الأحد ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم منال محمد السيد

حسن هاشم

تعرفون
هناك ولد يسكن في آخر أطراف القاهرة الجديدة ،تلك الصحراء التي يسكنها بعض البشر،آخر المارين بها مخلوق .
الولد قال لي انه شاهد هذا الشبح في الثالثة صباحا وفي عز برد ديسمبر وانه لم يجزم مطلقا ان كان جني أم أنسي لكنه متأكد تماما من انه امرأة، كانت ترتدي جاكيت قصير وسميك بالكاد يعبر خصرها وتحته ترتدي كولون .
صرخت علي الهاتف، تحته ماذا ؟

أعاد الجملة بهدوء وبطء " جاكيت سميك وقصير تحته كولون "
قلت فقط؟
قال فقط.
اخذ نفسا من دخانه وأخرجه بحيادية وهدوء اكمل كلامه وقال أنها مرت وسط المباني الشبه خاليه والشوارع المخيفة ، مرت تحت شرفته ولم تكن تعلم انه ينظر إليها من فوق .

قال انه ليس متأكد تماما من كونها بشر وان جسدها ربما كان شفافا مثل دخان وان صورتها كانت تظهر من خلال المباني الفارغة والشرفات المغلقة . قال أيضا انه لم ينفعل ،اكمل سيجارته بهدوء حتى اختفت تماما ثم عاد ينظر لجدران العمارات .
تعرفون
لم يأكل شيء منذ ثلاثة أيام وديع وصامت ليس بالمعني المتعارف عليه للوداعة أو للصمت لكنه نحول الروح .
أحيانا
كان يوقظني برنين هاتفه، ربما قرب المغرب.
ألم تقومي بعد؟
ولما ؟
مثل نبض شيء هزيل وهش قال انه ظل سبع ساعات ناظرا للحائط المواجه لسريره وصامت
قال
انه اشتري بكل ما يملك علبتي سجائر وعاد.
قال أيضا انه يرتب لكل شيء.

التلفزيون والكمبيوتر والتكييف ثمن لسداد آخر فاتورة تليفون وانه لم يقترض مليما من أحد
وانه صار يتفرج علي ما لديه وهو يذوب أمامه مثل سيجاره .
شقته سيارته دراجته البخارية كل شيء كان يذيبه إلى أموال . يتفرج علي تبديدها وهو صامت . أخيرا صار يحسب ما بقي من العمر بما بقي من الأشياء التي يمكن ان تذوب أو ان تحول الي أموال.
كان فخورا مثل الحزن حين قال أنه لم يقترض مليما من أحد وانه سيموت مثل واحد عادي لم يشكو لأحد أبدا ولم يفتح بابه لأي طارق ، فقط يمضغ وحدته بالشقة ويرتدي فوق جسده كلمة كائن وحيد .

تعرفون
ذات مساء لم أجد من اشرب معه شايا .
طلبته علي الهاتف وقلت نشربه سويا.
فتحنا صنبوري الماء معا .

ولما غلي الماء صببناه في ذات اللحظة .
كنت اسمع ارتشافاته رقيقة وأنا انظر لدكانة الشاي أمامي. ساعتها لم اشعر بشيء يخص المحبة أو رجفة القلب فقط كنت اسمع صوت صمته وأنفاسه الخافتة واشعر ان جرحه يخصني .
يومها رفض ان يواعدني .
قال لن اخرج من بيتي واذهب للأوبرا تلك التي عند تمثال الحصان .ضحكت أخبرته أنني اقصد الأخرى التي عند تمثالي الأسدين رفض اكثر وقال هذه بالذات لا .

تعرفون
الان وأنا اغسل أواني متراصة منذ أسبوع فكرت فيه وقلت من ابلغ .
حين تخفت أنفاسه اكثر ويذوب مثل ضوء في شقته من ابلغ ؟ لا اعرف رقم حبيبته
تلك التي يشتمها تسع مرات كل يوم ولا تريد ان تفهم انه صار يحب وحدته واستقبال الموت بلا ضجيج وجودها ودون ان يشده شيء للحياة حتى لو كان صوتها او نحولها المثير .

مرة قال انه شاهدها تدق بابه بحيرة ، كانت تنظر لخشب الباب أمامها بعيونها المفتوحة دون ان تحول نظرها عنه وكأنها تحاول أن تثقب الباب بعينها وهو يراقبها من ثقب الباب الذي بالداخل يحبس أنفاسه ويراقب عينها ويسمع أنفاسها ولا يفتح بابه أبدا
أتنفس بعمق و أهز رأسي .

يا أخي نذهب للأوبرا.
يقول أنه لن يغادر البيت وانه راض بأطياف النساء آلائي يدرن حول جسده بالبيت بدأا من حبيبته التي يسمع تنفسها خلف باب شقته دون ان يفتح لها. مرورا بجارته الوحيدة والتي يعرف حالها من ألوان ملابسها التي تنشرها أمام عيونه. ف التي مرت اسفل شرفته في ليل ديسمبر .وصولا للتي قابلته ف السادسة صباحا بعد مكالمة استمرت خمس ساعات باليل .
فال " روحي لم تهتز .."
قلت ماذا ؟
قال" لما فتحت لي أزرار بلوزتها روحي لم تهتز "

تعرفون
هاتفه لم يعد يرد .
اعتقد انه سيظل هكذا .سيبكون مثل وردة ذابلة ملقاة بجوار الهاتف. يرتدي شيئا قطنيا باهتا عيونه مغمضه ورأسه متجه للنافذة .

تعرفون .
هناك شيء مر علي أيامه كنصل . حمله من داخل الدنيا ووضعه علي رصيفها الخارجي وأعطاه عين صامته وقلب لا يسامح ونقود قليلة اشتري بآخرها علبتي سجائر وعاد .

فقط طلب مني ان أنسى حكاية الذهاب للأوبرا هذه وان أصحو من النوم وحدي دون انتظار هاتفه وان افتح صنبور الماء . أدير شعلة النار واشرب الشاي بهدوء وصمت.

تعرفون
قال لي انه هيأ شقته لاستقبال الموت فرش الغبار بها. أغلق نورها وبوجه هادئ ووديع جلس علي طرف سريره فاصلا رنين الهاتف وكاتبا خطابا قصيرا لحبيبته حدد فيه الموعد.

قال ان الموت سيأتي ف غضون أسبوعين .
سيأتي وهو غارق في يوجا النظر للجدار ومفكرا بعمق ف المرأة التي مرت تحت شرفته في برد ديسمبر .طاردا صورتي تماما من ذاكرته. جاعلا إياي محض امرأة ليست طرفا في الموضوع محض امرأة توقفت فجاء عن غسيل الأواني أمام الحوض لتفكر ف الولد الذي لم يعد يرد علي الهاتف والذي رفض ان يواعدها . فقط طلب منها ان تنسي الأمر نهائيا وألا تكتب عنه حرفا واحدا .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى