الثلاثاء ٢٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم سمية البوغافرية

الشباب المعطل.. وقفة مع الحكومة

بعد سنوات من سياسة الهراوة والاعتقال والتقتيل... قرر رئيس الحكومة التفاوض مع الشباب لحل معضلة التشغيل واشترط أن تتم المقابلة في جلسة مغلقة مع إثني عشر شابا دون غيرهم... كبقية القرارات التاريخية حظي القرار بنصيبه من التحليل والتأويل... صيحة ضمير مباغتة.. أسلوب حضاري اعتنقته الحكومة في أيامها الأخيرة للتكفير عن الذنب..سياسة لجلب الأصوات.. رياح المصالحة هبت لتشمل الشباب المعطل... سياسة لتهدئة هيجان الشباب بعدما قاطعوا مباراة التوظيف ورفعوا شعار الحل الشامل لأزمة التشغيل...

تنفس الشباب الصعداء وتلألأت الغنائم في السماء وعادت الأنفس تشدو وترسم الأحلام... فصاغت أناملهم لائحة بجل مطالبهم لقراءتها أمام السادة الوزراء... لكن شرط الحكومة كاد أن يعصف بالقرار والغنائم لولا أن تراجع عليه في اللحظة الأخيرة... لم يكن يسيرا على الشباب أن ينسلخوا على بعضهم ليقفوا أمام السادة الوزراء دون بقية شريحة المعطلين...فهم إخوة من الرضاعة... رضعوا كلهم من حلمة واحدة مرارة التعطيل والإقصاء والتيه واللامبالاة... وسرى طعم الهراوة في شرايين قافلتهم الموشومة بختم التعطيل مسرى الدم فوحد صفوفهم.. وكل السيول الجارفة المجحفة والأيادي المبددة لوحدتهم لم تزدهم مع الأيام غير القوة والوحدة والصمود...

تدججت خلف السادة الوزراء العساكر بالرشاشات والبنادق واستدار اثنا عشر شابا من المعطلين بالمائدة المستديرة وتخلف الآخرون ينصتون وينتظرون... كانت الحكومة حاضرة في وزراء الشباب، والمالية، والوظيفة العمومية، والتنمية، والتربية، والتعليم العالي. رسوا ملفاتهم.. حملقوا في الوجوه البائسة الماثلة أمامهم.. تيقظ حنينهم إلى سنوات الرصاص والجرافات... قام وزير الشباب مبتسما وقال للشباب بنبرة مفعمة بالحسرة:
 كان أملي كبيرا في أن ألتقي بكم في وضع أفضل، وأن تصافح يدي أيديكم تنويها لكم على تفوقكم في مجال التحصيل العلمي وأن تجمعني بكم صورة تذكارية نصفق فيها جميعا... على كل حال، نحن مستعدون للحوار معكم. تعرفون لماذا؟؟
 ...
 لنردكم إلى رشدكم ونقيكم شر ما يدفعكم إليه طيشكم، واعلموا أن بعد هذه الجلسة لن تلوموا إلا أنفسكم...أسمعتم؟ لن تلوموا غير أنفسكم... وقد أعذر من ؟؟
ظل ينتظر رد الشباب كما المعلم حينما يريد أن يذكر تلاميذه بقاعدة من القواعد، ثم قال وهو يتوعد بسبابته:
 وقد أعذر من أنذر، وقد أعذر من أنذر...

ظل الرفاق منتكسي الرؤوس، ينصتون عن مضض للحن أصحاب المعالي الذين فاضت به أنفسهم، حتى أنهوا كلمتهم التي ختمها معالي وزير المالية بعرض أرقام دقيقة للميزانية وما صرفت من أموال خيالية على إنجازات لصالح الشباب ورفاهيته قائلا بنغمة تثير الأعصاب كأن هذه البلاد ملكا له أو ضيعة ورثها عن آبائه:
 فبدلا أن تمجدوا فضل هذه البلاد عليكم وتشكروا لنا حرصنا على سعادتكم وصهرنا على تحقيق مستقبلكم، تخلقون البلبلة في المجتمع وتدنسون راية البلاد وتشوهون سمعتها...

قام الشاب المهدي في مكانه فبسط ورقة صغيرة في حجم كف اليد على مقعده وقال بنبرة ساخرة ورأسه ما تزال تلفه خاتمة الوزير:
 أسأل الله أن يكتب لنا ـ نحن الشباب ـ أن نرد لكم قليلا من عظيم جودكم علينا...

فأن الشباب وهم يلوون أجسادهم المدكوكة بحركات آلية فجرت الضحك في المدرجات وتقلصت على إثرها وجوه أصحاب المعالي حنقا وبرقت عيونهم غضبا ووعيدا... فعاد المهدي يقول:
 لا شك ـ أيها السادة الوزراء ـ أننا بهذا الجسر سنعبر معا نحو النور ونحو التألق ببلادنا إلى مصف الدول المتقــــــ
 تفضل بما عندك ودع البلاد للقائمين عليها.
 لا جديد عندي، غير التذكير أن علينا أن نقف وقفة رجل واحد إزاء مشاكل بلادنا وما يعرقل نموها لنصفق للراية أجمعين وننعم تحت سمائها أجمعين...
ـ أظن من تهمه مصلحة البلاد لا يسيء إليها ولا يورطها في مشاكل هي في غنى عنها.. أعمال الشغب في الأسبوع الماضي ما تزال تشهد على تهوركم وطيشكم.. أهكذا تجزون هذه البلاد التي صرفت على تعليمكم وتربيتكم وعلى الترقي بكم إلى مستوى المسئولية ما لم تصرفه على قطاع آخر؟
 أنتم تتمادون في دفننا أحياء وتنتظرون منا التصفيق والهتاف
 هذا طبع جيلكم.. الغلو في تضخيم حجم المعانات،
 انزلوا إلى أزقتنا لتروا حقيقة شبان عهدنا.. انزلوا إلى أزقتنا لتلمسوا وتعاينوا حقيقة أكثر المجتمع المغربي حينئذ احكموا على أنفسكم إن كنتم تستحقون منا التصفيق والهتاف أم الرشق بـ... ـ أنتم تعتقدون أننا نائمون في العسل... يا أولادي، معضلة التشغيل تحتل صدارة انشغالاتنا وقد أقحمنا ما استطعنا منكم في القطاع العام والجهود سارية على قدم وساق لجلب الاستثمار وتوسيع شرايين امتصاصكم... نرجو منكم التريث وضبط النفس
 تحركاتكم ميئوس منها، ملفوفة بالتعتيم وبشعارات التخدير والاستغفال، وغارقة في الأنانية وحب الذات.. والنتيجة أمامكم: شباب يركبون قوارب الموت وآخرون يلقون أنفسهم من أعلى طوابق مقرات أعمالكم وآخرون يحرقون أنفسهم أمام أعينكم وقائمة البؤساء في ارتفاع مهول... أهذه نتيجة تصديكم للأزمة؟ أهذه هي النهاية التي تتوخونها؟...العجز والتأزم سمة عهدكم. الكل يعزو السبب إلى قلة الإمكانيات، وأنا بدوري أقول من أين لهذه البلاد بالإمكانيات إذا كان وجهاء بلادنا يتوسدون الملايين ويفرشون لهم وللأهاليهم من الأراضي والبيوت والأملاك ما يمكن أن يعيش منها نصف المجتمع ثم تلقون في وجوهنا بمحدودية الإمكانيات وبأزمة البلاد كأنها خاصيتنا وحدنا وأنكم لا تمتون إلى هذه البلاد بصلة إلا لتنهبوها وتمتصوا ينابيعها. اسألوا أنفسكم أيها المحصنين من وباء التأزم، وأيها المتغنون بقلة الإمكانيات من أين لكم هذا؟ ولما هذا التطاحن على كراسي الحكومة؟
 الرجاء مراعاة آداب الحوار وأخلاقيات المناقشة ودعكم من كلام الجرائد وركزوا على تكوين ذواتكم حسب متطلبات سوق الشغل.. فالورشات والمقاولات عالم مشرق ورحب وقادر على استيعاب قدراتكم وكفاءاتكم وتحقيق طموحاتكم ومستقبلكم. أما المناصب العامة والشأن العام فله أسياده القادرون بحنكتهم وخبرتهم على مواجهة المصاعب برشد وحكمة..

كلام صاحب المعالي أفاض صدر المهدي بالإحباط وشوش.. أجهد نفسه ليرى رأسا يستوعب كلامه وما سيمليه عليه دون جدوى... بادره صاحب المعالي بصوته المبحوح وهو يستفزه بابتسامة ساخرة:
 هيا قل لي أنت ورفاقك كيف لأمثالكم أن تواجهوا العقبات العامة...؟
أسفر المهدي على ببسمة عليلة وقال وهو يسرح في البعيد:
 ليت الفعل يفصل بيننا يوما!
 أتظن أن البلاد كرة في الملعب يتقاذفها من يشاء وكيف يحلو له؟
 إذا حركتنا الرغبة الصادقة في إعلاء راية البلاد ووحدنا حماس السعي نحو تحقيق هذا الهدف وتسلحنا بالإرادة والعزيمة فما المانع من الوصول أيها الوزير المحترم؟
 الوصول إلى ماذا؟
 إلى تحقيق الهدف.
 على أي هدف تتحدث يا...
 هدف البلوغ بهذه البلاد إلى أوج العطاء. هدف توفير العيش الكريم لكل فرد فيها. هدف تحقيق السعادة لكل الفئات الاجتماعية. هدف تجديد ينابيع تحقيق الطموحات في هذه البلاد بدل تجفيفها في الأعماق بشعاراتكم التي تكرس التخلف والعجز وتشل القدرات...
 قد أطلعناكم بالأرقام الدقيقة عن عجز الدولة ومحدودية إمكانياتها
 العجز في الميزانية، العجز في الموارد... العجز، العجز، العجز.. العجز يا سادة ليس موروثا جينيا يستعصي تفاديه أو قدرا محتوما لا مفر منه.. العجز الذي تتغنوا به أفرزه حب الذات وطغيان المصلحة الخاصة وعدم الإحساس بالآخر حتى أضحى كل من يتولى منصبا كمن يترأس ضيعة من ضيعاته يسترقي فيها من يشاء من ضحايا اللقمة...
 دعك من "الفلسفة" والشأن العام ووفر جهدك لقراءة عريضة مطالب الشباب..
تنهد المهدي وفرش ورقته بنظرة ثاقبة فابتلع ريقه الجاف وقال:
 في أولى الأولويات أدعوكم إلى الإسراع إلى إنقاذ الشباب الذين يحتضرون أمام أعينكم والذين يشكلون وصمة عار عهدكم.. وأناشدكم بأن تبادروا وعلى وجه السرعة إلى:
1- تكريس كل الجهود من أجل استمرارية المنح الدراسية إلى ما بعد التخرج وإلى حين إدماج الخريج في سوق الشغل.
2- أن تبادروا وعلى وجه السرعة، بإحداث صندوق للشباب لصالح كل الفئات الشابة المؤهلة للعمل ولم تجده. ومتى تحقق مراد الشباب العاطلين وتحصلوا على مورد رزق قار تمت الاقتطاعات منه بحجم الاستفادة من الصندوق.
3- أن تبادروا بفتح صفحة الصفح مع الشباب الذين اكتووا بنار الضياع وذلك بتعويض كل المجازين على سنوات البطالة.
4- أن يكون الاحتكام في ولوج سوق الشغل إلى الكفاءة والأقدمية في البطالة ولا ضير في أن تتفاوت الأجور حسب نوعية العمل وساعاته ومكانه.
وأخيرا والذي لا يقل أهمية عما سبق أدعو باسمي وباسم كل الشباب إلى وضع برنامج واضح تتقاسم فيه كل الفئات الاجتماعية وعلى قدم المساواة مرارة أزمة هذه البلاد وحلاوة رخائها كما يتقاسم الكل روح المواطنة والولاء.

ضحك أصحاب المعالي بملء أفواههم وقطعت قهقهاتهم الساخرة الكلام على المهدي الذي انقبض وجهه حسرة وتقلص بلامبالاتهم في حين صفق له أصدقاءه وبعض المتجمهرين فتكسر الضحك على الشفاه كما يتكسر الموج على الصخر وعاد المهدي يقول بحماس أكبر:
 بحق المواطنة الذي يغلي في دواخلنا، وبنار الغيرة على هذه البلاد التي تستعير في كياننا نتعهد أمامكم بأننا سنوظف كل طاقاتنا من أجل إعلاء راية بلادنا.. نعمر الصحراء والأرياف ونتحمل سنوات من الحرمان والتقشف ونكون جنود مصلحة هذه البلاد
 هكذا يكون المواطن الصالح، أرجو التصفيق
 سنكون كذلك متى مددتمونا بالملموس وبالفعل المجرد من النغمات المنومة عن رغبتكم الجادة في مقاسمتنا هذا الهدف وبرهنتم لنا عن صدق نواياكم بمدى قدرة كل واحد منكم على التضحيات في سبيل تحقيقه. أما أن يعرق البغل ليأكل سيده فهنا أحب أن أذكركم أن زمن الغفلة قد ولى مع سنوات الرصاص...

تعالت التصفيقات من المدرج وتذبذبت سعادة أصحاب المعالي في الأعماق فقام وزير الشبيبة المتفائل دائما والمبتسم أبدا ليرد إليهم الروح أو كما قال ليرد الحوار إلى مجراه الطبيعي:
 نحن إلى حد الآن قد فسحنا لك ـ يا السي المهدي ـ من وقتنا ومن صدرنا قدر استطاعتنا، ولنكن جادين فيما تبقى من الوقت. أنتم ترغبون في العمل وهذا حق مشروع، لكن كما تعلمون: العين بصيرة واليد قصيرة.
 ونحن الشباب بدورنا لا نناقشكم في الوقت الراهن في ضرورة خلق فرص الشغل خارج نطاق الإمكانيات المتاحة... بصريح العبارة نطالبكم بتطبيق في الوقت الراهن مبدأ التضامن في الأزمات والذي يتفق مع مبدأ "خذ من غنيكم ورد على فقيركم" إلى حين...
 إلى حين ماذا؟ إلى حين ما تلقوا بهذه البلاد إلى التهلكة؟؟؟
 كلا، إلى حين الفرج.. إلى حين اقتلاع بلادنا من سلسلة الأزمات التي هي من أمد بعيد ما تفيق من إحداها إلا لتقع في أخرى، حينئذ يسمح بالرفاهية التي تناشدونها لأنفسكم والتي أرى بدافع الإنسانية أنها ينبغي أن تحظر في الشدة.
 هيا أتحفنا يا السي المهدي بحلولك الجاهزة؟؟؟
 أرى حظر كل سبل البذخ والترف ومصادرة كل ما يفيض عن حاجة الفرد..ويحظر أن يقطن شخص بيتا يتجاوز عدد غرفه عدد أفراد عائلته.. ويحظر احتكار المساكن والأملاك وأن تفرض على المتشبثين بأيام الرخاء ضرائب خيالية... وفي مقابل التضييق على المتمدنين من البذخ والترف نوسع مجاري الحياة في أريافنا وصحارينا، ونضخ أهالي المناطق النائية بحوافز مادية ومعنوية تكفل لهم العيش الكريم في بواديهم، فنعيد التوازن المطلوب.
بنبرة ساخرة همهم الوزراء:
 مهم، مهم...
 .. أن نركز على العلم الجاد والهادف. أن نسعى ببرنامج محو الأمية إلى محو الجهل بدل تعليم أبجديات تكرسه. أن نفتح آفاقا جديدة تستوعب طاقات شبابنا وتطلعاتهم وتقيهم شر الهجرات السرية وشحت الحرف لدى الدول الأخرى... أن نجعل من الكفاءة والجنس معيار تولي المناصب العليا. فلا يعقل أن يلقى بأخواتنا اللاتي يتقاسمن معنا المحنة في أقصى الأرياف أو ندفع بهن إلى أفران الحدادة والأعمال الشاقة ونحن أصحاب العضلات نجلس إلى مقاعد الهناء نفتل شواربنا ونتحرش بهذه أو تلك. وأرى أن تسند المناصب السياسية والدبلوماسية للمحنكات منهن لما تتطلبه هذه الوظائف من اللباقة والرشاقة وخفة دم تليق بالجنس الأنثوي منه بالرجل. وأن نكرس مبدأ المساواة بين الجنسين بدل سياسة تكريس الهوة بينهما وذلك بتخفيض ساعات العمل لهن في الخارج تقديرا لما يكابدن من جهد إضافي في بيوتهن. كما أنه قد حان الأوان بأن نبادر إلى عتق ربات البيوت من سلطوية أزواجهن وحالة التهميش التي يعشنها وذلك بتصريف لهن أجورا تليق بما يزاولن من أعمال داخل بيوتهن وإن اقتضى الحال الخصم من رواتب أزواجهن. ولا يخفى عليكم ـ أيها السادة الوزراء ـ بأن التغيير ينبغي أن يبدأ من الداخل باعتبار أن البيت نواة المجتمع وينبوع انبثاق أخلاقيات التعامل وقبول الآخر.. فالتكن إن شاء الله نهضة شاملة ترفع بكل فئات المجتمع إلى الطموح المنشود وينعم الكل برغد العيش والهناء والرضا...

فغادر السادة الوزراء المجلس، تحت لهب تصفيق الجماهير، وهم يلعنون الشباب واليوم الذي فكروا فيه النزول لمجالستهم ثم دلف أحدهم ناحية المهدي وهمس له:
ـ أضف إلى لائحتك ضرورة المبادرة إلى بناء أوكار خاصة لعصافيرنا ودواجننا تحصنها من شر افلوانزا الطيور، وحظائر مكيفة تقي أبقارنا شر الجنون، ومآو عصرية لقططنا المشردة تضمن لها رغد العيش في أمان واطمئنان، وأكواخ مريحة لكلابنا الضالة تقيها الحر والقر وتؤمنها من الجوع والخوف...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى