الأحد ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم تيسير الناشف

المجاعة في أفريقيا

إن العيون الألف الساكنة المحملقة في اللامتناهي
أقوى من كياننا برمته.
والعيونُ الصغيرة الموهنة أسرعُ من الضوء،
وأقوى من الفارس،
وأشدُّ حدة من السيف القاطع،
في غزو القلوب،
ملايين وملايين القلوب،
من غبار الصومال إلى أراضي موهاوك الخضراء،
وأراضي الأطفال المبتسمين.
يا أولاد الأرض،
إن العيون البُنية في الصحراء تلتفت إليكم.
يا أبناء وبنات الأرض،
يا من تفوح رائحة التفاح على هضابهم،
أيها الآكلون للحوم،
يا أصحاب الملاعب والملاهي،
هل لديكم صمم عن العاصفة التي تمزق المعدة الخاوية؟
والرياح الكالحة المتجهمة التي تهب في أفريقيا،
هل نقلت إايكم القصة غير المروية،
قصة الطفلة التي تموت،
تجول وهي عاجزة بثغرها،
بحثا عن الحياة،
على جسد أمها الذي فارقته الحياة.
لقد استُشهِدت الأم برحلتها الطويلة الطويلة،
بشجاعة المؤمنين والمؤمنات،
لتحتضن يداها النحيلتان المرتجفتان المتلاشيتان
قطرات الماء المقدس الذي تبحث عنه لطفلها البريء المتلاشي.
يا ملائكة الخير،
إليكم، بأمل قلق، ألتفت،
ساعيا إلى التكفير عن الرحلة الطويلة الكريهة للقوافل الطويلة،
المحملة بتعاسات المعدة الفارغة والظمأ،
ومواجهة الموت المتعجرف المبتسم.
وحينما التفت الأب،
ببشرته الناحلة ومقلتيه الجافتين
- لأنه لا توجد دموع تسيلانها –
قبيل دخوله الحياة الخالدة،
بذراعين مرحبتين لجسم مصلوب
على خشبة الحياة والكرامة،
التفت إلى فلذات كبده الذاوية،
ماذا كانت الرسالة التي كان يفصح عنها
على نحو أفضل من ألف سيسرو
لنشر ما يهز الأرض ويرجف السماء؟
وحينما عرفت الأم،
بثدييها الخاليين من الحليب،
بالرحيل الأخير لابنها الملجم اللسان،
ماذا كانت الرسالة التي ينبغي أن تكون،
مثل مليون بشري،
حركت الضمير الإنساني،
لجني بركات الحنطة،
ولملء سلة الخبز من الجيران.
وحينما سُحبت ذراعا الطفل المتلاشي،
الممدوتان بحسرة بشرية ضعيفة،
لأنه لم يوجد رغيف لدى الأبوين الخاوية أيديهم
لملء كيان الطفل الثائر،
فإن احتفالا كبيرا للحقد الراضي
عند مخلوقات الليل الشريرة
سُمعت أصداؤه في أمداء الأرض الواسعة.
إن عينيكَ، يا مامادو،
ستكونان أقوى من مليون شخص قوي،
لو أزاح ضوءُ الإنسانية الساطع الخرافة المضلُلة،
خرافة الحدود الساخرة.
ودموعك، يا صفية،
تكون أثقل وأكثر نفاسة من مليون طن من الشعير،
لو اكتشف جمالُ الرجال والنساء
على الثلوج والجبال صفيةً،
بجمالها الممنوح من الله في الصحراء الجرداء
والغابات الخضراء التي تنعم بالحياة.
أين الفارس الذي،
بضربة قوية واحدة كاسحة،
قتل الشرورَ المروعة.
أين الرجل غير الأناني الذي كانت خطوته المباركة واسعة،
غير محدودة،
تمتد من أريزونا إلى نيروبي؛
الفارس الذي،
بلمح البصر،
نقل إلى شعوب الصحراء بشائر الحياة وشعاع ابتسامة؟
أين أم الأرض التي،
بثدييها الغنيين السخيين،
غمرت أبناءها وبناتها
بالحليب المبارك المقدس؟
أين الشريف الذي،
بإنسانية حساسة مثل ريح الصيف المنعشة،
مد، مثل فعل ساحر،
قشة الإنقاذ التي تشبث بها الأطفال
المتعطشون إلى الحياة بأيديهم الغضة؟
أين الرسول الذي لا لون لرسالته،
الذي كلمته كلمة الإنسانية التي لا تعرف العرق،
الإنسانية المشاركة في مواطنة هذا الكوكب الصغير الطائر؟

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى