السبت ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧

الرواية الصحراوية

باسم عبدو - سوريا

منذ أن نشأت الرواية العربية في بداية النهضة العربية الحديثة كانت مرآة المجتمع المدني كراوية(( تخليص الابريز )) للطهطاوي، الصادرة في القاهرة عـام / 1834 /، ورواية ( غابة الحق ) لفرنسيس، الصادرة في حلب 1965.

وفي الثلث الأول من القرن العشرين، دخلت الرواية العربية في أعماق الريف والمدن العربية، وعكست واقع الأمة العربية، وواكبت عهدي الاستعمار والاستقلال والتحرر، لأنها الجنس الأدبي الأقدر على التقاط التفاصيل، واقتناص المشهد المعقد والعدائي للعالم المعاصر .
لقد اقتحم الروائيون العرب المكان الصحراوي بفضائه الزمكاني المفتوح على كل الجهات في النصف الثاني من القرن الماضي، وشكلت الصحراء المكان الشاسع، لعمل وتنقل الشخوص، ابتداءً مـن الصحراء المغربية والموريتانية غربـاً، وانتهـاءً ببادية الشام، وصحاري شبه الجزيرة العربية شرقاً فهذا (( حامد )) بطل رواية (( زينب )) لحسين هيكل، يغادر المدينة، ويترك حضارتها وألقها وجمالها ويتجه إلى الصحراء السودانية، وكذلك فعل مثله ((إبراهيم الكاتب )) بطل المازني واجتاز أبطـال رواية ((رجال في الشمس))لغسان كنفاني الطرق البرية التي تصل بين مدن الكويت والمدن العربية وصورت رواية (( الحفاة وخفي حنين )) لفارس زرزور، حياة الفقر وشظف العيش والقحط والجفاف في سهل حوران ... وروايات أخرى مثل (( البحث عن وليد مسعود)) ، لجبرا إبراهيم جبرا، (( حارة البدو )) لإبراهيم الخليل، وسواها .

لم يلتفت الروائيون في بلاد المغرب إلى الصحراء، لأنهم كرسوا إبداعاتهم الروائية للهم الوطني واهتموا بالقضايا الاجتماعية والسياسية، باستثناء روايتين، لعبد الحميد بن هدوقة، هما (( ريح الجنوب، ونهاية الأمس )) .. وهناك روايات قدمت إشارات واضحة عن المكان الصحراوي، كوجود النباتات الشوكية في رواية (( بدر زمانه )) لمبارك ربيع .. وعوض شيئاً من النقص الروائي الموريتاني أحمد ولد عبد القادر، في روايته (( الأسماء المتغيرة)) التي تجري أحداثها في الصحراء الإفريقية الكبرى وجزء من شمال السنغال وأراد الروائي أن يحكي قصة نشوء الدولة الموريتانية, وظهر ذلك في جميع الأنساق السردية، وفي الشخوص، وملامحها القاسية، وفي كل المكونات الفنية للعمل الروائي .

وصدرت ثلاثية للروائي مصطفى الكتاب، من الصحراء الغربية وهو أول عمل لروائي صحراوي عايش شعبه، وتحسس نبضه وتربى في كنفـه .. فصـدر الجزء الأول (( أوتاد الأرض )) عام 2002 .

والجـزء الثاني (( تحدي البـدو ))، والثالـث (( شرارة الاحتراق)) فـي العـام / 2004 / .
رسم الروائي مصطفى الكتاب خريطة روائية للصحراء الغربية، وحدد على شبكة إحداثياتها كافة المظاهر الطبيعية وقدم تفاصيل دقيقة عن تضاريس المكان وعن الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وعرف المتلقي العربي في المشرق على المفردات اليومية الغربية وعلى عادات وتقاليد وطقوس (( الشاي الزخضر ) ) والفولكلور والأساطير والتعاويذ والأضرحة والأشعار والأغاني والأمثال الشعبية وأنواع الطعام واللباس وأدوات المنزل والصناعة البسيطة .

إن (( أوتاد الأرض )) رواية صحراوية تقليدية, واقعية، تؤرخ للصحراء الغربيـة، وتعامل الشخصية على أساس أنها تنتمي إلى التاريخ والزمن فيها هو زمن طولي أفقي .

إنها رواية كلاسكية لأنها تعنى عناية شديدة بوصف المجتمـع فـي أدق التفاصيـل، وتعطي صورة صادقة عن حيثيات الحياة الهامشية والرئيسية، تنبض بالحركة والعمل، متعددة الأمكنة ومتنوعة الشخوص من ذكور وإناث وأطفال وللمرأة الصحراوية دوراً بارزاً في الرواية .

ويجتاز الحدث محطات زمنية تاريخية، مفصلية، اكتسبت الرواية بعداً معرفياً عميقاًً، محملاً بدلالة ثقافية وسياسية واجتماعية وحمل العنوان ((أوتاد الأرض )) قصدية دلالية، وفق الكاتب في اختياره .. وجاء على لسان أحد الشخوص : (( نحن أوتاد الأرض وجبالها الرأسية التي نحافظ عليها حتى لا تميد ... أوتاداً لـن ترحل، ولـن تتحرك، لأنها تستطيع ذلك، وهذا هو قدرها )) .

إن (( أوتاد الأرض )) رواية صحراوية بجدارة ووجود بعض الهنات الفنية لا يقلل من قيمتها الإبداعية فهي تعكس في تعدد شخوصها وتنوع أمكنتها وتناقضاتها الثقافية والاجتماعية واقعيتها وجماليتها في كل المستويات الشاقولية والأفقية وفي مظاهرها الخارجية والداخلية تعكس حياة البدو في الخيام وحياة المهاجرين، الباحثين عن عمل فـي بيوت الصفيح (( حي العمال )) في هوامش مدينـة (( العيون )) والأبنية الشاهقـة، الطابقية في مدينة الداخلة الساحلية .

إنها رواية تغني المكتبة العربية، وتضاف إلى فهرس الرواية الصحراوية .

باسم عبدو - سوريا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى