الخميس ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

الحركة المسرحية في مدينة الناظور

نظمت مندوبية كتابة الدولة المكلفة بالشباب في الناظور بالمغرب الأقصى يومي 17-18 فبراير 2006م تظاهرة مسرحية ثقافية ناجحة بالغرفة الفلاحية تحت شعار " ربيع مسرح الشباب" استعدادا لإقصائيات المهرجان الثالث لمسرح الشباب. وتتخذ هذه الإقصائيات بعدا محليا وجهويا ووطنيا كل سنة قصد اختيار أحسن عرض سينوغرافي متكامل.

هذا، ولقد شاركت ثلاث فرق مسرحية وهي فرقة نادي مسرح التربية والتنمية وهي التي قد فازت بإجماع اللجنة التحكيمية؛ لما بذلته من جهود فائقة في تقديم أحسن فرجة درامية.

وعليه، انطلق مهرجان المسرح الربيعي بعرض نادي مسرح الشباب بزايو الذي قدم مسرحية تجريدية بعنوان" خيالات"، وهي تعبر عن خيالات مؤلف مسرحي سيتخذ من شخصيات شبحية عوامل درامية لتحبيك نصه الدرامي لانتقاد الواقع السائد واستبداله بواقع أفضل. لكن هذا النص، يتسم بالغموض وعدم وضوح الرسالة كأننا مع نص مجرد ينتمي إلى أدب اللامعقول، ويغلب عليه الطابع الرمزي والذهني الذي نجده عند الرمزيين الغربيين" إبسن وميترلنك" أوالعرب" توفيق الحكيم". ولقد توفق المخرج في استخدام خلفية درامية شاعرية متعددة الألوان والضلال؛ ولكنها بقيت ثابتة لم يتغير إيقاعها الديكوري. كما أحسن هذا المخرج استغلال قدرات الممثلين الذين كانوا ينتقلون بشكل تواصلي سيميولوجي رائع فوق الخشبة الركجية تقاطعا وتداخلا وتلولبا. ووفق كذلك في استخدام لغة الجسد التمثيلية التي يدعو إليها ستانسلافسكي، وتوظيف المسرح الفقير بمفهوم گروتوفسكي على الرغم من اختياره للهجة غير مفهومة من قبل الجمهور. وتحضر في مسرحية " خيالات" بعض التقنيات المسرحية كالمسرح داخل المسرح وتكسير الجدار الرابع بالمفهوم البريختي ولكن بدون تحقيق الفرجة التواصلية الحميمية، واستخدام مسرح القسوة كما عند أرتو، واستلهام المسرح التجريدي، والاشتغال على الأقنعة ولكن بطريقة مجانية غير وظيفية. كما تحضر الإضاءة لترسم مع الأصوات لوحات درامية غير عقلية قوامها التطهير والخوف وإثارة الرعب ، كأننا أمام نص جنوني مهلهل يحتاج إلى اتساق وانسجام تركيبي لعدم وضوح الصراع الدرامي بشكل جيد في مقصديته ورسالته.

ويمكن- على الرغم من هذه السلبيات- أن نثمن تجربة المخرج عبد الله عبد اللاوي على مستوى الإضاءة وتشغيل طاقة الممثل واللباس؛ بيد أن استعماله للراوي من خلال صوت الصدى Play back يفقد المسرحية طابع الحيوية وملمح التمسرح، ويحرم الممثل من توظيف طاقاته الذاتية وكفاءاته الإبداعية والتعبيرية. ونتمنى لهذا النادي الاستمرار في العمل والاجتهاد والاطلاع على النظريات الدرامية العالمية قصد تقديم عرض سينوغرافي متكامل في المستقبل.

أما عرض" إيڤانوڤا" الذي قدمه مسرح الشباب بالعروي فهو يتحدث عن زوج يفرط في زوجته ويدفعها إلى الموت لكي يتزوج من نساء أخريات مما يؤدي بابنه إلى الإصابة بأمراض ووساوس نفسية حزنا على أمه التي غابت عنه حيث لا تشاركه في احتفالات رأس السنة ولا في أفراحه ونجاحاته الموسيقية، مما سيدفع به المآل إلى الانتحار للالتحاق بها قصد التقرب منها.

وتعزف هذه المسرحية على وتر مدونة الأحوال الشخصية المغربية الجديدة وموقفها الدفاعي عن المرأة. ويبدو أن المسرحية ضعيفة وركيكة وبسيطة بكل المقاييس الإخراجية؛ والسبب في ذلك أن الممثلين يتعرفون فن المسرح لأول مرة ، ويصعدون فوق الركح بدون معرفة خلفية أو مرجعية حول عالم المسرح وفن التمثيل، كما أن المخرج يحتاج بدوره إلى معرفة واسعة حول المسرح وتقنياته وآلياته المشهدية والتمسرحية وتكوين نظري وتطبيقي كافيين.

أما مسرحية" دوار الحطابة" التي قدمت من قبل نادي مسرح التربية والتنمية بالناظور فتصور الصراع ضد التسلط والجشع والطمع المادي والدعوة إلى الحب ونبذ الشر والكراهية وخدمة المآرب الشخصية. وهذه المسرحية ناجحة بكل معايير التقييم النفي والثقافي؛ لكونها أحسن عرض متكامل من كل الجوانب الإخراجية والتمثيلية والسينوغرافية. وهي تندرج ضمن الاتجاه الاحتفالي الذي يستند إلى تجربتي عبد الركيم برشيد والطيب الصديقي ، وقد اشتغل فيها المخرج المقتدر نور الدين فرينع على التراث الشعبي من خلال تحبيك عقدتين: عقدة رومانسية وعقدة اجتماعية ذات طابع سياسي وطبقي. كما استعان المخرج بعدة تقنيات مسرحية كفن البساط ومسرح المقهى أو السامر كما عند سعد الله ونوس، والاشتغال على نص ديوان عبد الرحمن المجذوب على طريقة الطيب الصديقي، وتوظيف الذاكرة الشعبية المغربية بأزيائها وماكياجها والإكسسوارات الوظيفية.

ولقد توفق المخرج في اختيار الممثلين المقتدرين الذين لهم دراية كبيرة بفن المسرح والتمثيل الدرامي، وتوفق كذلك في استخدام الإضاءة والديكور والأصوات وتوظيف الأغاني التراثية التي تخدم عبق الأصالة داخل نسيج المسرحية.

وتحولت المسرحية- على العموم- إلى احتفال فني وطقوسي تتداخل فيه كل اللغات والأجناس والخطابات. لكن مازالت هذه المسرحية في حاجة إلى تعميق مفاهيمها ومراجعة خطتها الإخراجية لتطعيمها بتقنيات درامية جديدة وتصورات حول البساط وكيفية توظيف الأزياء والقبعات. كما أن المسرحية في إطار احتفالية جماهيرية وتكسير الجدار الواهم. ويمكن للمسرحية أن تشتغل على خطاب الجسد بطريقة سيميولوجية وظيفية، وتستفيد من نظريات درامية أخرى لإثراء سينوغرافيتها.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح كيف تدخل مدينة الناظور المهرجان المحلي والجهوي وربما الوطني بمسرحية ذات لغة وملامح سينوغرافية لا تمت بصلة إلى المسرح المعروف في الناظور والقريب إلى أذواق شباب المدينة وساكنتها وهو" المسرح الأمازيغي" الذي يرتبط بمخرجين متميزين مثل: فاروق أزنابط وفخر الدين العمراني وسعيد المرسي وفؤاد أزروال وشعيب المسعودي وعمرو خلوق....؟ لذلك أتمنى أن تهتم مندوبية كتابة الدولة المكلفة بالشباب في الناظور مستقبلا بالمسرح الأمازيغي دون أن تقصي العروض المكتوبة باللغات الأخرى. فهوية المدينة وكينونتها الحضارية دائما هي مرتبطة بلغتها ومسرحها وثقافتها دون أن يكون ذلك من منظور عرقي شوفيني من جهة، أو يكون ذلك على حساب الخصوصية والتنوع والحوار الثقافي من جهة أخرى.

ونشكر في الأخير مندوب كتابة الدولة المكلفة بالشباب في الناظور على ماقدمه من تضحيات جسام لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية التي استقطبت نسبة كبيرة من شباب المدينة المتعطش إلى الثقافة وفن المسرح. كما نشكر ما قدمه الطاقم الإداري المرافق للسيد المندوب من جهود جبارة لتذليل العوائق التنظيمية والتنسيق بين الفرق والمحافظة على النظام وتحقيق احتفالية المهرجان وإثراء عرس المسرح الربيعي الذي نتمنى أن يبقى تقليدا سنويا ووساما تفتخر به كل المندوبيات الشبابية في كل المدن المغربية في شخص السيد أمحمد الكحص كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالشباب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى