الثلاثاء ١٢ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم حسن توفيق

الصحراء مقبرة..

والرحلة إلى أنقرة.. ليست مَسْخرة

لم يعد امرؤ القيس يتحمل حر الصحراء.. كما أدرك أن السيف وحده لا يكفي لقتال الأعداء.. فأخذ يتخبط في متاهة الفكر.. لعله يتوصل إلى طريق النصر.. وهكذا شوهد يدخل إلى إحدى الشركات.. بعد أن علم أنها متخصصة في الإلكترونيات.. وهي «شركة البسوس.. لجلب التكنولوجيا للمنحوس».

بمجرد دخول امريء القيس إلى الشركة.. رمقته إحدى العاملات بنظرة ساحرة.. وأوصلته إلى مكتب الإدارة الفاخرة.. حيث استقبله المدير بكل حفاوة.. وطلب له كابوتشينو وقطعة بقلاوة.. ثم سأله عما يريد.. لكي يقدم له المفيد.. ودخل الإثنان في مناقشات.. حول الحروب السابقة.. والحروب اللاحقة.. والفرق بين حرب الهكسوس.. وحرب البسوس.. وأشار المدير الأشقر إلى بعض الصور.. فأمعن فيها امرؤ القيس النظر.

أنظر جيداً يا مستر امرؤ القيس.. هذه الصورة لمكيف هواء.. يجعلك تتحمل حر الصحراء.. ويمكننا أن نثبته لك على سنام الجمل أو ظهر الحصان.. حيث تنطلق به بكل راحة وأمان.. والمكيف يعمل بالطاقة الشمسية.. وبإمكانه الاتصال بالأقمار الصناعية.. أما السيوف.. فلدينا منها ما هو غير مألوف.. فهناك نوع لا تمسكه الأيدي البشرية.. لأنه يتحرك بصورة تلقائية.. لقتل الأعداء في أقل من ثانية.. وهناك أيضاً أنواع .. تطير وحدها لاقتحام الحصون والقلاع.

انصرف امرؤ القيس دون أن يأكل البقلاوة.. وودعه المدير بكلمات مدهونة بالحلاوة.. واستقر رأي امريء القيس.. على الذهاب إلي القيصر قبل طلوع الشمس.. وهكذا انطلق إلى الغرب.. دون أن يتناول أي شرب.. لكنه اصطحب معه بعض الأهل.. لكي يؤنسوه في وحشة الليل .. كما اصطحب معه سلمى الجميلة.. لأنها تزيح عن صدره أحزانه الثقيلة.. وأسكنهم امرؤ القيس في فندق رومي فاخر.. وتركهم بعض الوقت لكي يشتري لنفسه سجائر.. وفجأة اهتزت الأرض.. بالطول والعرض.. فعاد امرؤ القيس إلى الفندق الرومي في الحال.. ليجد أن الأهل خارجه في أسوأ حال.. وبكت سلمى وهي تحكي له ما كان.. فاغتاظ وقال وهو يجز على الأسنان:

ألا عِمْ مساءً أيها الفندق الغالي

فقد بات فيك الأهلُ في يوم زلزالِ

ولم يهربوا إلاَّ وقد علموا بما

يُحاكُ لهم من دفع فيزا وأموالِ

لقاءَ شرابٍ ليس من بئرِ زمزمٍ

ولحمٍ عصيِّ المضغ مُرٍّ وقتَّالِ

وحبة مشرومٍ وأفخاذِ ضفدعٍ

ودهنٍ لخنزير مغطَّى بغربالِ

وشاشةِ تلفازٍ تبث فواحشاً

وفيلماً يبث الرعبَ في قلب أطفالِ

لئن كنتُ عربيداً فإني أرى هنا

أناساً أقاموا للزِنَا ألفَ تمثالِ

وقد فقدتْ سلمى أحبَّ عباءةٍ

إليها وعادت تشتكي فقدَ خلخالِ

وساخَ حصاني في الرمال كأنه

رمادٌ من البركان في الزمن الحالي

.. رفض امرؤ القيس أن يعود من حيث جاء.. لكنه طلب من الأهل أن يعودوا وحدهم إلى الصحراء.. وطالب سلمى بألا تجلس صباحاً في الشمس.. خصوصاً بعد وضع ساقها اليمنى في الجبس.

بعد دقائق معدودات.. لمح المجنون رجلاً غريباً في الظلمات.. وعلى الفور عرفه المجنون.. فانتابته الظنون.. لأن الرجل هو مدير «شركة البسوس.. لجلب التكنولوجيا للمنحوس».. أسرع المجنون في خطاه.. ليبحث عن امريء القيس في كل اتجاه.. وحين التقاه.. وجده يطلق الآه تلو الآه.

سأل المجنون امرأ القيس عما ينويه.. ولماذا يمشي إلى الغرب وسط الظلمات والتيه.. فأخبره امرؤ القيس بما رأى أنه الصواب.. خصوصاً أنه قد كف عن الشراب وتاب.

 أريد الذهاب إلى قيصر الروم.. لعله يزيح عني بعض الهموم.. ويساعدني في أخذ الثأر.. ممن قتلوا أبي بالحيلة والغدر.. فرغم أن أبي ضيعني صغيراً .. إلا أنه حَمَّلني دمه كبيراً .. وأنت تعرف أني قد سبق أن قلت: غداً امر .. ولهذا لابد من النصر عند أخذ الثأر.

 كثيرون يقولون وهم يؤكدون.. إني رجل مجنون.. ولكني أرجو أن تسمع مني.. وألاتخيب ظني.

 ماذا تريد أن تقول؟

 أرجوك ألا تذهب لقيصر الروم.. ففي ذهابك إليه ما يزيد الهموم.. يا سيدي يا امرأ القيس.. إني متأكد من طلوع الشمس.. وانك ستنتصر.. بشرط أن تنتظر.. إلى أن تتجهز وحدك.. وساعتها لن يقوى الأعداء أن يقفوا ضدك.. أما الآن فإن الصحراء تبدو مقبرة.. كما أن الرحلة إلى أنقرة.. ليست أبداً «مَسْخَرة»!

والرحلة إلى أنقرة.. ليست مَسْخرة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى