الثلاثاء ٣ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
المطران كبوتشي:
بقلم ريمون جرجي

أُصلّي للعراق، لفلسطين، للبنان، وبصورة خاصة لسوريا

تحدث المطران هيلاريون كبوتشي مطران القدس في المنفى عما قاله له " رحمة الله عليه رئيس سوريا الراحل الحبيب حافظ الأسد" الذي كان يزوره دائماً قبل مغادرته أبرشية القدس، فقد كان يقول له في كل الزيارات : أنت ذاهب وأنا هنا في سوريا، أينما كنت و متى احتجت للمساعدة فأنا موجود في سوريا، هذه العبارة التي يرددها عليه حالياً الكثير من الأحبة.

وتابع المطران كبوتشي حديثه العفوي المرتجل، متذكراً ما جرى في آخر مقابلة له مع الرئيس الراحل وأثناء مغادرته استوقفه الرئيس الراحل ( واضعاً يده على كتف المطران قائلاً بصفة أبوية وأخوية لا تُنسى):
" يا سيادة المطران أنت عائد إلى منفاك ومعاناتك، لأنك تعيش من حنينك والحنين قتّال فلماذا لا تبقى هنا في بلدك و وطنك وأهلك؟ " و تمنى عليه أن لا يذهب، فكان رد المطران له والدمعة في عينيه، أنه عاجز على إيجاد كلمات الشكر لهذه المشاعر النبيلة التي فاحت عبر كلمات الرئيس معه حينذاك، لكنه اعتذر عن البقاء في سوريا لأنه إذا استقر في سوريا، فإنه سيصبح بنظر العالم أجمع والعالم العربي بشكل خاص كمن أضاع أمله و رجاؤه في العودة إلى القدس وإلى فلسطين، وأن عودته إلى سوريا ستعني بأنه لم يعد هناك فائدة من المطالبة باسترجاع القدس ولذلك هو يُصر على البقاء في منفاه وتابع حديثه مع الرئيس قائلاً : إن قرار عودته هو شكٌ وخطيئة مميتة لا يمكنه أن يرتكبها، على الرغم من أنه سيكون سعيداً جداً عندما يترك منفاه في روما ويعود إلى أهله ووطنه و بين إخوته (وهل هناك أعزُ من الوطن!!).

وتابع " قلت للرئيس حافظ الأسد أن الدنيا ليست عواطف فقط بل الدنيا هي ضمير ووجدان، فأنا لي وقفة أمام الله تعالى وسيسألني وسيحاسبني، لذلك فإن عودتي إلى سوريا هي الدليل للعالم بأنني يئست من العودة إلى القدس، وبذلك سأرتكب خطيئة مميتة ".

بعدها شكر الرئيس على دعوته وعرضه واستأذنه بالعودة إلى منفاه، حينها صمت الرئيس الراحل ... وقال له : " أنت رجل أصيل ، اذهب والله معك، وتأكد أن يومك قريب جداً وستعود إلى القدس يوماً مرفوع الرأس و نحن نعمل على تحرير القدس إنشاء الله ".

وعبّر عن سروره باللقاء الذي دعاه إليه راعي أبرشية السريان الأرثوذكس بحلب نيافة المطران يوحنا إبراهيم مساء السبت 30/06/2007 في حضور عدد من رجال وسيدات المجتمع في المدينة، فوصف اللقاء بأنه الحلوى و الفواكه التي تُقدم عادة بعد انتهاء وجبة الطعام لأنه الآن قبل أيام من عودته إلى منفاه وهو الحزين الذي يعيش منفياً في روما، و" الغربة كربة والهم فيها حتى الركبة و هو استبدلها حتى الرقبة "، ووصف اللحظات الأخيرة قبل العودة إلى منفاه، كشعور الطفل الذي انتهت فرصته وحان وقت العودة إلى الصف، وتعزيته هناك في منفاه في غربته هي قلبه وفكره ودعاؤه ، و وصف الحضور بأنهم باقة زهر حلوة.

وعن يومياته في منفاه قال المطران كبوتشي بأن في مكان إقامته في روما مكان صغير للصلاة يجلس فيه على الأرض يومياً كلما ضاقت به الدنيا وهاجمه الحنين والشوق، فيلجأ إليه ولا ينطق بأي حرف لأن الله يعرف كل شيء ، ويطلب من الله بأن يوحد شمل العرب الذي أصابهم التفكك في هذه الأيام، " أصلي لوحدة العراق، أصلي لإخوتي في فلسطين الذي يتقاتل فيه الإخوة مع بعضهم بعد أن وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم الإسرائيليون، أصلي إلى لبنان الذي تغنى به وديع الصافي يوماً: " لبنان قطعة من السماء " ، أصلي بصورة خاصة لبلدي ووطني وأمي سوريا لأنها مستهدفة في مخطط جهنمي تنفذه أمريكا بالتعاون مع إسرائيل"، ووعد الحاضرين بأن يُصلي إلى الله كي يعيده يوم تعود البلاد العربية مرفوعة الرأس بتحرير القدس العربية عاصمة دولة فلسطين ووعد بالذهاب مع الحاضرين إلى القدس من جميع أماكن سوريا نحو القدس للاجتماع في رحاب المسجد الأقصى وكنيسة القيامة أثناء قرع أجراس الكنائس وصدح أصوات المآذن التي ستهلل حينها. و ذكّر الحضور بأن المطران هو خادم، و راع والراعي يُضحي بحياته عندما يواجه الذئب مع قطيعه، وقطيعه هو الشعب الفلسطيني.

بدوره تحدّث المطران يوحنا إبراهيم عن ضيفه قائلاً : إن سيادة المطران هيلاريون كبوتشي، بعد أن كان مطراناً للقدس، أصبح مطراناً للعالم من خلال نضاله الذي اختاره لنفسه وبعد صفحة المقاومة التي خطها لنفسه، والتي نقلته من أبرشيته القدس إلى المنفى الذي أعطاه مكانة جميلة وراقية في سبيل نقل كلمة الحق .

كما وصفه بالمدرسة التي تتصف بالصدق والوفاء والخدمة والعطاء، هذه الصفات التي تتجسد مع واقع الحياة، لأنه لا تكفي الكتابة ولا يكفي الكلام، وإنما الأفعال الواقعية هي التي تجسد كل المعاني، وتمنى من الحاضرين أن ينقلوا إلى أولادهم وعائلاتهم معاني هذه المدرسة الكبيرة في التضحية والعطاء والصدق،

كما وصف المطران كبوتشي حلمه بلقاء القدس بأن عطشه إلى رؤية القدس كعطش الأيل إلى ينابيع المياه، وأن حلمه وأمله قبل مماته بعد أن بلغ 86 عاماً من العمر فذكر أن قلبه ينزف دماً على الواقع العربي المأساوي حيث لا أمة عربية كما عاشها بل مشرق عربي و مغرب عربي وخليج عربي، وصعبٌ عليه من أن يُكحل عينيه برؤية القدس، ولكنه متأكد من أنه سيراها من السماء .

والمطران هيلاريون كبوتشي هو من مدينة حلب، عين مطراناً لمدينة القدس في عام 1965 ( منذ 42 عاماً )، وحُكم بـ 14 سنة سجنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، قضى منها 4 سنوات في السجن وأضرب عن الطعام خرج بعدها من السجن بناء على تدخل شخصي من قداسة البابا الراحل بولس السادس، و كان خروجه مشروطاً بعدم العودة إلى فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ هو يعيش في روما .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى