الجمعة ١٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

احترس من لصوص المساجد

تكررت فى الفترة الأخيرة عمليات النصب المبتكرة على المصلين، وعمليات السرقة داخل المساجد، وعلى أبوابها. ومع انتشار هذه الظاهرة بدات بعض المساجد تعلق لافتات تحذيرية تنبه فيها المصلين من عدم ترك أحذيتهم أو متعلقاتهم دون مراقبة. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود رصد هذه الظاهرة وكتب التحقيق التالى:

أتذكر حادثة نصب طريفة وقعت قبل شهور قليلة فى أحد مساجد القاهرة، ورغم أنها واقعة نصب على المصلين إلا أن مرتكبيها يستحقون الإعجاب (فقط نظرا لحداثة الفكرة). فبعد أداء الصلاة فى أحد المساجد، دعا الإمام المصلين إلى صلاة الجنازة على الميت الحاضر. وقبل أن تبدأ الصلاة قام واحد من بين المصلين وأعلن أنه لا تجوز الصلاة على هذا الميت لأنه مديون له بمبلغ مالى كبير. واستشهد الرجل بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم بعدم جواز الصلاة على المتوفى إلا بعد تسديد ديونه. وحاول أهل المتوفى، وبقية المصلين اقناع الرجل بالتنازل عن ديونه رحمة بالميت ورأفة بأهله، إلا أنه رفض، وأصر على أن له مستحقات لدى المتوفى تصل قيمتها إلى 15 ألف جنيه. وبعد جدل طويل، ومحاولات من هنا وهناك، بدأ المصلون فى التبرع بما فى جيوبهم، حتى وصل المبلغ المتجمع إلى حوالى أربعة آلاف جنيه. وعلى مضض وافق الرجل على التنازل عن باقى مستحقاته طرف المتوفى. وبالفعل أدى المصلون صلاة الجنازة على الميت. وبعد انتهاء الصلاة لم يتقدم أحد من أهل المتوفى لحمل الجثمان. واستغرب الإمام وبقية المصلين مما يحدث أمامهم، وتلفتوا فلم يجدوا بينهم أهل المتوفى ولا الرجل الذى كان يدعى أن له ديونا على المتوفى. وتقدم أحد المصلين للكشف على جثمان المتوفى، فلم يجدوا إلا كومة من الحجارة.

هذا الابتكار فى عمليات النصب على المصلين ليس سوى حلقة فى مسلسل طويل من مسلسل النصب والسرقات التى يتعرض لها المصلون فى المساجد، لا فرق فى ذلك بين المصلين فى المسجد الحرام أو المسجد النبوى، أو أصغر مسجد فى قرية نائية. والحكايات كثيرة، وأعرف أن بعض محترفى السرقة من اللصوص الرجال والسيدات يسافرون خصيصا إلى الأراضى المقدسة فى مواسم العمرة والحج لكى يمارسوا نشاطهم وسط عشرات الآلاف من المصلين الذين يكونون فى العادة منهمكين فى أداء الشعائر الدينية. لذلك تكثف الشرطة فى بعض البلاد من عمليات مراقبة حركة سفر اللصوص خلال هذه المواسم لتمنعهم من السفر. والحكاية معروفة، ومنتشرة، ولا تحتاج إلى أدلة للإثبات.

وقد بدأت بعض المساجد فى وضع لافتات تحذير على أبوابها تنبه المصلين إلى وجوب المحافظة على أحذيتهم، لعدم تعرضها للسرقة. ويبدو أن على المصلين أن يتنبهوا إلى ان البعض ممن لا يراعون الله، ولا يخافون عقابه، سوف يشتتون انتباه المصلين، ويصرفونهم عن ممارسة الشعائى خوفا على أحذيتهم من السرقة.

ومن الواضح أن توجه اللصوص إلى عمليات سرقة الأحذية يرتبط فى حقيقة الأمر بالواقع الاقتصادى المرير الذين يعيشونه، كما يرتبط بارتفاع أسعار الاحذية، مما يشجعهم على سرقتها وإعادة بيعها بما يعود عليهم بربح وفير. وذكر لى أحد الأقارب واسمه عزت أبو العينين أنه دخل فى إحدى المرات إلى المسجد وعندما خرج لم يجد حذاءه، مما عرضه لموقف محرج جدا، فقام أحد المصلين بالتبرع له ب "شبشب" لكى يستطيع الخروج من المسجد ويتجه إلى أى محل لشراء حذاء جديد.

وفى العادة يركز اللصوص على بعض المساجد الكبيرة التى يتوجه إليها المصلون الذين تبدو عليهم مظاهر الثراء، طمعا فى الفوز بحصيلة لا بأس بها من الأحذية الغالية الثمن حتى يتمكنوا من بيعها، والتربح من ورائها. كما تنتشر هذه الظاهرة فى صلوات الجمعة حتى تكون المساجد مزدحمة والحصيلة وفيرة.

وعادة ما يقوم اللص بالدخول بحذاء قديم مهترىء ويسارع فى الخروج قبل انتهاء الصلاة ليرتدى حذاءا جديدا بدلا من حذاءه القديم. ولهذا يقوم بعض الأئمة بتحذير المصلين وتنبيههم إلى ضرورة وضع أحذيتهم بجانبهم او أمامهم حتى لا تتعرض للسرقة. ويقول عزت أبو العينين أنه منذ يوم تعرض حذاءه للسرقة قرر أن يصطحب حذاءه معه داخل المسجد حتى لو كان ذاهبا إلى دورة المياه وأثناء الوضوء.

ويحكى محمد أنور موقفا آخر حدث له أثناء توجهه إلى موعد مهم، توجه إلى المسجد لأداء الصلاة. ورغم اللافتة التحذيرية الموضوعة على باب المسجد إلا انه لم يهتم بها على إعتبار أن بيوت الله آمنة وأن أحدا لن يسرق من مثل هذا المكان المقدس. واعتبر أن وضع اللافتة التحذيرية كان مجرد تحذير لا لزوم له. وعند خروجه من المسجد حدثت المفاجأة، ولم يجد حذاءه الجديد. وعندما غادر بقية المصلين المسجد وجد حذاءا قديما بدلا من حذاءه الجديد.

ورغم أن المفترض أن الصلاة تربى الإنسان المسلم وتعوده على قيم الصدق والأمانة إلا أن بعض اصحاب النفوس الضعيفة تسول لهم انفسهم استغلال بيوت الله فى السرقة. وهو ما يؤدى فى النهاية إلى تشتيت انتباه المصلين، ويجعل تفكيرهم منصبا فى الحفاظ على متعلقاتهم بدلا من التركيز فى الصلاة، والخشوع فيها.

وبعد أن فشلت التحذيرات المتكررة وفشلت سبل الوعظ و الإرشاد فى منع هذه الفئة الضالة من ارتكاب عمليات السرقة داخل المساجد وعلى أبوابها، فإنه وعلى ما يبدو لن يتبقى أمامنا إلا أن نقول لهم ما قاله جد النبى صلى الله عليه وسلم عندما استغرب أبرهة طلبه الوحيد أن يرد إليه ممتلكاته، دون أن يطلب منه التراجعع عن هدم الكعبة حيث قال له قولته المأثورة: "للبيت رب يحميه".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى