الاثنين ٢٦ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم مروة كريديه

المرأة والعنف

أزمة هويّة في عصر الإنسان الأدنى

بقلبٍ منفتح أتساوى به
مع كل كائنات الكون وموجوداته
تزداد ذاتي فيه يقينًا
اني ككائن لا أكتمل إلا بالكون
في وحدّةٍ كاملةٍ مع الوجود

العنف ضد المرأة عنصرية تكرس انجراح الذات المجتمعية:

لطالما تحاشيت الخوض في الحديث عن المرأة، وكل ما يتعلق بها من موضوعات، خصوصًا في سياق ما يُطرَح حولها من أمور كأنها لا تخص كائنًا غيرها مثل:"الحرية" و"المساواة" "والحقوق" ... وغيرها من المواضيع التي تعج بها الكتب والشاشات والبرامج والمؤتمرات والندوات، التي غالبًا ما تُرفَع فيها الشعارات المؤدلجة وتوضع أخرى، في أتونٍ محمومٍ، إن دلّ على شيئ فإنه يدل بالدرجة الأولى عن مدى الفوضى الفكرية التي نعيشها وغياب الوضوح المنهجي، وانعدام الأسس البنيوية لعلاج الظواهر الحياتية ، كما تدل على أن مفهوم الكائن الانساني الحرّ المبدع مازال بعيدًا عنا كلّ البعد .

لأجل ذلك كنت أتعمد الابتعاد عن الجمعيات "النسائية"، لأن معظم ما وقعت عيني عليه حتى الآن، يتخذ من شعاراته أداةً لتمرير مشاريع لا تخدم المرأة أصلا، ولا حتى الإنسان، وهذا ليس من باب النقد، أو التقليل من شأن ما تحاول المرأة جاهدة أن تقدمّه وتحققه لنفسها، بل لأن هناك خطأ بنيويًّا فادحًا في الفلسفة التي تقوم عليها الممارسات المدافعة عن المرأة، فالمفاهيم المطروحة تنقل المرأة من واقع يختزلها، لواقع آخر ربما يكون أشد اختزالا لإنسانيتها، فتصبح عملية التحرر المزعومة عملية انتقال من عبودية لأخرى، و يصبح العنف مقنعًّا أو من لون آخر.
إنّ فكرة وجود "جمعية نسائية" بحتة، هي فكرة عنصريّة بحدّ ذاتها تحاول استبعاد الآخر، أي "كل من ليس بإمرأة "، واقصاؤه ونفيه ، تمامًا كالمجتمعات "الذكوريّة" التي تحاول نفي المرأة وإخضاعها، ففكرة "مجتمع نسائي" صرف يُكرس مبدأ الفصل بين البشر، ويؤدي الى انشطار وانفصام الكائن المسمى انسانًا.

وإذا ما أردنا أن نحلِّلَ ظاهرة العنف ضدَّ المرأة، لا بد وأن ندرس ذلك من خلال سياقه الفكري العام، لأنّ أشكال العنف المُمَارس ضدَّها، ليس إلا صورةً منعكسة للعنف الممارس ضددالإنسان ، فالرجل يتعرَّض للعنف أيضًا من قبل "السلطة"، وشتى الشرائح المجتمعية ترزح تحت وطأة العنف والقمع المنظَّم منه وغير المنظم، فحتى الأنظمة الحاكمة في الدول التي تُوصف بالضعيفة ترزح لسيطرة وهيمنة وعنف إدارات الدول التي تُوصف بالقويَّة، و التي تمنح لنفسها الحق الحصري في تقرير مصائر الشعوب وخياراتها، بدءًا من التأديب والحصار الإقتصادي وصولا إلى الاحتلال العسكري.....

بدون شك فإن أشد أنواع العنف الموّلد هذا وأقساه يقع على الحلقة الأضعف في المجتمع "الذكوري"، على الطفلة الأنثى ، فالعنف الممارس ضد النساء والأطفال، هو حلقة من سلسلة طويلة من العنف الموجَّه ضد الانسانية ، بل وضد الطبيعة الكونية، وهي أمور تنذر بكوارث حقيقية ما لم نسرع الى تحرير عقولنا من شتى أنواع القيود ونبذ العنف بكلّ أطيافه ومستواياته .

• مشاهد العنف ضد الكائنات :

إذا حاولنا أن نتجرّد، ونخرج من الأطرالفكرية المعلَّبة، والأحكام المسبقة، والمرتكزات الإجتماعية والسياسية والدينية وحتى اللغوية ....كيف تبدو مشاهد العنف على وجه البسيطة ؟؟؟؟؟
إنّ المرأة تعاني من عنف الرجل، والطفل يعاني من عنف البالغين، والموظف يعاني من عنف مدراءه، والمواطن يعاني من عنف السلطات، واجهزة السلطة تعاني من عنف سياسة الأنظمة، والأنظمة السياسية –خصوصًا في بلادنا العربية– تعاني من عنف الدول الكبيرة، وهكذا في دوامة لا متناهية من العنف الصريح والمقنّع والمتحول والموّلد في آن معًا.

كما يجب علينا أن لا ننسى أننا ككائنات بشرية، منحنا أنفسنا حقّ ممارسة العنف ضدّ الكائنات الأخرى، فالإنسان يمارس العنف ضد الشجر فيقطع الشجر لغير حاجة ولا يزرع مكانها، فنسبة المجازر المرتكبة بحق الغابات تنذر بكارثة بيئية وفق آراء العلماء؛ كما أنّ الكائن الانساني يُمارس العنف ضد الكائنات البيئية يوميًّا فيعمل على حرق البيئة دون رحمة ،(فالولايات المتحدة وحدهاعلى سبيل المثال تقدّم للبيئة 39.4 بالمئة من نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري وهي أعلى نسبة بين دول العالم الذي يصف نفسه بأنه متطور)؛ إضافة إلى أنّ الانسان يمارس العنف ضدّ الحيوان، سواء عنف مباشرًا أو عنف مقنّع يتمثل في تعديل جيناته وراثيًّا وتعديل منظومته الغذائية، الأمر الذي أدّى الى انتشارالأمراض والأوبئة.......هذا عدا انتشار الأسلحة الفتّاكة المدمرّة التي مازلنا نعاني منها ككائنات على كافة الصعد، علاوة على الاستخدامات النووية بكل صورها وأشكالها "السلمية منها والغير سلمية " ، فحتى ما يصرّح به أنه" سلمي" بحق الكائن الانساني، فهو "غير سلمي" بحق الكائنات الأخرى والطبيعة والبيئة والكون...

إذن نحن ككائنات إنسانية ماذا قدّمنا للكون وللكائنات الأخرى سوى الخراب والدمار ؟؟
فالكائنات البشرية تعتقد بأننى أرقى من شتى المخلوقات، متذرعةً بشتى الحجج اللاهوتية وعاملةً على تطويع المعنى المقدّس لصالحها ، علمًا ان الكائنات الأخرى لا تعمل الا في اطارها الكوني العام وفي تناغم وظيفي عجيب مع بيئتها، وهي لا تضّر نفسها ولا غيرها ، في حين أنّ الانسان يضرّ نفسه ويؤذي غيره، ويمارس العنف على شتى الكائنات بفوقية ونرجسيّة بالغة، وبقدر ادعائه للذكاء فإنه يمارس شتى أنواع العنف والتدمير.
كلّ ما أوردناه هو عنف نشاهده، نسمعه، و نمارسه، فالكائن يحاول فرض سلطته وقوّته، وكل سلطة تحاول امتلاك "الحقيقة" مستخدمة مفردات القدسي متستِّرةً بالكامل والنموذجي، وتدعي أنّ عليها تأديب من يقع تحت وصايتها، فتمنح نفسها حقّ ممارسة العنف على الآخرين واخضاعهم لها باللين أو بالعصا وكلّ ما لا يصنع إلا الدمار.....
طبعًا يقابل هذا العنف عنفًا مضادًّا، فالمرأة تحاول مقاومة عنف الرجل أحيانا بعنف من لون آخر، وأحيانًا باسقاط العنف على أطفالها، والرجل يسقط عقدّه النفسية على زوجته؛ و حركات "المقاومة " تحاول أن تقاوم العنف بعنفٍ مضادٍّ بكل ما تملك، حتى لو أدّى الأمر إلى حرق الأخضر واليابس؛ وهكذا نجد أننا كشعوب سقطنا في أتونٍ محمومٍ من الحروب والويلات ودوَّامة من العنف والعنف المُضاد المتوّلد التي لا ينقذنا من شروره إلا قدرة قادر ...
إذن لابدّ من معالجة العنف ضد المرأة ضمن إطاره وسياقه الانسانيّ العام، ولا ينبغي ان لا يكون مجتزءًا ومختزل لا يزيد الواقع إلا سوءًا .

• العنف سؤال الهويَّة:

لقد ذهب العديد من الباحثين إلى البحث عن تفسيرات علميّة لهذه الظاهرة. وإذا كان يبدو جليًّا أن بعضًا من هذه الدراسات، بيَّنت أن النظام الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والقيمي والثقافي والوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي، كلها عوامل تفسر هذه الظاهرة، غير أنّه من الملاحظ هو أن معظم هذه الدراسات والأبحاث لم تضع موضع السؤال علاقة العنف بتشكيل الهوية عند الكائن الإنساني.
الأمر الذي يجعل العنف ضد النساء، يبدو كظاهرة عرضيّة، وكمسألة طارئة في الزمان والمكان، كما يتجلَّى بكل وضوح في خطاب وسائل الإعلام المختزل الرديء، وهذا خطأ فادح لأن العنف ضد المرأة كما أشرنا ليس إلا جزء يسير من منظومة عنف كبرى وواقع شديد القساوة والمرارة .

إنّ العلاقة وثيقة بين العنف وتشكّل الهوية عند الانسان، حيث أن هذه الأخيرة تتأسس على مبدأ الهيمنة والسيطرة، على من يُصنَّف أنه أضعف،النساء والأطفال بوجه خاص، ومبدأ الهيمنة هذا قائم على تحكّم من يمسك بزمام السلطة، الذين هم الرجال في واقعنا لأننا ننتمي لمجتمعات أبويّةٍ ذكورية، و هم من يتحكمون في وسائل الإنتاج المادي والمعنوي، و هم من يحتكرعادة وسائل العنف الفيزيقي المباشر والرمزي والمعنوي و الديني ...
كلّ ذلك يدعونا إلى طرح تساؤلات منها: هل يُعدُّ العنف مكوّنًا أساسيًّا من مكونات تشكيل الهوية عند الكائن الإنساني ؟؟؟ وإذا كان الأمر على هذا النحو، فبماذا يمكن تفسير هذه العلاقة؟؟ وهل تسعفنا المقاربات المعتمدة في تفسير الهيمنة على إيجاد تفسير علمي للظاهرة؟؟
إن ّالعنف ضدَّ المرأة ليس حالةً طارئةً، هبطت من مكان مجهول، أو ظاهرة عرضيّة هامشية آنية تزول مع الوقت، ولكنه يُعدُّ بعدًا مؤسِّسًا للهويّة الإنسانية في المجتمعات.
فالبنى المنتجة للعنف متجذرّة في الأسس البنيوية للأيديولوجيّات المتداولة في عالمنا بما فيها الأديان، ومتأصلّة في البنيات الذهنيّة، والخلفيّات الفكريَّة للأفراد، وتُعدّ المركَّب الأساس في بنية المؤسسات الاجتماعية بما فيها الأسرة، التي ترعاه وتحتضنه.
فالأنماط التربوية المُتَّبعة تُكرِّس العنف، وتعمل على إنتاج شروط انتاج مجتمعات عنفية طائفية عنصرية من جديد، فالعنف يتحكَّم في اللاشعور الجمعي للمجتمعات البشرية ويُحرِّك دواليب الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي .... على حدٍّ سواء، إنه جزء لا يتجزأ من المخزون الثقافي والإيديولوجي وعصارة إرث تاريخي ضخم حافل بشتى أنواع الاضطهاد .
غير أنَّ كلّ ذلك لا يعني بحال من الأحوال، أنه حالة ثابتة وظاهرة مطلقة وقدرٌ مبرم، غير خاضع لتغيّر الظروف التاريخية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات البشرية، وإنما المؤكد هو أن حدَّته تتفاوت حسب المرحلة التي قطعها كل مجتمع بشري في طريقه نحو إحداث القطيعة مع الممارسات القمعية، في تطوّره نحو تحقيق التقدم والمساواة والرفاهية لكل نسائه ورجاله وأطفاله، وكذا لكل فئاته العمرية وطبقاته وشرائحه الاجتماعية.

• نحو رؤية إنسانية كونية :

إن التعقيدات الإجتماعية والانتربولوجيّة تضعنا أمام تحدّي يُملي علينا أن نفكرّ بشكل مغاير للمعهود، إن فكرة وجود "مجتمعٍ عادل " قائم على أيديولوجيا "العولمة " قد انهار تحت وطأة التعقيدات ولم يقدِّم لنا أكثر من نظرية "نهاية التاريخ"، والأحداث تجري اليوم بتسارع دموي، وكأن المستقبل معدوم، كما أنه لم يَعد ثمة حاضر، والصراعات بين الفرد والفرد، والفرد والمجتمع، تتعمق بإيقاع مخيف .
فلنهدأ ونخرج من حلبة العنف ودوامته، لنغادر الواقع الى واقع آخر نبنيه وعيًّا وحسًّا، ونطوي الزمان والمكان، فلنتجاوز الأفكار والمعتقدات ، ولنعمل على تأسيس واقع ينبني على معرفة الكون الخارجي الذي يتناغم مع المعرفة الداخلية للكائن الإنساني فكيف لنا كبشر أن نحلم بمجتمع راقي متناغم ونحن نعمل على إفناء الكائن الداخلي الروحي الكامن فينا؟؟؟

إنّ اختلال التوازن المتعاظم، بين الروح و المادة بوصفها "مردودًا" تُعرِّض البشرية للتهلكة، فالتعامل مع الانسان المختزل بالواقع المادي المنبني على المصلحة المادية وربط قيمة الانسان بمردوده وبالانتاج المادّي فقط سيؤدِّي لا محالة إلا انهيار المجتمعات ، لأن الرُّوح بُعد أساسيّ من أبعاد تركيبة الإنسان.

فلنحترم الكون، ونحترم الطبيعة، ونحترم الكائنات، ونحترم ذواتنا بكلّ أبعادها، ولنحترم حريَّة أرواحنا، ولنغادر مستوى الواقع الدموي المحموم ، إلى أفق مُشرقٍ، يرتكزُ على الوعي المنبني على التَّطوّر المتكامل للفرد روحًا ونفسًا وجسدًا وقلبًا، والرقي بالفردي والمجتمعي، وفتح أفق غير محدود للمحبة والتسامح.

إننا ككائنات إنسانيّة مخيرون اليوم وأكثر من أيّ يومٍ مضى، بين أن نتطوَّر على المستويات كافّة، أو أن نتلاشى ونختفي في أتون الصرعات والحروب، وهذا التطوّر الذي تقف الانسانية اليوم على حافته أشبه ما يكون بمخاض الولادة، ويرتبط بالدرجة الأولى بالعلم والوعي والثقافة وعلاقة الانسان بالانسان وعلاقة هذا الأخير بالكائنات .

وأن تكون كائنًا كونيًّا، فهذا يعني أنك منبثق عن حضرة التكوين، في هذه الحالة أنت تتساوى مع كل كائنات الكون أمام المكوُّن، وعندما نحترم كينونة الكائنات الأخرى، سنتناغم تلقائيًّا مع ما يدور حولنا، فنحب الكائنات ونتوحد معها ونتجاوزها، لأن عملية التجاوز هي أساس الحرية والانعتاق.

عندها سنجدُ أنَّ ما من شيئٍ وُجِدَ في الوجود والكون إلا تجلٍّ وجوديٍّ ومظهرٍ من مظاهرالتكوين، وأنَّ مامن شيئٍ إلا ويتغيَّر ويتطوّر في سيرورة مستمرة ونظام بديع، وتغدو كلَّ المتناقضات والمتضادَّاتِ مكمّلات لبعضها البعض بحسب مستويات الواقع التي تنتمي إليها، عندها سنعي أنّه لا يوجد تطابق تامّ بين الأشياء بل كلّ كائن حالة قائمة والحقائق متعددة بعدد الكائنات وهي تجليَّات لمظاهر قدرة الخالق،
لعلَّ هذه الرؤيا تفضي إلى عصرٍ جديد للانسانية، قوامها روح التواضع، ومشاعر الامتنان للمكوّن، والودّ والاحترام لكائناته ومخلوقاته، فتصبح عملية اعتداء الكائن الانساني على الكائنات الأخرى أمرًا متعذّرًا في إطار منظومة كونية لا متناهية.

أزمة هويّة في عصر الإنسان الأدنى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى