السبت ١٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

أنا والترجمة

نص الورقة التي سألقيها في مؤتمر الترجمة المنوي عقده في جامعة النجاح الوطنية في حزيران من العام 2007.

في العام 1986 اشتريت روايتين في كتاب واحد أظن أنهما " الغربة" و"اليتيم" للكاتب والمفكر المغربي عبد الله العروي، وحاولت أن أقرأهما، ولكنني لم أستطع بسبب لغتهما.

أظن أنهما لم تكتبا بالعربية، بل ترجمتا إليها. طبعاً هناك كتاب يكتبون بالعربية، لا تستطيع أن تقرأ لهم، ولا تواصل القراءة حين تشرع بها، بسبب الأسلوب.

سأقرأ، فيما بعد، مقولات كثيرة عن الترجمة أهمها: الترجمة إما جميلة وخائنة أو دقيقة وقبيحة. وفي دليل الناقد الأدبي لميجان الرويلي وسعد البازعي كتابة عن الترجمة تحت عنوان " الدراسات الترجمية العبر- ثقافية" (ط3، ص161-ص166) فيها عبارات لا تختلف عما أوردته في الأسطر الثلاثة الأخيرة. المترجم تابع وناقل ومكرر، أو كما في المثل الإيطالي / خائن. وتوصف الترجمة بأنها إعادة صياغة وتقليد، وفي أحيان كثيرة تشويه للأصل، و سأجدني، وأنا طالب دكتوراة، مضطرا للترجمة، فقد كانت الدراسة باللغة الألمانية، ويجب أن تترجم حتى يتدرب الطلاب على ذلك.
ابتداءً لفتت المستشرقة الألمانية ( انجليكا نويفرت ) أنظارنا إلى الترجمات العبرية لقصيدة محمود درويش " عابرون في كلام عابر" (1987) التي كتبها إبان الانتفاضة الأولى، وأزعجت الإسرائيليين، وترجمها غير واحد، وكانت كل ترجمة تختلف عن الأخرى. ترجمات اليمين تختلف عن ترجمات اليسار، وهذه تختلف عن ترجمات الوسط.ويعود هذا الاختلاف في جانب منه إلى نص درويش المربك القابل لتأويلات عديدة، وإلى آراء المترجمين ومعتقداتهم السياسية ومدى فهمهم للغة العربية. هذا الاختلاف في الترجمة جعل المستشرقة المذكورة ترى في الخلاف بين العرب والإسرائيليين خلافاً لغوياً، وهكذا اختارت العنوان التالي لدراستها: " حواجز لغوية بين جيران": قصيدة جديدة لمحمود درويش كما يستنطقها قارئها الإسرائيلي". ولم تختلف (نويفرت) عن أنور السادات كثيراً، ذلك الذي رأى الخلاف بين العرب والإسرائيليين يعود إلى عامل نفسي.

سأجد نفسي في محاضرات الأدب العربي الحديث مع المستشرقة (روتراود فيلاندت) مجبراً على نقل نصوص لنجيب محفوظ إلى الألمانية، ولكن لا بد مما ليس منه بد.

وستكون الملاحظة التي تبديها ( فيلاندت) لي: إنك تكتب الألمانية بالعربية – تعني أن ما أنقله إلى الألمانية ليس لغة ألمانية، وإنما هو أسلوب عربي مكتوب بحروف ألمانية. لم يكن يومها مر على تعلمي الألمانية سوى عامين.
وحين أكتب الفصول الأولى من رسالة الدكتوراة، سأكتبها بالعربية، وسأعكف على نقلها إلى الألمانية، ولن يختلف أسلوب كتابتي كثيراً.وسأجد سلوى في رسالة دكتوراة كتبها باحث أردني باللغة الإنجليزية، هو (م.س.حداد)، قدمها لجامعة (اوتريشت) في العام 1984. كنت أقرأ لغته الإنجليزية، كما أقرأ اللغة العربية.سهولة وبساطة وعدم تعقيد في الأسلوب
وفي ألمانيا كانت (انجليكا نويفرت) تطلب مني أن أقرأ بعض الدراسات التي يكتبها مستشرقون، لأفيد منها، ولأرى كيف يكتب هؤلاء. مثلاً (أنجليكا) طلبت مني أن أقرأ دراسة تحت عنوان: "من هو البطل المؤمن؟ من هو البطل الملحد؟ صور متناقضة لصلاح الدين في أدب العالم الإسلامي". كانت معجبة بها، ولذلك حثتني على قراءتها، وأملت أن أقوم، فيما بعد، بنقلها ومثلها إلى اللغة العربية.

بعد عودتي من ألمانيا، في العام 1991، بدأت أترجم بعض هذه الدراسات، بخاصة تلك التي أفدت منها في دراستي، فقد أحضرتها معي.وكانت أولاها تلك التي حثتني على قراءتها (أنجليكا نويفرت). لم أترجم، يومها، من أجل الحصول على نقاط في الترقية، إذ لم تكن جامعة النجاح الوطنية، أدرجت الترجمات في النشاط الذي يستحق عضو هيئة التدريس عليه الترقية، كما حدث لاحقاً. كنت يومها أترجم حتّى أحافظ، ما أمكن، عل لغتي الألمانية، لكي لا يلم بها ما ألم بلغتي الإنجليزية التي كنت أعرفها إلى حد ما، ولكنها بدأت تتلاشي لعدم الممارسة. وكنت يومها أترجم لأنقل بعض دراسات المستشرقين الألمان إلى اللغة العربية، بخاصة تلك الدراسات التي تمس أدبنا العربي الفلسطيني، فإذا كان بعض المترجمين العرب، في البلدان العربية التفتوا إلى الأدب الألماني ونصوصه، وبعض المؤلفات الفكرية التي تخص التراث الإسلامي، فان أحداً منهم لم يلتفت إلى الدراسات التي أنجزت حول الأدب الفلسطيني، على قلتها.

لقد نقلت إلى العربية العديد من هذه الدراسات، كما نقلت بعض المقابلات التي أجريت مع مستشرقين لهم حضورهم في العالم الإسلامي، مثل المستشرقة المرحومة (آنيماري شيمل)، وكنت، ما أمكن، أحاول أن أكون مترجماً دقيقا.
حين أنظر الآن في بعض ما ترجمته أرى فارقاً. في البداية كنت ألتزم التزاماً حرفياً بأسلوب الكاتب‘ ثُمَّ فيما بعد أخذت أنقل النص نقلاً حرفياً، وأجري تعديلات على الأسلوب حتّى يغدو أقرب إلى العربية. لقد ظلت ملاحظة ( فيلاندت) عالقة في ذهني، ولم أردْ أن أكتب بحروف عربية صياغة ألمانية. أردت أن أكون دقيقاً، وفي الوقت نفسه رغبت في أن أقدم ترجمة يقرأها القارىء العربي ولا يرى فيها ركاكة وضعفاً.
وحين كنت أترجم النصوص العربية المترجمة إلى الألمانية، لم أكن أعيد ترجمتها، وإنَّما كنت أعود إلى الأصول وأنقلها كما وردت في الأصل العربي.هذا ما فعلته وأنا أترجم دراسات (شتيفان فيلد) للشعر الفلسطيني ولغسان كنفاني. وأظن أنني لو فعلت غير هذا، لكان الشعر الفلسطيني المعاد ترجمته ثانية أشبه باللغة اللاتينية.

مؤخراً كنت أقرأ في كتاب (شمعون ليفي): " المسرح الإسرائيلي: الأنا والآخر ومتاهة الواقع" الذي نقله إلى العربية سلمان ناطور. ووجدت فيه شيئاً كما قلت سابقاً. لا أدري لماذا لم يعد سلمان، وهو ينقل النصوص المترجمة من المتشائل إلى العبرية إلى المتشائل، لينقل منها النصوص وهو يترجم. لقد هالني الفرق الكبير بين الصيغة التي كتبت بالعربية وتلك التي نقلت إليها من العبرية. يورد سلمان في ص 71 النص التالي:
" دافعت عن أبناء شعبي الذين يعملون في (صوت إسرائيل – القسم العربي ) وقلت إنه ليس من واجب الرسول أن ينقل سوى ما وضعوه على لسانه. إنهم يذيعون ما يطلب منهم إذاعته، وإذا كان رفع راية بيضاء على عصا مكنسة يخدش كرامة الخنوع والاستسلام، فليس هذا لأنكم لا تسمحون لنا بحيازة أي سلاح ما عدا المكنسة. لكن إذا كانت المكنسة قد تحولت، منذ أن اندلعت هذه الحرب، إلى سلاح أبيض لا يجوز حمله إلا برخصة ملائمة، مثل بندقية الصيد التي لا يسمحون بحيازتها إلا للمخاتير والمدمنين على " الخدمة" منذ ولادتهم، فإنني أكون بذلك خادمهم بالوراثة" (ص 71)
ولنر النص كما ورد في" المتشائل “:

" فدافعت عن بني قومي الذين يعملون في محطة الإذاعة، قائلاً: ما على الرسول إلاّ البلاغ. يهتفون بما يلقنون، وإذا كان رفع العلم الأبيض على عصا مكنسة يسيء إلى جلال الاستسلام فإنكم لا تجيزون لنا حمل أي سلاح سوى المكانس.

وأما إذا كانت المكانس قد أصبحت منذ اندلاع نيران هذه الحرب، سلاحاً أبيض فتاكاً لا يجوز لنا حمله إلا بإذن، كبارودة الصيد التي لا يؤذن بحملها إلا للمخاتير وللمدمنين على الخدمة منذ الصغر، فإنني معكم أباً عن جد "(ص 162، من ط حيفا السابعة، 1985)".
النص المترجم عن الترجمة العبرية ينقل المعنى فقط، ويفقد كل جمالياته وبلاغته التي نلحظها في النص المكتوب بالعربية. ثمة أمانة في الترجمة، لكن ثمة صياغة ليس مسؤولاً عنها سلمان بالتأكيد، وكان يمكنه شخصياً تلافي ذلك بالعودة إلى النص العربي ونقله من المتشائل. لقد كنت أفعل ذلك عندما أترجم، وحين نقلت دراسة (فيلد) " اليهودية والمسيحية والإسلام في الشعر الفلسطيني" ودراسته عن غسان كنفاني "أم سعد": الضمير المعذب للثوري" ورسالة نادية عودة: " الشعر جسر نحو العالم الخارجي: "سيرة فدوى طوقان الذاتية" كنت أعود إلى النصوص العربية، وأنقلها كما هي، حتّى لا يوجد ذلك الفارق الكبير الذي لاحظناه بين الأصل وما ورد في ترجمة سلمان ناطور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى