الأربعاء ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمـــــد صبـــري غبـــاشي

العنب العنب العنب !

( دفاعاً عن السيد وزير الثقافة )

على ( كلاكسات ) أغنية : العنب ؛ للمطرب الشعبي : (عماد بعرور) – دارت كل الأحداث في مصر مؤخراً .. ومنها تصريح السيد الوزير الفنان : (فاروق حسني) الخاص بالحجاب والمحجبات .. والذي تضمن هذا الكلام :

" النساء بشعرهن الجميل كالورود، التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس، والدين الآن أصبح مرتبطاً بالمظاهر فقط، رغم أن العلاقة الإيمانية بين العبد وربه، لا ترتبط بالملابس "

" لابد أن تعود مصر جميلة كما كانت، وتتوقف عن تقليد العرب الذين كانوا يعتبرون مصر في وقت من الأوقات قطعة من أوروبا ..... نحن عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا علي أيديهن، عندما كن يذهبن للجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلي الوراء؟! "

" أعتقد أن الأمر ليست له علاقة بالتقوي والورع، وإلا فما تفسير مشاهدة مناظر الشباب والبنات علي الكورنيش وكلهن محجبات "

" العالم يسير للأمام، ونحن لن نتقدم طالما بقينا نفكر في الخلف، ونذهب لنستمع إلي فتاوي شيوخ بـ تلاته مليم ...... نحن فقدنا حتى الصوت الرخيم الذي كان يؤذن للصلاة في المساجد، وأصبحنا نسمع اليوم أصواتاً تعد من أنكر الأصوات "

هذا ما قاله معالي الوزير ؛ كي تندلع ثورة عارمة ضده ، يعيد صانعوها التقليب في ملفاته القديمة ، ويطالبون باستقالته .. ولا أدري في الواقع ما الذي يستدعي هذا كله ؟! .. حرية التعبير مكفولة للجميع في مصر كما نعلم .. وللرجل الحق في أن يعبر عن آرائه ورغباته الخاصة كيفما شاء ..

الأمر لا يخص الحجاب ولا المحجبات ولا محاربة التخلف – كما ادّعى – ولا أيٍ من هذا كله !

هل يُعقل أن معالي وزير الثقافة قد غفل عن كون الحجاب فريضة من صلب الإسلام سواء ارتدته السيدة والدته أو لم ترتدِه ؟! .. هل صدقنا أن كل قضيته بالنسبة للتخلف في مصر تنحصر في ارتداء الحجاب من عدمه ؟! .. كلا بالطبع ! .. لا شك أن الرجل أعقل من هذا وأرشد ، وللموضوع أبعاد أخرى تماماً ..

* * * *

عندما استمعتُ – كعادتي – لأغنية العنب في ظل الأحداث الأخيرة ؛ اكتشفتُ أننا – كمثقفين – نغفل كثيراً بالفعل عن بعض الأمور الساطعة كالشمس .. فقد سارعنا بتصنيف أغنية العنب هذه ، ومن يغنيها ، تحت بند الفن الهابط .. على الرغم من أن الأغنية لها بعد عظيم متواري ، ووجهة نظر سياسية تستحق الاهتمام ..

" متيللا يللا يللا

يللا يابني يللا

يا أم فاروق اديكي وشي ..

يا أم فاروق أديكي وشي ..

والعنب العنب العنب ! "

عندما دققتُ وجدتُ أن الأغنية تلخّص وضع السيد الوزير : (فاروق حسني) .. وهذا يتجلى في الإشارة الصريحة التي اقتبستُها سلفاً من الأغنية ، وقد تم فيها ذكر اسم الوزير صراحةً ..

وإنني لأشعر بالشفقة الشديدة بالفعل تجاه معالي الوزير .. لماذا يعارضه الناس ويهاجمه جمهور المثقفين بمثل هذا الشكل ؟ لماذا هاجموه وقت أزمة ( حيدر حيدر ) الشهيرة ؟ ولماذا ثاروا عليه عند نكبة قصور الثقافة ؟ ولماذا كادوا يلتهمونه عقب تصريحات الحجاب مؤخراً ؟

الرجل لم يفعل شيئاً سوى استخدام حقه كي يقول : أزيحوني من السلطة !

أجل بالفعل .. لنزن الأمور بعقلانية ولنفكر معاً ، وعندها سيتضح الأمر ..

كأي شاب له طموح ؛ كان (فاروق حسني) مدير قصر ثقافة الأنفوشي بالتأكيد يحلم بكرسي الوزارة .. الكرسي الذي قال بشأن كل وزير جلس عليه : " لبّسته حرير في حرير " .. بعدما يقطف كل وزير لنفسه ما تيسّر من الـ ( حَبّ اللي استوى ) !

ولا شك أنه فرح كثيراً بعد ارتقائه في المناصب منصباً تلو الآخر حتى وصوله لهذا الكرسي أخيراً .. لكن من المؤكد أنه لم يرَ في أسوأ كوابيسه أنه وهذا الكرسي سيكونان متلازمين لمدة 20 سنة تقريباً .. وهذا أمرٌ فوق الاحتمال بحق !

عاش حياته مطمئناً بعد أن تقلد هذا المنصب .. وعمل جاهداً لنشر الوعي الثقافي والفكري في مصر ، وازدهر فنه الـ.... تجريدي كأقصى ما يكون ، وارتفعت لسببٍ غير مفهوم – مشّيها ( غير مفهوم ) – أسعار لوحاته ارتفاعاً خيالياً بعد أن صار وزيراً ..

شيئاً فشيئاً بدأت مدة ملازمته للكرسي تطول .. وبدأ أبناء دفعته الوزارية يرحلون .. وبدأ يشعر بالوحدة .. بغض النظر عن أن الوحدة مُرّة تجد كذلك أنه لا يأمن عواقب هذا الأمر لأنها تجربة نادرة في تاريخ مصر الوزاري أن يمكث وزير طيلة هذه المدة ..

عندها آمن معالي الوزير أن ( أكل العسل حلو بس النحل بيقرّص ) وأن لذة الجلوس على الكرسي لابد أن تحاصرها المتاعب من كل صوب ، وأن الوزير العاقل ابن الحلال هو من لا يزيد في استمراره في منصبه عن عام أو عامين ..

وهنا بدأ يتخذ الخطوات اللازمة كي تتم تنحيته بشكلٍ يرى هو أنه يلائمه ..

تقريباً كانت حركة التململ الأولى التي أراد السيد الوزير بها تنفيذ مراده هي أزمة السوري ( حيدر حيدر ) .. روائي كتب رواية : " وليمة لأعشاب البحر " .. بها ما بها من تطاول على الدين والمقدسات ، وعلى الله عز وجل .. تطاول وصل لحد الصفاقة .. ترى هل سمح الوزير بصدورها جزافاً ؟ أو حتى تحدياً لرجال الدين ؟! .. كلا .. كان يعرف أنهم سيغضبون .. سيثورون عليه .. سيطلبون إقالته ..

حينها قامت الدنيا .... وقعدت .. لكن قعدت بعدما ثار الثائرون بالفعل وكشر مهاجمو وزير الثقافة عن أنيابهم وأرادوا إقالته باعتباره المسئول عن هذه المهزلة ، وعن رواج مثل هذه الرواية وبيعها في مصر .. أستطيع أن أتخيل فرحة السيد الوزير بردود الفعل وقتها .. هذا يقرّبه للغاية من نيل مطلبه : مفارقة كرسي الوزارة ..

لكن للأسف .. مرّ الأمر واستمر الوزير في منصبه بوجهٍ – صار من الغيظ – ( أحمر ودمه خفيف ) ..

بعدها كان له كل الحق بالطبع في أن يهمل عمله ويترك الوزارة في أيدي مجموعة من الـ .. – سباكين غالباً - .. كي تتم إهمال صيانة قصور الثقافة ، وكي يهديه القدر بهذا فاجعة كبرى تُدنيه للغاية من تنفيذ مراده .. ألا وهي حريق قصر ثقافة بني سويف الهائل ، والذي راح ضحيته العديد من كبار شخصيات الفن والصحافة في مصر ..

عندها أيضاً غفلنا عن أن الرجل يرسل لنا بهذا إشارات خفية بأنه لا يريد الاستمرار في منصبه وأن علينا أن نساعده في هذا .. غفلنا عن هذا وقمنا بكل تهور باتهامه بالتقصير والإهمال واتهامات أخرى خادشة للحياء .. ألا نستحي ؟!!

حينها يأس هو منا وفطن لغبائنا وسلّم أمره لله وقرر أن يفعلها هو .. سيقدم استقالته بشكل مباشر وصريح للرئيس : مبارك* .. وقد كان .. وساد الترقب من العامة في انتظار البتّ في الأمر ؛ إلى أن جاء الموقف الذي حسم الموضوع كليةً .. لقد رفض الرئيس استقالة وزير الثقافة الهُمام باعتباره – أي الرئيس - ( هو اللي ملبسهم .. هو اللي مدلعهم .. هو اللي مرقصهم .. هو اللي مشخلعهم ) .. ورضيَ الوزير بقضاء الله وقدره ، واستسلم للأمر الواقع ..

مرّ الأمر واستمر الوزير في منصبه يندب حظاً ( أخضر ولونه ظريف ) !

لكنه مع الوقت بدأ ينتبه أن المدة طالت جداً بشكلٍ زاد عن الحد .. وزير في كرسيه لمدة 20 سنة ؟!!!! .. فاض به الكيل وقرر أنه سيفجر قنابل جديدة تنضم لقائمة بلاويه ..

فاستناداً إلى قراءتي في أحد المواقع الإخبارية – ولستُ متأكداً من صحة الخبر تماماً للأمانة – قد سمح الوزير المسكين بطبع وتوزيع ثلاث روايات إباحية ضمن مطبوعات وزارة الثقافة التي يترأسها ..

هذا بالإضافة إلى موافقته طبعاً بشأن مشاركة مصر في مسابقة الشواذ والمخنثين التي أقيمت مؤخراً في تايلاند .. كيف يفوّت الفرصة ويرفض ؟

وأخيراً .. تصريح الحجاب الذي فجّر في الرأي العام قنبلةً لها وقع مثيلاتها من قبل .. هذا التصريح الذي أتى مبرهناً أننا لا زلنا على غفلتنا تجاه الوزير المسكين الذي يستنصرنا منذ أعوام كي نعينه على إزاحته من السُلطة .. لأن النحل – فيما يبدو – بيوجعه أوي !

فـ إلى كل من يمكنهم عمل شيء من المسئولين في مصر : " نرجوكم نرجوكم نرجوكم .. ارحموا معالي وزير الثقافة ونحّوه من منصبه .. وارحمونا يرحمكم الله ! "

* * * *

ومن جهته كان لزاماً على المطرب الشعبي الواعد : (عماد بعرور) أن يتحرك مبيناً أن الفن لا زالت له كلمته .. حتى إن كان الخَطب سياسياً بحتاً ..

( دفاعاً عن السيد وزير الثقافة )

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى