الأربعاء ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم أحمد مروات

الشاعر مطلق عبد الخالق نبوغ أدبي لم يكتمل

الذكرى السبعون لوفاته ( 1937- 1910)

حين نرجع بالذاكرة إلى أكثر من سبعة عقود خلت يستوجب علينا أن نفتش عن ترجمة مطلق عبد الخالق احد شعراء فلسطين الذين كرسوا طاقاتهم الإبداعية للتعبير عن المأساة التي ألمت بفلسطين أيام الوصاية البريطانية وابعاثها الثورية بعد انطلاقها عام 1936 .

فكرس مطلق فكرة ونتاجه شعرا وقصيدا ونقدا للتعبير عن أبعاد هذه الثورة والتي كانت شعارها سلاحا بأيدي الجماهير الشعبية الفلسطينية وفي معاركها ضد مغتصبي الأرض والداعمين لها .
كان المولد في الناصرة عام 1910 في الحي الغربي أو ( الميدان ) والدة كان مختارا محمد عبد الخالق وهو من عائلة قديمة الجذور في هذه القصبة التي سميت لاحقا المدينة ..

تعلم مطلق في مدينته العلوم الأولية ثم التحق بكلية روضة المعارف في القدس الشريف تخرج منها بعد ذلك ومنها إلى حيفا حيث أسس مجلة كشفية مع عاطف نور الله وكانت افتتاحية عددها الأول في 1 تموز 1927 .
جاء في افتتاحيتها الأولى :-

(( بقلوب طافحة بالأمل ونفوس مشبعة بالحماس نقدم على إصدار العدد الأول من كشاف الصحراء ونلقي بين يديك ايها القارئ مؤملين أن تجد فيه النفع بالرأي ونرجو الفائدة التي نتوخى. وعلية فالمجلة هي لشباب الرياضة والكشافة وبعض معلمي المدارس وذوي الحرف وتلك الصحيفة الجديدة التي تأسست دعائمها على أسس خدمة هذه البلاد... حيفا 1927 ..

لقيت هذه المجلة رواجا كبيرا وإقبالا لدعمها من قبل التجار الذين نشروا إعلاناتهم بها ومن المثقفين الذين أثروها بمقالاتهم الأدبية ومنهم حمدي الحسيني .. وعبد الله القلقيلي صاحب جريدة الصراط المستقيم .. والدكتور معين الماضي .. والدكتور رشدي التميمي ... وأكرم ألخالدي .. وبولس شحادة صاحب مرآة الشرق ..
انتقل مطلق بعدها ليعمل محررا لأهم الصحف الفلسطينية منها النفير في حيفا .. والدفاع في يافا .. واليرموك ثم عمل في المؤتمر الاقتصادي ..

ولنبوغه المستمر فقد أصبح وكيلا لجميع الصحف الفلسطينية . ثم تسلم وظيفة في البنك العربي الذي رأسه رشيد الحاج إبراهيم في حيفا .. وكان يبعث بنتاجه إلى الصحف وكانت لة زاوية في صحيفة فلسطين اليافاوية شعرا وقصيدة ..
في 9 نوفمبر 1937 وبمساهمة كريمة من مطلق توجة من الناصرة إلى حيفا لكي يوكل محاميا لمعتقلي السياسة البريطانية التي زجت بالكثير من السياسيين والثوار في غياهب سجونها وكان هذا الأخير صديقة وهو وديع البستاني وهو أديب وكاتب بارع إلا أن المنية سبقته إلية فحين أراد سائق السيارة تجاوز سكة الحديد اشتبكت دواليب السيارة الأمامية بالعامود الحديدي للسكة فاصدم بها القطار الذي كان متوجها من يافا بسرعة البرق الشيء الذي لم يعطي احدا بأن يفكر بالنجاة ..

تحطمت السيارة وأصيب مطلق بإصابات قاتلة نقل على إثرها إلى مستشفى حيفا الحكومي حيث لفظ انفاسة الأخيرة وفارق الحياة وهو في عمر الشباب. هذا الموت الذي كان دائما يدركه ويفكر بة حتى بعد مرور وقت كبير من الحادثة التي أودت بحياته فوجدت عائلته على ورقة مسودة كتب بها مطلق وهو يتأمل"" اليوم هو مساء الخميس أنا الآن في غرفة ... والساعة الخامسة والدقيقة 15 أفكر في مبهمات الحياة .. وأقايس بين ما أنا علية في ساعتي هذة وبين ما سيأتي .. أيها القدر القاسي .. ترى ماذا تخبئ لي في القريب بين طياتك ؟؟.. ""
دفن مطلق في مسقط رأسه وقد هز خبر وفاتة مشاعر اصدقائة ومشاعر رجال الفكر والأدب والصحافة في فلسطين وتألفت لجنة لإحياء ذكرة الخالدة مكونة من لفيف من الأدباء ورجال الفكر منهم :- نخلة بشارة وحسين عبيد الزعبي وخالد الزعبي والأب سمعان نصار وأديب جرجورة مدير النادي الأدبي الأرثوذكسية وطاهر الفاهوم سكرتير اللجنة القومية ..

في العام الثاني 1938 بعد وفاتة أقامت هذه اللجنة حفل تأبين في قاعة سينما أمبير تحدث بها شاعر الأجيال الفلسطيني عبد الكريم ألكرمي ( أبو سلمى ) ومحامي الأرض حنا نقارة بالإضافة إلى نديم بطحيش ووديع البستاني ونصر رمضان ونعمة الصباغ وأنيس الحمزة وباسم صبحي وغيرهم ..

وأشاد الحضور بحياة مطلق القصيرة التي ملأت الدنيا أدبا وشعرا وبكفاحه الذي اوهبة لفلسطين بقلمه وفكرة الملتزم ...
وهو مدفون في المقبرة في الناصرة بقبر رخامي يستظل بشجرة بلوط والشاهد الجميل زين بكلمات شعرية رقيقة لكنها للأسف قد كسرت وهوت وتنتظر من يرفعها أرضا لربما لو كان لة أهل ستكون فرصة للوقوف وقراءة الفاتحة وقراءة أروع الكلمات التي زينها اعرق الشعراء ..

من أثارة :-

نشر مطلق الكثير من القصائد والأشعار في العديد من الصحف لكني أورد شيئا منها وهو ما نشرة في مجلة الكشاف في عددها الثاني عام 1928تحت عنوان :-


( يا فجر )

أيها الفجر قد أثرت حنيني
واكتوى القلب حرقة وانفعالا
إذ غدا البدر يستحث الرحالا
ورأيت النجوم ترجو انفصالا
ونظرت الطيور فوق الغصون !...

منة .. ترفق يافجر زدت أنيني ** واهتجت الشجون والاحزانا ..

أين ذاك الهلال ؟ أين سمانا ؟ ** أين تلك النجوم تحكي ألجمانا ؟

أين عمري يا فجر .. أين سنيني ؟

ويك يا فجر هل نسيت ظنوني ؟ ** هل نسيت الآمال والآلاما ؟

لم ولدت في فؤادي الغراما ؟ ** لم تعادي أليس ذاك حراما ؟

أنت يا فجر عالم بالدفين ...

وفي قصيدة (( مذكرة )) يخاطب مطلق الزعامات التقليدية المتآمرة على مصالح الشعب العربي الفلسطيني فيقول بصوت ملؤه الغضب ..

قدمتم قبل أيام مذكرة ** إلى الحكومة يا قوم (( الزعامات ))

يا ليت إنا عرفنا ما يطرزها ** من المعاني ومن سامي العبارات

وليتنا ما جهلنا وما جمعت ** من الحلول لإبعاد الظلامات

رويدكم , لا تلوموا, إننا بشر ** من التراب وانتم من السماوات

مذكرات , كثار العد قد سبقت ** هذي فراحت شظايا كالقصاصات

يا سادتي ! قد قضيتم في كتابها ** شهرا , فأمهلتهم شهرا وساعات

ماذا جنيتم سوى اعرض أمتكم ** عنكم . وغير شماتات الحكومات ؟

طوبى بكم قد حصدتم بعض ما بذرت * أيديكم من زوان .. فارقبوا الآتي !

بعد وفاة الشاعر مطلق عبد الخالق قام شقيقة صبحي بجمع قصائده المبعثرة في الصحف والمجلات في ديوان اسماه الرحيل استهله بإهداء لروح اخية الخالدة التي ترفرف في سماء الواقع وأخيرا لاشك بان يلتزم كل غيور بالحفاظ على هذة الكنوز الذي تركها هؤلاء الأعلام وترميمها وإعادة كتابتها وطباعتها بالشكل الذي يليق بمكانتهم الأدبية التي خلفوها لنا من بعدهم ...

*** باحث وكاتب ومدير أرشيف الناصرة – فلسطين

الذكرى السبعون لوفاته ( 1937- 1910)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى