السبت ١٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٧

الاسـتســلام

بقلم : داليا رشوان

الاستسلام الذي أعنيه هو الاستسلام الذي يريح القلوب من عناء التفكير فيما لم نُخلق له للتفرغ لما خُلقنا له

لقد أحل الله لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، وجَرم تحريم ما أحل تماما كما جرم تحليل ما حرم لأن كلا الفعلين يؤديان إلأى نفس الدرجة من الافساد في الأرض، والاسلام هو التسليم بذلك والتفرغ لاعمار الأرض وهو ما خُلقنا من أجله، هذا الاعمار هو نشر العدل الذي يتمثل في شرع الله في الأرض بحسن الخلق وحسن معاملة الآخرين وبالارتقاء في السلوك والترفع عن الدنيا لطلب الآخرة وطلب الأجر من خالق العباد وليس من العباد.

هذه مقدمة ربما يجدها البعض لا تتفق مع الموضوع الرئيسي الذي سأتطرق اليه لكني أرى أن هناك رابط وثيق ليس بهذه القضية فقط وإنما جميع قضيا حياتنا اليومية ولصعوبة جمع ذلك في موضوع واحد اسمحوا لي أن أضعه في هذه القضية التي كانت دافعي الرئيسي للكتابة عن الاستسلام.

فقد سمعت كثير من النساء يعارضن مسألة تعدد الزوجات، وأنا لست بصدد استفزاز أحد، وأعلم أن للمرأة حق رفض التعدد حين يتزوج زوجها عليها بأخرى، لكن ليس من حقها انسانيا الترويج لفكرها، لأن مسألة رفضها مسألة شخصية بحتة وهناك بيوت بالفعل قائمة على التعدد وهناك أسر ما كانت لتبقى لولا التعدد، فهي بذلك كأنها تقول على سبيل المثال لمن تعاني مع زوجها "لا تطلبي الطلاق" أو أنها تقول لمن تحب زوجها وقد أخطأ في حقها خطأَ يُغتفر "أطلبي الطلاق فورا"، بمعنى آخر هي تفرض ما تراه يتفق مع ظروفها الشخصية وتضع في عقل كل امرأة أن التعدد ضد حقوق المرأة، وكأنها تقول أن الله (وحاشاه) أحب أن يحابي الرجل في هذا الحق دون المرأة لأن مشاعرها ليست في المحك فشرع الله جائر ضدها أصلا، هذ هو المعنى الضمني للترويج للفكرة والمطالبات برفضها.

وأنا في رأيي أن ترويج مثل هذا الفكر فيه بعض الأنانية من امرأة تزوجت وتعيش مع زوجها حياة طبيعية ففكرها مبني على هذا الأساس لكنها لم تضع نفسها في مكان امرأة كبر سنها ولم تتزوج او ارملة أو مطلقة، هي لم تستطع أن تتخيل كيف أن امرأة قد تعاني أشد المعاناة من صحبة زوجها فتختار الطلاق وبالتالي كيف أيضا أن رجلا قد يعاني في حياته من زوجته وهي تريد البقاء معه فاعطى له الشرع هذا الحق حفاظا منه على بيتها وشعورها حتى لا يكسرها الطلاق، هي لم تضع نفسها مكان رجل وامرأة جمعهم شعور بالحب لا تستقيم معه الحياة إلا بالزنا أو بالزواج فيؤْثِر كلاهما الزواج حتى لا يُغضبا الله، كما أنها لم تضع نفسها في موقف نصارى يمنعهم دينهم من الطلاق والتعدد وقتها ستعرف النعمة التي كفلها لنا الاسلام.

أما عن مسألة أن التعدد فيه مشاكل فالمشاكل أصلا في كل نواحي حياتنا فلماذا نأتي هنا ونتحجج بالمشاكل، الزواج الطبيعي فيه مشاكل بالجملة هل معنى ذلك أن من الأفضل للمجتمع الغاء نظام الزواج واطلاق العلاقات غير الشرعية، كما أن مصر أصبح فيها الآن نسبة كبيرة من التعدد والأسر تسير في هدوء واطمئنان، ويجب أن نفرق في ذلك بين رجل يريد التعدد بمفهوم إحداث تغيير وقتي في حياته ليس بنية بناء أسرة ولكن بنية قيام بمغامرة ظريفة بورق شرعي مؤقت كبديل للزنا استغلالا لأزمة الزواج ما يترتب على هذا الفكر من اهدار لحقوق المرأة، هنا نجد المشاكل الفعلية التي نتجت عن عدم تقوى الله في حقوق طرف من الأطراف وما نتج عنه من غضب الله على هذه الأسرة ونزع البركة بين الزوجين. أما من يتزوج بحثا عن السكن والمودة والرحمة فهذه الآية تلخص حياته التي سيرزقه الله بها "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب".

أما من يقولوا من الرجال أنهم يفعلون ذلك لاحياء سنة فلا اعتقد أنه جاد فيما يقول ولكن وراء هذا القول دوافع أخرى لا يستطيع أن يواجه بها الناس أو أنه لا يستطيع أن يواجه بها نفسه فيضعها في هذا القالب.

لقد تأملت في فقه السنة شئ تعجبت له كثيرا وأنا أكتب موضوعات سلسلة الطلاق، والموضوع قد لا يكون على صلة مباشرة بالموضوع الرئيسي ولكن اصبروا معي حتى نصل إلى نقطة الالتقاء، لقد وجدت أن من يُطلق زوجته وهي حائض آثم إثم شديد وعليه أن يرد زوجته ثم ينتظر إلى انتهاء الحيض ويطلقها دون معاشرة بعدها، وأن رسول الله (ص) غضب حين قال له الصحابة أن احدهم طلق امرأته وهي حائض وأمره بردها على الفور والانتظار بعد انتهاء الحيض، اتعلمون لماذا؟؟؟

استطرد الكاتب في شرح الأسباب وهي لعدم الاضرار بالزوجة وإطالة فترة العدة بما أن العدة ثلاثة قروء على من تحيض فإذا طلقها في أثناء الحيض اضطرت لانتظار الحيضة التي تليها لحساب الثلاث قروء مما سيجعلهم فعليا أربعة، كما أن معاشرتها بعد الحيض مباشرة تعني نفس الشئ وهو إطالة فترة العدة والاضرار بالزوجة إن كانت تريد الزواج بغيره.

هل تعلمون ماذا رأيت في الطلاق من حقوق الرجل؟؟

لقد وجدت أن في مقابل ذلك يجب على الزوجة عدم مغادرة منزل الزوجية طوال فترة العدة وعدم الخروج من البيت، والأسباب هي أن تكون فترة العدة فترة راحة زوجية لكلا الزوجين دون ضغوط وحتى لا ترى الزوجة آخر وترتبط به فيضيع حق زوجها في أن يردها.

هذا هو شرع الله الذي يكفل حقوق عادلة مريحة لكل الناس في كل مجالات الحياة، هذه هي رحمة وحنان رب العالمين على الزوجة والزوج الذي يعتبر الزوج آثم إذا أطال فترة العدة إلى أربعة أشهر حتى لا يضرها عدم زواجها بالتأجيل شهر .. أرأيتم .. شهر جعل من هذا الزوج انسان آثم في شرع الله.

أتعلمون اخوتي أن المُتَصَدِق وجب عليه أن لا يطلب شكرا من المتصدق عليه ولو حتى الدعاء وعليه أن يطلب الأجر من الله وحده

وأن المُتَصَدق عليه وجب عليه شكر المُتَصَدق والدعاء له

هذا هو الله الذي يحب لعباده العزة والتكافل دون المساس بكرامتهم وآدميتهم وهو الله بهذه الرحمة على عباده، الرحيم بنا والذي هو أرحم علينا ومن رحمة الأم بابنها الرضيع.

الكل فائز مع شرع الله الخاسر الوحيد هو من أبى الاستسلام له سبحانه

تنويه: لقد تحدثت هنا متوجهةً للمرأة على أساس أنها هي الطرف الذي يستنكر التعدد، أما من يستنكرون التعدد من الرجال فلا أجد لهم اي تعليق لأن السبب الوحيد الذي يدعوهم لذلك هو معاندة شرع الله "وخلاص"، لأنه ليس الطرف المجبر على تقبل التعدد وليس هناك أي معنى لمعارضته فله أن لا يُعدد في صمت وليس من حقه نهي الآخرين عن ذلك.

بقلم : داليا رشوان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى