الجمعة ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم علي القاسمي

أُحاديّ القَرْن في الحديقة

بقلم: جيمس ثيربر

نشأ الكاتب الأمريكيّ جيمس ثيربر (1894 ـ 1961م) في مدينة كولومبس في ولاية أوهايو، ودرس في جامعتها. وكان أحد الشبّان الذين استخدمهم هارولد روس Ross للغمل في دوريّته (النيويوركي) عند تأسيسها عام 1925، وانتدبه مُراسلاً صحفيّاً في باريس. وقد وصف ثيربر تلك الفترة في كتاب بعنوان " سنواتي مع روس " صدر عام 1959. وتخلّى ثيربر عن عمله الصحفيّ ليتفرّغ للكتابة ووضْعٍ الرسوم التوضيحيّة للكُتُب القصصية والمقالات. وتعاون مع المسرحيّ إليوت نوجنت Nugent في إعداد مسرحيّة بعنوان " الحيوان الذَّكر" التي نالت نجاحاً كبيراً عند تمثيلها على المسرح في نيويورك. كما أخرج العديد من قصص ثيربر ومشاهده الهزليّة على مسارح برودواي في نيويورك. وتحوّلت بعض قصصه الأخرى إلى أشرطة سينمائيّة، ومنها قصّته القصيرة " أُحاديّ القَرْن في الحديقة" (1) التي نترجمها هنا. وعُرِف ثيربر بتأليف القصص والحكايات الخرافيّة، والمقالات الساخرة، والرسوم الكاريكاتوريّة التي حقَّقت شهرة واسعة في أمريكا. وكان يُعَدّ أحبَّ كاتب ساخر في البلاد. ونُشِرت مختاراتٌ من أعماله في كتاب بعنوان " مهرجان ثيربر" عام 1945، وهو مُمتلئ بالكلاب ذات العيون الواسعة، والنساء المُحتالات، والرجال الرعاديد الخائفين.

أُحاديّ القَرْن في الحديقة

كان يا ما كان في صباح يوم مُشرِق، رجلٌ يجلس إلى طاولة المطبخ لتناول فطوره. رفع عينيه عن البيض المقليّ الموضوع أمامه ليرى أُحاديّ القَرْن أبيض ذا قرن ذهبيّ، وهو يقضم زهور الخُزامى في الحديقة. صعدَ الرجلُ إلى غرفة النوم حيث كانت زوجته ما زالت نائمة وأيقظها. وقال: " هناك أحاديّ القَرْن في الحديقة وهو يأكل الورود." فتحتْ زوجتُه عيناً غاضبة وقالت: " أُحاديّ القَرْن حيوان خرافيّ لا وجود له." ، ثم أدارت ظهرها له. نزلَ الرجلُ الدَّرَج بتؤدة وخرج إلى الحديقة. وكان أُحاديّ القَرْن ما يزال هناك، وهو الآن يتسلى بأكل السوسن. قال الرجل: " أُنظرْ إليَّ، يا أُحاديَّ القَرْن!" وقطف زَنْبَقةً وأعطاها له. فأكلها أُحاديّ القَرْن بهدوء. وفرح الرجلُ بوجود أُحاديّ القَرْن في الحديقة، وصعدَ إلى الطابق العلويّ وأيقظ زوجته مرّة أُخرى وقال: " لقد أكل أُحاديّ القَرْن زَنْبَقةً."

رفعتْ زوجته رأسها وجلستْ على السرير، ونظرتْ إليه ببرود، وقالتْ: " أنتَ مجنون. وسأجعلهم يضعونك في مستشفى المجانين." وفكَّرَ الرجلُ قليلاً، فهو لا يُحبّ كلمات مثل " مجنون" و " مستشفى المجانين"، ويحبّها أقلّ في صباح مُشرِق، خاصّةً عندما يكون أُحاديّ القَرْن في الحديقة. فقال: " سنرى ذلك." وسار إلى الباب، ثم قال: " له قَرْن ذهبيّ في وسط جبهته." ثم عاد إلى الحديقة ليشاهد أُحاديّ القَرْن. وقعدَ الرجلُ بين الورود ونام.

حالما خرجَ الزوجُ من البيت، هبّتِ الزوجةُ وارتدت ملابسها بأسرع ما يمكن. كانت مُتهيّجة وفي عينيها بريق ينمّ عن سرورها. هاتفتِ الشرطةَ وهاتفتِ الطبيب النفسانيّ، وطلبتْ منهم أن يُسرِعوا إلى منزلها وأن يجلبوا معهم سترةَ تقييد المجانين. وعندما وصلت الشرطة والطبيب النفسانيّ وجلسوا على الكراسيّ، أخذوا ينظرون إليها باهتمام كبير. قالت: " رأى زوجي أُحاديّ القَرْن هذا الصباح." نظرت الشرطةُ إلى الطبيب النفسانيّ، ونظر الطبيب النفسانيّ إلى الشرطة. قالت: " أخبرني أنّه أكل زَنْبَقةً". فنظر الطبيبُ النفسانيّ إلى الشرطة، ونظرت الشرطةُ إلى الطبيب النفسانيّ. قالت: " وأخبرني أنّ له قَرْناً ذهبيّاً في وسط جبهته". وبإشارة رزينة من الطبيب النفسانيّ، وثب الشرطة من كراسيّهم وأمسكوا بالزوجة، وسيطروا عليها بصعوبة بالغة، لأنّها قاومتْ بضراوة، ولكنّهم تمكّنوا منها أخيراً. وما إن قيّدوها داخل سترة المجانيين حتّى عاد الزوجُ إلى البيت.

سألتْهُ الشرطة: " هل أخبرتَ زوجتكَ أنّكَ رأيتَ أُحاديّ القَرْن؟" أجاب الزوج: " طبعاً لا. إنّ أُحاديّ القَرْن حيوان خرافيّ." فقال الطبيب النفسانيّ: " هذا كلُّ ما أردتُ أن أعرفه. خذوها. آسف، يا سيدي، إنّ زوجتكَ حمقاء، مثل طير الزرياب". وهكذا قادوها، وهي تلعن وتصرخ، وحبسوها في مستشفى المجانين. وعاش الزوج منذ ذلك الحين بسعادة طافحة.
الحكمة:

لا تعدّ مجانينكَ حتّى يُودَعوا في مستشفى المجانين (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أُحاديّ القَرن (أو القارِن) حيوان خرافيّ له جسم فرس وذيل أسد وقرن واحد في وسط جبهته. وهو ليس وحيد القرن الذي يُسمّى كذلك خرتيت أو كركدن.

(2) أصل الحكمة الإنجليزية هو : لا تعدّ فراخكَ حتّّى يفقس البيض. ومغزاها عدم الاعتماد على أمر حتّى يقع. وقد حرّفها الكاتب عن قصد.

بقلم: جيمس ثيربر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى