الجمعة ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم سمية البوغافرية

أينك أيتها المرأة؟...

كثيرا ما يفتي فقهاؤنا بالزواج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة لرد الشهوانيين عن الانحراف. وكثيرا ما يبرر المنحرفون انحرافهم بحال زوجاتهم بأنهن لم يعدن يحركن عنفوان قلوبهم ولا يتفنن في العشق والهوى كما تتفنن بائعات الهوى. وكثيرا ما نشير على المرأة بأن تجتهد وتستعجل سد الثغرات التي تتسلل منها الثعابين إلى حياتها، وننصحها بأن تكون لزوجها أنثى تجمع نساء العالم وإلا تمادى الزوج الفحل في مغامراته الدنيئة... سلاح جميل نشهره في وجه المرأة وإلا حملناها مسئولية الانحطاط الأخلاقي وتدني القيم في المجتمع.. لماذا هذه الإدانة الظالمة وهذا الضغط الزائد على المرأة كأنها الطرف الوحيد فيما يعتري المجتمع من خروق وانحراف؟.. أهو من قبيل حكم الغالب على المغلوب؟.. أم هي من قبيل سياسة التغليط والاستغفال للتغطية على الحقائق؟ أم هو حكم غيابي ؟ أم هو نتيجة ما ترسب في أذهاننا من مفاهيم الجاهلية الأولى بأن الرجل هو كل شيء وأن حياة المرأة لا تستقيم إلا به.. ظل رجل ولا ظل حيطة.. الرجل ما يعيبه غير جيبه.. الرجل.. الرجل.. الرجل... أين هي المرأة؟ أين رأيها في الرجل... ألا تطمح المرأة أن ترى في أبيها أو أخيها أو زوجها رجل العصور..رجل يجمع رجال العالم.. رجل يحضن القمر والشمس.. رجل القرارات.. رجل يمسك بالكوكب الأرضي ويفرشه بساطا حريريا تحت قدميها.. أما زالت المرأة تحكمها قوانين الجدات؟ أم هي مجرد أداة في خضم الحياة؟.. أم أنها عجينة مرنة للكل الحق في أن يشكلها حسب هواه؟ أم هي سفينة تائهة تمخر البحار بدون ربان يهديها إلى بر الأمان؟ أما زالت المرأة هي تلك المأسورة بسلسلة لا متناهية من واجبات رغب عنها الطرف الآخر تذرف الدمع في صمت؟ أين المرأة.. أين هي المرأة التي ستنفض غبار الدهر على جثامين الأحياء من حواء؟ خلل مزمن حقا.. ؟ القطب الجنوبي يشكو من غيابك يا سيدتي ويحملك مسئولية انحنائه المفرط ؟..

سأتركك سيدتي، وسأجنح اليوم عكس ذاك التيار الموغل في الأنانية والمشبع بالعبق الذكوري حتى الغثيان، وأتوجه إلى فقهائنا المحترمين الذين يصفون للشهوانيين المرأة ـ لحما وشحما وعظما وكيانا ـ كعقار لذيذ مستساغ لكسر شهواتهم وردهم عن طريق الانحراف بسؤال حارق طالما اكتويت منه: ما ردكم ـ أيها المفتون المحترمون ـ على الذين يبادرون إلى تطليق إحدى نسائهم الأربع ليتزوجوا بالخامسة والسادسة..والعاشرة..؟ أتجيبون بأن ذلك حقهم الشرعي.. ثم ماذا إذا كان هؤلاء الشهوانيون يلتهمون من عقاقير "الفياجرا" أضعاف عدد وجباتهم الغذائية ويشتكون إليكم بأن الزوجات الأربع ـ عقاقير كسر الشهوة ـ اللاتي وضعتموهن في عصمتهم لم يردنهم عن الانحراف، ويقرون لكم بأنهم يطفئون شرارة العشق المتوهجة في أجسادهم والغريزة الحيوانية المشتعلة في كيانهم بالغطس في بحر الرذيلة؟ أفي هذه الحالة ـ أيها الفقهاء الأجلاء ـ تحولقون وتضربون كفا بكف وتدعوهم يغرقون في نعيمهم ؟ أم كان الأجدر منذ البداية أن تتصدوا لهم بمنجزاتنا العلمية وتصفون لهم من مختبراتنا الطبية ما يكسر شهواتهم، أو تفتوا بشأنهم ببطر أدواتهم التي يعيثون بها في الأرض فسادا لتقوا مجتمعنا شرهم بدل أن تدلوهم على طريق هم ليسوا أهلا لها!؟ أتقولون: هذا منكر؟ أقول: لماذا تكيلون بمكيالين؟.. ألم تفتوا بختان النساء؟ أليس ذلك منكرا وما بعده منكر؟ أليس ختان النساء جريمة تماثلها في شناعتها، في تاريخ البشرية، وأد النفس حية؟...

لا أبالغ إذا قلت لكم أيها المفتون الكرماء بأن الذين يستهويهم الغطس في يم الرذيلة لو وضعت قانتات المجتمع وفاتناته الطاهرات بين أيديهم لجذبتهم ألوان وعطور زهرات الزقوم..

أما الذين يشربون من يم الفساد والرذيلة حتى التعفن وحينما يخزهم شوك الضمير أو يهزهم الحس الآدمي فيطلون علينا من مستنقعهم المتعفن ليخادعوننا ويوهموننا بأن حال زوجاتهم هو ما دفعهم إلى ما اقترفوه من سوء أعمالهم، فأقول لهم، كفاكم خداعا لأنفسكم وكفاكم ظلما لنسائكم. ثم إذا كان الأمر كذلك أيها " الأعفاء المظلومون" فلما لم تسعوا منذ البداية وقبل أن تقدموا على مغامراتكم الشيطانية، إلى إصلاح ما فسد بينكم وبين زوجاتكم الطاهرات العفيفات وتعيدوا إليهن الروح والبريق وتقوا بيوتكم شر ما نازعتكم إليه أنفسكم الأمارة بالسوء؟ ألم تسألوا أنفسكم يوما عن سبب ذبولهن وإهمالهن لأنفسهن؟ ألا ترون أن انشغالكم باستمالة زهراتكم وصاحبات القد الممشوق والعطر الفواح والمتخصصات في العشق والهوى أنساكم أنفسكم وذويكم؟ وماذا لو كنتم أنفقتم على الترفيه على زوجاتكم الطاهرات العفيفات جزء ما تنفقون في استمالة زهرات الزقوم، أو صرفتم على بيوتكم من ميزانية العشق، التي تغرقون بها في بحر الرذيلة، ما يقي زوجاتكم " شر" المطبخ ورائحته؟ ألم تكونوا قد نشلتموهن من الذبول والإهمال وأنقذتم أنفسكم من متاهات لا يعلم غير الله كيف ستخرجون منها؟ ألم تسألوا يوما، أنفسكم كيف ذبلن بين أيديكم وأمام أعينكم بعدما كن لكم ورودا متفتحة قطفتموها بأيديكم من بستان ورود الوجود وتحديتم كل الأشواك ليكن لكم؟ لماذا لم ترعوهن وتسقوهن من الود والحنان والرعاية ما يقيهن الذبول ليظلن لكم وحدكم يانعات بهيات تحسدكم عنهن أنفسكم قبل غيركم؟ لماذا شربتموهن من الإهمال واللامبالات ومن سموم ألسنتكم وأفعالكم ما جعلهن يذبلن من أعماقهن ويجف عرق الحياة في سيقانهن وصرن لا يطقن الوجود في ظلكم؟ ثم ما الذي يحمل على التزيين والتعطير؟! أليست النفس المرحة والجو المريح الجميل؟ وأين هذا في بيوتكم بعدما كشفتم بائعات الهوى وامتلأت أنوفكم بشذاها؟ ثم كيف تريدون أن تتجمل لكم نساءكم وتظهر لكم زينتهن كما يرق لكم ونفسيتهن مغمومة قد أورثتموهن من الكدر والهموم ما جعلهن نهبا لكل أمراض العصر ووقودا لنيران الحسرة وخيبة أملهن فيكم مذ اللحظة التي شممن فيكم رائحة الخيانة؟ وماذا إذا ادعت اللاتي في كنفكم بأن لامبالاتكم وإهمالكم لهن هو الذي دفع بهن ـ والعياذ بالله ـ إلى نهج نهجكم للتفريج عن كربهن بعيدا عنكم، ويقرن لكم بأنهن يذبن عشقا في أحضان غيركم؟..

ربما هنا فقط ستعون سوء ما اقترفتم وتدركون بأن النفسية البشرية التي تحرك أفعال الإنسان وتوجهاته وميولاته واحدة وأنها عند الرجل والمرأة سواء.. فبدل أن نوجهها الوجهة التي تسمو بنا إلى مكارم الأخلاق وترقى بنا إلى مستوى مسئولية الخلافة في الأرض نعيث فيها فسادا ثم نلقي باللائمة على الآخرين...

ولكم ـ أعزائي القراء الغيورين على ديننا ومجتمعنا ـ أن تتخيلوا معي العواقب إذا كان كل واحد منا يتخذ له مما حوله ما يبرر به سوء أعماله، وأن تتخيلوا معي كيف ومتى سنخرج من هذه الحلقة التي نتقاذف فيها كرة الاتهام والإدانة ونفرش لنا فيها من الأسباب ما نبرر بها نزعاتنا الشيطانية ؟ ثم تخيلوا معي أيضا، كيف سيكون حالنا إذا تعاطفنا مع هذه الأورام السرطانية التي تقتات بمقوماتنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا وانسقنا وراء مبرراتها، إلى أين سنقود مجتمعنا وهذه الأمة الطاهرة الممجدة بقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..

وأخيرا أقول لهم اتقوا شر أنفسكم، واتقوا الله في زوجاتكم وقوهن شر أفعالكم وألسنتكم فقد تشربن من الظلم والحيف من مجتمع ذكوري ما يهد الجبل، وكفاكم ثم كفاكم خداعا لأنفسكم وظلما لنسائكم، وكفاكم أنانية وسعيا وراء الدنس... وعزاءكم في دينكم، دين الرحمة والألفة ودين الطهر والمودة ورمز الفخر ومنهل الفضيلة وطريق الرشد والتقويم والتهذيب.. واذكروا دائما قول الحق بأن نساءكم لباس لكم وأنتم لباس لهن وأن لهن مثل الذي عليهن، وقول مبعوث الرحمة بأن نعامل الناس بمثل ما نحب أن يعاملوننا لتستقيم حياتنا كما استقامت مع الأولين ونق مجتمعنا شر أفعالنا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى