الأربعاء ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم أديب قبلان

الشباب درر الشعوب

لماذا تولي الدولة المتحضرة رعاية الشباب أهمية قصوى في برامجها التنموية؟

ما الدور الذي يلعبه الشباب في بناء حضارات الأمم، ودفع عجلة تقدم الشعوب؟

هل أكد الإسلام على دور الشباب؟

ما المسؤولية التي يتحملها الشباب العربي اليوم، وما واجبهم تجاه مجتمعاتهم وأمتهم؟

الشباب كنوز الوطن المخبوءة لأيام القحط، وسيوفه المشرعة في وجه أعدائه المتربصين، ويده القوية في البناء والتنمية......

وما من أمة على وجه الأرض إلا وتتعهد هذا الغرس الطيب بكل ما تؤتى من إمكانية، تغذيه بالعلم، وتسقيه مكارم الأخلاق، وتقومه بتعاليم الدين الحنيف، لأن الحصاد لابد آت، فإما الغلال الوفيرة والثمرات الطيبات، أو الشوك والصبار، وحصاد السوء، فغراس المستقبل الواعدة أمانات الأمم وعهدة المسؤولين من أبنائها.
ولعل المتنزه في مقومات نشوء الحضارات وعوامل نهوض الأمم لن يجد صعوبة في استجلاء الحقيقة....

الشباب سبيل الأمم إلى كل جديد وحصنها الحصين في وجه كل عدو مريد والأمثلة على ذلك لا يحيطها عد، وأسود الدعوة المحمدية خير مثال يقرأ في مثل هذا المقام فشباب الأسد المحمدية هم الذين تجشموا عناء نشر الدعوة ومسؤولية بناء الدولة الإسلامية الوليدة حتى رسخت وامتد جناحاها ليظللا ثلثي الكرة الأرضية، ألا يدلك ذلك على عظمة دور الشباب؟!

إن ما يتمتع به الشباب من خلال عقلية وبدنية ونفسية فائقة تمنحهم مرتبة حماة الوطن المشرفة في الحرب وتمنحهم رتبة حملة لواء البناء والتنمية في السلم، فعقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة الباهرة على التكيف مع أي طارئ جديد تخبئه مستجدات الحياة المتصفة بالتغير والتسارع المستمرين في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، والنفس الشبابية أصلب إرادة، وأمضى عزيمة، وأقدر على مواجهة التحديات مهما لاحت في الأفق من المحبطات وكاسرات الإرادة؛ فالإرادة والعزيمة، وحب الاكتشاف، والقدرة على تحويل المستحيل إلى ممكن من ألصق الخصائص الطيبة بالشباب.

ومما لا يقبل الشك أن القدرة البدنية الكامنة من أكثر السيوف مضاءً وقدرة على تحويل الأفكار المجردة إلى إنجازات وأوسمة يزين بها الشباب صدر واقعهم، ويرسمون بها ملامح وجه مستقبلهم المشرق وقد أوصى المصطفى – سيد الخلق – بالشباب خيراً لإيمانه العميق بقدراتهم وطاقاتهم الخلاقة المبدعة، كما أكد رب العزة – عز وجل – أن الشباب مرحلة قوة بين ضعفين بقوله عز من قائل : ((الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيباً)) (سورة الروم).

وقد قدم الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بناء الشباب فكرياً ووجدانياً، على بناء عمارات الاسمنت والحديد، لأن هذه العمائر ملامح حضارية مؤقتة مآلها إلى وهن وزوال، أما بناء الشباب : فهو بناء الحضارة نفسها، الحضارة الأكثر ديمومة وتجدد وقدرة على البقاء والاستمرار، والأكثر ثقة في بناء مستقبل الأمة.

ومما يقلق في هذه المرحلة الحرجة من حياة أمتنا انصراف الشباب إلى حياة اللهو والراحة، في الوقت الذي تعيش في الأمة أمس أوقاتها حاجة إلى طاقات أبنائها الشباب بإمكاناتهم التي لا تحدها حدود، بدينة، وعقلية، ونفسية، وذلك رغم المحاولات المستميتة التي يبذلها شرفاء الأمة من قادة وعلماء ومربين ومعلمين لاستخلاص رحيق طاقة الشباب، والسمو بأفكارهم توجيههم لما ينفع مستقبلهم وينهض بمستقل شعوبهم ويرقى بأممهم.

ومكمن الخطورة في هذا الشر الداهم المحيط بالأمة أن شبابها لا يعرفون أهمية الدور المنوط بهم في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ أمتهم !

ويبرر بعض ناقي العقول هذه الغفلة، والانصراف عن هموم الوطن والأمة بأنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم، وأن يتمتعوا بشبابهم، وكأن الشباب في مخيلتهم السقيمة للمتعة والاستمتاع فقط ! ألهذا منح الشباب القوة والقدرة والمرونة؟!.

ولابد من التذكير بما يقع على عاتق حسام الأمة من مسؤوليات جسام ؛ لعل الذكرى تحمل إلى الضمائر النائمة وتنقذ القلوب الغارقة في اللامبالاة واللا انتماء، وتنفض صدأ البلادة عن العقول المبدعة الواثبة الطامحة إلى غد أفضل، يعلو فيه شأن الأمة وتعاد إلى واجهة الأمم المتحضرة قولاً وعملاً.

إن ما تعانيه أمتنا اليوم من إحباط ويأس وويلات تبدأ ولا تنتهي ناتج عن إقصاء الشباب أو انشغالهم عن شؤون الأمة العظيمة بشؤون صغيرة أقرب إلى التفاهة وأبعد ما تكون عن روح الحياة الحرة الكريمة، وهذا أمر مؤسف للغاية ومؤشر بالغ الخطورة على ما ينتظر الأمة في مستقبلها القريب والبعيد على حد سواء!

إن أمتنا ومجتمعنا اليوم أحوج ما تكون إلى جهود العاقلين المخلصين من شبابها حاجة الأرض العطشى إلى مدامع الغيث، لأن الشباب وحدهم القادرون على حمل بشائر التفاؤل والأمل إلى صدور أبناء الأمة، القادرون على منح الأمة ابتسامة رجاء وأمل تحفظ وجودها وتمنحها إمكانية الاستمرار في مواجهة الأخطار والمحن المتكالبة على أبنائها، المحيطة بهم من كل حدب وصوب إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون ذلك إلا إذا تخلص الشباب من أمراض التفاهة والميل إلى اللهو واللامبالاة وتخلصوا إلى الأبد من التقليد السطحي الأعمى لأبناء الأمم الأكثر مدنية وتبرؤا من شعورهم بالغربة والانسلاخ عن وطنهم وأمتهم.

إن الانتماء الايجابي للوطن يحتم على الشباب أن يعملوا مخلصين على الخروج من ظلمة الجهل والتبعية إلى نور العلم، والشعور بالقدرة والكرامة والاستقلال، وأن يأخذوا بكل السبل المتاحة للارتقاء بأنفسهم ومجتمعاتهم وأمتهم، إلى الحد الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالحرية ويضمن لأمتهم الهيبة والاحترام بين أمم الأرض، وما ذلك على الشباب بعسير لو توفرت الإرادة المخلصة والعزيمة الماضية والإيمان الراسخ أن يد الله بيد كل مخلص غيور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى