الأحد ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٧

تجارب الطفولة وتأثيرها على شخصية الإنسان

احمد الحسين

قد يعتقد البعض أن الإنسان يستطيع التغلب على السلبيات التى تتعلق بتجارب وخبرات مرحلة الطفولة من خلال العناصر الأخرى التى تلعب دورا فى تكوين الشخصية ومنها مستوى التعليم أو المناصب التى نتولاها فى مشوار الحياة. ومن المؤكد أن التجارب والخبرات التى يمر بها الإنسان فى هذه المرحلة لها تأثير واضح على شخصيته وتكوينه النفسى، لأن هذه المشاعر المكتسبة من تجارب الطفولة نختزنها فى الذاكرة وتظل ترافقنا من المهد إلى اللحد. وهذا يفسر التباين والاختلاف فى سمات الشخصية لدى المحيطين بنا ولا دخل للتعليم أو المناصب فى هذه السمات.

قد تجد عاملا بسيطا لا يجيد القراءة والكتابة ولكنه يتسم بالهدوء والتروى والثقة بالنفس ورباطة الجأش فى المواقف الصعبة والأزمات ويتخذ القرارات الصائبة البعيدة عن العصبية والتهور. وفى المقابل فقد تلتقى بشخصية عامة ذى حيثية ويتبوأ منصبا مهما ولكنه عصبى المزاج، سريع الانفعال، بذئ اللسان ويفتقد إلى الثقة بالنفس والفكر الصائب. لا يمكن تفسير هذا الاختلاف فى الشخصية دون البحث فى تجارب الطفولة سواء السلبية أو الإيجابية، وهذه التجارب تظل متخفية فى العقل الباطن ولكنها تظهر على السطح على شكل ردود أفعال خلال تعاملنا مع الآخرين. وفى رائي فإن التعليم لا يلعب دورا فى التغلب على السمات السلبية فى الإنسان. أما المناصب فإنها تكشف حقيقة الشخصية المتخفية خلف "البدلة والكرافتة" حيث تجد تجارب الطفولة فرصتها للتعبير عن نفسها دون أن يدرك الإنسان.

اعرف عميد إحدى الكليات كان إنسانا ودودا قبل أن يتولى هذا المنصب. وفور أن صدر قرار تعيينه تبدلت شخصيته، فاصبح يتعالى على الآخرين واعتلاه الغرور والإحساس الزائد بالأهمية وتجاهل من وقفوا إلى جانبه أو ساندوه فى مشواره. وربما يحتار الإنسان فى تفسير هذا التغير فى السلوك الانسانى إذا لم يتقص تجارب الطفولة لمثل هذه الشخصية. فرغم أن هذا العميد يضرب مثلا فى الكفاح والاجتهاد، إذ إنه لم يكتف بالدبلوم والوظيفة البسيطة التى حصل عليها ولكنه استطاع ان ينتسب بإحدى الكليات وظل بها حتى حصل على درجة الدكتوراه التى أتاحت له فرصة الانضمام للسلك الجامعى (الذى اعتلاه الصدأ الآن) إلا أنه لم يستطع التخلص من التجربة المريرة التى مر بها بعد وفاة والده وزواج والدته من آخر، لقد تولى خاله رعايته ولم يكن يلقى سوى التعذيب البدنى ثم اجبر على الزواج من إحدى قريباته. هذه التجارب المريرة تنعكس وبشكل واضح فى التصرفات والسلوكيات اليومية.

وخلاصة القول فإن الأمر يتطلب مراجعة الطريقة التى نربى بها أبناءنا والأسلوب الذى نتعامل به مع تلاميذنا فى مرحلة التكوين لأن لها بالغ الأثر على شخصيتهم فى المراحل التالية. وإنه من المفيد أيضا أن يراجع الإنسان الطريقة التى يتعامل بها مع الآخرين حتى يستطيع أن يستحوذ على حبهم واحترامهم، ولا يجب أن ينخدع الإنسان فى هذه المناصب التى لا يعرف لماذا تولاها ولا يعرف لماذا يتركها.

احمد الحسين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى