الأحد ٨ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

مراحل المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف وخصائصه

لقد مر المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف بعدة مراحل فنية متداخلة، ويمكن حصرها في المحطات التاريخية التالية:

1- مرحلة الأشكال الفطرية أو مرحلة الظواهر المسرحية الموروثة (أورار، وشارح مجّاح، وثسريث أوكشوظ، ووث وث أيانزار، وهلالارو، وإيمذيازن، وإيمادقان، وقنوفر، وحنا ثامزا، ولابويا، وثيحوجا ناريف، وثاسريت، وثيخامين، وشظيح ذاركاز....).

2- مرحلة التبلور والانبثاق مع مجموعة من المسرحيات الأمازيغية البسيطة التي ظهرت في أواخر السبعينيات كمسرحية (إيهواد أوكامباوي أذي يكسي پاسابورتي/ قدم البدوي إلى المدينة للحصول على جواز السفر)، والمسرحية التي تم إخراجها جماعيا من قبل فاروق أزنابط ورشيد العبدي وعبد الكريم بوتكيوت وفخر الدين العمراني وآخرين وهي مسرحية (إيرحاگد أميثناغ/ وصل ابننا) التي ربما تعد في اعتقادنا المتواضع أول عرض مسرحي في ذاكرة المسرح الامازيغي وقد تم تشخيصه في سنة 1978م. وعرضت المسرحية في سينما مبروكة بميضار كما عرضت في جبل العروي. وتتحدث هذه التمثيلية عن الصراع المحموم بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية، وتسرد تجربة الابن الذي عاد من الصحراء إلى أحضان أسرته وأهله.

3- مرحلة الاستواء الفني، وفي هذه المرحلة سيعرف المسرح الأمازيغي مقوماته التجنيسية وسينتعش فنيا ووجوديا وسيستوي على رجليه بعد مخاض جنيني. وقد تجسد هذا الاستواء في الثمانينيات وبداية التسعينيات خاصة مع المخرج فؤاد أزروال الذي ألف وأخرج الكثير من المسرحيات الكوميدية والاجتماعية تأليفا واقتباسا وتمزيغا وإخراجا وتمثيلا مثل: أذوزوغ ذي ثيوث (أبحث في الضباب) بالاشتراك مع المخرج بوتكيوت عبد الكريم، وأغنيج إذورار (أغنية الجبال)، وأغيور إينو إيعيزان (حماري العزيز) نقلا عن توفيق الحكيم، وأمزروض (الفقير)، وبوسحاسح (الكذاب) باشتراك مع المخرج بوتكيوت عبد الكريم، وأسي أسنوس (السيد الجحش)، وعلال ذ گليمان (علال في ألمانيا)، ولمفتش إيرحاگد (لقد وصل المفتش) نقلا عن الكاتب الروسي گوگول، ويما عيشة (أمي عائشة). ولا ننسى أعمال المخرجين الآخرين في هذه الفترة كفخر الدين العمراني وفاروق أزنابط وشعيب مسعودي،....

4- مرحلة النضج الفني واكتمال الاستواء الدرامي، وتبدأ هذه المرحلة مع سنوات عقد التسعين من القرن العشرين وخاصة مع مسرحية "أرياز- ن وارغ/ رجل من ذهب" للمخرجين: فخر الدين العمراني وفاروق أزنابط، ومسرحية "نشين سّا/ نحن من هنا" لفخر الدين العمراني، ومسرحية "ثابرات/ الرسالة" لفاروق أزنابط، ومسرحية "أنّان إينّي ن- زمان/ قال الحكماء" في نسختها الأولى لعمرو خلوقي...

5- مرحلة التجريب والاختبار الفني، وقد انطلقت هذه المرحلة مع بدايات الألفية الثالثة مع مجموعة من المخرجين الشباب كشعيب المسعودي في مسرحيته "أربع أوجنا يوظاد/ قد تحطم ربع السماء"، وسعيد المرسي في مسرحية (ثنوغ ثيارجا ذي ثمديث/ غرق الحلم في الليل)، وقد عرضت المسرحية في الغرفة الفلاحية سنة 2003م بالناظور، كما عرضت مسرحيته "ثيسيث/ المرآة" التي سنة 2006م في الغرفة الفلاحية بالناظور، ومحمد بنعيسى في مسرحيته "ثسنيفست/ أحلام من رماد"، ومحمد بنسعيد في مسرحيته "ثايوجيرث/ اليتيمة"، وعبد الواحد الزوكي في مسرحية "ثشومعات/ الشمعة"....

هذا، ويلاحظ أن المسرح الامازيغي بمنطقة الريف يردد نفس التيمات تقريبا، وكلها تنصهر في الدفاع عن الوجود الأمازيغي في ماضيه وحاضره ومستقبله ومحاربة التهميش والإقصاء. وتتفرع عن هذه القضية الكبرى مجموعة من التيمات والمواضيع الجزئية، ويمكن إجمالها في الظواهر الدلالية التالية:

1- الدفاع عن الهوية الأمازيغية.

2- التشبث بالأرض وعدم التفريط فيها،

3- تبني اللغة الأمازيغية كتابة وخطا.

4- الإشادة بالمقاومة الريفية والتنديد بالاستعمار والخونة.

5- نقد كل أشكال الفساد في الواقع المغربي بصفة عامة والواقع الأمازيغي بصفة خاصة.

6- استقراء الذاكرة الأمازيغية ونماذجها الساطعة في التاريخ الأمازيغي.

7- تصوير ظاهرة الهجرة إلى الخارج بكل صورها الإيجابية والسلبية.

8- تجسيد الاغتراب الذاتي والمكاني.

9- نبذ التهميش والإقصاء وكل أنواع القمع السادي والمازوشي ضد الأمازيغيين، والتعبير عن ظاهرة اليتم الجماعي.

10- الدفاع عن حقوق الإنسان الأمازيغي والتغني بالحرية والصراع ضد السلطة.

كما تستند الرؤية الإخراجية إلى مجموعة من التصورات المدرسية مع الاستفادة من مجموعة من التقنيات الدرامية المستلهمة من الغرب أو من نظريات المسرح العربي وخاصة التصور الاحتفالي الذي بلوره عبد الكريم برشيد والطيب الصديقي ومجموعة من المنظرين العرب الآخرين.

ومن الطرائق التي التجأ إليها المخرج الأمازيغي في منطقة الريف على المستوى السينوغرافي والتشكيل الدرامي نستحضر التقنيات التالية:

1- توظيف تقنية الراوي أو ما يسمى بالسارد أو الراوي أو الحكيم (le choeur) وخاصة في برولوگ العرض.

2- تكسير الجدار الرابع للتواصل مع الجمهور.

3- توظيف التاريخ والذاكرة الشعبية الفطرية والظواهر الدرامية المحلية.

4- تشغيل الاحتفالية من أجل خلق المسرح الشامل.

5- اعتماد المواقف الساخرة.

6- المزاوجة بين الكوميديا والتراجيديا.

7- التهجين اللغوي وتجريب اللغة الأمازيغية الموحدة داخل العرض المسرحي.

8- استخدام لغة الحديث اليومي تارة واللغة الشعرية تارة أخرى كما هو حال مسرحية "يوغرطة" للشاعر محمد العوفي التي سيخرجها المخرج فخر الدين العمراني.

9- تجريب الكوليغرافيا الصامتة وتشغيل حركة الجسد والاهتمام بتقنيات التواصل غير اللفظي .

10- تجريب السينوغرافيا الوظيفية على المستوى التقني في مجال الإضاءة والموسيقا والتشكيل البصري والتبئير الركحي.

ومن المعلوم أن الإخراج في منطقة الريف قد اتخذ صيغة فردية في معظم العروض المسرحية، وصيغة جماعية كما هو حال مسرحية "يناث أو شايناث/ قاله وما أحسن ما قاله" للشاعر محمد الشيخ علاوة على التمثيليات المسرحية التي عرضت في سنوات السبعين.

ولابد أن نشير إلى أن أهم المخرجين الذين أوجدوا دعائم المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف هم: الأستاذ سعيد الجراري والأستاذ فخر الدين العمراني والمخرج المحترم عبد الكريم بوتكيوت والدكتور فؤاد أزروال والمخرج القدير فاروق أزنابط والمخرجون التجريبيون كشعيب المسعودي وسعيد المرسي ومحمد بنسعيد ومحمد بنعيسى وعبد الواحد الزوكي دون أن ننسى المخرج الباحث عمرو خلوقي الذي أظهر كفاءة في تأليف النصوص الأمازيغية ومحاولة إخراجها في إطار ما يسمى بالمسرح الناضج.

هذا، ويمكن الإشارة كذلك إلى أن فؤاد أزروال هو أول من حاول تمزيغ المسرحية الفصحى (أغيور إينو إيعيزن/ حماري العزيز لتوفيق الحكيم)، كما يمكن اعتباره أول من حاول المزج بين اللهجات الأمازيغية في عرض مسرحي واحد وهو"أورتي اوريلين/ الحديقة الموهومة).

ومن جهة أخرى، يعتبر المخرج فخر الدين العمراني بكل موضوعية من المؤسسين الفعليين للمسرح الأمازيغي بمنطقة الريف والمايسترو الذي كون مجموعة من المخرجين ومن بينهم فاروق أزنابط وسعيد المرسي، وكان السباق إلى توظيف الكاستينغ Casting مع الأستاذ جميل حمداوي لاختيار الممثلين الموهوبين في منطقة الريف. ولا ننسى المخرج الفذ بوتكيوت عبد الكريم الذي أخرج بعض المسرحيات الأمازيغية مع فؤاد أزروال، وساهم كثيرا في خدمة المسرح المدرسي بمدينة الناظور، ويستحق منا كل ثناء وشكر واعتزاز لما بذله من جهود جبارة في إرساء لبنات المسرح الأمازيغي بالمنطقة، في حين يعد فاروق أزنابط أول من أوصل المسرح الريفي إلى مسرح محمد الخامس بعاصمة المملكة، وكذلك أوصله إلى الشاشة الصغيرة، وعرّف بالمسرح الأمازيغي في الداخل والخارج على حد سواء، كما يعد أيضا أكثر إنتاجا (أكثر من اثني عشر عملا مسرحيا).

ونعتبر كذلك كلا من شعيب مسعودي وسعيد المرسي ومحمد بنعيسى وعبد الواحد الزوكي من المخرجين الأوائل الذين سعوا إلى تجريب عدة مدارس وتقنيات إخراجية جديدة في عروضهم المسرحية.

ومن أهم المدارس الفنية التي عرفها المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف المسرح الكلاسيكي والمسرح الرومانسي والمسرح التاريخي ومسرح اللامعقول والمسرح الواقعي والمسرح الرمزي والمسرح الأسود...

وعليه، فثمة ملاحظات سلبية تسيء إلى المسرح بمنطقة الريف يمكن الإشارة إليها قصد تفاديها في المستقبل من أجل تصحيح مسار المسرح الأمازيغي بمنطقة الريف وتتمثل في النقط التالية:

1- غياب توثيق العروض المسرحية.

2- افتقار بعض المخرجين إلى تكوين مسرحي نظريا وتطبيقيا.

3- ضعف الكوليغرافيا والتجسيد الحركي.

4- عدم وجود البنية التحتية للمسرح الأمازيغي والتنشيط الثقافي وانعدام قاعات التدريب المسرحي.

5- انعدام الدعم المسرحي.

6- غياب ورشات التكوين والتأطير للممثلين والمخرجين.

7- انعدام التواصل بين المسرح العربي والأمازيغي وغياب الانفتاح على المسرح السوسي ومسرح الأطلس.

8- السقوط في التقليد واجترار نفس المواضيع والتيمات.

9- التجريب المجاني غير الوظيفي والاتجاه نحو التغريب.

10- غياب النقد المسرحي وعدم مواكبته للمسرحيات المعروضة بالدرس والتحليل على ضوء مناهج نقدية معاصرة مع إعداد ببليوغرافيات توثيقية خاصة.

وعلى الرغم من هذه الهفوات والسلبيات، فإن المسرح الأمازيغي الريفي قد حقق ازدهرا كبيرا وانتعاشا فنيا ملحوظا على المستوى الكمي والكيفي بالمقارنة مع المسرح العربي والأمازيغي في المناطق الأخرى. ونأمل أن يكون المستقبل لصالح المسرح الأمازيغي بالريف، ولاسيما إذا أنشئت القناة الأمازيغية الموعودة وانفتحت الإذاعة المغربية والإذاعات الأجنبية الموجهة للجالية الامازيغية على هذا المسرح بالتشجيع وتمويل العروض، وساهم المعهد الملكي للغة والثقافة الأمازيغية فعلا بكل ثقله في دعم المسرح الامازيغي بشكل مستمر ودائم بدون أن يضع العراقيل والمتاريس البيروقراطية أمام الملفات المعروضة على لجنة التحكيم والانتقاء المسرحي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى