السبت ٢١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧

الشاعر نمر سعدي بين التفرد والتواصل

بقلم: شاكر فريد حسن

نمر سعدي من الشعراء الشباب الواعدين الطالعين من الجرح وبوتقة المعاناة والالم والكدح، وهو علامة مميزة في ادبه وابداعه ويتطور باستمرار ويزداد ترقيا في مدارك القصيدة ويجيد الرسم بالكلمات، وكلماته الوان قوس قزح، وينتشي بصوت العاشقين والحالمين ويشهد دفقة التكوين ويحيك نسيجا آخر للحياة والموت ويبعث طائر الفينيق من جديد، ويعلن عودة تموز وعشتار وايزيس، وعالمه الشعري عالم متنوع وعميق المناحي ومحدد ومتوتر القسمات ، ومنذ ان قرأت اولى قصائدة في التسعينيات من القرن الفائت وانا متحمس لقصائده التي تحمل رؤية انسانية دافئة ونفسا شعريا جديدا.

امتطى نمر جواد الشعر وحلّق في فضاء الحداثة .. قصيدة النثر واثبتت رونقها وقوتها وقدرتها التعبيرية التي تمس اعمق المشاعر، ونشر بواكير قصائده في الصحف المحلية واصدرها في مجموعتين شعريتين، الاولى اختار لها عنوان"اوتوبيا انثى الملاك" والثانية"عذابات وضاح آخر" ولاقت نصوصه الاستحسان لدى القراء والنقاد الذين اجمعوا على جودتها واصالتها وجماليتها الفنية. من اولى خطواته وتجاربه الشعرية ونمر سعدي يطارد الكلمات وتطارده الرؤى ويستفز طاقة الروح،وتميز بطابع خاص ومختلف تجلى في اسلوبه الشعري وقدرته على صياغة العبارة الشعرية ورسم الصورة بمرونة والابتعاد عن المباشرة والتقريرية،ومن اهم ملامحه وخصائصه الالهام والتجلي الشعري والتحكم في التواصل الجمالي والفني والقوة المشحونة بالتوتر، ويدهشنا بقصائده النابضة بالحياة والحركة الايقاعية والمترعة بالحزن والتشكي والانين والحنين الجزوع والرومانسية الحالمة.

ونمر سعدي المسكون بالنص الشعري يتألق في رؤياه ويتعمق الرمزية الشفافة، ولغته ايحائية والفاظه محكمة ودقيقة. وصوره مكثفة وجديدة وبالوان مختلفة ،تارة تأتي صلبة ومندفعة وتارة رقيقة ورهيفة وشفافة ، كنسيم الصباح،والدلالات عنده مغرقة في المعاني والكلمات تتساوى مع حرقة الحدث وتتماوج في ظل العاطفة وتبدو عصية على الفهم في المرة الاولى ويصعب الاستدلال على عناصرها وهذا ناجم عن كثافة التجربة.

وقصائد نمر تعبق باري الزمان والمكان ويطغى عليها الخيال الرومانسي والصور العاطفية وتضطرم بالهموم الانسانية العامة وتلتصق بقضايا العصر وتعبر عن الهواجس والمشاعر الذاتية واللواعج الداخلية التي تعتمل في ذهنه وقلبه، وهي تفيض بالمعاناة النفسية والجراحات والاشجان والعذابات والخيالات والاوهام والاحلام والمثاليات وخيبات الامل ولوم الذات والهتاف للانسان ومكنونات الوجود ويستحضر فيها الرموز والشخوص التاريخية والاسطورية والميثولوجية واسماء الفلاسفة والادباء والشعراء ويوظفهم في خدمة اغراضه الشعرية وايصال فكرته ومن هذه الاسماء والرموز التي تتكرر بين ثنايا وسطور قصائده"عشتار وايزيس وفرسيس وفرجينيا ويهودا وسفوكليس وافلاطون ورامبو وبودلير والبيركامو وناظم حكمته ومظفر النواب وغيرهم.

ويقدم نمر سعدي في قصائده عصارة افكاره وعذابات تجربته الذاتية ويبوح بمشاعره المكبوتة ويصور حالته المتردية ونجده يبحث عن حب مفقود وامل ضائع وامرأة عاشقة تشاركه وتشاطره الهم والوجع والسعادة والفرح وينشد العيش في مجتمع انساني طوباوي مليء بالخير والحب والمحبة الانسانية والفضيلة والاخلاق واحترام الانسان مهما كان دينه ومذهبه وينتصر في النهاية للفقراء والمعذبين والمضطهدين في الشوارع والارصفة والمنحنية ظهورُهم والمنغرسة اقدامهم في اخاديد التربة والارض المحروقة تحت ضربات الشمس القاتلة ويحدد لهم خارطة الطريق التي تقودهم الى المدائن الخضراء حيث سنابل القمح ورايات الحرية ومرايا الشمس.

ومن قصائده المشوبة بالحزن والندب والتي تمثل لنزعة الانسانية وتجسد شاعريته الحقيقية،فنا ومقدرة وصدقا وابداعا واحساسا وعفوية،رثائيته لشاعر الحب والعذاب والمنفى والمدن الفاضلة واحد الاعمدة السياسية لعمارة الشعر العربي، الراحل عبد الوهاب البياتي ويقول فيها:

فقير وفي قلبه محرقة/يجوع ويطعم كل الجياع/ ويضرب للتائه الاروقة/ وفي مقلتيه يغيم الدجى/اذا ما سجا/ ويغرب في مقلتيه الشراع/ وكل السنونو الحزين الحزين/فما زال طفلا من الحالمين/نجوم حزيران صناعته على صدره/ورائحة الخبز/ والتبغ في شعره/ورائحة النار حتى المطر/ وحتى الزهر/ يرف اشتياقا الى ثغره/ سلام وبرد وورد سلام/على بطل عاشق لا ينام/ هو الارث مما تبقى لنا من بلاد الشام/ولا شخص يعرفه ها هنا/ اذا ما تكلم غير النخيل/ وغير الحمام/ ويحفظه الخوخ عن ظهر قلب/ وعن ظهر حب/ ويعرفه التين من الف عام/وتوت الشام/ لقد عاش فينا بسيطا/ غنيا بشبر الغرام.. الخ.

واخيرا، نمر سعدي انسان كادح وموهبة فياضة وصاحب رؤية وصوت شعري حداثي واعد ومتميز عن غيره من الاصوات الجديدة، ولامست قصائده الايحائية عمق الجرح واستطاعت مواكبة الزمن، واثبتت خطاه الادبية والفنية في النسيج الشعري والمشهد الثقافي المحلي ويواصل جهده الشعري ومسيرته الابداعية بغزارة وثقة،حاملا الوطن والانسان والحب في دمه وفؤاده ويأتينا بعبق من حبق ويستحضر الغيوم ويكثرمن استخدام الالوان السوداء الداكنة، فله الحياة ودوام العطاء والنجاح حتى يتبوأ مكانته اللائقة في ادب الشباب.

بقلم: شاكر فريد حسن

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى