الأحد ٢٠ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم تيسير الناشف

الجدب الفكري والتسلط الحكومي

على الرغم من أن حصاد المئة سنة المنصرمة ليس كافيا – ومن الصعب تحديد معنى كلمة "الكفاية" نظرا إلى دخول عوامل ذاتية، فضلا عن العوامل الموضوعية، في تحديدها - في قطاعات رئيسية من التجربة الفكرية والحضارية العربية – قطاعات من قبيل الكتابات الفلسفية وترسيخ مفهوم دولة المواطنين وليس دولة الرعايا وترسيخ تقيد السلطة الحكومية بقيود لا يصح تعديها وإطلاق الحرية الفكرية - فإن من الخطأ الجسيم والسخف الكبير القول إنه يوجد عقم فكري عربي. الدماغ العربي خلاق ومبدع، وتتجلى إبداعاته، ونحن نتكلم عن القرنين الماضيين، فيما تتجلى فيه في انتاج الفكر القومي والاجتماعي والإنساني ونشوء الحركات السياسية والاجتماعية المناهضة للحكم الأجنبي وكتابة الآلاف من القصص ودواوين الشعر ومجلدات النثر التي بلغت مستوى عالميا.

وتقوم عوامل تضعف أو تقتل الإبداع الفكري والحضاري في أرجاء من المعمورة. وفي الوطن العربي من العوامل التي تضعف أو تقتل الإبداع الفكري التسلط والاستبداد الحكوميان والطغيان الحكومي والتسلط والطغيان والاستبداد على صعيد السلطة الاجتماعية. إن لسعة أو ضيق جو الحرية الفكرية أثره في تحديد مضامين كتابات الكتاب وفي تحديد قوة أو ضعف لهجة الإعراب عن تلك المضامين.

وفي إيجاد هذا الجو تسهم عوامل، من أهمها تقاليد الإعراب بحرية عن الفكر ودور الذين يمسكون بمقاليد السلطة الحكومية وغير الحكومية في تشجيع أو كبح الحرية الفكرية.

وفي الحقيقة أن من الممكن القيام بالعطاء والإبداع الفكريين رغم عدم توفر قدر كاف من الديمقراطية. ويمكن الإتيان بالفكر المبدع دون توفر الحرية الفكرية التامة.

ولا يمكن التحقيق التام لمفهوم من المفاهيم لأن المفهوم بطبيعته حالة فكرية مثالية، ما يعني عدم إمكان تحقيقه التام. وذلك ينطبق طبعا على الديمقراطية والحرية في أي بلد من البلدان. بيد أن الفكر يزداد تعززا بوجود قدر أكبر من الديمقراطية والحرية الفكرية.

ويمكن أن يكون غياب قدر أكبر من تحقيق مفهوم من المفاهيم محفزا على زيادة قدر تحقيقه. فعدم تحقيق قدر أكبر من الحرية الفكرية يمكن أن يكون محفزا عل مزيد من العطاء الفكري.

ويؤدي العلم دورا متفاوت الأهمية في الرؤية والحياة لدى كل الشعوب، ويبدو أن ذلك الدور أقل كثيرا في الرؤية والحياة العربيتين. وإذ نقول ذلك فإننا لا نأتي بشيء جديد. ولقلة دور العلم في الحياة العربية أسباب كثيرة ونشيطة ومتداخلة. ومن هذه الأسباب قدر أكبر من الجمود والانغلاق الفكريين، وقيام مؤسسات منتفعة من الحالة القائمة تقلل التأكيد على أهمية دور العلم أو لا تحفز بما فيه الكفاية عليه، ومنها السلطة الحكومية وغير الحكومية والنظام الذكوري الأبوي والنظام التربوي التلقيني المؤكد على الاستظهار، وإهمال التنشئة على التفكير المستقل المبدع ومعاداة الفكر الفلسفي أو عدم إيلائه ما يستحقه من الاعتبار، والدور الكبير الذي تؤديه الحمائلية والقبلية والطائفية في قطاعات من الشعوب العربية، وعدم استعمال الاجتهاد على نحو كاف، وانعدام الجرأة لدى كثيرين من المسلمين على الإشارة إلى سوء فهم المسلمين لروح القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وإلى سوء فهم مفاهيم من قبيل القضاء والقدر والعقاب ومسؤولية الإنسان عن أفعاله واستخلاف الله للإنسان على الأرض والنزعة الاتكالية، والتأثير السلبي الذي يمارسه الفكر الساكن وقلة حضور الفكر النشيط النقدي، والغزو الثقافي الغربي الذي يشوش أو يقطع عملية التطور الطبيعي السلس إلى حد ما للفكر.

ولمدى الاستفادة من نتائج البحوث الاجتماعية (بالمعنى الأشمل، أي البحوث السياسية والثقافية والاقتصادية والنفسية) في رسم السياسة علاقة بطبيعة النظام السياسي. فكلما زادت أهمية تولي السلطة الحكومية وغير الحكومية ومواصلة هذا التولي وزادت أهمية هذين الاعتبارين في صنع السياسة وتنفيذها قلت أهمية نتائج البحوث الاجتماعية في عملية الصنع والتنفيذ هذه.

والواقع هو أن اعتباري تولي السلطة ومواصلته قائمان في كل النظم السياسية على وجه المعمورة. وتختلف النظم بعضها عن بعض في مدى الأهمية التي تولى لهما. ونظرا إلى هذه الحالة تكون مراعاة نتائج البحوث مقيدة بوجود هذين الاعتبارين. ولذلك ينبغي ألا يُتوقع أن تأخذ سلطات حكومية وغير حكومية بنتائج هذه البحوث، مهملة اعتبارات تولي السلطة ومواصلتها. وعلى الرغم من ذلك، لا بد من أن يوجد هامش في وضع السياسة الحكومية تراعي السلطات الحكومية فيه إلى حد معين نتائج البحوث ويكون ذلك الحد عدم المساس بأهمية أو بأولوية الاعتبارين المذكورين.

والهيئات الحكومية، بحكم تملكها لوسائل التأثير والإكراه، قادرة في النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، وخصوصا في النظم غير الديمقراطية، على التدخل في مختلف مجالات حياة البشر، وعلى توجيه نشاطات المجتمع الوجهة التي تريدها، وعلى وضع ترتيبات الآولويات في ادارة شؤون المجتمع والشعب والدولة، وأحيانا على انتهاك القوانين والأعراف والنيل من العادات والتقاليد المرعية. والهيئات الحكومية تقوم بذلك مندفعة بدوافع من أهمها المحافظة على مصالحها ومنها مصلحة ممارسة السلطة ومواصلتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى