الجمعة ٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم إبراهيم عوض

أخطائي

منذ فترة ليست بالقصيرة خطر لي أن أُخْرِج للقراء كتابا أتحدث فيه عن الأخطاء المختلفة التي وقعتْ فيما كتبتُ من كُتُب وتنبهتُ إليها، وذلك إبراء للذمة من جهة، واستباقا إلى ما يمكن أن يشغب به علىّ بعض الكتّاب من جهة أخرى، ولأعوّد نفسي ويتعود الناس معي على المسارعة إلى الإقرار بأخطائهم دون إحساس بأن في الأمر ما يشين صاحبه، وأخيرا وليس آخرا لأنني عندما أكتشف أنى قد ارتكبت خطأ (علميا بالذات) فإنه لا يهدأ لي بال إلا إذا تطهرت منه بالاعتراف إذا كان مما يفيد الآخرين أن يعرفوه، إذ أظل أشعر أن على رأسي بطحة، فأنا دائم التحسس لها، ولا أستطيع أن أرتاح إلا إذا كاشفتهم بها رغم أنهم في الغالب لا يلتفتون إلى شيء من ذلك، إما لأنهم لا يبالون به أو لأنهم لم يتنبهوا إليه أصلا.

وكثيرا ما أشرت في محاضراتي وعلى مرأى ومسمع من جميع الحاضرين من طلاب وطالبات أنى أخطأت في الكتاب الفلاني أو في المحاضرة الفلانية في الموضوع العلاني، وأن الصواب هو كذا، وقد أذكر الأسباب التي أوقعتني في هذا الخطأ، وعندئذ، وعندئذ فحسب، أشعر بالراحة! ترى هل أنا من ذلك الصنف من الناس الذين يحبون أن يفضحوا أنفسهم؟ أم يا ترى أنا من أولئك الأشخاص المتواضعين، أو على الأقل الذين يحبون أن يشتهروا بالتواضع؟ لا أظن شيئا من ذلك هو السبب في وجود هذه النزعة لدىّ، بل ربما كان أقرب التعليلات إلى الحقيقة أنني أنظر إلى الأمر نظرة علمية محايدة، على أساس أن هذا خطأ حدث، ويجب من ثم تداركه حتى لا يقع فيه شخص آخر. وربما كان هذا راجعا إلى نزعة التدين عندي، إذ أشعر أن الله هو الحق المبين، وألا شيء يعلو فوق الحق، وأن علينا أن نساهم، حسب قدرة كل منا وظروفه، في نصرة الحق وتجليته.
ومما يسهل الأمر علىّ أنني، والحمد لله، لست من الجهل بدرجة مخزية، فأنا دائم القراءة والتنقير في الكتب والمراجع، ومن هنا فإذا أخطأت في شيء فإن عندي ما يعوّض عما أخطأت فيه، فضلا عن معرفتي بأن هذه هي الطبيعة البشرية، وأن الكمال لله وحده، وعلى هذا الأساس فإني لا أخاف أن أُتَّهَم بالجهل. وحتى لو اتُّهِمْتُ به فهل هذه هي نهاية العالم؟ وهل في ذلك ما ينقص من قدري؟ إن البشر جميعا جُهّال بمعنى من المعاني، فعِلْمنا إنما هو مستمد من الله سبحانه، ولولا ذلك ما علم أحد منا شيئا.

ثم إن الذكاء والغباء هما رزق إلهي، أما نحن فمجرد أدوات في يد القدرة الإلهية. وأستطيع أن أمضى في هذا التفلسف حتى الصباح دون أن يقف عقلي عن إيجاد التعليلات والمبررات التي من شأنها أن تخفف وقع الإقرار بالخطأ لدىّ. ولكن لا بد من الاعتراف رغم ذلك بأن من الصعب علينا أن يرمينا أحدهم بالجهل أو يخطِّئنا على رؤوس الأشهاد. ومع هذا فربما كان العبد لله الآن من أقل الناس حبا للجدل لمجرد الجدل، إذ إنني إذا ما استبان لي خطئي أسارع إلى الإقرار به والاعتذار عنه، وأجد أن هذا أكرم لي من المضي في العناد وركوب الرأس خشية الفضيحة. بل كثيرا ما جاملتُ من يختلف معي وسكتُّ عن الرد عليه أو على الأقل أجبتُه بأن في كلامه وجاهة رغم تأكدي أن الصواب في صفي، وذلك رغبة في وضع حد للمِراء الذي نهانا الرسول عن الانسياق وراءه. بيد أنه ينبغي أن أصارح القارئ بأني لم أكن هكذا من قبل، إذ كنت في شِرّة الشباب لا أطيق أن يغلبني غالب ما دمت أعرف، أو على أقل تقدير: أتصور، أني على الحق. ومن المؤكد أن لتقدم السن دخلا في ذلك، كما أن لتحذير الأطباء من شدة الانفعال والتوتر مدخلا في هذا أيضا.

ومن ذلك أن بعض من أعرف من مفتشي اللغة العربية قد خالفني ذات مرة في مجلس من المجالس حين رآني أُدْخِلُ "اللام" على عبارة "أول مرة" فأقول: "لأول مرة". وكانت حجته أن القرآن لم يستعمل اللام مع هذا التعبير قط، فأجبته أن القرآن، وإن كان كل ما فيه صحيحا فصيحا، لا يستوعب كل ما هو صحيح فصيح، لأنه ليس معجما ولا بحثا في الصواب والخطأ اللغويين. لكنه لم يشأ أن يسمع، فسكتّ. وهل كان أمامي شيء آخر، اللهم إلا أن أقول له: إنك لا تعرف الأمر كما ينبغي أن يُعْرَف يا صديقي؟ وعندئذ سوف يغضب، وهو ما لا أريده. ومع ذلك فإني لم أكذِّب خبرا وذهبت فاستقصيت الأمر فوجدت القرآن يقول: "لأول الحشر" ووجدت في "المعجم الوسيط" وغيره: "لأول وهلة"، ووجدت أن "اللام" كثيرا ما تأتى حتى في الذكر الحكيم بمعنى "حين/ عند/ في"، ووجدت أن القرآن عندما يقول: "لأول مرة" فإنه في الغالب يعنى: "قبلا" ولا يقصد ترتيبا كما قصدت أنا حين استخدمت عبارة "لأول مرة"... إلخ. ومع هذا فإني لم أجد في نفسي نشاطا إلى إطلاع الأستاذ المذكور على نتيجة سعيي وتنقيبي وراء الصواب في هذه المسألة لأني أحسست أن مبعث الأمر عنده هو الرغبة في التخطئة والانتصار، إذ عندما رددت على الفور بأن القرآن يقول هو أيضا: "لأول الحشر" بإدخال "اللام" على "أول كذا"، كان جوابه أنها صحيحة في هذا الموضع فقط، أي أنه لا يرى أن اللغة قياس، بل أشياء تُحْفَظ كما هي دون تعليل.

وعندما جاء ذكر بعض علماء اللغة الذين أَوْرَدَهم هو في مجال تعضيد رأيه وقلت: "لكنني أرى غير ما يراه هؤلاء الأساتذة الأجلاء"، وجدته يلمح إلى أنه لا يحق لأحد أن يقارن نفسه بأولئك العلماء. فعندئذ تبين لي أن أبواب النقاش معه مسدودة، وبخاصة أنى لم أشأ أن أنزل إلى هذا المستوى من التفكير الضيق العنيد في حضور الآخرين، وهو مستوى لا يصلح له في رأى بعضهم إلا أن يقال لمن يحاورنا: "ألا تعرف من الذي تناقشه؟". ولو كنتُ فعلتُ لرددتُ على نفسي في الحال: "طظ فيك يا أخي! ومن تكون بسلامتك؟". مرة أخرى هل كان هناك ما يمكنني أن أفعله غير الذي فعلت؟

ومن هذا الوادي أيضا ما سمعته منذ عدة سنوات من زميل أصغر منى متخصص في اللغة لا في الأدب والنقد مثلى تعليقا على استعمالي الفعل "دان" في تعليق لي بإحدى الندوات متعديا، وهو ما أخذه علىّ قائلا إن هذا الفعل لازم، وإننا إذا أردنا تعديته أدخلنا عليه الهمزة فقلنا: "أدان". ولم يحاول أن يصغى لما كنت أريد أن أوصله إليه من أن الهمزة لا تكون للتعدية ضربة لازم، إذ قد تدخل على الفعل فتقلبه من التعدي إلى اللزوم كما في "عَرَضَ" و"أَعْرَضَ" مثلا. كما قلت له إنني كثيرا ما رجعت في صغرى للتحقق من هذا الفعل بالذات، وإنني إذا كنت قد قلت: "دان" بمعنى "جَرَّم" مثلا فذلك راجع إلى الانطباع الذي ترسب في ذهني منذ وقت طويل أن هذا الاستعمال صحيح. لكنه لم يلتفت لما قلته هنا أيضا. وعلى أية حال فقد قمت بُعَيْد ذلك بالرجوع إلى المعاجم، فقرأت هذه المادة في عشرة منها لأجد أن الصيغتين كلتيهما تستخدمان للتعدي واللزوم معا في كل المعاني التي تدلان عليها تقريبا. وكنت قد أزمعت أن أطلعه هو وصديقه الذي عضده في موقفه على النتائج التي وصلت إليها، لكنى عدت فقلت لنفسي: لا تشغل بالك، فمن الواضح أنه لا يريد أن يسمع ولا أن يفهم. ثم إنني، إذا حاولت أن أطلعه على ما وجدته في رحلة البحث في المعاجم، قد أبدو وكأنني أريد أن أنتصر عليه. ولهذا أمسكت بما وصلت إليه من نتائج في جيبي، وإن كنت بين الحين والآخر أروى الحكاية لبعض محدثيّ إذا اقتضت الضرورة ذلك كي أدلل لهم على خطأ التسرع في التخطئة اللغوية الذي كنت أقع فيه أنا أيضا بحسن نية مثل الزميل المذكور.

قلت إنني أريد منذ فترة أن أكتب كتابا أسجل فيه أخطائي التي اكتشفتها في كتبي بعد أن خرجتْ للناس ولم يعد بمستطاعي أن أستدرك هذه الأخطاء إلا في الطبعات اللاحقة، لكنى كنت أعود فأقول: ينبغي أن أتريث حتى أضمن أني لن أصدر كتبا أخرى كي يكون الكتاب المزمع إصداره آخر ما أكتب، وإلا عدت مرة أخرى لإصدار كتاب آخر أذكر فيه ما اجترحته من أخطاء بعد ظهور الكتاب الأول. إلا أن هناك مشكلة عويصة هي أنني لا أعرف متى أكفّ عن التأليف، أو متى سأموت حتى يكون إخراج الكتاب المذكور قبل موتى مباشرة! وهو ما لا يستطيع معرفته أي إنسان، فإن الله سبحانه لا يأخذ رأى أحد في ميعاد موته، أو يخبره بهذا الميعاد. وهكذا يرى القارئ الحيرة التي أنا فيها، وإن كنت في ذات الوقت أنتهز صدور كتبي الجديدة فأنصّ في المقدمة عادة على أنني متأكد من وجود أخطاء في الكتاب الذي بين يدَي القارئ رغم تدقيقي الشديد بل المبالغ فيه في تصحيح تجارب الطبع، وكل ما هنالك أنى أتمنى على الله ألا تكون أخطاء فادحة ولا فاضحة. وأنا، في الواقع، أقصد كل كلمة بل كل حرف مما أقوله حينئذ، وليس الأمر مجرد شقشقة باللسان أو ترديد لما يقوله الناس في مثل هذا الموقف. إنما هو كلام صادر من أعماق القلب. وأحسب أن الأمر واضح الآن للقارئ بحيث لا أحتاج أن أبرهن على صدق ما أقول. ولكن لأنه قد قيل:"ما لا يُدْرَك كله لا يُتْرَك كله" فقد رأيت أن أخرج من هذه الحيرة بكتابة المقال الذي يطالعه القراء الآن، طالبا منهم أن يبلِّغ الشاهدُ منهم الغائبَ بما أقوله هنا، وأن يأخذوا ما أقوله على أنه مجرد تمثيل لأخطاء أخرى لا أستطيع تذكرها الآن، ولأخطاء ثالثة سوف أرتكبها بالتأكيد فيما بعد إن قُدِّر لي أن أكتب شيئا آخر.

والآن إلى التمثيل على الأخطاء التي يجدها القراء في كتبي: بعض هذه الأخطاء لا دخل لي فيه، إذ هو راجع إلى ما يعرف بالأخطاء المطبعية. ومعظم هذه الأغلاط يتعرف إليه القارئ بسهولة ويعرف وجه الصواب فيه، ويدرك عادة أنه راجع إلى الطباعة لا إلى المؤلف, ومع ذلك فإن بعض هذه الأغاليط مما يصعب التنبه إلى أنها أغاليط مطبعية، وبخاصة إذا ترتب عليها غلط في اللغة. ومن ذلك مثلا ما اكتشفته في كتاب لي من أن الطبّاع قد استبدل بكلمة "المسلمين" كلمة "المسلمون"، وهو غلط نحوى لا يغتفر، إذ إن الكلمة الأولى منصوبة ، على حين أن الثانية مرفوعة، وهذا غير ذاك. وأغلب الظن أنه، غفر الله له، حسب أن الأخيرة هي الفصيحة، بطريق المغايرة للأولى التي لا نستعمل غيرها في كلامنا العامي. ومن هذا الوادي ما عثرت عليه في كتاب آخر، إذ كتب الطابع عبارة "لم يستطع" بـ"ياء" بعد "الطاء" هكذا: "لم يستطيع"، وهو عيب فاحش، وبخاصة بالنسبة لواحد مثلى ينبغي ألا يقع في مثل هذه الأخطاء. والمضحك أنى قد أخذت هذا الخطأ ذاته على مترجم الرواية التي كنت أتكلم عنها حينذاك، فبدا الأمر وكأني المعنىّ بقول الشاعر:

لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتىَ مثله

عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

لكن ما العمل؟ هذا ألله، وهذه حكمته! ومن هذا أيضا أنني في الدراسة المقارنة بين الآجُرّوميّة العربية والإنجليزية في مقدمة كتابي: "الترجمة من الإنجليزيةـ منهج جديد" قد مثَّلْتُ لكل صورة من صور الشرط في الإنجليزية بمثال. لكن الطابع قد وضع الأمثلة كلها في غير أماكنها الصحيحة، إذ كان الكتاب يُطْبَع بطريقة التيبو، حيث يُكْتَب السطر كله كتلة واحدة. لكن لما كان في السطور التي أتحدث عنها كلام بالعربية، وآخر بالإنجليزية، فقد عمد الطابع إلى ترك فراغ للكلمات الإنجليزية كي يصُفّها على حِدَة ويُسَقِّطها فيه فيما بعد، وهو ما لم يفلح فيه رغم تصويبي إياه في تجارب الطبع الثلاث مما ما اضطرني إلى تصحيحه بيدي (على كرهي لذلك) في الطبعة الثانية المصورة من الطبعة الأولى. وأحيانا ما ينسى الطبَّاع كلمة واحدة فينقلب المعنى رأسا على عقب كما هو الحال في ترك كلمة "لا" مثلا.

هل معنى ذلك أنى لا أخطئ في اللغة؟ حاشاي أن أقول هذا، فالخطأ وارد في كل الظروف. ألستُ بشرا؟ ألم يقل سيد المرسلين: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون"؟ ومن الأمثلة على ذلك ما وقع منى في كتابي عن تسليمة نسرين وروايتها "العار"، إذ قلت عن أمر من الأمور إنه "يُؤْتِي بثمرته". والمفروض أن أقول: "يَأتي بثمرته"، أو "يُؤْتِي ثمرته" من غير باء. أما "يؤتي بـ..." فلا أعرفها. وأذكر أنني حين كتبتها كنت مرهقا ومريضا، وكأن ذهني قد غاب عنى. كما أذكر أنني كنت أشعر أن هناك شيئا غير سليم، لكني لم أتبين وقتها كنه ذلك الشيء. ومع هذا فما إن ظهر الكتاب، ولم يعد ثمة سبيل للرجوع، حتى تنبهتُ لما وقعتُ فيه، ولكن بعد خراب بصرة! وفي كتابي: "لكنّ محمدا لا بواكي له" وقعتُ في خطأ أشد، إذ أعربت الفعل المضارع المجزوم بحذف حرف العلة في آخره بـ"لا" الناهية، على أنه فعل أمرٍ مبنىّ، مع أنني دائم التحذير للطلاب من هذا الإعراب الذي لا أنسى فوق البيعة أن أنبههم إلى تأثرنا فيه بما يقوله الأوربيون عن الأمر المُثْبَت (وهو الأمر عندنا) والأمر المنفي (وهو عندنا المضارع المجزوم بـ"لا" الناهية). أي أنني قد وقعت هنا أيضا في الحفرة التي دائما ما أحذّر منها الطلاب، برغم أنني قد راجعت الكتاب عدة مرات، وراجعه ابني معي، وكذلك زوجتي، وكلاهما ممن لا تفوته عادةً هذه الغلطة. أليس ذلك أمرا مضحكا؟ بلى والله إنه لكذلك!

ومن الأخطاء التي يجدها القارئ في كتبي أخطاء الاستشهاد بالآيات القرآنية اعتمادا على الذاكرة الخؤون. وهذا واضح في الطبعة الأولى من كتابي "الجهاد في الإسلام" الذي ترجمته عن الإنجليزية للكاتب الهندي سراج علي. وكانت هذه أول تجربة لي في الترجمة، فضلاً عن أنني لا أراجع عادة ما أترجمه بعد أن أفرغ منه اعتمادا على أنني قد راجعته أثناء الترجمة، خصوصاً أن عملية المراجعة في مثل هذه الحالة مرهقة إرهاقا لا يحتمل. وكان التنبيه إلى الخطأ هذه المرة من قِبَل الطلاب الذين يحفظون القرآن أفضل منى. وقد علمتني هذه التجربة أن أراجع المصحف في أية آية أكتبها، إذ تبين لي أنني لم أعد أحفظ كتاب الله كما كنت أحفظه في صغرى منذ أن أتممته وأنا في الثامنة أو دونها. وقد اختفت هذه الأخطاء كلها تقريبا من الطبعة الثانية للكتاب المذكور. ومع هذا فقد خفف عنى الأمر ما قرأته بعد ذلك للعلامة المدقق محمد عبد الغنى حسن من أن كبار كتاب العرب القدماء كالجاحظ والشريف الرضي كانوا لا يسلمون من الخطأ في الاستشهادات القرآنية، وأورد أمثلة على ذلك. ويجد القارئ كلامه هذا في مقدمة كتاب "مجازات القرآن" للشريف الرَّضِىّ، إذا لم تَخُنِّي الذاكرة. وفي كتابي المذكور أيضا يقابل القارئ بضع أغلاط أخرى في الترجمة نفسها تنبهت إليها من تلقاء نفسي وصوّبتها في الطبعة الثانية كذلك. وهناك نوع آخر من الأخطاء يتعلق بالفكرة لا بالأسلوب، ومنه الخطأ الذي يجده القارئ في الرسالة التي وجهتها للدكتور جابر قميحة أشكره فيها على الكلمة النبيلة التي قالها في حق العبد لله، إذ جاء في كلامي أنني لا يهمني أن أثاب رغم أنفي أو برضاي. المهم أن أثاب، والسلام. وكنت أريد أن أقول: "رغم أنفي، أو بقصدٍ منى"، لأن كلمة "برضاى" تعنى أنني يمكن ألا أرضى بدخول الجنة، وهو معنى لا يمكن أن يدور في ذهني بحال، علاوة على أن فيه شيئا من إساءة الذوق في مسألة الثواب الإلهي، وإن كان غير مقصود البتة! وعلى كل حال فقد أصلحتها بعد ذلك. ومثله قولي عن القرآن في كتابي: "القرآن والحديث ـ مقارنة أسلوبية": إنني أستبعد الأمر الفلاني، وهو ما لم يره أحد الزملاء كافيا، لأن المقصود أن ذلك الأمر مستحيل لا مستبعد فقط. ولا أذكر الآن بم أجبت الزميل الفاضل وقتها، إلا أنني بعد أن انصرف الرجل تنبهت إلى ما قصدته حين كتبتُ ما كتبت. ألا وهو أنني أستبعده من دائرة الاحتمالات لا أنني أراه بعيدا، أي ممكنا، وإن كان احتمال وقوعه ضعيفا. أي أنه كان في ذهني، وأنا أكتب، الفعلُ الإنجليزي: "to rule out"، وهو ما ذكَّرني بما كان يقوله العقاد من أنه قد يكتب أحيانا وفي ذهنه التركيب الإنجليزي لا العربي. وهناك أخطاء التناقض التي لا يسلم منها أي إنسان مهما تحرز واحتاط في كلامه مثلى، إذ أُكْثِر من قول: "يبدو لي" أو "غالبا" أو "فيما يخيل لي" أو "إذا لم تخنّي الذاكرة" أو "في حدود علمي"...إلخ. ومن الأمثلة على ذلك أنني في كتابي: "المتنبي ـ دراسة جديدة لحياته وشخصيته" قد وصفت المتنبي بأنه بدوي، بينما نفيت عنه البداوة في كتابي الآخر: "لغة المتنبي". صحيح أنه يمكن أن أقول إنني قد قصدت أنه بدوي بمعنى، ومتحضر بمعنى آخر. لكن كان لا بد أن أوضح الأمر بما يزيل هذا التناقض، وهو ما لم أفعله. والسبب؟ السبب هو أنني حين كتبت ما كتبت عن المتنبي في المرة الثانية لم أكن أتذكر ما كنت كتبته عنه من قبل. إلا أنه تناقض على أية حال! وهنك خطأ آخر لم أنبّه إليه في الطبعة الأولى من هذا المقال، وهو أنني حين كتبت مقالي: "فضيحة بجلاجل للعلمانيين في برنامج الاتجاه المعاكس" قد خلطتُ بين الشاعر العراقي أحمد مطر ود. أحمد أبو مطر الكاتب الفلسطيني الذي يبدو في مقالاته وأحاديثه وكأنه يجرى مع الاتجاه الأمريكي في المنطقة، فهاجمتُ الشاعر وأنا أقصد الكاتب. وكنت قد احترت أثناء كتابة المقال أمام وجود اسمين: أحمد أبو مطر، وأحمد مطر، وظننت أن ذلك راجع إلى عدم دقة البعض وأنهم يحذفون كلمة "أبو" تسرعا منهم. ثم نبهني أحد الأصدقاء إلى أن التسرع إنما هو من جانبي أنا، وأفهمني أن هناك شخصين مختلفين في هذا الصدد: أحدهما "مطر"، والثاني "أبو مطر"، فحذفت الفقرة كلها التي كنت هاجمت فيها أحمد مطر ظنا مني أنه هو نفسه د. أحمد أبو مطر. ثم تصادف بعد ذلك أن قرأت في أسفل مقالي المذكور تعليقا لأحد القراء ينبه فيها إلى هذا اللبس.

وبعد، فإن الكلام يطول في هذا الموضوع، فأكتفي بهذا القدر، وبإمكان القراء أن يجدوا أخطاء أخرى كثيرة إذا أحبوا


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى