السبت ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
قراءة نقدية في قصة في قصة المقهى
بقلم جمال غلاب

للشاعر والكاتب محمد ديب

البحث عن قيمة المعنى في أعماق المسحوقين

ـ كان الله في رعايتكم، ما أشد هشاشة حياتكم، وأنتم العزل أمام عالم يطحنكم ويدوسكم وينبذكم، مثل أشياء لم تعد تصلح لأي شيء وما تدرون شيئا.

هذه الصرخة لسجين جزائري في عهد الاستعمار الفرتسي بالجزائر سحبتها من القصة المعنونة بـ: في المقهى ـ للشاعر والكاتب ـ محمد ديب ـ و القصد من ذلك أردت اتخاذها مدخلا لاستكناه الطلسم المغلق لوقائع وأحداث القصة التي تكتنفها الكثير من علامات الاستفهام؟

إن التهديد المميت الذي يحوم فوق وضع مثل هذا يجعل كل شيء مجدبا... الصرخة وحدها تجعل الجزائري يحي وعند هذا الحد تصبح رؤيا الدمار الكلي يختلط فيها كل شيء: الحب والموت والوجدان والإثم في عالم شذا عن مداره حيث لا يعود هناك من الحياة إلا حياة المهاوي ... ما معنى هذه الصرخة؟ وما هي أسبابها؟ و لماذا هذه الصرخة في ذلك الوقت بالذات؟ مثل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى على امتداد النص القصصي ـ محمد ديب يكشف ـ عن نبؤته بقرب نهاية الظلم ورحيل الاستعمار الفرنسي إلى الأبد من الجزائر.

مفاتيح القراءة الموظفة بالنص القصصي

تبعا لتوضيح و تفسير ـ جورج الطرابشي ـ بقوله: لكل قفل مفتاح وللأثر الأدبي قفل و بحاجة هو الآخر لمفتاح خاص به ... ان المناهج جميعا يجب أن توظف في خدمة الأثر الأدبي و فهمه و تقييمه،و لا يجوز البتة تمديد الأثر الأدبي على سرير ـ بروكست ـ أي المنهج الجاهز مسبقا... الأثر الأدبي هو الذي يعين للنقاد طبيعة المنهج الذي يمكن فتح قفله به ـ . بهذه الأسطر القليلة شرح عميد النقاد ـ جورج الطرابشي ـ أيسر الطرق للوصول الى اختيار المنهج الذي يؤهل المتلقي على فتح قفل النص ... و النص موضوع قراءتنا يلزمنا باتباع المنهج الجمالي و الذوقي لكون النص تتكثف به الرموز و الايحاءات و لفك شفرات هذه الرموز فانني سوف أستند على المدرسة الألمانية التي يمثلها ـ ايزر ياوس ـ الذي يعتبر المرجع في جماليات التلقي ـ 1969 ـ نظرا لتوظيفه الدقيق لثالوث المعروف ب ـ المؤلف, النص، المتلقي ـ و لتبدأ بالمؤلف فمن يكون ـ محمد ديب ـ .....؟

السيرة الذاتية و الإبداعية للقاص محمد ديب

ولد محمد ديب يوم 21/جويلية / 1920 بتلمسان في عائلة كانت غنية و لكنها فقدت كل شيء على مر الزمن و أصبحت منذ بداية القرن الماضي في عداد العائلات الفقيرة... دخل المدرسة و عمره ستة سنوات لكن سرعان ما مات أبوه سنة 1939... انتقل محمد ديب الى وجدة بالمملكة المغربية ليواصل تعليمه .. في سنة 1939 اشتغل معلما في قرية ـ زوج بغال ـ بالحدود المغربية الجزائرية و في سنة 1945 لم يجند اليها لهشاشة عوده، وفي هذا العام اشتغل رساما و مصمما للزرابي التي كان ينسجها لبعض معارفه لبيعها و العيش من ثمنها.

ـ 1948 زار محمد ديب مدينة البليدة و قضى حوالي شهرا في سيدي مدني ـ ... تعرف على مجموعة من الادباء الجزائريين و الفرنسيين ـ مدرسة الجزائر العاصمة ـ منهم: البير كامو و مولود فرعون و جان سيناك.... و في سنة 1949 انضم الى نقابة الفلاحين الجزائريين و سافر في مهمة إلى فرنسا للدفاع عن حقوق عمال الارض الجزائريين.

وفي سنة 1950 عمل صحافيا في جريدة ـ الجزائر الجمهورية ـ تصدر بالفرنسية الى جانب كاتب ياسين صاحب رائعة ـ نجمة ـ و خلال نفس السنة نشر أيضا في صحيفة الحرية اللسان المركزي للحزب الشيوعي الجزائري.

ونظرا لكتاباته النارية الشرطة الفرنسية تتابعه وتحذره بسبب مقالاته الوطنية الأكثر من اللازم. وفي سنة 1951 كتب إلى جان سيناك - الشاعر الجزائري الذي اغتيل بأدي مجهولة سنة 1973 بالجزائر- يخبره أنه أنهى رواية في ثلاثة مائة صفحة وفي نفس هذه السنة تزوج محمد ـ ديب ـ كوليت بليسانت ـ التي أنجب معها 4 أولاد.

في عام 1952 صدرت أول روايته بالفرنسية، وهي البيت الكبير من دار النشر ـ السوي بباريس ـ كان نجاح الرواية سريعا ومفاجئا للناشر، وفي أقل من شهر نفدت الطبعة الأولى و صدرت الطبعة الثانية للاشارة كانت البيت الكبير أول نبؤة بمخاض الثورة التحريرية.

وفي سنة 1954 وفي نهاية أوت صدرت رواية الحريق، وهي الجزء الثاني من الثلاثية أعلن عنها ـ محمد ديب ـ .. فور صدور هذ الرواية أنهى محمد د يب ثلاثية الجزائر بأجزائها ـ البيت الكبير والحريق والنو ل ـ كانت رواية الحريق فتيلا حقيقيا سرعان ما اشتعل معلنا و شوك نهاية الاستعمار الفرنسي في الجزائر.

.... في سنة 1954 من شهر أول نوفمبر الثوار الجزائريون يضربون بقوة... و الكفاح المسلح ينطلق تحت راية جبهة التحرير الوطني..... في سنة 1955 صدرت أول مجموعة قصصية ل: محمد ديب ـ * في المقهى * و هي مجموعة قصصية تدخل في نفس الاطار * الحريق * الثورة الآن في تأجج مستمر قصة ـ في المقهى ـ التي تعنون الكتاب و التي هي موضوع قراءتنا قد تكون أول قصة جزائرية تؤرخ للحرب السرية ضد استعمار كما أكد الروائي و الكاتب * جلالي خلاص *.....

في سنة 1956 ـ محمد ديب ـ يغير عمله مرة أخرى، ليعمل محاسبا لدى الخواص. وفي سنة 1957 * محمد ديب * يتشر الجزء الثالث من ثلاثية الجزائر ـ النول. وفي سنة 1959 صدور روايته الرابعة صيف أفريقي. وفي هذه السنة السلطات الاستعمارية تطرد * محمد ديب * من الجزائر. أحد محافظي الشرطة يعلق عليه بقوله ـ هذا الكاتب تجاوز الحدود، إنه فلاقي: أي بمعنى إنه إرهابي ـ... محمد ديب يختار المنفى .. أوربا الدول الشرقية باريس روما و يبدأ الضياع....

وفي ستة 1960 السفر إلى المغرب للاقامة لفترة قصيرة و في سنة 1961 صدور أول مجموعة شعرية لـ: محمد ديب. ويعود ككل المنتصرين إلى الجزائر، وفي السنة ذاتها أصدر أول رواياته الشهيرة ـ من ذا الذي يذكر البحر ـ فكان تحولا ملموسا في مساره الأدبي، لأنه لأول مرة يكتب محمد ديب روايته شبيهة برواية علم الخيال.

و في سنة 1963 الدولة الجزائرية تمنح ـ محمد ديب ـ بالمساواة مع محمد العيد آل الخليفة الشاعر المعروف أول جائزة تقديرية للأدب محمد يهدي المبلغ المقدر ب ـ 5000دينارا جزائريا ـ الى دور العجزة و الفقراء و معطوبي الحرب.

و في سنة 1963 شبح الحرب الأهلية في الجزائر لكن بين الأخوة يكاد يقضي على الدولة الجزائرية الفتية التي خرجت من الاستعمار الاستيطاني المتوحش. محمد ديب يتألم كثيرا للاقتتال الدائر رحاه بين الأخوة و هو الذي ضاق مرارة النفي والاستنطاقات وهكذا يقرر المنفى الإرادي ويستقر بباريس تعبيرا عن غضبه من الصراعات على السلطة في الجزائر.

وفي سنة 1966 صدور عمل إبداعي ـ الجري على الضفة الوحشية. إنها الرواية السادسة للكاتب. وفي سنة 1966 صدور مجموعته القصصية ـ الطلسم ـ و في سنة 1968 محمد ديب ينشر روايته السابعة ـ رقصة الملك. وفي سنة 1970 صدور روايته الثامنة ـ الحرب في بلاد البرابرة ـ وبعدها تصدر المجموعة الشعرية الثانية ـ كتاب الصيغ ـ ... وفي سنة 1973 محمد ديب ينشر روايته التاسعة ـ معلم الصيد.

وفي سنة 1974 محمد ديب يدعى كأستاذ شرفي بجامعة ـ كالفورنيا.. لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية ـ.... وفي سنة 1975 يسافر الى فلندا للمشاركة في ملتقى أدبي و في نفس هذا العام ينشر مجموعته الشعرية الثالثة ـ العشق كله ـ... و في سنة 1976 سافر محمد ديب الى أكلا هوما حيث دعي ليكون عضوا في كلية تحكيم إحدى الجوائز الأدبية العالمية ـ بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفي سنة 1977 صدور روايته العاشرة ـ هابيل ـ.. و في سنة 1979 صدور مجموعته الشعرية الرابعة ـ نار جميلة ـ و في سنة 1980 ينشر أول مسرحية في كتاب. وقد سبق له أن كتب المسرح و لكنه لم ينشره للقراء انها مسرحية ـ ألف صيحة لمومس

و في سنة 1981 دار النشر الفرنسية * السوي * بباريس تطلب من محمد ديب أن يعيد النظر في طريقة كتابته بحجة أن كتبه أصبحت غير رائجة ـ محمد ديب ـ يرفض ويطالب ـ دار النشر السوي ـ بحقوق مؤلفاته و تبدأ الأزمة.

و قد أسر محمد ديب لأحد أصدقائه بشأن هذه الأزمة ـ بقي لهم أن يطلبوا مني تغيير اسمي.. أنا أعرف ان اسم محمد أصبح يقلق الغرب ـ و هنا أفتح قوسا للتوضيح *دار النشر السوي * و تحت ضغوط بعض المثقفين و السياسيين الفرنسيين تفطنوا إلى كتابات *محمد ديب * بأنها لا تخدم مشروعهم التوسعي و معظمها يدخل في اطار التوعية لأبناء بلاده والكشف عن نوايا المستعمر، إضافة الى توظيف محمد ديب لجميل تراثنا العربي و الاسلامي في كتاباته فكما هو متعارف عليه محمد ديب كان سفيرا لحضارة شرقية بجواز سفر مزور آلآ و هو اللغة الفرتسية . و في سنة 1982 محمد ديب ينزل بالجزائر العاصمة... الشركة الوطتية للنشر و التوزيع الجزائرية تحاول شراء حقوق نشر كتبه بالفرنسية... حينها مرض السكر ينهش جسم الكاتب الهش ـ محمد ديب ـ... المفاوضات تفشل فالوزير الأول الجزائري ووزيره للثقافة يرفضان تحويل أي سنتيم ل ـ محمد ديب ـ أو حتى للمعالجة ، و يسافر ـ محمد ديب ـ الى منفاه مرة أخرى و في سنة 1984 المرض العضال يكاد يفتك بالكاتب الكبير... في حجم البير كامو و جون بول سارتر و سيمون بوفوار و غنتر غراس..... الخ .. الأصدقاء ل: محمد ديب ـ يبلغون بعض المسؤلين الجزائريين ... لا أحد يستجيب لكن السلطات الفلندية تتدخل و تنقذ ه بمنحة... ـ محمد ديب من جهته يقوم بترجمة الشعر الفلندي الى الفرنسية.. و في سنة 2003 ينتقل الكاتب ـ محمد ديب ـ الى الملأ الأعلى تاركا من ورائه سيلا من الأسئلة ـ العملاق رحمه الله محمد ديب ـ أوصى قبل وفاته بدفته على التراب الفرنسي و بباريس (....؟؟؟....).

مضمون النص القصصي وجملياته:

بعد أن تعرفنا على السيرة الذاتية والابداعية للمبدع نكون قد المينا بالمؤلف الذي سوف نلمس بصماته في مضمون النص ومن هنا نكون قد وفقنا في ربط العلاقة بين المؤلف و النص.

تدور أحداث النص القصصي في (مقهى) تكومت فيه عينة من الجزائريين المشردين أغلبهم من الفلاحين هاجروا الأرياف بعد أن اجتثوا من أراضيهم... لجؤا الى هذه المقهى لا للتسلية و السمر و الترفيه، بل هربا من الواقع الرهيب الذي فرضه الاستعمار الفرنسي بالجزائر طيلة 132سنة ـ 1830 الى 1962. و من ثورة الطبيعة التي كانت تطحن أجاسدهم النحيفة بلسعات البرد القارص. لقد كان كل ما في هذا الكون يسبب للجزائري المعاناة و القهر فالى أين المفر...؟

القاص ـ محمد ديب ـ هو الآخر احتمى بهذا المقهى لأنه كان يزعجه رؤية أولاده وهم يبيتون على الطوى بقوله ـ انتظرت صابرا.. أجل انتظرت بدوري أن يستبد العياء بأطفالي فيغلق عيونهم تلك العيون التي ترسم علامة استفهام بكماء رهيبة وهي نفس العلامة دائما، رأوني أعود الى الدار انتظرت أن يضرب النعاس أعضائهم الهزيلة ويلقي بمسحة من الراحة على وجوههم الشاحبة الصغيرة التي تبدو وكأنها مغطاة

بالرماد انتظرت أن تنام زوجتي بعد أن تسأم السهر و ظللت أنتظر ـ القاص من خلال هذه اللوحة المعبرة يحاول اقناع من حوله و تحديدا المتلقي بأن ليل الاستعمار رتيب و ثقيل و لا ينتهي اذا ما تمسكنا بواقع الانتظار ... بل واقع الحال يتطلب فعل شيء لتغييره. لكن من أين السبيل الى التغيير،يلتفت القاص الى خلفه فى المقهى فلا يجد سوى أشلاء تتحرك عدمت طعم الطعام منذ ولادتها تتحرك مثل أي كرسي من كراسي المقهى اللآمجدية العرجاء .. أو عبارة عن حطام اختلطت فيه فيه الأثواب البالية و الشواشي المبقعة و البرانيس و المعاطف المهترئة و هو على هذا الحال من اليأس و اذا بشخص غريب يقطع سكونه محدثا فيه زلزالا عنيفا.....؟؟؟؟

لقد استطاع بكلماته ونظراته أن يقلب رأسا عن عقب معالم الحياة التي كان عليها القاص منذ لحظات .. وهي الكذب و النفاق و الارتياح المزيف الذي يغطي الحياة و يلفها.... لقد أدرك القاص أن الانتظار لا يعيد الحياة الكريمة إلى نصابها ولا مجال للتذرع بالصبر المميت... ترى ما هي قصة هذا الشخص الغريب؟ وماذا أيقظ في القاص؟ إن هذا الرجل ما كان يريد القتل بل السرقة و هي المرة الأولى التي يسرق فيها؟ مثل هذا الفعل أملاه عليه الجوع و البطالة والسأم الرهيب والمستبد به... لقد انزلق وراء عربة كانت تحمل علبا كبيرة من الورق المقوى من محطة السكك الحديدية قال الشخص ـ لم أكن أعلم ما سأجد داخل تلك العلبة لكنها كانت تحتوي على بسكويت لطبقة معينة من أهل المدينة قلت حينها ينبغي علي أن آخذ نصيبي ـ لكن لسؤ حظه الحادثة لم تنته كما كان يريدها فهو لم ينجو بالبسكويت و إنما سلطت عليه عقوبة خمس سنوات سجنا جراء قتله لصاحب العربة؟

الحادثة على ما يبدو لم تنته عند اقتراف الذ نب و الرضوخ لتحمل أعباء العقوبة ؟ الحادثة كانت بالنسبة للشخص بداية صعبة و لا بد من خوض غمارها للوصول الى جذورها بقوله ـ ثم ماذا؟ ماذا هناك؟ رجل يتنفس و يؤدي عمله أصل أنا و أسدد له ضربة و ما من رجل بعدها ماهذا الذي يحدث؟ أين هي الحياة اذن؟ لقد خلقه الله و قتلته أنا و لم اشفق على نفسه ولا على وجهه و لا على حياته التعسة ولا على عرق جسده ولا على المرأة التي ولدته لكأنما قدم لي كبش و قيل لي اذبحه انه يماثلني لكنني أنا أقضي عليه مثلما أقضي على حيوان أين هي الحياة؟ ـ سؤال خطير طرحه السجين ظل يرن برأس القاص وهو ما دفعه الى التعليق بقوله ـ لكنه حرك في أعماقي مناطق معتمة أيقظت بدورها أصداء بعيدة مؤلمة ـ ماهي هذه المناطق المعتمة؟ وما المقصود بالأصداء البعيدة المؤلمة؟ مثل هذه الأسئلة أعادت القاص إلى بداية البدايات.

إن هذه الأسئلة القصد منها الضغط على القاص لمراجعة أحكامه في حق اخوانه الجزائريين الذين فرض عليهم تنفس هواء البؤس و تحويلهم الى حطام بفعل فاعل... من هذا المنطلق على ما يبدو وجد القاص ضالته عند السجين انها تتمثل في حاسة ـ المعنى ـ التي تولدت فجأة من العدم و من عتمة جدران السجن .. إن هذه الحياة الميتة والتافهة التي فرضت على الشعب الجزائري مردها انعدام قيمة المعنى بنفسية وتفكير أغلبية الجزائريين... نعم الحياة بلا معنى لا تؤدي الى وضوح بصيرة الحي يواصل القاص رحلته في أعماق السجين بغية مطاردته لهذه القيمة ـ المعنى ـ عبر أحاسيه ومشاعره وتجاربه إلى أن يكتشف في السجين مشروعا سياسيا كاملا. وهذه بعض الصورمنه ـ هاهم رجال نبذوا نبذا و سوف يعيشون من الآن فصاعدا على الهامش خاملي الذكر لماذا؟ لأنهم سرقوا ذات يوم قطعة خبز أو قبضة أرز والأسوأ في هذا الأمر كله أنهم لا يفكرون حتى في أوضاعهم وهذا ما حير بالي تصور أن العديد من الناس قد يتحطمون بمثل هذه الكيفية فكر في مثل هذا الأمر...أين هذا المانع الذي يحول بينك وبين فعل الشر؟ أين هو المانع الذي يحفظك من الشر حين يراد بك ليس هنا ك مثل هذه الموانع في أي مكان بيت القصيد لا يوجد في أعماقك ولا فيما يراودك من أفكار شريرة بل هو موجود في الحياة التي تجعل منك ذئبا مراوغا ذلك أنك لست أنت العفن بل العالم هو المتعفن و هو أشبه ما يكون بدمل لا يريد أن ينفجر و حتى تعود الحياة المجردة من الكذب و التزييف و النفاق الاستعماري لا بد من الانفجار عن طريق التمرد و الثورة لقد زالت كل الموانع و استهلكت كل التبريرات التي من شأنها قد تشفع لبقاء الاستعمار الفرتسي بالجزائر حتى الفرنسي الذي تولى الدفاع عن السجين و أدعى بأنه صديق الشعب بقو له ـ من يستطيع أن يزعم أن هذا الرجل شرير؟ لم يشهد أي انسان ضده ـ ماقاله المحامي الفرنسي يحتاج الى كثير من التمحيص... و الى شواهد حية تد حض كل مبررات الاستعمار الفرنسي و بعبارة أدق فان ما سلف ذكره بعد التمهيد للعمل السري للكفاح المسلح. أن النظام الفرنسي المتعفن لا يمكن أن يصحو ضميره على واقع هذه القيم الانسانية كما لا تنفع مع الديبلوماسية لهذا السبب يقول السجين ـ أن المحامي عبارة عن تفهات اذا كنت تريد الدفاع عني فقم بعملك هذا حينما أكون بحاجة اليه دافع عني قبل أن ارتكب جريمتي ولا تتركني أصل الى هذا الحد لأن الأوان يكون قد فات حينها لن يلحق بي أحد..ان أنا اندفعت في جريمتي بل انني سأذهب حينئذ الى أقصى حد و سأجري الى أن أسقط تستطيع بعد ذلك أن تقيدني لكن العالم هو الذي ينبغي تغييره لا أريد من أحد أن يعلمني دروسا في هذا المجال انما ما أريده هو الحصول على امكانية العيش فكيف لا يفهمني الناس أفضل أن أحاكم بقساوة أن يصدر في حقي حكما بالاعدام العالم هو الذي يقرفني والناس يتعذبون كثيرا في مثل هذا الوضع الأفضل أن يقضى على أمثالنا قضاءا مبرما و الا فان أيادينا سوف تتنامى و تزداد طولا و عندما نكون قد شربنا الكثير من هذه الحثالة يجىء دورنا لكي تقضي على العالم ـ ترى ما هذه النتيجة التي توصل اليها هذا السجين لقد خدم فكره و وصل الى حقيقة لا يمكن لأي كان أن يدحضها دون أن يناقض نفسه .

لقد آن الأوان لتغيير العالم من خلال وضع حد لتواجد النظام الفرنسي المتعفن و هذا لا يتأتى الا بعد أن يكون قد شرب أغلبية الجزائريين من هذه الحثالة ساعتها سوف تتولد قيمة ـ المعنى ـ بأعماق المسحوقين من الجزائريين و تدب الحياة فيهم.

القاص ـ محمد ديب ـ بعد سماعه لمثل هذه المعاناة يكون قد تنبأ بميلاد الثورة التحريرية و هي نفس النتيجة التي كان قد توصل اليها صديقه ـ البير كامو ـ للاشارة أن هذا الكاتب ولد بمدينة عنابة بالشرق الجزائري ففي كثير من مقالاته التي كان يكتبها و يرسلها من الجزائر سنة 1945 و التي كان يكشف فيها عن نبؤته بكل شيء بما في ذلك الثورة التحريرية الجزائرية من خلال ردود أفعال المتطرفين الفرنسيين و فساد الادارة الاستعمارية و تزوير الانتخابات و كل ما يتصل بآلة الاضطهاد و هذا مقطع من أحد كتاباته الشهيرة ـ ان العبد الذي ألف تلقي الأوامر طيلة حياته يرى فجأة أن الأمر الجديد الصادر اليه غير مقبول فما هو فحوى هذه اللا .. انها تعني مثلا أن الأمور استمرت أكثر مما يجب و أنك غاليت في تصرفك أيضا أن هناك حدا يجب أن لا نتخطاه و أنها مقبولة حتى هذا الحد و مرفوضة فيما بعده ـ

أخيرا ما يجب الاعتراف به ل: محمد ديب أنه كان أقوى من آلة اضطهاد السلطة الاستعمارية لأنه ليس من السهل أن يكتب بهذه الجرأة نصوصا تفصح في باطنها عن التمرد و خوض الكفاح المسلح... لقد اشتهد القاص الى أبعد الحدود في التعمق في المذهب الرمزي للوصل الى ما يرسخ قيمة ـ المعنى ـ في نفسية الجزائريين و من الرموز الني و ظفها في نصه القصصي رمز السجين الذي يتحول بعد فك شفرته الى التمرد و المحامي الفرنسي رمزية الى جماعة الشيوعيين الفرنسيين الذين من عاداتهم استعمال الخطاب المزدوج أمام الجزائريين يتزينون بالانسانية و حقوق الانسان في حين أن أغلبيتهم نافذة في السلطة و المخابرات الفرنسية و لعل الرسالة التي وجهها لهم القاص عبر لسان السجين تؤكد مدى تقزز ـ محمد ديب ـ في هذا النص القصصي.

البحث عن قيمة المعنى في أعماق المسحوقين

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى