السبت ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧
بقلم سليمان عبدالعظيم

"الحرية والخوف" التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية 2007

مقدمة:

خيراًَ فعلت منظمة العفو الدولية حينما ربطت في تقريرها السنوي الصادر في لندن يوم 23 مايو 2007، والذي يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في العالم، فيما بين الحرية والخوف. فقد اعتادت التقارير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان أن تشير مباشرة إلى الانتهاكات المختلفة التي يواجهها البشر في كافة أنحاء العالم بدون ذلك الحد الأدني من التحليل الذي يربط بين هذه الانتهاكات المختلفة وبين طبيعة السياقات المختلفة التي تظهر من خلالها. وبمعنى آخر فقد اعتادت هذه التقارير أن تشير إلى هذه الانتهاكات من موقف وصفي كمي يرصد كافة الانتهاكات التي تؤيدها الأدلة المختلفة، بدون الربط بين تلك الانتهاكات وبين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط على المستوى المحلي ولكن أيضاً على المستوى الإقليمي والكوني.

وفي التقرير الحالي للعام 2007 ربطت المنظمة ربطاً محكماً ودقيقاً بين الانتهاكات المتلاحقة والمتسارعة والمتزايدة التي تشهدها معظم دول العالم المختلفة وبين ما يحدث كونيا وإقيلميا وقوميا. فالتحليلات الكونية التي قامت بها المنظمة أفضت إلى مقولة رئيسة تبناها التقرير واعتمد عليها في تفسير تلك الانتهاكات العديدة وهى أن الحكومات القوية والجماعات المسلحة في عالمنا المعاصر، وبشكلٍ أكثر تحديداً في العام 2006، كانت هى السبب الرئيس وراء معظم، إن لم يكن كل، الانتهاكات التي وصفها التقرير في كافة بقاع الأرض.

فالممارسات القهرية والقمعية والدموية التي مارستها تلك الحكومات القوية بذريعة حماية الأمن القومي، وفي أحيان كثيرة الأمن الكوني، قد شكلت سياقاً واسعاً من الخوف بين صفوف المدنيين من جانب، وبين صفوف الجماعات المسلحة من جانب آخر، أدي إلى تزايد الانتهاكات بدرجة غير مسبوقة في العام الماضي. بل إن التقرير يصل في تحليلاته إلى أن تلك الحكومات القوية تتعمد في أحيان كثيرة إشاعة هذه الحالة من الخوف والتركيز على مخاطر الجماعات المسلحة، وتهيئة الظروف لها لجرها للمزيد من العنف الدموي، من أجل استمرار حالة الخوف المجتمعية والكونية بغية الحصول على مكاسب سياسية مختلفة، وبشكلٍ خاص بعد أحداث سبتمبر 2001. فالجماعات المسلحة كان من الممكن الحد من مخاطرها إلى حد كبير لو اعتمدت الحكومات القوية استراتيجية حقيقية من أجل التغيير الإيجابي البناء بعيداً عن سياسات التهييج والتخويف التي تنتهجها وتُشرع لها وتنشرها عبر آليات الإعلام المغرضة المختلفة المتحالفة معها.

فحكومة "هوارد" الأسترالية وبسبب من حملتها الشرسة ضد اللاجئين بوصفهم يمثلون تهديداً للأمن القومي الأسترالي قد وصلت لكرسي الحكم في انتخابات عام 2001، كما أن الرئيس الأمريكي بوش قد استغل أحداث سبتمبر 2001 واستراتيجية الحرب ضد الإرهاب في الفوز في انتخابات الإعادة عام 2002. فإشاعة حالة الخوف هذه تؤدي إلى قبول إهدار حقوق الإنسان، وخلق عالم يتسم بالإستقطاب والخطر على نحو متزايد على حد تأكيد التقرير.

ويرى التقرير أن هذه الحالة من إشاعة الخوف تؤدي إلى المقايضة على الحريات باسم الأمن. وهو الأمر الذي يمكن ملاحظة الكثير من مؤشراته في تلك التشريعات المقيدة للحريات في الكثير من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول شمال أوروبا. ويفصل التقرير هنا بين نوعين من الخوف؛ فهناك خوف إيجابي من أجل التغيير، ذلك الخوف الداعم لتحسين حياة الإنسان وأوضاعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهناك ذلك الخوف المستعر المدمر الذي يدعو له قادة الدول القوية والجماعات المسلحة الذي يولد التعصب والقتل والتدمير ويذكي من حدة الكراهية ورفض التعامل مع الآخرين إلا من خلال أرضية النبذ والعزل والإبادة.

ويفرق التقرير بين نوعين من القادة أولهما يمثله الرئيس الأمريكي السابق روزفلت الذي أكد في العام 1941 على الحريات الأربع للإنسان المتمثلة في حرية التعبير، وحرية الدين، والتحرر من الخوف، والتحرر من الحاجة، وبين قادة اليوم مثل بوش وبلير وغيرهم الكثير الذين "يدوسون بأقدامهم على الحرية، ويعلنون وجود نطاق ما يفتأ من المخاوف" على حد قول إيرين خان الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية في مقدمتها الهامة واللامعة للتقرير.

وفرق كبير هنا بين روزفلت الذي يسعى لتحرير الإنسان والعالم من المخاوف المختلفة وبين هؤلاء القادة الجدد المعاصرين الذي لا يفتأون يُشيعون كافة ألوان الخوف ويسعون إلى نشرها بين صفوف المدنيين في كافة بقاع الأرض. هؤلاء القادة يعلنون الخوف من المهاجرين، والخوف من الآخر، والخوف من فقدان الهوية، والخوف من القتل من الإرهابيين، والخوف من "دول الشر" التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل.

ويؤكد التقرير على أن الخوف يزدهر في ظل هذه النوعية من القيادة التي تتسم بالجبن وقصر النظر. وبسبب من ذيوع حالة الخوف هذه وازدهارها في ظل هذه النوعية من القادة تزداد انتهاكات حقوق الإنسان من جانب، كما تزداد الصعوبات المختلفة المرتبطة بحل النزاعات المختلفة والمتصاعدة في أماكن كثيرة حول العالم. وما بين تلك الحكومات القوية بقادتها الأغبياء وبين تلك الجماعات المسلحة بقادتها الدمويين يدفع المدنيون أثمانً باهظة من حياتهم وترحيلهم وفقرهم مثلما هو الحال في الكثير من المناطق مثل العراق وأفغانستان والعديد من الدول الأفريقية.

وإشاعة الخوف التي تقوم به الحكومات القوية من جانب والجماعات المسلحة من جانب آخر لا يقف تأثيرها عند الأثمان الباهظة التي يدفعها المدنيون لكنها تتعدى ذلك إلى مستوى آخر أكثر خطورة يتعلق بتدمير فهمنا المشترك لبعضنا البعض، كما يتعلق بتدمير إنسانيتنا المشتركة. فحالة الكراهية السائدة الآن في كافة بقاع الأرض تدعمها حالة الخوف المستعرة التي تروج لها تلك الحكومات القوية وتؤججها تلك الجماعات المسلحة. وهو الأمر الذي يؤدي لا محالة للمزيد من تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في كل مكان، والأخطر من ذلك، قبول تلك الانتهاكات والتسامح تجاهها على مستوى واسع المدى وغير مسبوق كونيا.

التحرر من العنف:

يشير التقرير عبر مسح شامل لكافة أرجاء العالم إلى تصاعد هائل للعنف، سواء من قبل الحكومات القوية أو من قبل الجماعات المسلحة. ففي حالة أفغانستان، لم تنجح الحكومة والتحالف الدولي في فرض الأمن والاستقرار، وهو ما سمح بعودة طالبان وملأها للفراغ السياسي والاقتصادي في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد. فالقصف الجوي الذي تقوم به قوات التحالف الدولي يؤدي إلى قتل المدنيين، الذين لا يلبثون يتعاطفون مع حركة طالبان ضد هذه القوات. كما أن التقرير يشير إلى العديد من الانتهاكات التي يواجهها المدنيون الأفغان سواء على أيدي القوات الحكومية أو على أيدي قوات التحالف أو على أيدي عناصر حركة طالبان. وهو الأمر الذي يؤدي إلى العديد من أشكال النزوح القسري للمدنيين مع ما يرتبط بذلك من المزيد من الإفقار، والمزيد من إشاعة حالة الخوف المجتمعية.

وفي إسرائيل قُتل ما يزيد على 650 فلسطينيا بينهم 120 طفلاً، بالإضافة إلى 27 إسرائيليا. ويؤكد التقرير على حالة الترويع والقتل المجاني التي تمارسهما إسرائيل ضد الفلسطينيين، من خلال القصف المدفعي المبالغ فيه، وإقامة الحواجز العديدة، واعتداء المستوطنين على الفلسطينيين وعلى مزارعهم. كما يشير إلى ماقامت به إسرائيل في حربها ضد لبنان التي استمرت لمدة 34 يوماً، قبل أن تستجمع الأمم المتحدة شجاعتها للدعوة لوقف إطلاق النار. فقد قتل في هذه الحرب الدموية قرابة 1200 شخص، وتم تدمير عشرات الآلاف من المنازل، وتدمير متعمد للبنية التحتية اللبنانية، إضافة إلى إلقاء مليون قنبلة عنقودية على الشعب اللبناني. لا تقف الانتهاكات الإسرائيلية عند هذا الحد بل تتعداها إلى ما يمكن تسميته بالتجويع والإفقار المتعمد للشعب الفلسطيني المحاصر في أراضيه.

لا يقف التقرير عند هذا الحد لكنه يشير إلى المظاهر العديدة للعنف في العراق وبنجلاديش وتايلاند والكثير من دول أمريكا اللاتينية، والتي يدفع ثمنها المدنيون العاديون، إضافة إلى الفئات الضعيفة مجتمعيا مثل النساء والأطفال. ففي جواتيمالا قُتل ما يزيد على 2200 إمرأة وفتاة منذ عام 2001، ولم يُحاكم إلا عدد قليل من الجناة من مرتكبي هذه الجرائم. واللافت للنظر هنا أن التقرير يشير إلى مرونة القوانين في مثل هذه الجرائم الموجهة ضد النساء حول العالم مثل ما يتعلق بجرائم الشرف والإرهاب الجنسي. وفي هذا السياق يشير التقرير إلى الموقف المتناقض من حجاب المرأة المسلمة، حيث يشير إلى فرضه في العالم الإسلامي، وإلى رفضه في المجتمعات الغربية. وفي كلا الحالتين يدعو التقرير لضرورة الوقوف موقفاً عالميا موحداً من حقوق الإنسان في كل مكان، وعلى رأسها حرية المرأة في اختيار ما تراه صالحاً لها بغض النظر عن آراء الآخرين التي تحدد لها سلوكياتها، وتفرض عليها ما لا تريد.

ويكشف التقرير في هذا السياق عن تقاعس الكثير من الحكومات عن معاقبة الجناة والجماعات المسلحة المختلفة، وهو الأمر الذي تستفيد منه تلك الحكومات من جانب، كما يؤدي إلى تصاعد وتيرة الخوف والكراهية والانفجارات العرقية والدينية المختلفة في كافة مناطق العالم من جانب آخر. ويكشف التقرير أن الكثير من ملابسات الوضع اللبناني المعقد الآن ترتبط بما حدث إبان الحرب الأهلية وشعور الكثيرين بالغبن والظلم جراء السكوت عن الجماعات المسلحة العديدة التي ارتكبت مجازر الحرب الأهلية في لبنان، وتلتزم السلطات الحكومية الصمت تجاهها رغم معرفتها بما قامت به.

الخوف من الهجرة أو التهميش:

يضعنا التقرير أمام الأبعاد المختلفة المؤدية لتصاعد الانتهاكات الكونية الخاصة بحقوق الإنسان، وعلى رأسها الممارسات الاقتصادية المجحفة بحق الدول الفقيرة. فمع ازدياد مساحة العولمة، وهيمنة الآليات الخاصة بها، اتسعت الفجوة بين الفقراء والأغنياء في مناطق كثيرة من العالم. وهو ما يُطلق عليه التقرير في صياغة بالغة الإبداع "بالباطن الحالك للعولمة". فبسبب المشروعات الكثيرة التي تقوم بها الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات ازداد الإجلاء القسري للبشر، والترحيل الإجباري من مناطق معيشتهم التي ولدوا فيها واعتادوا العيش بها. ورغم أن هذه المشروعات تتم من أجل التقدم الاقتصادي فإنه من خلال عمليات الإجلاء القسري للمواطنين من أجل الاستفادة من الأراضي التي يقيمون بها لصالح الشركات العالمية يعانون من المزيد من الإفقار والتشريد، بدون تعويضات مناسبة وبدون أية ضمانات مستقبلية. فالشركات العالمية العملاقة تهيمن هيمنة مطلقة على الدول الفقيرة حيث تخالف وتنتهك كل المواثيق الدولية الإنسانية المختلفة.

ويشير التقرير إلى تعرض ملايين البشر للإجلاء القسري من منازلهم دون تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة، ودون تعويض ودون توفير مأوى بديل لهم. إن تهميش هذه الملايين من الفقراء يزيد من إفقارهم، كما يزيد من العديد من الصراعات والإضطرابات السياسية المختلفة، وهو ما يزيد من موجات الهجرة المتلاحقة إلى أوروبا وغيرها من الدول الأكثر ثراءً. ويفيد التقرير أنه في عام 2006 وحده غرق ما يقرب من 6000 مهاجر أفريقي من هؤلاء الذين ينشدون الهجرة إلى جنوب أوروبا. إن موجات الهجرة المختلفة تخلق هواجس السياسة الأوروبية وتطلق مسألة الأمن القومي، حيث يتم ذلك بالتجاهل المطلق من جانب القادة الأوروبيين للدور القذر والمستغل، بكسر الغين، الذي تقوم به العديد من الشركات الأوروبية في أفريقيا.

فالعولمة رغم بعض إيجابياتها لم تثمر سوى الفقر والحرمان والتهميش لهؤلاء الملايين من أبناء الدول الفقيرة. ففي الهند على سبيل المثال ذكر تقرير للأمم المتحدة أنه بعد تطبيق السياسات الاقتصادية الجديدة التي ربطت اقتصاد الهند بالعالم فإن ما يقرب من 28% من السكان يعيشون تحت خط الفقر على المستوى المحلي. ويشير تقرير الأمم المتحدة أن النسبة وصلت إلى 40% في منغوليا، وإلى 33% في باكستان. ويكشف تقري منظمة العفو الدولية أن التأثيرات السلبية كانت أشد وبالاً في المناطق الريفية عنها في المناطق الحضرية. ففي الهند ازداد العدد الاجمالي للعاطلين عن العمل، على الرغم من انتعاش قطاع الخدمات. وقد تجلى اليأس في المناطق الريفية الهندية في عدد حالات الانتحار الكثيرة إلى حد مقلق بين المزارعين. فقد ذكرت الحكومة الهندية أن 16 ألف كانوا ينتحرون سنويا خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2006، كما انتحر 100 ألف مزارع في السنوات العشر السابقة.

ويفرد التقرير مساحة كبيرة لأفريقيا يكشف من خلالها حال القارة التعيس اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فعلى الرغم من جهود الوساطة الدولية لإحلال السلام من أجل انقاذ القارة السوداء من براثن الفقر والجهل واليومي، فقد ظلت إثيوبيا وإريتريا وبوروندي وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونجو وجمهورية الكونجو الديمقراطية والسنغال والسودان وساحل العاج والصومال من البلدان التي تتعرض للنزاعات المسلحة والصراعات العسكرية المختلفة وتتضرر منها. وبجانب هذه الصراعات المسلحة ينتشر الفقر المدقع، والفساد والتفاوت في توزيع الموارد، والقمع السياسي، والتهميش، والعنف العرقي والمدني، وانتشار الأسلحة الصغيرة، والنزوح الإجباري، والمجاعات، والانتشار الوبائي لمرض نقص المناعة المكتسبة المعروف اختصارً باسم "الإيدز". وفي هذا السياق يشير التقرير أن "البرنامج المشترك الخاص بالإيدز" في الأمم المتحدة قد ذكر أن فيروس الإيدز قد تسبب في وفاة 2.1 مليون شخص عام 2006، كما أصيب 2.8 مليون شخص جديد بهذا الفيروس، بحيث أصبح العدد الإجمالي للأحياء المصابين بالإيدز أو الفيروس المسبب له 24.7 مليون شخص.

التمييز والحق في الاختلاف:

يرى التقرير أن الخوف يغذي مشاعر الاستياء، ويؤدي إلى التمييز والعنصرية، واضطهاد الأقليات العرقية والدينية، وإلى كراهية الأجانب. فالتمييز ضد الغجر يزداد زيادة غير مسبوقة في أوروبا، في ظل التجاهل شبه التام من جانب السلطات الرسمية، وفي ظل ضعف القوانين المقيدة لهذا التمييز. كما أن استراتيجيات الخوف من المسلمين والتخويف ضدهم تتم على قدم وساق في كافة أرجاء العالم، وبشكلٍ خاص بعد أحداث سبتمبر 2001، وهو الأمر الذي يؤدي لا محالة إلى زيادة المتطرفين على الجانبين.

إن هذا الخوف والتخويف وتصاعده يؤدي أيضاً إلى المزيد من تقييد حرية التعبير، والتلصص على الحريات الفردية، وإصدار المزيد من القوانين التي تسمح للحكومات المختلفة بالقبض العشوائي لمجرد الاشتباه في الآخرين المختلفين في الدين والعرق والتوجه الفكري. ففي بريطانيا على سبيل المثال لا الحصر أصدرت الحكومة البريطانية قانوناً يسمح بإنشاء جريمة ذات تعريف غامض وهى جريمة "تشجيع الإرهاب"، ويرتبط بذلك أيضاً إنشاء جريمة أخرى غير محددة ومحيرة وهى جريمة "تمجيد الإرهاب". وفي روسيا اعتمد الرئيس بوتين سياسات مقيدة بدرجة كبيرة لحركة المجتمع المدني الناشئة في روسيا، حيث أغلق بعضها، وأصدر قوانين عديدة تقيد من حركة البعض الآخر.

ويعني ذلك أن القوانين الجديدة الناشئة عن حالة الخوف والتخويف هى قوانين تتعامل مع النيات، وتتوجس في الآخرين، وتفتش في عقولهم ومشاعرهم وضمائرهم وتوجهاتهم الفكرية والأيديولوجية المختلفة. وهى مسألة بالغة الخطورة تعيدنا إلى عصور التفتيش في القرون الوسطى المسيحية. وهو الأمر الذي يستدعي هنا ضرورة التأكيد على عدم وضع أية قيود على حرية التعبير إلا إذا توافر القصد الواضح للتحريض على الكراهية العنصرية أو الدينية.

ويرى التقرير أنه في ظل عصر الإنترنت، وفي ظل تلك الشبكة العنكبوتية التي تربط العالم بدرجة غير مسبوقة، فإنه يلوح في الأفق امكانيات جديدة من أجل الكفاح ضد هذه القيود العديدة المفروضة على المواطنين من جانب، وعلى المنظمات الحقوقية والنشطاء في مجال حقوق الإنسان من جانب آخر.

الخوف من الإرهاب:

ترى إيرين خان بأنه "لا يشتد ساعد الخوف في مناخ مثلما يشتد في مناخ الإرهاب ومكافحته". وتصدق مقولة خان بدرجة كبيرة على واقع العالم المعاصر، فلا يوجد خطاب سياسي غربي إلا ويتحدث عن الإرهاب، ولا توجد حملة انتخابية غربية إلا وكانت إحدى ركائزها التخويف من الإرهاب، والحديث عن الآليات الجديدة لمكافحته. ففي بريطانيا أصبح من سلطات وزير الداخلية البريطاني إدانة الأفراد وحجزهم في منازلهم، بدون محاكمة، وحتى يُبت في أمرهم. وفي عام 2006 أصدرت اليابان قانوناً يقضي بترحيل أى شخص يعتبره وزير الداخلية "إرهابيا محتملاً".

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن فإن العالم كله يعتبر مجالاً للحرب على الإرهاب. فالولايات المتحدة، من خلال ممارساتها القمعية والتخويفية المختلفة، قد أطلقت ما يمكن تسميته "عولمة الانتهاكات". فلأول مرة في التاريخ تمارس دولة من الدول مثل هذا الحيز الكوني الضخم والمتعاظم من الانتهاكات تحت شعار الحفاظ على الأمن العالمي.

يشير التقرير للعديد من الممارسات القمعية التي تمارسها الولايات المتحدة حول العالم مثل: الاختطاف والتعذيب والسجن والترحيل الاستثنائي. كما يشير إلى المعتقلات السرية التي كشفت عنها منظمة العفو الدولية في سنوات سابقة وأنكرتها الولايات المتحدة. وربما تمثل السجون والمعتقلات السرية والمواقع السوداء الخاصة بالمخابرات الأمريكية حالة جديدة بالنسبة للتاريخ الإنساني يسهل من خلالها تسييل المسجونين، وعدم معرفة أماكنهم. وهو الأمر الذي يصعب على ذويهم وأقربائهم ومنظمات حقوق الإنسان الدفاع عنهم، حيث لا يعرفون من الأساس أماكن وجودهم. تخلق مسألة المعتقلات والسجون السرية أيضاً صعوبة الرقابة الدولية بالنسبة لهذه النوعية من السجناء.

واللافت للنظر هنا أن هناك العديد من الدول المتعاونة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة المعتقلات والسجون السرية في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. وربما تذكرنا حالة المواطن الكندي السوري الأصل ماهر عرار، التي مازالت تشهدها المحاكم الكندية ضد الولايات المتحدة على الدور الهائل لما يسمى "بعولمة الانتهاكات" التي تقودها الولايات المتحدة في حربها المخيفة على الإرهاب. ولا ينفصل عن ذلك أيضاً ما تقوم به الولايات المتحدة من سياسات خاصة "بالترحيل الاستثنائي" لبعض المعتقلين للكثير من الدول في مناطق العالم المختلفة، وعلى رأسها بعض الدول في العالم العربي.

ويكشف التقرير عن العديد من الانتهاكات التي تمارسها أمريكا في كافة أرجاء العالم باسم الحرب على الإرهاب. ومن بين هذه الممارسات القمعية الأمريكية قانون اللجان العسكرية الأمريكية الجديد، وعمليات "الترحيل الاستثنائي"، والاحتجاز القسري، ومعتقل خليج جوانتنامو، والاحتجاز القسري للأسرى في العراق وأفغانستان، وحوادث القتل دون وجه حق على أيدي القوات الأمريكية في الخارج، واحتجاز "المقاتلين الأعداء" في الولايات المتحدة الأمريكية، والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، والمعاملة السيئة في السجون وحجز الشرطة، والسجون ذات الاجراءات فائقة الشدة. ولعل كل ماذكره التقرير هو الذي دفع الإدارة الإمريكية إلى أن تتهم تقرير منظمة العفو الدولية بأنه وثيقة سياسية، رغم ما فيه من أدلة قطعية لا تحتمل التشكيك أو الرفض.

تقول إيرين خان الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية حول الممارسات الكونية الإرهابية القائمة على بث الخوف والشقاق، والتي تقوم بها الولايات المتحدة "لاتزال الإدارة الأمريكية تصم آذانها عن النداءات التي تنطلق من شتى أنحاء العالم مطالبة بإغلاق معتقل جوانتنامو، ولا تشعر بأى ندم على إقامة تلك الشبكة العالمية من الانتهاكات باسم مكافحة الإرهاب، وتتناسى هموم الآلاف من المعتقلين وأسرهم، والإضرار بسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتدمير السلطة الأخلاقية التي تتمتع بها، إذ انخفضت إلى أدنى حد لها في شتى أنحاء العالم، في حين تظل مستويات انعدام الأمن مرتفعة كما كانت".

نظرة إلى المستقبل:

رغم كل تلك الأوضاع القمعية المزرية التي تجمع بين استبداد الحكومات القوية واستشراء الجماعات المسلحة يبقي السؤال الهام: هل من أمل؟ يطرح التقرير مفهوم الاستدامة المرتبط بالتنمية، من أجل تعزيز الأمل وحقوق الإنسان والديمقراطية. فالاستدامة تتعدى الوقوف فقط عند الاستراتيجيات الأمنية القائمة على التصدي للمخاوف والأخطار، حيث تبعث الأمل من أجل قيم إنسانية كونية حقيقية ترتكز على احترام الإنسان أيا كان نوعه وجنسه ولونه وعنصره وعرقه ودينه، وأيا كانت المنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها.

وفي هذا السياق يؤكد التقرير على ضرورة تدعيم سيادة القانون وحقوق الإنسان، ورعاية حقوق النساء والفقراء والفئات الاجتماعية المحرومة. إضافة إلى ذلك فإنه من الأهمية بمكان إصلاح الهيئات المعنية بحقوق الإنسان، وبث النشاط والحيوية بين دروبها. كما أن التقرير يؤكد على أهمية المسيرات، والالتماسات، والرسائل الالكترونية، والمدونات على الإنترنت، والقمصان، والشارات على الأذرع. حيث يرى أنه على الرغم من محدودية تأثير كل هذه الآليات ضد الانتهاكات المختلفة لحقوق الإنسان، إلا انها تتضمن أهمية بالغة تتمثل في تجميع البشر حول هدف واحد، وإحساس واحد، يرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان وصيانتها ضد أية محاولات قمعية قهرية قائمة على التخويف والانتقاص من حريته. تقول إيرين خان مؤكدة أهمية البشر والمجتمع المدني في حماية حقوق الإنسان "إن ما يبدو في أيدي الناس من قوة سوف يغير وجه حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين. وسيظل هذا الأمل قوياً ومفعماً بالحياة".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى