الثلاثاء ١٥ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

أكل العنب.. بداية الخراب

لا تكاد تبزغ بقعة ضوء بعيدة في هذا الليل الطويل الذي نعيشه منذ قرون، حتى تتسلل أياد قاسية المخالب ملوثة بالدماء فتطفئها وتعيد الظلمة إلى الديار المنهكة بالتخلف والألم والخوف والضياع، ويتحول فيها الناس إلى ضباع تنبش الجيف وتأكل بقايا ماتقتنصة الفهود والسباع!!

في ظل هذا الواقع المؤسي، كان لابد لشريحة ما أن تتحرك في اتجاه آخر يحافظ على ما تبقى من العقل ويعطي حفنة من الأمل الذي يكاد أن يتبدد مثل ضباب تجتاحه رياح مفاجئة، لكن ذاك التحرك كان يواجه دائماً بمقاومة علنية من قبل تلك الأيادي، وخفية من قبل السلطات التي تستمرئ وجودها لخدمة مصالحها عبر دحر العقل والتلويح بشراستها لترويع البشر ودفعهم إلى الإذعان للأمر الواقع.. أي إلى أسوأ الشرين!!

ومع مرور الوقت بدأت تظهر الحقائق أمام عيون بعض الحكام فأدركوا أن "تربية الدب في كرم العنب" لا يجلب في النهاية إلا الخراب والدمار إذ سوف يأكل العنب أولاً ويخرب الكرم ثانياً ويقتل الناطور ثالثاً!.. فيما تجاهل بعضهم الآخر الأمر وسمحوا "للدب" بأكل العنب ظناً منهم أنهم يكسبون وده ويؤخرون انقضاضه عليهم قدر المستطاع، وكأنهم لا يبصرون ولم يطلعوا على شواهد التاريخ القديم والحديث التي تقدم البراهين على صحة ذلك المشهد الحتمي طال الزمان أم قصر!

وإذا كانت النساء في العالم، وخاصة في عالمنا العربي قد أرهقتهن المصائب، فقد أصبحن هذه الأيام المحور الأساس في معادلة التطور أو التقهقر على مختلف الصعد، ففي الوقت الذي تشهد فيه بعض الأماكن دخول المرأة مرحلة فاعلة في الحياة والقيام بدور إيجابي واضح لدحر الصورة النمطية للمرأة المقموعة المحاصرة داخل منزلها، والعمل على إحلال العقل والعلم مكان الجهل والتخلف، واستبدال ثقافة الموت بثقافة الحياة، نجدها في أماكن أخرى تتحول إلى مصدر للجهل وتصبح عنواناً للسلبية والتطرف، بعد أن كانت ـ في تلك الأماكن ذاتها ـ قبل سنوات مضرب مثل لقريناتها في بقية البلدان.. فما الذي حصل؟ وما سر هذا التبدل المتسارع والمخيف؟ ولماذا تقوم السلطات هناك بادعاء التقدم والعلمانية، وهي أشد تخلفاً وأكثر "تطيراً" من قبائل تعيش في كهوف منسية لم يمر من أمامها قطار التطور؟!!

إذاً هناك اليوم حالتان متناقضتان: الأولى ترفع لها القبعات وعلينا دعمها وتكريسها ودفعها قدماً إلى الأمام، ومن أمثلتها مسيرة المرأة التونسية والإماراتية.. والثانية يجب التحذير منها والعمل على كشف ملابساتها ومساعدة النساء على عدم الانخداع بشعاراتها المزيفة كما يحدث في بلدان "التقدم والاشتراكية!!"، حيث حيدت وحوربت جمعيات مناصرة المرأة، وأعطي الضوء الأخضر لبعض التنظيمات والجمعيات السرية النسائية للعمل جهاراً نهاراً على سلب كل حق حصلت عليه المرأة وإعادة سجنها في قمقم الجهل والتخلف والموت البطيء على بوابات القرن الواحد والعشرين!! فهل تستطيع بقايا النساء الواعيات والداعمين لهم من الصمود والوقوف في وجه "الدب" الذي بدأ يأكل العنب قبل أن يباشر تخريب الكرم كله وتدميره فوق رؤوس أصحابه؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى