الأربعاء ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

القضاة يحكمون باسم الملك لكن هل يثق المغاربة بقضائهم؟

ظلت فكرة إعداد ملف حول استشراء الفساد في المؤسسة القضائية بالمغرب، ونحن بصدد تجميع المعلومات والقيام بالبحث والتقصي في الموضوع اعتبارا لحساسيته وحرصا منا على عدم السقوط في التعميم، اكتشفنا فضيحة قاضي مكناس وتداعياتها فأضحى لزاما علينا عدم السكوت لأن "الساكت على الحق شيطان أخرس".

إن ما كشفته هذه الفضيحة يؤكد، من جديد، إن كان لابد من التأكيد، أن هناك قضاة فاسدين يحكمون باسم الملك. وطبعا لا يمكن التعميم، فهناك قضاة نزيهون يشرفون المهنة وهم أهل لتحمل مسؤولية الحكم باسم الملك. وهذا يجرنا إلى التساؤل هل أغلب الأحكام التي ينطق بها القضاة باسم الملك، عادلة منصفة وغير جائرة؟ وهل أغلب قضاتنا، الذين يحكمون باسم الملك نزيهون مستقلون وغير فاسدين ومرتشين؟

بالأمس القريب ظهرت بشكل واضح ممارسات سلبية لجملة من القضاة من جراء التدخل السافر في مسلسله والضرب باستقلاليته، وها هي فضيحة قاضي مكناس تبين كيف يمكن للقاضي غير النزيه أن يستغل صفته وموقعه وسلطته ونفوذه لإعطاء انطلاقة، بتواطؤ مع بعض زملائه وتوابعه، لمسلسل من الظلم ذهبت ضحيته عائلة بكاملها، لازالت تعاني إلى حد الآن، وتتحرك بكل ما أوتيت من قوة لكشف الحقيقة، كل الحقيقة، كسبيل لإنصافها من أجل إعادة اعتبارها.
فلا يختلف اثنان على أن قضاءنا في حاجة لإعادة تأكيد مصداقيته واستقلاليته والثقة به، ولن يتم ذلك إلا بالتصدي للفساد المستشري بمختلف آلياته ومكافحة العاملين على استمرار هذا الاستشراء.

وعموما، الاهتمام البالغ بقطاع العدل أضحى من بين الضرورات الملحة حاليا، باعتباره أساس الملك العادل؛ وهذا العدل هو ما ظل ينتظره المغاربة منذ الاستقلال، على امتداد نصف قرن من الزمن، لتنفجر فضيحة هنا أو هناك تؤكد من جديد أن هناك قضاة ألم بهم الفساد يكرسون تجلياته على مساحة وجود القضاء المغربي.

فهل قضاتنا الآن واعون حق الوعي أنهم يحكمون وينطقون فعلا باسم الملك؟ وهل آليات جهازنا القضائي تكرس بكل توكيد نزاهته واستقلاليته وإنصافه؟ وهل المغاربة يثقون بقضاء بلادهم؟ وهل القضاء المغربي قضاء كل المغاربة، أم قضاء البعض، يخدم مصالحهم ويرعاها على حساب الباقين؟

"باسم الملك يكرس الظلم وتهدر الحقوق"

لا يجادل أحد في كون القضاء ركن من أركان الدولة، إذا انهار انهارت معه هذه الأخيرة بلا شك. فالقضاء هو الساهر على فرض احترام القانون من طرف الجميع، دون تمييز بين الأشخاص مهما كانت مواقعهم. وهو الحامي للأفراد والجماعات من التعسف والشطط والظلم، وهو الذي يحد من التجاوزات، وبالتالي فإنه ذلك القطاع الذي يوفر المناخ السليم لنمو الاقتصاد والحافز على تشجيع الاستثمار. فأين القضاء المغربي من كل هذا؟

في السابق، كان المرء عندما يلج قاعة انعقاد الجلسات بالمحكمة، يلاحظ على الجدار تحت صورة الملك وراء القضاة الجالسين الآية الكريمة " وإن حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل"، غير أنه بعد فترة أزيلت تلك الآية، التي كانت مكتوبة بخط واضح في تلك القاعات، وكان فعلا تصرفا منطقيا على اعتبار أن القضاء المغربي ظل على الدوام موضع جدال، لاسيما بخصوص نزاهته واستقلاليته وعدالة أحكام ودرجة ثقة المواطنين به وبقراراته؛ طبعا لا يمكن للقضاء أن يحقق المكانة الجديرة به إن هو لم يحظ بثقة المتقاضين على وجه الخصوص. ومادام عدل ونزاهة قضائنا كانا على الدوام قاب قوسين أو أدنى، فمن العقلاني التخلي عن تلك السخرية، وكان من الرأي السديد التخلي عن عادة تعليق تلك الآية خلف القضاة، علما أن عدة قاعات كان جدارها يحمل هذه الآية كانت فضاءا للنطق بأحكام غير عادلة.

فكم من الأحكام كانت ظالمة؟ وكم من القرارات كانت جائرة؟ بالرغم من أنها صدرت جميعا باسم الملك؟ والمتتبع للأحكام الصادرة ونهج التعاطي مع القضايا وطرق الحسم في الملفات خارج الجلسات العلنية، في الكواليس أو ممرات المحاكم أو المكاتب وعبر الوسائط، يصل إلى قناعة لا يشوبها أي شك، أنه باسم الملك كرس ثلة من القضاة ووكلاء الملك الظلم وأهدروا الكثير من الحقوق في مختلف ربوع المملكة.

قطاع العدل يتصدر القطاعات التي يمسها الفساد والرشوة

شدد تقرير حول وضعية القضاء بالمغرب، على أن "القضاء المغربي ليس على ما يرام"، وأبرز التقرير الذي أعدته كل من الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة والمركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة على وجود أربع تحديات تطرح على القضاء المغربي وهي تحدي الاستقلالية وتحدي الأخلاق، وتحدي الفعالية، وتحدي العصرنة؛ وأوضح التقرير أن وضعية القضاء بالمغرب "من الأوضاع التي يكاد يجمع مختلف الفاعلين على اتسامها بطابع التردي والاختلال العميق".

وإذا كان تحدي الاستقلالية يجد مرتكزه في عدة مؤشرات منها استعمال القضاء في بعض الأحيان لتصفية "حسابات سياسية"، فإن التحدي الأخلاقي له عدة مظاهر، منها "أن التصنيفات المقدمة من خلال التحريات والاستطلاعات المنجزة محليا، تظهر أن قطاع العدل يحتل الصدارة ضمن القطاعات التي تمسها آفة الفساد والرشوة"، مضيفا "أن ما تعكسه أيضا تقارير المنظمات الحقوقية وسيل الشكايات التي يقدمها المواطنون، واعترافات المسؤولين أنفسهم في مناسبات متعددة، وتواصل اتخاذ سلسلة من الإجراءات الزجرية ضد بعض القضاة، لطمأنة الرأي العام، إلى أن إرادة الحكومة تتجه إلى وضع حد للفساد المستشري في المؤسسة القضائية"، إذ لا توجد في القانون المغربي مدونة للأخلاقيات القضائية، على غرار ما هو موجود مثلا بالنسبة لبعض المهن الأخرى كمهنة الطب.

ينضاف إلى ذلك كون القضاء في المغرب يعاني من غياب العصرنة وضعف الفعالية. في هذا السياق يؤكد التقرير "الطابع المنغلق الذي يتسم به التكوين الذي يتلقاه القضاة" ثم "وجود حواجز في تفعيل العديد من سياسات الإصلاح"، مستخلصا أن "الوضع الحالي للقضاء، غير قادر على رفع التحديات المذكورة".

بخصوص صلاحيات وزير العدل، يشير التقرير أنه "بالرغم من صراحة المقتضيات الدستورية، فقد تضمنت النصوص التشريعية والتنظيمية عدة مقتضيات قد تحد من الضمانات الدستورية لاستقلال القضاء. فقد منحت هذه النصوص عدة صلاحيات لوزير العدل، تتعلق بكل مجالات النظام الأساسي للقضاة؛ ابتداء من التعيين ومرورا بالترقية والنقل وانتهاء بالتأديب والعزل والتقاعد (...) ولعل الارتباط العضوي الرئاسي لقضاة النيابة العامة بمختلف المحاكم بوزير العدل، يشكل أهم مظهر للتبعية الإدارية والقانونية لهيئة النيابة العامة للوزير.
ومن جهة أخرى يثير التنظيم القضائي، حسب التقرير، مفارقة جوهرية بخصوص فعالية المحاكم، خاصة المتخصصة منها. فإذا كانت المحاكم الابتدائية تغطي نسبيا الحاجة القضائية على المستوى الجغرافي، فإن محاكم الاستئناف لا تحقق نفس الغاية ويزداد الوضع صعوبة بالنسبة للمحاكم المتخصصة، إذ لا تغطي إطلاقا شساعة الخريطة القضائية ولا تقرب القضاء من المتقاضين.

ضحايا القضاء المغربي

رغم كثرة ضحايا القضاء عندنا، إلا أن المغرب لا يقر بمبدأ التعويض على الضرر في هذه الحالة، فيمكن للمرء أن يقضي مدة قد تطول أو تقصر رهن الاعتقال على ذمة التحقيق وقد تظهر براءته في الأخير، لكنه يتحمل كل الأضرار التي لحقت به، وهذا خلافا لما هو حاصل في بعض الدول التي تقر بتعويضات على الأضرار التي لحقت بالأضناء، بل هناك حالات كثيرة أدين أصحابها بأحكام قضائية عن أفعال، وتبين بعد مدة أنهم بريئون منها، فأطلق سراحهم وتركوا لحالهم. والأمثلة كثيرة ومتنوعة بخصوص حالات عانى فيها مواطنون أبرياء من القضاء سواء على مستوى الضابطة القضائية أو على مستوى النيابة العامة أو خلال مرحلة التحقيق أو على مستوى الحكم الصادر، كما اعتقل الكثيرون بإيعاز من السلطة وقضوا مدة قد تطول أو تقصر بالسجون لتتم إدانتهم في الدرجة الأولى، ثم يتم التقصي من جديد فتظهر براءتهم بعد أن نال من سمعتهم وسمعة عائلاتهم، بل إن الأمور تسوء في الغالب أكثر مما يمكن تصوره.

ظروف المحاكمة والتقاضي

إن معاينة الظروف التي تجري فيها المحاكمات في كل من محاكم المملكة والأجواء التي تدور فيها، كافية للشك والارتياب في الأحكام الصادرة. فكيف تكون الأحكام المنطوق بها عادلة ومنصفة والقاضي يواجه يوميا تراكم الملفات التي يتعين عليه دراستها والبث فيها وتشكيل قناعة بخصوصها وتحرير الأحكام بشأنها، علما أنه لا يتوفر على الوسائل اللازمة والشروط الكافية للبحث والدراسة. وبذلك فإن ظروف عمل القاضي - حتى ولو كان من الكفوئين النزيهين- لا تسمح له بإصدار أحكام في المستوى المطلوب، ولا تتيح له القيام بدوره كاملا حتى ولو أراد ذلك. كيف يصدر حكما عادلا ومنصفا ونزيها ولا تتوفر له الظروف المريحة، بل العادية لاستقصاء الحقيقة لتشكيل قناعته. فالعدل والإنصاف يستوجبان التريث وعدم التسرع للحسم في الملفات، لا سيما تلك المتعلقة بحرية وحقوق الأشخاص. إن المتتبع للمحاكمات والأحكام الصادرة ولظروف عمل القضاة، يقف على مشاهد مثيرة على أكثر من مستوى وفي مختلف مراحل التقاضي، سواء في مرحلة التحقيق أو خلال الجلسات، وحرمان الأضناء وكذلك محاميهم من الوقت الكافي للدفاع وتوضيح الأمور، كما أن لغضب القضاة في القاعة أحيانا أثر سلبي في إصدار الأحكام، مع أنه لا يحق للقاضي أن يحكم وهو في حالة غضب، وهلم جرا من المآسي التي تقع في قاعات المحاكم.

إن مجرد معاينة الظروف التي تجري فيها المحاكمات بالمغرب، تولد الشك والارتياب في نفوس المواطنين بخصوص مصداقية وعدل وإنصاف الأحكام الصادرة، ناهيك عن تأثير تفشي الرشوة والفساد في جسم قضاء بلادنا.

استقلال القضاء

لكي يقوم القاضي فعلا بالدور المنتظر منه، فإن على المجتمع أن يوفر له شروط الاستقلال لأداء مهمته على أحسن وجه وفي أحسن الظروف؛ واستقلال القضاء يعني أولا حرية القاضي في إصدار الأحكام دون تدخل أو تأثير، وهذه الاستقلالية لا يجب أن تقتصر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما عليها أن لا تخضع لسلطة الرأي العام وسلطة الإعلام وسلطة المال وسلطة الموقع والنفوذ وحشر بعض القائمين على الأمور أنوفهم في بعض الملفات الحساسة.
واستقلال القضاء يتطلب كذلك أن يكون القضاء سلطة (وهو غير ذلك إلى حد الآن أراد من أراد وكره من كره)، وأن تكون هذه السلطة القضائية قائمة الذات وعلى قدم المساواة أمام السلطتين المذكورتين. كما يتطلب استقلال القضاء من الإدارة التي تتولى وشؤونه أن تكون مكونة من القضاة وليس مجرد مرفق تابع لأية جهة، فالتبعية مهما كانت طبيعتها تنفي الاستقلال.

كما أنه لا استقلالية للقضاء، دون حرية القضاة في التعبير عن مواقفهم وآرائهم، سواء بخصوص القرارات التي يصدرونها أو بخصوص القوانين التي تؤطر شؤونهم. واستقلال القضاء لا زال يعتبر مطلب الجميع في انتظار واجب التحقيق؛ فإذا كان على مستوى الخطاب أن القضاء المغربي لا يمكنه تأدية رسالته في إقرار سيادة القانون وإقامة العدل وترسيخ دولة المؤسسات، إلا بإحكام استقلاله ونزاهته من خلال عدم تدخل السلطة التنفيذية في اختصاصه وعدم توجيه أو تعطيل مساره، فإنه على أرض الواقع المعيش غير ذلك. إذ أن القضاء مازال لم يرق بعد لتشكيل سلطة ثالثة، اعتبارا للوصاية المعلنة أحيانا والمستترة تارة أخرى، والتي ما زالت تجعله قاصرا ليرسخ استقلاله كاملا غير منقوص؛ فحتى الدساتير المغربية لم تنص، ولو شكليا على أن القضاء سلطة على نفس الدرجة من السلطتين التشريعية والتنفيذية. وبذلك كان من السهل بمكان أن يستعمل الجهاز القضائي كآلية قمع، وليس كسلطة تتوخى اعتماد العدل والإنصاف خصوصا في سنوات الجمر والرصاص.

لقد نص الدستور المغربي على مجموعة من المقتضيات المرتبطة بتحقيق النزاهة والاستقلالية لكنها ظلت مجرد عبارات جاءت في ديباجة لما يعتبر أسمى قانون. على أرض الواقع الفعلي ظل القضاء بعيدا عن تحقيق الغايات المتوخاة منه في إقامة العدل النزيه الضامن لحقوق المواطنين، وبعيدا عن ضمان قوته ومناعته وترسيخ قناعته. وفي هذا الصدد لا زال الكثير من العارفين بحقائق الأمور، يقرون بسيادة الخوف في صفوف القضاة المغاربة.

بالرجوع إلى نص الدستور نلاحظ التنصيص على أن القضاء مستقل عن الجهاز التشريعي والتنفيذي. لكن عندما نمحص الأمر على أرض الواقع، نعاين أن المجلس الأعلى للقضاء يترأسه الملك، وفي حالة عدم حضور الملك يترأسه وزير العدل. بذلك تكون السلطة التنفيذية هي التي تترأس الجهاز الذي أنيطت به مسؤولية الحرص على استقلالية القضاء وضمانتها. هذا علاوة على صلاحيات الوزير في مجال التحكم في مشوار القضاة الوظيفي، وهو وضع ينال من مبدأ استقلال القضاء. وفي نظر جمعية "ترانسبرانسي"، لا زال القضاء المغربي غير مستقل في الواقع رغم حديث الدستور عن استقلال هذا القطاع الحيوي الحساس. فكيف للقضاء أن يكون مستقلا وليس له ميزانية مستقلة، حيث أن ميزانيته جزء من ميزانية وزارة العدل؟ كما أن القضاة المغاربة هم موظفون تابعون لوزارة العدل يرتبطون بها ارتباطا تسلسليا وعضويا، والقضاء المغربي لا زال يشكو من غياب قانون خاص بالأخلاقيات القضائية. ولازالت التعليمات تفعل فعلها في قضائنا، وهذا أمر قائم لا يمكن إخفاؤه، كما أن هناك بعض القضاة الذين لا تصلهم تعليمات واضحة، وإنما مجرد إشارات يؤولونها ويفهمونها بشكل يؤدي بهم إلى الانحياز إلى الجهة الصادرة عنها.

ومن الأمور التي تبين عدم استقلال القضاء المغربي، كون قضاة النيابة العامة يخضعون للتعليمات، أما قضاة التحقيق فلا يتوفرون على أدنى استقلالية بقوة النصوص الجاري بها العمل. كما أن تعيينهم وإعفاءهم يتم بقرار من وزير العدل، بدل المجلس الأعلى للقضاء. بل أكثر من هذا فإن النيابة العامة هي التي تعين من يحقق في كل قضية، فكيف للقضاء المغربي أن يكون مستقلا وقضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق مُتَحَكّم فيهم وغير مستقلين؟ إذ في نهاية المطاف يعملون كآلة لتنفيذ التعليمات، وهو ما يمكن ملاحظته في الكثير من القضايا.

ومهما يكن من أمر، وبالرغم من ظروف العمل غير المناسبة وقلة الإمكانات وتراكم الملفات، وبالرغم من تدخل جهات وصدور تعليمات مباشرة وغير مباشرة، وبالرغم من الضغوطات، هناك بعض القضاة، وهم قلة، حاولوا أن يظلوا نزهاء ومستقلين نسبيا، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن استقلال القضاء يظل مرتبطا أولا بالضمير وبالقناعة الذاتية للقاضي.
وفي انتظار تحقيق استقلال القضاء، سيظل القضاة خاضعين لرحمة السلطة التنفيذية، وأقصى ما يمكن أن يقوموا به هو محاولة تصريف مشاكلهم بطريقة سلمية والبحث عن حلول هامشية، وهذا أمر أقره بعضهم.

نزاهة القضاء المغربي والثقة به

هناك جملة من الأصوات من مختلف الأوساط، بما فيها أوساط القضاة والمحامين، تشكك بوضوح في نزاهة قضائنا، إذ أعلنت عن عدم ثقتها بجملة من القضاة، مما يستوجب طرح السؤال:هل يمكن شراء الأحكام في المغرب؟ سؤال أجاب عنه المغاربة بدون تردد انطلاقا من معاينتهم للواقع المعيش؛ فالكل يعلم أن الرشوة والفساد متفشيان في جسم القضاء المغربي بدءا بالمرافق الإدارية والقضائية، بما في ذلك الشرطة القضائية وغيرها من المحطات وصولا إلى القضاء الجالس، حيث أضحى الفساد عموما ظاهرة جوهرية ومركزية في أزمة القضاء المغربي، أراد من أراد وكره من كره.

كيف يمكن ترسيخ نزاهة القضاء المغربي وإعادة الثقة به، والبلاد لا تزال تشكو من غياب تعميم الأخلاق المهنية، وأجواء الوضوح والشفافية، بدءا بقواعد التعامل والمسؤوليات ومتابعة تناسق القوانين وملاءمتها للمحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؟

إن ثقة المواطنين بالقضاء لا يمكنها أن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على تجردهم ونزاهتهم واستقامتهم واستقلالهم عن أي تدخل أو تأثير وتعاليهم عن الرشوة وبيع الذمم. وحين يفقد المواطن ثقته بالعدالة يتعرض جهاز الدولة كما تتعرض آليات النظام، لمختلف الأهوال والأخطار. وفي هذا الصدد قيل يوما لونستون تشيرشيل، رئيس وزراء بريطانيا، بأن الفساد ضرب أطنابه في أجهزة الحكومة والإدارة البريطانية، فسأل: وكيف حال القضاء عندنا؟ فقيل له: القضاء البريطاني ممتاز جدا، فقال: إذن لا خوف على بريطانيا. وفعلا فلا خوف على بلاد بها قضاء نزيه ومستقل. فهل يعني هذا أن نتخوف نحن المغاربة اعتبارا للحالة التي وصل إليها القضاء عندنا؟

إن القضاء لا يمكنه أن يحقق المكانة الجديرة به، إن هو لم يحظ بثقة المواطنين عامة وثقة المتقاضين خاصة. وثقة هؤلاء وأولئك لن تتحقق إلا من خلال برهنة القضاة أنفسهم على استقامتهم ونزاهتهم. ومن أجل معرفة الرأي السائد بين المتقاضين، حاولنا استقصاء بعض الآراء بجملة من المحاكم سواء الابتدائية أو محاكم الاستئناف، وقد قادتنا المغامرة إلى مساءلة متقاضين بمحاكم الدار البيضاء والرباط والقنيطرة ومراكش وفاس ومكناس وسلا وطنجة وتطوان وسيدي سليمان وسوق الأربعاء الغرب، وكان السؤال الإشكالية : هل تثق بالقاضي الذي يشرف على قضيتك؟ وكانت الحصيلة أن أكثر من 82 بالمائة من الأجوبة تفيد أن الحسم في الملفات يتم خارج الجلسات وعبر وسائط، وأن الأحكام تباع لمن يدفع أكثر، كما أن أكثر من 73 في المائة من المستجوبين أكدوا أن فحوى ما يدور بالجلسات العلنية، غير مقنع ولا يشجع على الإقرار بالثقة في القضاء المغربي. في حين أكد ما يناهز 60 في المائة أن المرء يشعر بالخوف أمام القاضي، لأنه يرهبه ويقمعه ولا يوفر له الفرصة للدفاع عن نفسه، ومهما قال فلن يغير في الأمر شيئا. "المغرق" (النيابة العامة) هو صاحب كلمة الفصل، فمهما تكلم المحامي ودافع وتدخل، تبقى كلمة "المغرق" هي العليا على الدوام، وهذا أمر كاد أن يجمع عليه المستجوبون.

تلك بعض آراء المتقاضين، بخصوص ثقتهم بالقضاء، وقد لا تعكس كل الحقيقة، لكنها تسير على درب اعتقاد العموم السائد في صفوف أغلبية المغاربة.

القضاء والرشوة

لا جدال حول وجوب تمكين القاضي من جميع الإمكانات التي تصون كرامته، لكن لا جدال كذلك في كون أن داء الرشوة متفشي بشكل مهول في الجسم القضائي ومدى الابتذال الذي وصلت إليه. فالقاضي يسهر على تطبيق القانون وتفعيله. وهو إنسان يعيش في بيئة سياسية اجتماعية وثقافية واقتصادية معينة، وفي مجتمع لازال فيه نفوذ السلطة والثروة يفعل فعله في مختلف المجالات، ومن ضمنها القضاء. وبالرغم أنه لا يمكن التعميم، إلا أن القاضي بالمغرب، كموظف، مازال مرتبطا في ذهن أغلب المغاربة بالرشوة، وظل سائدا أن "التدويرة" هي سيدة الموقف في مراحل المحاكمة وصولا إلى إصدار الحكم؛ وهذا أمر جرى به العمل على أكثر من مستوى حسب القضايا المعروضة والحالات، إلى درجة أن هناك جملة من الأشخاص، رغم أن الحق، كل الحق معهم، أكرهوا على أداء رشاوي حتى لا يضيع حقهم، وهذا أمر أخطر من حالة أداء الرشوة للتخفيف من العقاب أو الإفلات منه.

وعموما فإن تفشي الرشوة في مختلف ميادين القضاء بلغ درجة مخيفة، أضحت معها الرشوة ممارسة معروفة ومعمول بها، بل لغة يومية للتواصل في رحاب المحاكم المغربية.
ومن السهل بمكان الوقوف على ظاهرة رشوة القضاة إن حضرت الإرادة والرغبة في ذلك. فقد يكفي تتبع مسار حياتهم وتقييم ثرواتهم، على اعتبار أن لا حق لهم في ممارسة أي نشاط بأجر أو بدونه (باستثناء التعليم لكن برخصة وبعلم الإدارة). كما أنه إذا كان زوج القاضي يمارس نشاطا خاصا بمقابل، وجب عليه التصريح بما تملكه الزوجة والأبناء القاصرين والإعلام بكل جديد ومستجد بخصوص وضعيته المالية.
لكن مع الأسف ظلت هذه الإجراءات، حبرا على ورق لم يسبق تفعيلها إلا في حالات نادرة جدا على الرغم من العلم بأمر الثروات الهائلة والثراء الفاحش لبعض القضاة، الذين لم يكونوا يملكون شيئا قبل مزاولة هذه المهنة، وأصبحوا بين عشية وضحاها من أصحاب الضيعات والعمارات والعقارات والحسابات البنكية الممتلئة حد التخمة.

وما دامت الرشوة تنخر جسم جهازنا القضائي، فلا يمكن أن يكون محط ثقة المواطنين، ولا يمكن أن يكون نزيها ومستقلا وذي مصداقية حتى ولو كانت بعض أحكامه عادلة ومنصفة. لأن سيادة الرشوة تعني شيئا واحدا لا ثاني له، الحكم دائما لصالح من له القدرة على منح المزيد من المال، علما، وهذا أمر لا داعي لبرهنته، أن البلاد تتوفر على قضاة نزيهين يشهد لهم الجميع بالاستقامة والنزاهة.

ففي سنة 2001 كان 62 بالمائة من المغاربة يقرون بأن الرشوة عملية عادية في القضاء المغربي، أما في سنة 2003 فقد قفزت هذه النسبة إلى 73 بالمائة، وقاربت 80 بالمائة سنة 2005.

وكما أن هناك قضاة مرتشون، فهناك محامون يلعبون دورا كبيرا في تعميم آفة الرشوة وترسيخها، بل أكثر من ذلك إن منهم من دأب على نقل هذه العدوى إلى بعض القضاة، الذين بدأوا عملهم بنزاهة. ويعتقد الكثيرون أن الرشوة في مجال القضاء ليست مرتبطة فقط بالعامل الاقتصادي والاجتماعي، وإنما هي مرتبطة كذلك بالاستقامة الأخلاقية والعقلية السائدة في المجتمع.

وخلاصة القول، إن الرشوة ساهمت ولا تزال في الظلم والعدوان وهدر كرامة الإنسان، لما يترتب عليها من ضياع للحقوق وهضمها، تكفي الإشارة للتنافس الغريب حول بعض القضاة وراء القضايا التي تذر عليهم الأموال الطائلة، حتى أضحى قانون المال هو السائد، ومن الطبيعي إذن أن تستفحل الرشوة بشكل مهول في مجتمعنا، باعتبار أن الجهاز الموكول له محاربتها هو نفسه أكبر المرتشين بالبلاد.

وضعية القاضي

من المعروف أن استقامة ونزاهة واستقلالية القاضي، لا تلقن في المعهد العالي للقضاء، وإنما تكتسب يوما بعد يوم باتخاذ القرار العادل باستقلالية تامة، يكون أثرها ملموسا على أرض الواقع ويعاينه المواطن ويشعر به، كما تظهر تلك الاستقامة والنزاهة في الاستقلالية في درجة ثقة المغاربة بـ " قضائهم". لكن هل وضعية القاضي المغربي وظروفه تساعده على الاستقامة والنزاهة والاستقلالية؟

إن النظام الأساسي لرجال القضاء بالمغرب صيغ في مرحلة تميزت بظروف سياسية استثنائية عاشها المغرب بعد فشل المحاولتين الانقلابيتين، وبالضبط بعد فشل مؤامرة 1973، آنذاك تم لجم القضاء المغربي، إذ أعطى قانون النظام الأساسي لرجال القضاء للسلطة التنفيذية، عبر وزير العدل، سلطات واسعة للتحكم في القضاة، فيما يخص التنقيل والتوقيف والانتداب والعزل، أي التحكم في رقابهم؛ آنذاك تم الإقرار عمليا بإقبار مبدأ استقلالية القضاء المغربي، وزاد الطين بلة عندما تحكم النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء في المشوار الوظيفي للقضاة وترقيتهم. فوزير العدل بفعل قيامه بالنيابة عن الملك في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، يتحكم في رقاب القضاة، خصوصا وأن الترقية أو العقاب أو النقل، كلها أمور تتخذ بظهير، فهل يمكن مناقشة ظهير؟ هنا تكمن قوة وزير العدل وهيمنته.

فالقاضي المغربي مطوق من جميع الجهات، حتى في حياته اليومية. فهناك جملة من الدوريات أعدها وزير العدل حذر فيها القضاة من مغبة مشاركتهم في أي نشاط ثقافي أو فكري أو إعلامي أو إشعاعي دون إخبار الوزارة وأخذ إذن صريح منها، ويبدو أن وزير العدل ظل حريصا على عدم استغلال أي منفذ لانفتاح القضاء على محيطه، لكي لا تكشف حقيقته من الداخل ومن طرف أهله، لا سيما أن هناك جهات لا تريد للقضاء المغربي أن يستقل فعلا ويصبح سلطة قائمة بذاتها، خلافا لما يقال ويتم الترويج له، ومما جاء في ذلك حسب جملة من القضاة، أن الترقية في صفوفهم ظلت خاضعة بالأساس لاستعدادهم إلى التعامل مع التعليمات وطريقة تصريفها، حسب ما تريد أن تؤكده مصادرها. وهذا أمر لا يخفيه القضاة رغم ثورة وزير العدل بهذا الخصوص أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، وهي حقيقة قائمة شاء من شاء وكره من كره.

ويرى البعض أن إمكانية تنقيط القضاة من طرف جهة تابعة للسلطة التنفيذية، يضرب في الصميم استقلال القضاء. وحسب العارفين بخبايا الأمور أن رجل الظل الذي له أكبر التأثير في هذا المجال، هو مدير ديوان وزير العدل، الذي يسعى قضاة المغرب كسب وده، لأنه الجسر الوحيد المؤدي إلى تحقيق هذا المنال. أما فيما يتعلق بأجور القضاة، فإنه لم يتم تعديلها إلا بمناسبة تعديل الملك الحسن الثاني لأجور رجال السلطة الترابية، فبعدما كانت أجور القضاة تتراوح ما بين 4000 و 7000 درهما شهريا وصلت إلى ما بين 6000 و 17 ألف درهم، ويصل أجر القاضي من الدرجة الأولى الآن إلى 20 ألف درهم وقاضي الدرجة الاستثنائية إلى 30 ألف درهم شهريا، وكل هذا يظل رهين التنقيط الذي تتحكم فيه الإدارة المركزية وبالاستجابة للتعليمات، وذلك بشهادة جملة من القضاة أنفسهم. وطبعا لا يمكن وضع كل القضاة المغاربة في سلة واحدة، فأكثرهم غاضبون من هذا الوضع لكنهم خائفون؛ ومهما يكن من أمر، تبقى الوضعية المادية للقضاة بيد السلطة التنفيذية وهو ما لا يتماشى مع ضمان الاستقلالية.

مازال القضاء لم يرق عندنا إلى سلطة

من الأمور التي تعرقل استقلالية القضاء بالمغرب، كونه مازال لم يرق إلى سلطة. فمازال المغرب لا يعتبر قضاءه سلطة وإنما مجرد وظيفة. فالفصل 82 من الدستور يكتفي بالتنصيص على أن " القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية". وهذا بالرغم من أن ديباجة الدستور المغربي، تؤكد على أن المملكة المغربية تتعهد بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات. ومن هذه المبادئ أن الدولة تكفل استقلال السلطة القضائية وضرورة تنصيص دستور البلاد على ذلك وكذا مختلف قوانينه. ولا زال المغاربة في انتظار التنصيص على كون القضاء سلطة وليس مجرد وظيفة، أي سلطة قائمة الذات، علما أن هذا يستوجب تعديلا للدستور الحالي، الذي لا يتكلم سوى عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وعن قضاء لم يرق بعد إلى مستوى السلطة.

التدخل في شؤون القضاء

إن التدخل في شؤون القضاء مازال واردا، كما أن للتعليمات تأثير، وغالبا ما تمر عبر القائمين على مديريات وزارة العدل وبعض المستشارين، وغالبا ما تكون شفوية عبر الهاتف أو في لقاءات مباشرة خاصة، وحجم التدخلات يكون حسب القضية وأطراف النزاع وطبيعة القضية وصفة أحد طرفيها.

وعموما، هناك قاعدة قائمة لا يختلف حولها اثنان بالمغرب، أراد من أراد ورفض من رفض، وهي أن القضايا والملفات ذات الطبيعة السياسية تسند إلى قضاة مقربين للسلطة ويحظون برضاها، ويكفي الرجوع إلى المحاكمات السياسية الرائجة للتيقن من الأمر بما لا يخامر المرء أدنى شك، والقاعدة بالنسبة للقضايا الكبرى هي استحالة تكليف قاض- بقضية- لا يمكن التحكم فيه، هذا هو الرأي الغالب عند المحللين والمتتبعين والمعنيين بتلك المحاكمات.
ومن أساليب التدخل المتداولة سحب ملف قضية من يد قاض لتسليمه لآخر، وهناك جملة من الأمثلة بهذا الخصوص، أهمها ملف أحداث 16 ماي الذي سحب من يد القاضي مصطفى فارس لتسليمه لآخر. ومما يسهل مثل هذه العمليات التدخلية أن السلطة التنفيذية تتحكم بيد من حديد في المشوار الوظيفي للقاضي منذ اجتيازه لمباراة المعهد العالي للقضاء إلى تحديد أماكن الترفيه والاصطياف.
ومن الطرق المتبعة في الضغط، النقل والترقية، فإذا كان القضاة المصنفون بعدم ولائهم للإدارة تتم ترقيتهم بطريقة عادية، إن توفرت الفرصة (أي بعد قضاء 10 سنوات داخل كل درجة)، فإن القضاة الموالين يترقون كل خمس سنوات، حسب ما أدلى به لنا أحد القضاة المتقاعدين.

الفصل والانتداب سلاح فتاك بيد وزير العدل

إذا كان الفصل 83 من الدستور المغربي، يقر بأنه لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون، وهذا ما يؤكده كذلك الفصل 69 من النظام الأساسي لرجال القضاء، فإن المشرع المغربي أدخله بطريقة ذكية وماكرة في اختصاصات وزير العدل. كما أعطاه صلاحية انتداب أحد القضاة لتغطية النقص الحاصل في عدد القضاة بمحكمة معينة، هنا أو هناك، بمختلف ربوع المملكة.

وإن كان يبدو نظريا أن هذا الإجراء يعد استثناءا وليس قاعدة، فإن الأمر عندنا، أن وزير العدل دأب على اللجوء إلى هذه الصلاحية الاستثنائية وجعل منها قاعدة، وبذلك أضحى الانتداب- بشهادة الكثيرين من رجال القضاء أنفسهم- يستغل بكثرة كإجراء تأديبي، مما يجعل القضاء بالمغرب تحت رحمة وزير العدل (الجهاز التنفيذي).

ومن المعلوم أنه منذ سنة 1974 نادى البعض بالنظر في مدى دستورية الفصل (57) من القانون الأساسي لرجال القضاء، وهو المتعلق بالانتداب القضائي، إلا أنه لم يتم الاهتمام بهذا الطلب على اعتبار أن الانتداب سلاح فتاك بيد وزير العدل لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
وعوض بحث دستورية هذا الفصل (57)، أقصى ما وصل إليه بعض القضاة المتضررين من هذا السلاح الفتاك، هو اللجوء للمحاكم الإدارية، سعيا وراء إلغاء قرار وزير العدل بخصوص الانتداب باعتباره قرارا إداريا، يمكن الطعن فيه بإلغاء الشطط في استعمال السلطة، وما زالت لم تحضر لحد الآن، الشجاعة والجرأة الكافيتين للتساؤل الجدي حول دستورية الفصل (57) من النظام الأساسي لرجال القضاء، كما صار الأمر بالنسبة لمحكمة العدل الخاصة وتم إلغاؤها في نهاية المطاف بعد أن حضرت الإرادة والشجاعة الأدبية للقيام بذلك. لكن، ومع الأسف الشديد، بعد إسقاط الكثير من الضحايا وتشريد جملة من العائلات وتدمير مستقبل وآمال عدد من الأطفال ولا من أَوْلَى لهذا الإشكال أية أهمية ولو على سبيل اعتذار مغلق.

وليس هناك الفصل 57 وحده، بل هناك ما هو أخطر منه، وهو الفصل 62 من نفس النظام الأساسي لرجال القضاء، والذي يمنح على طبق من ذهب لوزير العدل، صلاحية إيقاف القضاة حال ارتكاب خطأ فادح، لكن دون تحديد طبيعة هذا الخطأ؛ والأدهى والأمر من ذلك هو أن قرار الوزير بهذا الخصوص يعد قرارا نهائيا، لأنه حتى ولو قضى المجلس الأعلى للقضاء ببراءة القاضي المعزول وتم إرجاعه لمنصبه، فإن هذا التصويب لن يعيد للقاضي كرامته، لأن اتهام القاضي في هذه الحالة يمكن تشبيهه برمي حجارة من قمة بناية شاهقة، أما إعادة الاعتبار إليه هو شبيه بإعادة تلك الحجارة من أسفل البناية إلى قمتها، إذ تنجح العملية وقد لا تنجح، وهذا أمر خطير وخطير جدا يمس في الصميم استقلال القضاء الذي يصبح بتفيعل الفصل 62 رهينا بالسلطة التقديرية للجهاز التنفيذي، بل بسلط شخص واحد أحيانا كثيرة. مما يدفع إلى التساؤل حول مدى دستورية الفصل 62 وكذا الفصل 57.

ويمكن اعتماد نفس هذا التحليل المنهجي بخصوص الفصول 23-24-25 من النظام الأساسي لرجال القضاء المتعلقة بالترقية والتنقيط والتأديب، وكلها تعطي صلاحيات واسعة لوزير العدل للتحكم في لي عنق القضاة، وللتساؤل حول مدى ضربها لاستقلالية القضاء، بل أكثر من ذلك للتساؤل حول مدى دستوريتها. وفي واقع الأمر، إن نقطة "المكر" في كل هذا أن وزير العدل، يتحرك كيف يحلو له، تارة كممثل للسلطة التنفيذية وتارة أخرى كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء (أي الملك) باعتبار أن مهام الملك متعددة، فإن الرئاسة الفعلية للنظر في أحوال وظروف ووضعية القضاة ترجع بالنيابة لوزير العدل، مما يضرب في الصميم مبدأ استقلالية القضاء؛ وهنا تكمن مساحة اللبس والالتباس والتي وجب البحث عن سبيل جدي وجذري لاستئصالها حتى لا يتحكم وزير العدل بصفتين في رقبة القضاء والقضاة بالمغرب. والحالة هذه كيف نريد أن يكون قضاؤنا مستقلا، والقضاة أنفسهم لا يشعرون بهذه الاستقلالية ولا يؤمنون بها اعتبارا لهذا الواقع؟

قالوا عن القضاء

لقد قيل الكثير مؤخرا عن القضاء أكثر من أي وقت مضى، إذ أن الحديث عن القضاء ورجاله كان بالأمس القريب من المحرمات، ومن سولت له نفسه القيام بذلك يجد نفسه متابعا دون سابق إعلان على اعتبار أن فساد قضائنا كان محميا بقوة القانون. وهذه بعض النماذج مما قيل في قضائنا ورجاله وآلياته.

يقول وزير العدل سابقا: "بعد تعييني كوزير للعدل فرضوا علي مديرا لديواني لم أكن أرتاح له ولا أرغب في التعاون أو العمل معه، كما بقيت على امتداد فترة مسؤوليتي أشك شكا كبيرا أن اثنين من المدراء المركزيين التابعين للوزارة يتعاونان عن قرب مع مصالح مديرية مراقبة التراب الوطني (الديسطي). و بالإضافة إلى أن مستشاري الملك، كانوا يتصلون بي بخصوص هذا الملف أو ذاك لأقوم باللازم، على اعتبار أن الأمر يتعلق بتدخل أمير أو أحد أصدقاء الملك أو المقربين منه".

يقول القاضي عبد المولى خرشش: "حكمت في قضية بآسفي بما يمليه عليّ ضميري كقاضي، فتلقيت تأنيبا لأن الحكم لم يرض الإدارة المركزية، والأمر يتعلق بصراع بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب سنة 1987، حيث تم اختلاق قضية ضرب وجرح وتم على إثر ذلك اعتقال مكتب الكونفدرالية كأضناء وأوتي بشهود لتعزيز النازلة، لكن بعد البحث والتقصي والمناقشة ظهرت براءتهم جميعا، وهذا ما نطقت به، لكن الحكم لم يعجب القائمين على الأمور".

تقول جمعية "ترانسبرانسي" (شفافية المغرب)

"مازالت حالة القضاء المغربي تتسم بالتردي والاختلال وإن كان القاضي المغربي يتوفر حسب النصوص على الضمانات الدستورية، مثل الاستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكون الملك هو الذي يعين القضاة بظهير، وإن قضاة الأحكام لا يعزلون ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون، فلازالت هناك تساؤلات كثيرة حول مدى فعالية هذه الضمانات وحدودها، وهل هي فعلا تضمن استقلال القضاء أم العكس؟"
يقول مستشار سابق بالمجلس الأعلى:
"عندما كلفت بالنظر في مشروعية وضع عبد السلام ياسين، تحت الإقامة الإجبارية المحروسة تكلف ميكو بإبلاغي بإقبار ملف القضية لأن الملك [الحسن الثاني] لا يريد سماع شيء عن هذه القضية".

يقول الصحفي علي المرابط:

"يوم يتم التخلي عن أمثال القاضي محمد العلوي الذي تكلف بقضيتي في المحكمة، وحكم علي بأربع سنوات سجنا وعشر سنوات منعا من ممارسة الصحافة، آنذاك سأغير رأيي في العدالة المغربية".

جاء في مجلة "تيل كيل":

"إن الجهاز القضائي المغربي آلية لإنتاج الظلم بفعل انغلاقه ومراقبته اللصيقة من طرف أوليغارشيا مدربة جيدا على تمرير التعليمات دون ترك أي أثر لها، والقضاة أنفسهم يكتوون بنار هذا الجهاز، وهناك قلة من المحظوظين وصناع القرار المستفيدين منه".
يقول أحد القضاة:

"لم يسبق لي أن شعرت منذ تخرجي من المعهد العالي للقضاء باستقلالية، عند قيامي بمهامي، لأنني أنتظر في غالب الأحيان أن يرن جرس الهاتف بخصوص هذا الملف أو هذه القضية أو هذا الشخص أو ذاك. وأغلب التدخلات والتوصيات لا يمكن ردها إلا تحت طائلة أداء ضريبة على ذلك إن آجلا أم عاجلا". ويضيف القاضي "على امتداد مشواري في سلك القضاء، (وهو ليس بالقصير)، بقيت أشعر أنني موظف تابع لوزارة العدل وليس قاضيا مستقلا في اتخاذ قراراته حسب قناعاته المهنية وحسب ما يمليه عليه الضمير المهني؛ وهذه حقيقة مُرة، فرضت على نفسي التعايش معها تلافيا للإصابة بالإحباط وبالصدمة النفسية. ورغم ذلك أشعر بالتقزز أحيانا كثيرة عند مراجعتي للأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي والمجانبة للصواب، والتي لو عرضت على لجنة مختصة محايدة ونزيهة ومستقلة لأعيد النظر في غالبيتها الساحقة، ولتبينت الصورة بوضوح من جراء العدد المهول لضحايا القضاء المغربي الذين أهدرت حقوقهم وهضمت ظلما وعدوانا".

وصرح أحد المحامين:
"إن المحامين المغاربة يعانون في عملهم من قضاة تنقصهم الجرأة والشجاعة، لرفض التدخلات والتوصيات والتعليمات بالرغم من أنهم يعتبرون من القضاة النزيهين. وبذلك يشعر الدفاع أنه واقف أمام موظف عادي تابع لوزارة العدل لا أمام قاضي مستقل، وهذا ما يتسبب غالبا في هضم الحقوق وهدرها وإصدار الأحكام الجائرة أو المجانبة للصواب، وأمام هذا الوضع يظل المحامون في انتظار غد أفضل، علما أنه يوجد من بينهم كذلك أفراد يساهمون في تعميم واستشراء الفساد بالجهاز القضائي".
ويختم المحامي تصريحه قائلا:" مرات عديدة سمعت من أفواه كثير من القضاة هذه العبارة التي تختزل الوضع الحقيق للقضاء المغربي :"التعليمات يا أستاذ".

بدون تعليق

في إطار ملف السطو على القصر الملكي بأكادير ونازلة الاختلاسات المرتبطة بميزانيته، قام القاضي المكلف بالنظر في الملف باستدعاء منير ماجيدي، الكاتب الخاص للملك، للمحكمة كشاهد للإدلاء بشهادته، وقد استأثر هذا الإجراء العادي جدا من الناحية القانونية، باهتمام الكثيرين الذين استحسنوا هذا الأمر، باعتبار أن كل المغاربة متساوون أمام القانون، كما اعتبروه إحدى بشائر التغيير في قلعة جهازنا القضائي، لكن مع الأسف الشديد، سرعان ما تبين أن الأمر لم يكن كذلك. إذ تم إصدار تعليمات بسحب ملف النازلة من يد القضاة، الذين سولت لهم أنفسهم استدعاء الكاتب الخاص للملك شخصيا، ومن هؤلاء محمد عيروض ومحمد حبشان، ولتلافي أية مفاجأة من هذا القبيل، وقصد القبض بيد حديدية على مجمل الخيوط، تم تكليف رئيس محكمة أكادير أبو اليقين بالنظر في الملف، وهو أمر استغرب له كل القانونيين بالمغرب. وفعلا أخذ أبو اليقين بزمام أمور الملف وحسم فيه، وذلك بدون مشتكي وبدون مناقشة وبدون الدفاع الذي فضل الانسحاب احتجاجا على المسار الذي عرفته القضية.

"حَرْكَة" الوزارة ضد أول عريضة استنكار بقلم القضاة
على إثر قضية "الرماش" التي تورط فيها خمسة قضاة تم اعتقالهم سنة 2003، بعد عرض النازلة على أنظار محكمة العدل الخاصة، دون احترام جملة من الإجراءات المنصوص عليها بخصوص مقاضاة ومتابعة القضاة المتهمين، انتفض بعض القضاة بالمغرب وأعدوا عريضة تندد بتلك الإجراءات، ختموها بالمطالبة بإصلاح الجهاز القضائي؛ بدأت العريضة تسافر من مدينة إلى مدينة ومن يد إلى يد بين القضاة قصد الاطلاع والتوقيع عليها، وعندما علم وزير العدل بذلك، أمر باستنفار كل ترسانته الإدارية بوزارة العدل وخارجها فبدأت الاتصالات المباشرة بقضاة المغرب لمنعهم من القيام بتوقيع العريضة، وبعد ذلك وجهت الوزارة الضربة القاضية للرؤوس التي سولت لها نفسها التفكير في مثل هذا الأسلوب واعتماد شكل الانتفاضة الداخلية، إذ تم توقيف جعفر حسون، أحد مؤسسي الجمعية المغربية لحماية استقلال القضاء وأحد الراعين للعريضة – القنبلة. وبعد ذلك وجه الملك رسالة شديدة اللهجة للقضاة لتذكيرهم أن لا حق لهم في أي نشاط إلا ضمن ثلاث هيآت: المجلس الأعلى للقضاء ، الودادية الحسنية وجمعية الأعمال الاجتماعية، ما عدا ذلك يعتبر كل نشاط انحرافا غير مقبول؛ أما بخصوص القضاة الخمس، فقد أوكل ملف نازلتهم لرئيس محكمة العدل الخاصة، القاضي مصطفى جلال آنذاك الذي برأ اثنين منهم، لكن بعد أيام معدودة تلقى مصطفى جلال أمر تعليق ملف القضية.

خلاصة القول

بأي كلمة يمكن ختم هذا الملف؟ إنها مهمة صعبة حقا، باعتبار أن هناك جملة من التساؤلات لازالت تطرح نفسها بقوة وتنتظر الجواب بكل جرأة ومسؤولية.
لذا ارتأينا أن نختم بتساؤلات يجيب عليها القارئ حسب قناعاته الخاصة، وحسب ما يعاينه على أرض الواقع.
هل يمكن اعتبار القضاء المغربي الضامن الأساسي لممارسة الحريات وحماية الحقوق والحرص على تطبيق القانون دون ميز؟ وهل قضاؤنا فعلا قضاء نزيه ومستقل؟ وهل المغاربة يثقون بقضاء وقضاة المغرب؟

ونفتح المجال لكل من الأستاذ خالد محام بهيئة الرباط والأستاذ مصطفى فارس رئيس الودادية الحسنية للقضاة للحديث عن إشكالية القضاء، كل من موقعه.

الأستاذ خالد خالص، محام

إلغاء وزارة العدل وحذف منصب وزير العدل
الأستاذ خالد خالص من الأساتذة الباحثين في مجال القانون والقضاء. مستشار قانوني ومحامي بهيئة المحامين بالرباط، مقبول للترافع أمام المجلس الأعلى وعضو سابق لمجلس هيئة المحامين بالرباط وعضو مؤسس لعدة جمعيات ويشغل منصب أستاذ زائر بكلية الحقوق بالرباط. يهتم كذلك بقطاع التعليم الخصوصي وله عدة دراسات نشرت داخل المغرب وخارجه، ومعروف في الأوساط الحقوقية والجامعية بوداعته واستقامته وبانفراده ببعض الأفكار والمقترحات.
حاوره رئيس تحرير أسبوعية "المشعل" حول بعض جوانب القضاء بالمغرب على الشكل التالي:

 يبدو أن جوهر إشكالية القضاء المغربي هو عدم رقيه بعد إلى سلطة ثالثة فما أسباب ذلك ؟ وكيف يمكن أن يصبح كذلك ؟
 لا اعتقد بان مشاكل القضاء المغربي، ستحل بمجرد الإعلان عنه كسلطة ثالثة، لان المشكلة تمتد إلى إصلاح المنظومة القضائية ككل. إلا أن رقي القضاء إلى سلطة حقيقية سيعتبر النقطة الأولى لانطلاق إصلاح القضاء.
فإذا كان الفصل 82 من الدستور ينص على أن "القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"، فان الدستور المغربي لا يعتبر القضاء سلطة قائمة الذات، بل يعتبره مجرد وظيفة من الوظائف. والمطلب الذي يفرض نفسه الآن بإلحاح هو التنصيص على كون القضاء سلطة على غرار باقي السلط وليس مجرد وظيفة. وهذا المطلب يمكن أن يستجاب له عند اقرب تعديل للدستور ليتبوأ القضاء في المغرب المكانة التي يجب أن يحظى بها، ولتصبح لنا في المستقبل ثلاث سلط مستقلة بعضها عن بعض: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
فإذا كنا نؤمن بالدور الذي من المفروض على القضاء القيام به، كسلطة وكركن من أركان الدولة؛ وإذا كنا نؤمن باستقلال القضاء، فإنه آن الأوان لفصله عن باقي السلط لأن هيمنة الجهاز التنفيذي على القضاء بصفة عامة وعلى القضاة بصفة خاصة، لا تسمح لنا اليوم بالكلام عن قضاء مستقل ولا عن قضاة مستقلين.
 ما هو في نظركم المدخل الحقيقي لإصلاح فعلي للقضاء بالمغرب ؟.
 لنبدأ بارتقاء القضاء إلى منزلة سلطة مستقلة عن باقي السلط دستوريا، ثم لنعيد النظر في المنظومة القضائية ككل انطلاقا من حذف القضاء الاستثنائي، وإعادة النظر في النظام الأساسي لرجال القضاء وفي النصوص الأخرى التي تنظم القطاع، والاهتمام بالعنصر البشري وإعادة النظر في طريقة التكوين والتكوين المستمر، وفي المهن الحرة التي تساعد القضاء كالمحاماة ومهنة الخبراء والتراجمة وغيرهم.

كما يجب تفعيل النصوص القانونية التي تبقى حبرا على ورق، كتتبع ثروات القضاة ومسؤولية هؤلاء في ما يصدرونه من أحكام، إذ لا يجب أن يفهم استقلال القضاء واستقلال القضاة عند أدائهم لمهامهم بمثابة انعدام مسؤوليتهم بخصوص الأحكام التي يصدرونها.
ثم لنمر إلى الجانب المادي لنعيد النظر في طريقة إنشاء المحاكم ومحاولة تجميعها في مركب واحد بالنسبة للمدينة الواحدة. ويمكنكم التجول في مدينة الرباط مثلا، لتلاحظوا تشتيت المحاكم على أحياء مختلفة، الشيء الذي يصعب معه العمل بالنسبة لمختلف الفاعلين في هذا القطاع.
كما يجب الوقوف على طريقة تجهيز المحاكم وإعادة النظر في أجور القضاة وفي أجور كل من يعمل في القطاع، وإلا فستبقى هذه الأمور رهينة إرادة السلطة التنفيذية الخ...
 تقرون في كتاباتكم القيمة بان القضاء المغربي غير مستقل حاليا، فهل يمكن تحقيق العدل والإنصاف في ظل غياب استقلالية القضاء ؟.
 جميع كتاباتي نابعة من دراسات أكاديمية ممزوجة بتجربة ميدانية، تبرهن على انعدام استقلال القضاء وانعدام استقلال القضاة بالمغرب. ولا اعتقد بأنه في غياب استقلال القضاء يمكن الكلام عن العدل والإنصاف، لأن الأحكام التي تصدر عن قضاء غير مستقل غالبا ما تكون أحكاما خارجة على القانون وعلى الحياد وعلى النزاهة وعلى الاجتهاد، بقدر ما ترتكز على التعليمات وعلى غيرها من العوامل التي من شأنها التأثير على القاضي كالمال أو المصلحة الشخصية أو العائلية أو العرقية أو القبلية أو السياسية... وكل هذه العوامل تبعدنا عن الدولة القانونية أو دولة القانون التي نصبو إليها جميعا. إلا أنه لا يجب التعميم، إذ نصادف الكثير من الأحكام ذات المستوى الرفيع من تارة لأخرى والتي تبدل فيها مجهودات جبارة من قبل بعض القضاة رغم قلة الإمكانات.
 نستشف من كتاباتكم وآرائكم، أن القضاة المغاربة يعيشون في جو من الخوف، فما مرد ذلك ؟
 مرد ذلك راجع إلى الوضعية الفردية للقضاة المغاربة، وارتباطها الوطيد بوزارة العدل بصفة عامة وبوزير العدل بصفة خاصة.
لن أتطرق لجميع الارتباطات ولن ادخل في الجزئيات، ولكن سأعطي بعض الأمثلة على تداخل اختصاصات وزير العدل في الوضعية الفردية للقضاة. ولننطلق من المعهد العالي للقضاء الذي هو مؤسسة عمومية يرأس مجلسها الإداري وزير العدل، الذي هو عضو في الحكومة أي تابع للجهاز التنفيذي، كما أن القرارات التي يتخذها هذا المجلس الإداري بأغلبية الأعضاء ترجح الجانب الذي ينتمي إليه وزير العدل في حالة تعادل الأصوات. والملاحظ هو هيمنة الجهاز التنفيذي أي وزارة العدل على هذا المعهد، سواء من حيث الولوج أو من حيث التأطير أو من حيث البرامج أو من حيث شروط نهاية التدريب، ولا دخل للمجلس الأعلى للقضاء في المعهد العالي للقضاء، باعتبار أن من يمثل هذا المجلس هو وزير العدل وكاتب المجلس الذي يعينه أصلا وزير العدل. ومن تم فان القاضي يشعر دائما بشعور التبعية لوزارة العدل –الوزارة الوصية – ويصعب عليه أن يحس بالتجرد نحوها.

أضف إلى ذلك أن مقر المجلس الأعلى للقضاء يتواجد بوزارة العدل أي بداخل الجهاز التنفيذي، الشيء الذي يدل على انعدام استقلال هذا المجلس برمته. ثم إذا كان تعيين قضاة الحكم يتم من قبل الملك بناء على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، فإن الأمر على عكس ذلك بخصوص قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق. وإذا كان وزير العدل يشرف على السياسة الجنائية طبقا للمادة 51 من قانون المسطرة الجنائية، فإن المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية تلخص وضعية قضاة النيابة العامة الذي يخضعون "للتعليمات التي يتلقونها"؛ أما قضاة التحقيق، فإنهم كذلك لا يتوفرون على أدنى استقلالية من خلال النصوص الحالية، فتعيينهم وإعفاؤهم من مهامهم يتم بقرار من وزير العدل، بدل المجلس الأعلى للقضاء طبقا للمادة 51 ق.م.ج. بل إن رئيس المحكمة وبناء على طلب النيابة العامة بإمكانه إصدار قرار نظامي بتعيين قاض للتحقيق من بين قضاة أو مستشاري المحكمة في حالة الاستعجال والظروف المنصوص عليها بالمادة 53 ق.م.ج. وأكثر من هذا وذاك فإن النيابة العامة هي التي تعين من يحقق في كل قضية إذا تعدد قضاة التحقيق طبقا للمادة 90 من نفس القانون. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم استقلال قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق من هيمنة وزير العدل، وهو ما يضر بالعدالة ككل.

وبالرجوع إلى قضاء الحكم، فإن استقلال القضاة رهين بتحصين القاضي من النقل والعزل دون الكلام عن تحصينه ماديا. ومن تم فإنه لا يجوز إبعاد القاضي من منصبه سواء بطريقة الفصل أو الإحالة على التقاعد أو التوقيف عن العمل أو النقل إلى وظيفة أخرى إلا في الأحوال وبالكيفية المنصوص عليها بالقانون.

فالفصل 83 من الدستور ينص على ما يلي: "لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون". وتأكيدا على الحصانة فإن الفصل 69 من النظام الأساسي لرجال القضاء ينص على عدم إمكانية ترقية القضاة المنتخبين بالمجلس الأعلى للقضاء من درجة لأخرى ولا نقلهم ولا انتدابهم مدة انتخابهم".

وينص الفصل 33 من النظام الأساسي لرجال القضاء على ما يلي: " يمكن لقضاة الأحكام أن يعينوا في مناصب جديدة بطلب منهم أو نتيجة ترقية أو إحداث محكمة أو حذفها". ويمكن القول بان النقل إذا كان موضوعيا مجردا مبنيا على الفصل 33، هذا لا يطرح مشاكل كثيرة باعتبار انه يتم بظهير باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء. أما ما يسمى بالانتداب القضائي المنصوص عليه بالفصل 57 من النظام الأساسي لرجال القضاء، فإن المشرع أدخله في اختصاصات وزير العدل وأعطاه صلاحية انتداب أحد القضاة لتغطية النقص الحاصل في عدد القضاة بمحكمة معينة تفاديا لتعطيل المرفق العمومي أثناء عدم انعقاد دورات المجلس الأعلى للقضاء، ويتم الانتداب لمدة ثلاثة أشهر في السنة يمكن تجديدها بموافقة القاضي المعني بالأمر. إلا أن الانتداب القضائي يستغل أحيانا كإجراء تأديبي لا يمت بصلة للمصلحة العامة، الشيء الذي يجعل جل القضاة تحت التهديد وتحت رحمة وزير العدل.

ولا تقتصر حصانة القاضي على النقل، بل تمتد إلى العزل وهو أخطر من النقل، لأنه يضع حدا لمهام القاضي، لذا فإن الدستور نص في الفصل 85 على أن "قضاة الأحكام لا يعزلون ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون". إلا أن لوزير العدل، طبقا للفصل 62 من النظام الأساسي لرجال القضاء، الصلاحية في إيقاف القاضي حالا، إذا ارتكب خطأ خطيرا. وكان على المشرع أن يحدد طبيعة "الخطأ الخطير" لا أن يتركه عبارة فضفاضة يصعب حصرها. حقيقة أن الأمر لن يطرح صعوبة إذا تعلق بجريمة لا لبس فيها، إلا أن ترك تقدير الأمر للسلطة التنفيذية يمس باستقلال القضاء، لأنه ولو قضى المجلس الأعلى للقاضي ببراءته وأعاده لمنصبه فإن قراره لن يعيد لهذا القاضي كرامته.

وفي نفس السياق، وبخصوص ترقية القضاة، فإن الدستور المغربي نص في الفصل 87 منه على أن المجلس الأعلى للقضاء يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم. إلا انه وباستقراء الفصول 24،23 و25 من النظام الأساسي لرجال القضاء، وكذا مرسوم 8 أبريل 1975 المحدد لترتيب درجات ورتب الترقي والأرقام الاستدلالية، والفصل 7 من مرسوم 23 ديسمبر 1975 المتعلق بتحديد شروط كيفية تنقيط القضاة وترقيتهم يظهر الدور المحوري مرة ثانية لوزير العدل باعتبار هذا الأخير هو المكلف بإعداد لائحة الأهلية للترقي، ولا يمكن ترقية أي قاض إلى الدرجة الأعلى في حدود المناصب الشاغرة، إن لم يكن مسجلا في لائحة الأهلية التي يعدها وزير العدل. ويعتبر تدخل وزير العدل في إعداد اللائحة المذكورة ضربة أخرى لاستقلال القضاء. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويعارض في تفاوت الرتب والدرجات بالنسبة للقضاة. قال بالزاك: "مهما يكن أمر القضاء فإن تنظيمه على أساس تفاوت الدرجات والترقية محفوف بالمخاطر ومن شأنه أن يهدد القضاء"، لان الترقية توحي بان القاضي موظف عادي يطمح من خلالها إلى تحسين وضعيته المادية، بينما المفروض أن يكون جميع القضاة على قدم المساواة، بعيدين عن الحاجة، كما هو الشأن تقريبا بالنسبة للقضاء البريطاني. ولا بد هنا من الإشارة كذلك لمسطرة التنقيط التي يسهر عليها رئيس المحكمة، ويبقى التنقيط سريا لا يحق للقاضي الاطلاع عليه. والتنقيط من قبل رئيس المحكمة يجعل القاضي تابعا لرئيس المحكمة يوجهه كيفما شاء ويعطيه التعليمات التي يشاء ويفقده استقلاله وتجرده وحياده. وتعتمد الترقية كذلك على عدد الملفات التي بت فيها القاضي خلال السنة دون التعمق فيما بذله من مجهود في مضمون هذه الأحكام، حيث أصبح الصراع والمنافسة يقتصران على العدد (الهائل غالبا من أحكام عدم القبول)، حتى إنني اقترحت في ندوة من الندوات أن تزال اللام عن وزارة العدل لتصبح التسمية "وزارة العد".
ويمكن لقائل أن يقول بان تدخل وزير العدل في إعداد لائحة الترقي المذكورة يأتي بوصفه نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء بناء على الفصل 86 من الدستور. وفي الواقع ونظرا لمهام الملك المتعددة، فإن الرئاسة الفعلية للنظر في الوضعية الفردية للقضاة أي وضعيتهم الإدارية والمالية ترجع للرئيس بالنيابة أي لوزير العدل الذي يمثل في الواقع السلطة التنفيذية، من جهة ويمثل اتجاها سياسيا معينا من جهة أخرى، الشيء الذي يتنافى مع استقلال القضاء. والحل ربما هو استبداله دستوريا بالرئيس الأول للمجلس الأعلى الذي يبقى في جميع الأحوال في قمة هرم أسرة القضاة كما هو الشأن في مصر مثلا.

ولا بد هنا من الإشارة إلى مقتضيات الفصل 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء، الذي يعطي لوزير العدل، كأحد أعضاء السلطة التنفيذية، الحق في إخبار المجلس الأعلى للقضاء بالأفعال المنسوبة للقاضي أي أن وزير العدل هو الذي يعرض ـ أو لا يعرض ـ على هذا المجلس جميع الخروقات المتعلقة بالقضاة، وهو أمر غير طبيعي وغير سليم بالمرة. كما أن وزير العدل هو الذي يتلقى عادة شكايات المتقاضين وشكايات المحامين حيث يأمر ( أو لا يأمر) بإجراء تفتيش حول مضمون الشكاية. وباعتبار أن المفتشية تابعة لوزارة العدل كجهاز تنفيذي، فانه لا يمكن الكلام بعد عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.

 لماذا تدعون لإلغاء وزارة العدل بالمغرب، وكيف ترون تنظيم القضاء المغربي بدون وزارة ؟
 قبل دعوتي، بمناسبة انعقاد المؤتمر 25 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب المنعقد بمكناس سنة 2005، إلى إلغاء وزارة العدل من التشكيلة الحكومية وحذف منصب وزير العدل – وهنا اقصد المؤسسات لا الأشخاص - دعوت إلى تغيير اسم وزارة العدل باسم وزارة الشؤون القضائية، لأن التسمية الحالية تنم عن شيء من المبالغة والغلو. إلا أنه مع تقدم أبحاثي ودراساتي لهذا القطاع وصلت إلى الخلاصة التالية : انه لا بد من فصل وزارة العدل عن الجهاز التنفيذي حتى نصل إلى استقلال فعلي للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
وقد سبق أن أوضحت بإيجاز أن اختصاصات وزير العدل، كأحد أعضاء السلطة التنفيذية وتدخلها في الوضعية الفردية للقضاة، وفي كل ما يسبح في المحيط القضائي من موظفين وأعوان ومفتشين وبنايات وموارد مختلفة وغيرها، تمنع علينا اليوم الكلام عن الاستقلال الفعلي للقضاء والقضاة بالمغرب.

و انطلاقا من هذه المعاينات خلصت إلى القول، بأنه لابد من إيجاد حل ليصبح للقضاء سلطة مستقلة استقلالا مطلقا عن السلطة التنفيذية، كما هو الشأن بالنسبة للسلطة التشريعية. وهذا الحل لن يتأتى إلا بالإرادة السياسية المغربية، التي بإمكانها أن تكون السباقة في خلق جهاز مستقل يطلق عليه اسم "المجلس الأعلى للقضاء" ( مع تغيير اسم المجلس الأعلى (للنقض) إلى "محكمة النقض")، على غرار مجلس النواب تكون له ميزانية خاصة ومستقلة وتجمع فيه كل الموارد البشرية (والمادية) التي تعمل في حقل القضاء، وحذف وزارة العدل من التشكيلة الحكومية وإلغاء منصب وزير العدل.
ومن الممكن أن يتم خلق وزارة مكلفة بالعلاقات مع المجلس الأعلى للقضاء على غرار الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان.
مصطفى فارس رئيس الودادية الحسنية للقضاة
القضاء الضعيف لا يمكن أن يكون مستقلا ونزيها
لم ينص الدستور المغربي إلى حد الآن على كون القضاء سلطة ثالثة، كما هو الأمر بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، كما أن هناك عدة مآخذ على القانون الداخلي لتنظيم مداولات المجلس الأعلى وطريق انتخاب أعضائه، وكون وزير العدل خصما وحكما في ذات الوقت، هذه بعض القضايا التي تناولها الأستاذ مصطفى فارس في حديثه مع "المشعل".

 أُحْدِثَ المجلس الأعلى للقضاء بواسطة أول دستور مغربي سنة 1962، ما هي أهم التحولات التي عرفها منذ ذلك التاريخ؟
 نص دستور 1962 على استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، مكرسا بذلك قاعدة فصل السلط، وإن كان لم ينص صراحة على كون القضاء سلطة كما فعل بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية (ومن هنا نعبر عن مطالبتنا بالتنصيص صراحة بالدستور المغربي عند مراجعته على كون القضاء سلطة ثالثة مستقلة عن باقي السلط) وأحدث لأول مرة المجلس الأعلى للقضاء، ومهمته السهر على الضمانات المعطاة للقضاة فيما يتعلق بتعيينهم وترقيتهم وتأديبهم ونقلهم وعزلهم، وأسندت رآسته إلى جلالة الملك، ينوب عنه وزير العدل ويتكون من شقين:

* الأول: ثلاث شخصيات قضائية سامية هي: الرئيس الأول للمجلس الأعلى، والوكيل العام للملك لدى نفس المجلس ورئيس الغرفة الأولى به.

* الثاني: ويتكون من قاضيين يمثلان محاكم الاستئناف وأربعة قضاة يمثلون المحاكم الابتدائية، وينتخبون لمدة أربع سنوات من طرف زملائهم.

ولعل أهم التغييرات التي عرفها هذا المجلس تتمثل في :

 تحديد عدد الأعضاء المنتخبين ما بين أربعة وستة
 إحداث قانون داخلي لتنظيم مداولات المجلس (ولنا مآخذ على هذا القانون)
 طريقة الانتخاب، إذ كانت في السابق تتم بواسطة البريد، أصبحت هناك مكاتب اقتراع بكل محكمة من محاكم الاستئناف يؤمها القضاة للإدلاء بأصواتهم.
 نزاهة القضاة تمر عبر استقلاليته، ألا تعتقدون أن تمثيلية وزير العدل بالمجلس الأعلى تكرس تبعية هذا الأخير للجهاز التنفيذي؟
+ وجود وزير العدل بصفته نائبا عن رئيس المجلس الأعلى تحتم عليه التخلي عن صفته كعضو في الجهاز التنفيذي، فهو في هذه الحالة نائب عن جلالة الملك لا عضوا في الحكومة.
ومن جهة ثانية، وجود شخص الوزير وسط تسعة قضاة لا يكون له تأثير مطلقا على مداولات المجلس ولا يجعله تابعا للجهاز التنفيذي كما قلت، وقد أبانت التجربة على أن المشكل في قوة وكفاءة وقدرة الأعضاء المنتخبين.

لكن من جهة ثالثة، فإنه تحقيقا لمبدأ فصل السلط، من الأفضل إعطاء صلاحيات وزير العدل للرئيس الأول للمجلس الأعلى، وخاصة فيما يتعلق بالتأديبات، فالوزير هو المسؤول عن المتابعة، وبالتالي يكون خصما وحكما في نفس الوقت، ولضمان حياد مؤسسة المجلس الأعلى ودفعا لكل نقاش ، وللأمانة فإن الوزير الحالي و لأول مرة عبر عن رغبته في إسناد بعض مهامه المتعلقة بالتأديب والانتداب إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى.
واستغل هذا الحوار لأجيب على الأصوات التي تنادي بإضافة شخصيات من خارج الجهاز القضائي إلى تركيبة المجلس الأعلى الحالية، و أقول لهم إننا في الودادية الحسنية للقضاة، نعارض بشدة هذا التوجه لأننا في هذه الحالة سنفتح الباب على مصراعيه لتسييس هذه المؤسسة وبالتالي نبتعد عن الهدف المتوخى منها، وقد أبانت تجربة بعض الدول عن ذلك.
 إلى أي حد يمكن للمجلس الأعلى أن يلعب دورا في محاربة الزبونية والرشوة؟
 هناك مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق أعضاء المجلس الأعلى في محاربة الزبونية والرشوة بجهاز القضاء، فهم المخول لهم تطهير الجهاز القضائي من كل ما يمكن أن يلحقه من خلل، ولن يتأتى هذا إلا إذا التزموا هم أنفسهم بالدفاع عن المبادئ الأساسية لمؤسسة القضاء و الابتعاد عن المزاجية في التعامل مع ملفات زملائهم.
 هل تعتقد أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالنسبة لأسرة القضاء مناسب لنزاهة القضاة؟
 أولا، لا يمكن تقييم العمل القضائي ماديا، فمهما كان الراتب الذي يتقاضاه القاضي، فلن يفيه حقه، فعمل القاضي هو سمو ونبل لا يمكن تقييمه بثمن مهما علا، ولكم مثال في الدول الأنجلوسكسونية. فالقاضي هو أغنى إنسان بقناعته، وكم من قضاتنا الأجلاء لم تجد عائلاتهم مصاريف دفنهم عند الوفاة، فهم وهبوا حياتهم وحياة عائلاتهم للعدل والاستقامة والنزاهة.
وبالرجوع إلى سؤالك، فعلى الدولة تحقيق المتطلبات الرئيسية للقاضي، ولا اعتقد أن الراتب الحالي الذي يتقاضاه القضاة يوفر لهم ذلك.
 ماذا يمكنكم أن تقولوا لنا عن دور الودادية الحسنية للقضاة في المؤسسة القضائية بشكل عام؟
 سبق أن قلت في حفل انطلاق أشغال المكتب الجهوي للدار البيضاء،إن دورنا يتجلى ليس فقط في توحيد القضاة وجمع شملهم لكن كذلك في اكتشاف القاضي لنفسه ومعرفته لمكانته، فهو ليس ذلك الشخص الذي يفصل في المنازعات فقط، بل إن دوره اكبر من ذلك، فمن خلال المحاكمة العادلة فهو يقوم بضمان النظام العام وتأمين السلم الاجتماعي و المساهمة في بناء الديمقراطية ودولة الحق والقانون، وهذا الاكتشاف سيدفعه إلى الابتعاد عن الشبهات وعن كل ما يعيق إحقاق الحق وإزهاق الباطل، فقوة الأحكام وعدالتها تنعكس على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنموي لمغربنا العزيز.
إلى جانب الدور التنموي هناك أدوار أخرى للودادية، منها:
 دور توجيهي، يتجلى في إعطاء القاضي الإطار الاجتماعي اللائق به ليفرغ مواهبه ويعطي اكثر ما عنده، وبالتالي يستفيد القضاء منه وكذلك المجتمع.
 دور وقائي، فمن خلال نشر القيم والمثل العليا من عدل ونزاهة ونكران الذات، تعمل الودادية على حماية القاضي من الانزلاق إلى الشبهات.
 دور تكويني، فالودادية الحسنية للقضاة تعمل على توسيع المدارك العلمية والآفاق الثقافية لأعضائها لمواكبة التطورات الداخلية والانفتاح على التجربة الدولية في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، وذلك من خلال الندوات العلمية واللقاءات الفكرية مما يثري الحقل القضائي.
 ولا ننسى الدور الذي لعبته الودادية خلال انتخابات المجلس الأعلى الأخيرة، فقد التزم القضاة خلالها، سواء ناخبين أو منتخبين، بالكتاب التوجيهي للودادية الحسنية للقضاة.
 طبعا هناك جوانب و أدوار أخرى كثيرة لن أطيل عليكم بتعدادها.
 ما المطلوب لتأسيس قضاء نزيه ومستقل؟
 أضيف إلى سؤالك قضاء نزيه، مستقل وقوي؛ فالقضاء الضعيف لا يمكن أن يكون مستقلا ونزيها. فاستقلال القضاء ونزاهته في قوته.
ولن يتأتى هذا إلا بتضافر جهود جميع مكونات المجتمع لا القضاة فقط، إذ لا بد من إشاعة ثقافة احترام القضاء وحمايته لا النيل منه ومن رجالاته ، فالقضاء القوي هو مكسب للجميع، وهو الدعامة الكبرى للديمقراطية في هذا الوطن العزيز، فلا ديمقراطية بدون قضاء قوي نزيه كفء ومستقل، وهذا شعارنا في الودادية الحسنية للقضاة، فعلينا جميعا العمل على جعل القضاء الحائط الصلب الذي ينكسر عليه الظلم من أية جهة كانت، ولا ننسى أن انتقاد القضاء آت من الفصل بين مصالح متعارضة، وهي مهمة ليست بالسهلة.
جانب آخر مهم، يتجلى في طريقة اختيار الشخص المؤهل لولوج السلك القضائي، وكذلك تكوينه بالمعهد العالي للقضاء تكوينا نفسيا، اجتماعيا وأخلاقيا لا علميا فقط، ثم وضعه بأيادي أمينة ومقتدرة لاحتضانه بعد تخرجه من المعهد، وهنا يكمن دور زملائه القدامى ودور المسؤولين القضائيين عن المحاكم، فلابد من تكوين خاص لهؤلاء يتعرض لهذه الجوانب، فالقضاء أخلاق قبل كل شيء، ومرحلة البدء هذه مهمة، فكم من قاض يعين بعد تخرجه في منطقة نائية، لا يتلقى راتبه كاملا إلا بعد مدة، ولا يجد من يؤطره فكريا وخلقيا، أليس هذا أحد أسباب دفعه إلى الانحراف.

ولابد من الإشارة كذلك إلى وجوب مراجعة القوانين المنظمة لفئات القضاة، الذين يعينون مباشرة من العاملين في الحقل القانوني، حتى يتم اختيار من سيستفيد القضاء من خبرتهم، جانب أخر مهم وهو القوانين والمساطير المعمول بها، فالقضاة في الواقع يطبقون القوانين فقط، وتبقى مسؤولية المشرع في هذا الباب، فلا بد من مراجعة القوانين بجعلها قوانين منصفة الهدف منها الوصول إلى العدل منبعثة من واقعنا، فالقوانين المنصفة لابد أن تؤدي بالضرورة إلى أحكام منصفة.

جانب أخر كذلك ويتعلق بمساعدي القضاء، فلابد من مراجعة القوانين المنظمة للمهن القضائية ولابد من إخضاعهم إلى مراقبة حقيقية ومراجعة تكوينهم وإعادة تكوينهم، فبدون ذلك لن نصل إلى نزاهة القضاء واستقلاله وقوته مهما كانت قوانيننا ومهما كان قضاتنا.

وهناك جوانب هامة أخرى منها

  تسهيل الولوج إلى العدالة.
  تقوية الضمانات المعطاة للقضاة وعدم مساءلتهم عن الأحكام والقرارات الصادرة عنهم.
  تكوين القضاة ومساعدي القضاء وإعادة تكوينهم.
  مراجعة القانون الأساسي لرجال القضاء.
  تحديد آجال معقولة لصدور الأحكام.
  وضع ميثاق أخلاقي للمهن القضائية.

ولا ننسى في الأخير دور الجانب الاقتصادي والاجتماعي في الموضوع، فتحسين المستوى المعيشي للقضاة وإحلالهم المكانة اللائقة بهم في المجتمع إسوة بزملائهم في أغلب الدول، يقيهم الانزلاق نحو الانحراف الأخلاقي والمادي.


مشاركة منتدى

  • أطلب من كل شخص الكريم نشر هذه الرسالة

    لازلنا نشتكي مند أزيد من خمس سنوات ونحن نتردد بين أقسام المحاكم ولم نتلقى أي إنصاف في الملف عدد 09/2934 ش والذي قام بحفظه السيد وكيل الملك لدى ابتدائية بركان ظلما واحتقارا، فكيف يمكن لشكاية تقدما بها محاميان لمؤازرة موكليهما ورثة الهالك أوقادة احمد بن نوردين ضد موثقة جوهرة وسعيدي والمقاول بوجمعة بوخريص وممثلة البنك القرض العقاري والسياحي ببركان وبعدها سلمت الشكاية بأمر من السيد وكيل الملك لضابطة القضائية ببركان وقامت الضابط القضائية بواجبها مشكورة بإخبار السيد وكيل الملك في محضر قانوني رقم 2099 د1 بأنها استمعت الى الجهة الشاكية وإثنان من المشتكى بهما وهما الموثقة وسعيدي جوهرة والسيد بوجمعة بوخريص ،فيما تعذر البحث مع ممثلة البنك القرض العقاري والسياحي ببركان التي استدعيت اكثر من مرة غير أنها لم تحضر بدعوى أنها لم يرخص لها من ادارتها المركزية ، فعدم حضورها يعني الملف غير جاهز مدام تعدر البحث معها ، فكيف للسيد وكيل الملك قام بحفظ الملف من أجل شكاية ضد القرض العقاري والسياحي في شخص ممثلها تطبيقا للفصل 38 من قانون المسطرة الجنائية للأسباب الأتية / لإنعدام الإثبات ولمدنية النزاع .؟ غريب هذا القرار للسيد وكيل الملك كيف قام بحفظ الملف للجهة التي لم يتم الإستماع لها من طرف الضابطة القضائية وحدها فقط ولم يذكر المشتكى بهما الموثقة والمقاول في الحفظ ، اهذا في نظر العدالة ،وسؤال مطروح ماهو المانع في رغم ممثلة البنك للبحث معها أمام الضابطة القضائية ،وكيف تم الحفظ من أجلها وحدها فقط رغم أنه لم يتم الإستماع لها من طرف الضابطة القضائية ولماذا تستر على الموثقة والمقاول مع أنهم أدليا بأقوالهما في محضر الضابطة القضائية عدد 2099 د1 والذي يثبت أفعلهما .؟ وإنني من هذا المنبر أطالب وزارة العدل والحريات بالبحث والتحقيق في هذا الملف المذكور أعلاه وهو ملف عدد 2934/ 09 ش وإخراجه من الحفظ وتقديمه للعدالة ؟

  • السلام عليكم ورحمة الله
    محكمة سطات وقضاة سطات فاسدون اقصد سنة 2010 2011 لتوفري على حكم وقرار والله ثم والله لو عرفت كيفاش نتوصل لملكنا الله اينصرو اوشاف التعسف الاجرامي ديال الهيئتين لقام بعزل كل قاض حكم ضلما وعدوانا انها الرشوة ولازلت اتوفر على اجميع النسخ التي تبين
    ظلامية القضاء ضدنا شكيت فنفس المحكمة اوتطردت شكيت فالرباط وزارة العدل المجلس الاستشاري لحقوق الانسان رغم كل دلك كانت
    رشوة كبيرة لاتبقي ولاتدر للمطالب بالحق غر يب جدا واش المسكين الدليل الحقير المظلون مياخدش حق كنطلب من ملكنا الله اينصروا ان يتدخل الحمد الله كلشي مزيان الا القضاة راهم نهب اوخربوا البلاد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى