الخميس ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٢

أقدم مهنة في التاريخ

من الملاحظ أننا نتعامل مع مفهوم الحب المعاصر المرادف لفعل الجنس LOVE في مقابل نوع آخر منه هو الحب العذري الذي يشير الى الإسراف في التعلق النفسي بآخر ذلك التعلق المتعالي عن التفاعل مع جسده وهذا الحب العذري يحوي في معناه تناقضاً فعلياً حين تعني العذرية انتفاء الاتصال الجنسي بآخر أي أنه حب بلا فض عذرية بكارية نجد أننا استخدمنا جزءاً من الجسد كي ننفي العلاقة بهذا الجسد.

في هذا الحب العذري نستبعد العلاقة الجنسية بالآخر مقابل التأكيد على التعلق الوجداني به.

فهذه العلاقة التي تتصل بين الوجدان والجسد تتسم بالخلل النفسي الذي يظهر في العديد من الأمراض النفسية حالات هستريا ووسواس قهري.

وفي البغايا وإن كانت تلك العلاقة الانفصالية ذات طبيعة مختلفة حيث تقابل بالتفعيل والجانب الجسمي في مقابل كبت الجانب النفسي أي التعلق الوجداني بالآخر في دراسة علمية تقدم لنا آمال كمال رؤية نفسية اجتماعية للبغاء.

حيث توضح أن تاريخ البغاء قد أولته الديانات القديمة احتراماً قبل أن ينقلب الى تحقير وإنكار فقد كان هناك (البغاء المقدس) حيث كانت إماء معابد أرمينيا وكورنت والهند يمارسنه في تضحية كبرى نيابة عن كل النساء وكان فض بكارة العذراء يقام له احتفال مقدس تمنح الفتاة فيه نفسها لمن منحه الإله قوة الإخصاب وقدسية الجنس ولم تكن الفتاة تحصل على اكتمال أنوثتها إلا بمنحها نفسها لهذا الشخص ويحق لها بعد ذلك الزواج.

ثم تراجعت احتمالات إزالة البكارة الى احتجاز العذارى في المعابد لممارسة البغاء في إطار القدسية كجزء من تأهيلهن للزواج وخلال فترة احتجاز المراهقات في المعابد كانت وظيفتهن الترفيه عن الكهنة من جانب ومضاجعة الحجاج من جانب آخر نظير أجر يكون حقاً لخزينة المعبد ومع تطور هذا البغاء المقدس أصبح من حق البغي المقدسة أن تحتفظ بجزء من مال بغائها ليعينها عند الزواج.

كما يحفظ لنا الكتاب المقدس وأيضاً القرآن الكريم خبر قوم لوط وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام حيث تفشى بين قوم لوط انحراف جنسي هو للجنسية المثلية بين الذكور ومن الطريف أن الرجل الذي لم يمارس هذا الانحراف هو وأهله قد نعت هذا الانحراف باسمه فهذه الجنسية المثلية في اللغة العربية هي (اللواط).

أما القرآن الكريم فقد احتفظ بتشريعات تتناول الفعل الجنسي خارج الإطار الاجتماعي بالزواج فيصف المؤمنين بأنهم "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون".

ومن الجدير بالذكر أن نشير الى العلاقة الوطيدة بين الجنس والمال وهو ليست مقصورة على البغاء بل إن الزواج هو تنظيم ديني واجتماعي واقتصادي في نفس الوقت والبغاء هو الشكل البدائي الذي لم يزل يحمل ملامح تلك الصلة القديمة بين الجنس والمال ولا عجب أن أصبح البغاء في فترة الحكم المملوكي وفي أوروبا مصدراً لتمويل خزانة الدولة بالمال ويأتي تعريف نيازي حتاتة للبغاء بأنه استخدام الجسم لإرضاء شهوات الغير نظير أجر وبغير تمييز.

وكذلك تعرفه نجية إسحاق بأنه علاقة جنسية غير مشروعة بين رجل وامرأة بقصد الحصول على فائدة مادية من قبل المرأة.

وتعرف البغي بأنها من تتخذ ممارسة الدعارة مهنة لها وتتكسب منها المال.

كما كشفت دراسة قامت بها الباحثة سامية صابر عن عدة أسباب تدفع المرأة الى ممارسة البغاء هي:
 اضطراب الحياة الأسرية فمعظم البغايا من أسر متصدعة مضطربة (الطلاق – السفر – الانحراف)
 انهيار البعد الأخلاقي (غياب القدوة) أي فساد البيئة.
 افتقاد الحب والرعاية من الوالدين.
 خلل وظيفة الأنا.
 شيوع عقدة الرجولة لدى البغايا (رفض الأنوثة)

وهذا يفسر حالة التبلد الجنسي لدى البغايا فهو رفض للاستمتاع الجنسي في علاقة طبيعية مع رجل.
وأكدت الباحثة أن معظم البغايا اللواتي قابلتهن في السجن ذكرن لها أن لهن زميلات في المهنة من مستويات اجتماعية مرتفعة ولكن دخول السجن يكون من نصيب البغايا الفقيرات اللاتي ليس لديهن سند يستطعن الاعتماد عليه قبل الوصول الى ساحة القضاء.

وقد ذكرن أيضاً بعض الحقائق تطعن في أمانة بعض رجال شرطة الآداب الذين يمارسون الجنس معهن وقد أوصت الباحثة في دراستها بضرورة تحري الدقة عند اختيار رجال شرطة الآداب بحيث يتوفر فيهم الأمانة في أداء مهنتهم وكذلك العاملون في قسم الملفات بأقسام الشرطة.

وتوضح الباحثة أمال كمال أنها أثناء اشتراكها في بحث عن علاقة الجريمة بتعاطي المخدرات قد لاحظت أثناء لقائها مع البغايا في سجن القناطر (نساءً) أن بعضهن لم يحترفن البغاء إلا بعد السقوط في دائرة الإدمان وكانت تذكرة الهيروين أو أقراص المخدر هي أداة سحب للمرأة الى دائرة البغاء لتستطيع الإنفاق على المخدر لأن البغاء هو العمل الوحيد الذي يستطيع أن يغطي تكاليف التعاطي.

ثم تعرض الباحثة مقتطفات لما استمعت إليه من بعض مرضي البغاء نعم مرضي.

فقد أكدت الدراسات الطبية أن فيسيولوجيا المخ مضطربة والدراسات النفسية تؤكد على أن بناءهم مختل كما تشير الدراسات الاجتماعية الى اضطرابهم الاجتماعي فهم بلا شك مرضى طبياً ونفسياً واجتماعياً.

الحالة الأولى

كانت ضحية الجهل فالأب جزار يكسب ما بين المائة والمائتين جنيهاً يومياً وكان يتعاطى الماكس بانتظام واعتقد أنه إذا أضافه لابنته في زجاجة البيبسي الذي تشربه سيساعدها على المذاكرة وهي الطالبة في الثانوية العامة وبعد الامتحان توقف السائل السحري فبدأت تسرق والدها لتشتري الماكس ونجحت في الثانوية العامة لتسقط الى الهاوية.

حيث هربت من منزل والدها الى صديقه ومنها الى القوادة التي حصلت على خمسة آلاف جنيه مقابل الليلة الواحدة مع شيخ عربي ثم بدأت رحلتها مع الدعارة مرتين أو ثلاث يومياً كانت تحصل على 10 آلاف جنيه شهرياً واستطاعت أن تؤسس شقة في المهندسين كانت تنفق على الماكس والكوكايين 2000 جنيهاً شهرياً ولكنها سقطت في يد الشرطة وحكم عليها بالسجن.

الحالة الثانية

كانت تعيش مع أهلها في إحدى مدن القناة وعندما بلغت الخامسة عشرة زوجوها من رجل في الخامسة والأربعين هربت منه ولكنهم جاءوا بها وقيدوها وكان زوجها يعاشرها وهي مقيدة ثم تم الطلاق وهربت وعملت بأحد المصانع وقابلت زميلاً لها عاشت معه سبع سنوات ثم تركها لأخرى وسافرت الى القاهرة لتفعل مثل صديقة لها وتمارس الدعارة مقابل 300 – 600 جنيه في المرة الواحدة تصرف نصفها في الهيروين والحصاد طفلان غير شرعيين وتم القبض عليها أكثر من 6 مرات وضباط الشرطة يمارسون معها الجنس قبل الذهاب الى النيابة.

الحالة الثالثة

البداية اعتداء من الأخ بعد أن وضع لها المخدر في الليمون وعندما أخبرت أمها أجرت لها عملية وزوجتها من رجل عربي أدمنت معه البودرة والخمر ثم تم الطلاق وتزوجت ممن اختارت ولم تمارس الدعارة ولكنها مارست مهنة القوادة والسرقة بالإكراه فكانت تصعد مع العرب ثم تخدرهم وتسرقهم هي وزوجها. تم القبض عليها وحكم على كل منهما 10 سنوات سجن.

لقد تشابكت ظروف الفقر والقهر والصدمات الأسرية والنفسية لتدفع هؤلاء الفتيات الى الانحراف أو الانتحار في الحياة.
وهكذا تجتمع الظروف الاجتماعية مع الحالة النفسية لتدفع المرأة الى البغاء إلا أن هناك كثيراً من النساء تحت خط الفقر ولم يلجأن الى البغاء كوسيلة للكسب فالبناء النفسي المنحرف عامل مهم يسبق الظروف الاجتماعية.

إن البغاء ردة حضارية وإنسانية للمرأة وللرجل أيضاً ولكننا لا نستطيع أن نقيم مجتمعاً نموذجياً وخالياً من الفوضى والجريمة مهما كانت مثاليتنا وإمكاناتنا فالوقاية ممكنة أما العلاج الجذري فيتعلق بطبيعة المشكلة. فالبغاء مشكلة نفسية اجتماعية ونحن مطالبون بإيجاد حلول.

عن جريدة التجمع المصرية


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى