّ الحياة تجرحني واللغز
يبقي لغزاَ عميقاَ خفياَ
تتحدي الأحياء قهقهةُ الموت
و تبقي الحياة ليلاَ دجيا (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 8٤2).
و كما أن الحياة قد جرّعتها الحزن و اليأس، المنايا لا تهتم بأمنياتها:
ولْتَجرّعني الحياة كؤوس الحزن
و اليأس ما يشاء شقاها
هل ستصغي إلي رجائي المنايا
إن تمنيت صمتها و دجاها
إن تمنيت أن آعيش فما
يستمع الموت أو يمد سنينا
أو تمنيت أن أموت فما يرحم
حلمي ولست القى المنونا (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 27).
و ترى الموت غالباَ منتصراَ و أننا أمامه ضعفاء:
هكذا الموت غالب أبد الدهر
و نحن الصرعى الضعاف الحيارى
و له النصر و الفخار علينا
فاندبوا مادعوتموه انتصارا (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 58).
و إن المهم هو إرادة القدر:
هكذا مما يريده القدرالمحتوم
لا ما تريده آمالي (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 28).

طبعاَ تعود الشاعرة بنسبة الشر في نفس الإنسانية إلي خطيئة آدم و حوّاء و تؤكد على هذا الموضوع عدة مرّات خاصة في مطولتها" مأساة الحياة" و أغنية للإنسان" و الشيطان نجح في قهر الإنسان و غرس نزعة الشر في وجود الإنسان بخضوعه لإرادته:

ليت حوّاء لم تذق ثمر الدوحة

ليت الشيطان لم يتجنا

علمتنا ثمارنا فكرة الشر

فكان الحزن العميق العاصر (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 200)

و أحياناَ تفكرفي الذنب الذي ارتكبه آدم بحيث يحق العذاب على البشر جميعاَ و تقول:

حسبها أننا دفعنا إليها
ثمن العيش حيرة و دموعا
أي ذنب جناه آدم حتى
نتلقى العقاب نحن جميعا (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 38).
والحياة عندها منبع شر و شقاء و اضطراب و لا مهرب منها و تصفها هكذا:
لقبوها الحياة و هي اضطراب
أبدي و لهفة لا تقر
و امتداد للانهاية لا يبدأ
لا ينتهي و أين المفر؟(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 3٦1)
و ترون الحياة منبع شر
ليس منها منجى و ليل شقاء
هي هذي الحياة زارعة الأشواك
لا الزهر و الدجى و لاالضياء
هي نبع الآثام تستلهم الشر
وتحيا في الأرض لا في السماء(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 37)
و تصفها أنها كساقية تسقي كؤوس السم و تعطيها للعطاش:
هي هذي الحياة ساقية السم
كؤوب يطفو عليها الرحيق
أومأت للعطاش فاغترفوا منها
ومن ذاتها فليس يفيق(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 37)
والحياة الإنسانية شقاء دائم:
عالم كل من على وجهه يشقى
و يقضي الأيام حزنا و يأسا
عبثا فالحياة سنته الحزن
و حكم الآهات والدمع جار(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 8٦٤)
كما ضاق قطرة من نعيم
أعقبتها من الأسى ألف قطرة
و مهداتها هي:
هي هذي الحياه لاتمنح الأحياء
إلا العذاب و الأهوالا(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 3٤1)
وقد بلغ التشاؤم فبها إلى حد ترى أن الحياة كلها مأساة من بدايتها ألي نهايتها:
ما أفظع المبدأ و المنتهى
ما أعمق الحزن الذي نحمل(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص٦52)

و العالم المليئ بالشقاء و الألم ولا فائدة في تهذيب النفس لأنها حاملة الشر و البغضاء:

هكذا شاءت المقادير للعالم
إثم و شقوة و حروب
و هي النفس تحمل الشر و البغض
فماذا يفيدها التهذيب (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 50)
ولا نجاة من الكون المعذب المسوق إلى الأحزان:
كيف ينجو من الأسى ومتى يشفى
في الموجعات و الآلام؟
يالهذا الكون المعذب في قيد
من الشرو الأذى و الآثام
كيف ينجو و الطبع و القدر القاسي
يسوقان إلى الأحزان (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 51)
و هناك ليس أي شفاء لهذا اليأس و الحزن؛ لأن:
ليس يشفيهم من الحزن و اليأس
دواء فالداء في الأرواح (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 87)
و لا يوجد أي رخاء و راحة حتى في القبر:
افتحوا هذه القبور و هاتوا
حدّثونا أين الغنى و الرخاء؟ (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦5)

مع أنها تعتقد بأن الموت كارثة أقسى و تعتقد أن تشاؤمها قد فاق تشاؤمها" شوبنهاور" لأنه كان يعتقد أن الموت نعيم يختم عذاب الإنسان أما هي فلم تكن عندها كارثة أقسى من الموت و هو يلوح لها مأساة الحياة الكبرى و أن التشاؤم و الخوف من الموت من مشاعرها. لكنها بالفعل تؤمن بأنه يخلص الإنسان من الشقاء و الألم و تؤمن بقول شوبنهاور: إن أعظم نعيم للناس جميعا هو الموت؛لأنها تجد فيه راحة لا تجد ها في الحياة و لفظ الموت قد ذكر كثيرا في عالمها الشعري حتى في عناوين قصائدها الكثيرة؛ " عيون الأموات" ، "أنشودة الأموات" ، "بين فكّي الموت" ، "قلب ميت" و.... و ترحب به و تلقاه غير محزونة و لا سيما في ميعة شبابها إذن فلسفتها العملية تثبت خلاف آرائها و عقائدها في هذا المجال:

عدت أخشى الحياه أفرق منها
و أراها دعابة لا تطاق
فإذا ما أتممت لحني كما أهوى
فماذا أريده من حياتي
ليس في الكون بعد شعري ما يغري
فؤادي فمرحبا بالممات
سوف ألقى الموت المحجّب روحا
شاعريا يحب صمت التراب
و فؤادا يرى الممات شبابا
للمنى و الشعور أي شباب
سوف ألقاك غير محزونة يا
موت في ميعة الشباب الغريد (نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 218).

و ترى هموم الشباب أحر الهموم و الأحزان و الحياة كلها مليئة باليأس و الحزن حتى مبهجات الحياة:

يا هموم الشباب فيم تكونين

أحرالهموم و الأحزان

ها أنا في الشباب تقتلني الوحدة

و الصمت و الأسى يا هموم

أينما أتجه فثمة أحزان

أراها و وحشة و وجوم

كل شيء أراه يملأني حزنا

و يأسا من مبهجات الحياة(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 209)

و تشكو من خيبة أحلامها؛ لأنها:

يا خيبة الأحلام ما أبقيت لي

إلا ضلال كآبتي و ظلامي(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 87٤)

و تحس بالعجز و تريد الرأفة:

آه فارأف بفتاة حطّم الدهرُ مناها

و أفاقت ليهدّ الحزن و اليأس قواها(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦1٦)

و ترىأن لهذه الشكوي الحزينة ليست فائدة:

آه لا بد من أسانا فماذا

نفع هذي الشكوى الحزينة منا(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦23)

و أخيرا تنفر من كل شيء و تحس بالسآمة حتى في التفكيرو البقاء و الواقع و إلخ ولا تريد أن تعيش روحها مثل الناس:

و أنفر من كل ما في الوجود

و أهرب من كل شيء أراه(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٤5)

روحي لاتعشق أن تحيا مثل الناس

أنا أحيانا أنسى بشرية إحساسي(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 98)

قد سئمت التفكير يا ليلي الساحي

و ألقيت بالكتاب الحبيب

قد سئمت الأمل المر الكذوبا

أيها الغادر لا تنظر إليّا(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 570)

قد سئمت الواقع المر المملا

ولقد عدت خيالا مضمحلا

ففيم أعيش ؟ سئمت البقاء

و شاق حياتي صمت العدم(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 599)

و قصارى القول إذا تطرفنا إلي أشعارها رأينا أن روح التشاؤم كيف سرت في نفسية الشاعرة ، و في نفسها نوع من اليأس و التشاؤم الذي قد تسرب في كلماتها و ألفاظها و قد آل المطاف بها أن تضجرت بكل شيء في الحياة و لا تريد أن تحيا مثل السائرين و آمنت بأننا نعيش في العالم الذي:

نحن نحيا في عالم كله دمع

و عمر يفيض يأسا و حزنا

تستشفي عناصر الزمن القاسي

بآهاتنا و تسخر منا(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص 1٦1)

و تعيش في عالمها الذي رسمت لنفسها و العالم الذي فرض على نفسها و هو سر التألم و التمزق في حياتها. و من أجل هذا العالم المليء بالأحزان و الآلام الذي رسمت الشاعرة لنفسها،و الحياة فيه جافة باردةو لا معني للعيش فيه تعتقد بوجوب استقبال الموت لأنه:

لنمُت فالحياة جفّت و هذه الأكؤس
الفارغات تسخر منا
و سكون الحياة في جسد الأحلام
لم يبق قط للعيش معنى
و فراغ الآهات أثبت أنا
قد فرغنا من دورنا و انتهينا
و لمذا نبقى هنا نسمع الموت
ينادي بنا فلم لا نجيب؟
لنمت فالرياح تجرح وجهينا
و لون الدجى عميق رهيب(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٦10)
و هناك سبب آخر لاستقبال الموت،هو:
عصرتني الحياة لم يبق معنى
لوجودي، لأدمعي،لحياتي
كل شيء يلوح لي عدما مرا
و لغزا مكنفا بالشكاة(نازك الملائكة، ديوان ، ج 1، ص ٤٦2).

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى