الخميس ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

أفواه مليئة بالزبد

تتسارع الأحداث بوجوهها المختلفة، حتى لا تستقر على حال لمدة ساعة أو اقل؛ والكارثة أنها في مجملها أحداث ساخنة دموية ترهق النفس والعقل، وتحول سحن الحياة إلى وجه مكسو بالهباب الأسود يطل عليك أنى توجهت ليحيطك بالرعب والخوف، ويطاردك أينما حللت .

هذا الكابوس الطاغي، حمل معه مصيبة لا تقل بشاعة عن أحداثه، إذ بدأت الفضائيات العربية تفرخ كما تفرخ الأرانب، وراحت تتسابق إلى احتلال مواقعها في المشهد الإعلامي العربي البائس من دون أن تتسلح بالأدوات المناسبة لتكون الوسيلة الأمينة لنقل الأحداث، والدخول إلى تفصيلاتها والوقوف على آراء الخبراء والمعنيين بشأنها مهما كانت طبيعتها أو موقعها، ما جعلها مجرد صناديق ملونة تقدم وجوهاً أكثر دمامة (ولا نقصد الشكل فقط) من الأحداث نفسها !
في ظل ذلك، بدأت تلك الفضائيات تسلك طريق الاستسهال في كل ما تقدمه، وخاصة في ما يتعلق بالأخبار السياسية ضاربة بذكاء المشاهد عرض الحائط، ومصادِرَةً قدرته على التحليل والتركيب وتفسير ما يراه ويسمعه؛ لتقدم له ما بدا لها هي عبر ثلة من المحللين أو "المحلولين" السياسيين الذين باتوا يطلون علينا أكثر من مذيعي مذيعات القنوات التلفزيونية نفسها، ليتشدقوا بآراء جوفاء وأفكار صماء وتفسيرات عمياء، يجانبون الحقائق "على عينك يا تاجر" ويشوهون التاريخ والواقع من دون حياء، ويتنطح الواحد منهم للدفاع عن هذه الحكومة أو تلك بحسب أهوائه السياسية أو مصالحه الشخصية (المالية أو المعنوية)، فتراه ملكاً أكثر من الملك، ومحتداً أكثر من أصحاب العلاقة أنفسهم، يرغي ويزبد ويتطاير اللعاب من بين شدقيه مثل جمل هائج في صحراء قائظة .

واللافت للنظر، أنه أصبح لكل فضائية من الفضائيات العربية تقريباً "عصابتها" من أولئك المحللين، يدلون بدلوهم في مجمل الأحداث، بعضهم فسر"الاستنساخ" من خلال نظرية المؤامرة، وبعضهم الآخر جعلوا من الديكتاتوريات واحة من الأمان والجمال والعدالة والكرامة الإنسانية، من دون أن ترف جفونهم أو تهتز عروشهم؛ ما جعل كل من يتابع أولئك المحللين يشعر بأننا أمة من المعوقين فكرياً وجسدياً، وينتابه نوع من الشك إن كان لايزال الإنسان العربي يمتلك عقلاً يفكر أو معرفة يتزود منها، بسبب ما يراه ويسمعه من المجعجعين الانفعاليين المتزمتين الذين لا يعرفون أدنى آداب الحوار أو اقل درجات التهذيب خلال الإطلالة عبر الشاشة على آلاف الناس !

هذه اللوحة التجريدية والسريالية، في آن معاً، دفعت بعض صغار الصحافيين وأشباه المثقفين، ومن خلال علاقات شخصية يحكمها تبادل المصالح وفبركة الفوائد، إلى دخول اللعبة المثيرة للغثيان، وبدؤوا يظهرون على الشاشات ليحللوا أحداثاً كبيرة تجري وقد ارتدوا بذلات فاخرة وربطات عنق ملونة، ووضعوا أمامهم أوراقاً بيض وأمسكوا بأقلام زرق لتكتمل عدة النصب والاحتيال، ولكن بمجرد أن يتفوه واحدهم بجملة تسقط الأقنعة أمام الجميع.. ومع ذلك لا يخجلون!

ولو تصادف واستطعت إيصال سؤال يؤرقك لأحد القائمين على محطة فضائية ما مفاده : لماذا لا تبحثون عن أشخاص عقلاء عارفين ظاهر الأمور وبواطنها لتناقشوا معهم حدثاً ما ؟ يأتيك الجواب جاهزاً : هذا ما نجده أمامنا ، وهؤلاء الذين تراهم "وجه سحارة" المثقفين العرب ! .. عندها لا تستغرب أن تصاب بإغماءة مفاجئة قد لا تصحو منها إلا على صراخ "مهرج" يلعن العقل والعقلاء على شاشة إحدى الفضائيات العربية، فتغلق الجهاز "الملعون"، وتستعرض شريطاً لا ينتهي من أسماء المثقفين والمتخصصين والسياسيين المتميزين في الوطن العربي أو في المغتربات، والذين يغيّبهم الإعلام الموتور لغاية في نفس "يعقوب" !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى