الاثنين ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم سليمان عبدالعظيم

الأستاذ شعارات

كثيراً ما يقابلنا الأستاذ شعارات في حياتنا اليومية، فنحن نجده في بيوتنا، وعند أقاربنا، وفي أعمالنا ومؤسساتنا الخاصة والرسمية. والأستاذ شعارات لم يعد عملة نادرة، أو نموذجاً منقرضاً؛ العكس هو الصحيح تماماً فقد أصبح هو النموذج الشائع والمنتشر بين ظهرانينا. ويمكن القول أن البنيات العربية الراهنة بانكساراتها وتدهورها تمثل المهاد الطبيعي لتفشي نموذج الأستاذ شعارات واستشراءه.

ويمكن القول أن هذا النموذج يمثل امتدادً طبيعيا ونتاجاً ملازماً لجملة الممارسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستوى الرسمي الأكبر. ففي أحيان كثيرة يسمع المواطن في العالم العربي تصريحات لمسئولين حكوميين رسميين عن الفائض التجاري، وعن معدلات النمو، وعن زيادة الدخل القومي والدخل الفردي، وعن خطط لبناء مدارس وجامعات ومستشفيات جديدة...الخ من مثل هذه التصريحات النارية، وهو يعلم تمام العلم أنها كلها أكاذيب وكلام فض مجالس. اعتاد المواطن في العالم العربي سماع هذه التصريحات، وعلى ما يبدو أنه قد رتب حواسه على فهم العكس تماماً من هذه التصريحات، حيث غلاء الأسعار، وضعف الميزان التجاري، وزيادة التضخم، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية.

تمتد هذه الحالة من المستوى الرسمي إلى مستوى سلوكيات الحياة اليومية، حيث تصبح لغة الكذب والنفاق هي السائدة والمستشرية في كافة أرجاء المجتمع. ومن بين هذه الأحوال المتدهورة يبرز الأستاذ شعارات بتكوينه النفسي وبمقارباته الاجتماعية المهترئة. لا يعمل الأستاذ شعارات في فراغ، فحوله يوجد العديد من الأساتذة الأجلاء الذين يستخدمون الشعارات ليل نهار ويزايدون على بعضهم البعض في نحت وابتكار ألوان شتى ومتعددة من الشعارات.

ترتكز البنية النفسية للأستاذ شعارات على ما يمكن تسميته بالبنية الببغاوية، فهو كالببغاء يردد في الغالب ما يقوله أسياده، ولا يستطيع أن يتحرك إلا في ركاب مقولاتهم، يرددها ليل نهار، إلى أن يحصل على غيرها فيستبدل القديم بالجديد. وهكذا يدور في فلك الآخرين إلى ما شاء الله له من تقليد وترديد واتباع. لا يهم تعارضات الشعارات التي يرددها، فهو يعلم أن الكثيرين لا يفكرون حتى فيما يقول، حتى وإن فكروا فإنهم لن يواجهونه بما يقول.

ويعارض الأستاذ شعارات ما يقوله في المقام نفسه، تجده يلتقط كلمة أو رأى من أحد المتحدثين يُثمّن عليه ويقدره بشكل قد يُخجل المتحدث نفسه، ثم تجده يلتقط رأياً آخر معارض تماما لما قاله أول مرة، حيث يعيد التثمين والتقدير والمدح. فإذا ما تحدث البعض عن تطوير التعليم مثلا، تجده ينقض على الميكروفون ليتحدث عن النشأ الجديد وأهميته ودورنا تجاهه، وعن ضرورة الأخذ بنماذج التعليم الغربية الأكثر تقدماً وتطوراً قياساً لمستوى التعليم العربي، وإذا ما تحدث آخر في المقام نفسه عن ضرورة الحفاظ على القيم عند الأخذ بسياسات تعليمية جديدة، تجده ينبري للحديث عن القيم الإسلامية والعربية وضروراتها لمجد الأمة وكيانها ضد الهجمة الغربية الشرسة علينا.

والأستاذ شعارات، رغم طابعه الببغائي، لا يردد كل شيء، وفي أي وقت، فلديه حاسة انتقائية عالية، تحدد له الشعارات المطلوبة لكل فترة تاريخية معينة. لذلك فهو تارة اشتراكي، وأخرى رأسمالي، وأخرى إصلاحي، وأخرى رجعي متزمت...الخ. من هنا فإن البنية النفسية للأستاذ شعارات بالغة الحساسية لمتطلبات كل مرحلة، ودعاواها المطلوبة، بغض النظر عن تعارضها مع ما دعا إليه في فترات تاريخية سابقة، وبغض النظر عن تعارضها مع المصلحة العامة.

يعتمد الأستاذ شعارات على بنية اجتماعية مثقوبة لا يتذكر البعض فيها اليوم ما قيل بالأمس، لذلك فهو في منعة من أن يحاسبه البعض عما قاله بالأمس، وما يردده اليوم؛ فهو يعلم أن الكثيرين مثله إما أفاقين وكذابين، أو أنهم يؤثرون السلامة ولا يهتمون بما يردد ويقول طالما أن ذلك لا يتعارض مع مصالحهم وامتيازاتهم. هذه البنية التي يسعى كل فرد فيها لتحقيق مصالحه الضيقة بغض النظر عن الصالح العام، هي ما تدعم استشراء بنية الشعارات وامتداداتها الكاذبة.

ليست المصالح الخاصة فقط هي ما يساعد على استشراء حالة الأستاذ شعارات، لكن هذه الهالة المصاحبة له، والتي تضفيها عليه تلك المقولات الرنانة التي يرددها ليل نهار على مسامع الآخرين والمحيطين به، تساعد على القبول بها، والسلطة التي يتمتع بها في كافة المؤسسات. فالبعض قد يلغي المسافة بين ما يقوله بعض الشرفاء والمسئولين في المجتمع وبين ما يردده الأستاذ شعارات، حيث يصبح ما يُقال على لسانه امتدادا لما يقوله هؤلاء، فتختفي عناصر الريبة والشك فيه، ويحوز قبولاً اجتماعيا واسعاً.

إضافة إلى ذلك قد يسعد بعض المسئولين أن يردد الآخرون ما يقولونه، فيقربونهم منهم، وهو الأمر الذي يرفع من أسهم الأستاذ شعارات في عيون الآخرين. هذه الحالة تؤدي إلى أمرين على قدر كبير من الخطورة؛ فمن ناحية فهي قد تثير حفيظة وغيرة البعض الآخر، مما يجعلهم يمارسون ترديد الشعارات، ويزايدون على الأستاذ شعارات نفسه، بغية التقرب من المسئولين والحصول على منفعة ما. ومن ناحية أخرى فإنها قد تؤدى بالبعض الآخر إلى الاحتراس من الأستاذ شعارات، وعدم الاجتراء عليه أو ملاسنته أو فضح أساليبه. وفي كلتا الحالتين فإن دائرة الأستاذ شعارات تتسع ويزداد نفوذه وتزداد مخاطره يوما بعد يوم.

الغريب في الأمر أن الكثير من دعاة الليبرالية الجديدة والمدافعين عن حقوق الأقليات في العالم العربي أقرب ما يكونون لهذا الأستاذ، سواء من خلال تبعيتهم الأمريكية المفرطة، أو من خلال حالة التخويف والإرهاب التي يمارسونها عبر كتاباتهم المختلفة على ساحات الإنترنت. وربما لو تغير الخطاب الأمريكي المعاصر كليةً وأصبح أكثر قرباً من الإسلاميين ودعماً لهم، لتحول هؤلاء كليةً ودبجوا المقالات وشيدوا الخطابات التي تتفق مع تعاليم البيت الأبيض وتوجهاته.

كان الشاعر الكبير أمل دنقل يهاجم من يلقون شعراً تافها وهم على المنصة، ويمنعهم من إلقاء قصائدهم، ويتطاول عليهم بالنقد والسباب، وعلى ما يبدو أن الأيام القادمة تحتاج لفريق جديد مثل أمل دنقل يهاجم وبقوة أساتذة الشعارات، ويمنعهم من اتمام قصائدهم المبتذلة، ويقيناً شرورهم وأنفسهم الرديئة وروائحهم العفنة التي تزكم الأنوف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى