الخميس ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم تيسير الناشف

الخلل في تناوُل مستشرقين لمسائل عربية وإسلامية

من أجل زيادة معرفة الشعوب بعضها ببعض وبعضها بثقافة بعض من اللازم إجراء الحوار الفكري بين المثقفين العرب والمثقفين غير العرب، وخصوصا المثقفين الغربيين، نظرا إلى أن لدى كثيرين من المثقفين الغربيين صورة تنم عن الجهل أو التحيز عن العرب والمسلمين، والكثيرون منهم لا يتناولون القضايا العربية والإسلامية تناولا يتوخى الموضوعية. ويتجلى هذا الجهل أو التحيز في أن الصورة لدى هؤلاء عن العربي هي صورة الشخص المتخلف أو الإرهابي أو الميال إلى العنف أو المتعطش إلى سفك الدماء أو المعتدي أو المتحرش بالنساء أو المتزوج بأكثر من مرأة. ولهذا الجهل والتحيز أسباب، وأحد هذه الأسباب انعدام الاتصال والحوار الفكريين بيننا وبينهم، ووجود جهات غربية قوية وثرية معنية بإبقاء الغربيين جاهلين بالقضايا العربية والإسلامية وبحقيقة الثقافة العربية والإسلامية الطيبة والمتسامحة والمستنيرة.

وفضلا عن خطأ هذه الصورة وتحيزها فإنها تفتقر إلى التوازن. الحقيقة هي أن العرب لا يختلفون عن أفراد الشعوب الأخرى من ناحية أخلاقهم ونزعاتهم الطبيعية وميولهم الاجتماعية والثقافية. لا يوجد على وجه هذه المعمورة شعب يخلو من الأميين من ناحية القراءة والكتابة أو من الأمية الوظيفية، أو الميالين إلى العنف أو صفات أخرى. وابتغاء معرفة مدى شيوع هذه الصفات بين الشعوب من اللازم أن يطلع الدارسون، قبل إطلاق تقييماتهم وأحكامهم، على مراجع إحصاءات السلوك الاجتماعي التي تبين نسب انتشار هذه الصفات في مختلف المجتمعات في كل القارات.

ويعتقد كثيرون من الغربيين من المثقفين وغير المثقفين بأنهم متفوقون على غير الغربيين. ويصف غربيون مجتمعات في البلدان النامية بالدونية وعدم التحضر وخمول الفكر. وتوخيا للموضوعية والتوازن في الطرح من اللازم أن نذكر أن الحكم الأجنبي القاسي والاستغلالي الطويل للبلدان النامية كان وما يزال سببا رئيسيا في نشوء الحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المزرية التي تعاني منها مجتمعات نامية. وتسجيلا لنشاط الفكر العلمي للشعوب الإسلامية نقول إن ذلك الفكر المتفوق كان العامل الذي أثر في العصور الوسطى في الفكر والفلسفة والحياة في أوروبا وفي بعث أوروبا ونهضتها وتنويرها وانتشالها من حلكة الأساطير والخرافات. وكان فكر الفبسلسوف العربي ابن رشد العامل في نهضة أوروبا الفكرية وذلك بأن أظهر للعالمين الإسلامي والمسيحي في القرون الوسطى أنه لا تناقض بين العلم والدين. وفكرة الهاتف الخلوي تعتمد على علم اللوغارتمات الذي أنشأه العالم المسلم الخوارزمي. وفي القرون الوسطى زار وفد فرنسي بعض جامعات الأندلس ليحصل من العلماء المسلمين على معلومات عن كيفية إنشاء جامعة السوربون. وكعادة العلماء المسلمين قدموا المعلومات لأفراد هذا الوفد عن طيب خاطر. ونظرة التفوق لدى الغربيين أحد الأسباب في جهلهم أو تجاهلهم لدور الحضارة الإسلامية في بعثهم وأحد الأسباب الرئيسية في رفضهم الاعتراف بهذا الدور أو في الاستخفاف به.

والحقيقة أن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تعاني منه، على تفاوت، جميع مجتمعات الأرض بدون استثناء: المجتمعات الغربية (بما في ذلك مجتمعات أوروبا الشرقية) والمجتمعات النامية وغيرها. وما القول بغير ذلك سوى ضرب من الجهل أو التمويه. وإنكار حقيقة شمول التخلف البشري قد يكون دلالة على الافتقار إلى الجرأة على قول الحقيقة أو نتيجة غسل الدماغ. قد يتقدم الأوروبيون، مثلا، على العرب والأفارقة فيما يتعلق بمتوسط عدد أجهزة التلفزيون أو أجهزة المايكروويف المستعملة في المطبخ، ولكن العرب يتقدمون على الغربيين فيما يتعلق بالمعرفة الحقيقية لشعوب وثقافات أخرى، فالغربيون أقل بالمتوسط علما بثقافات الشعوب الأخرى. وهذه الشعوب لديها معرفة أكبر بلغات الشعوب الغربية، وخصوصا الإنكليزية والإسبانية والفرنسية، وبثقافات تلك الشعوب نظرا إلى دراسة الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات في البلدان النامية للغات الغربية وثقافاتها وتاريخها.

ولاستعمال كثير من المنتجات التكنولوجية الجديدة آثار إيجابية وسلبية. فاستعمال جهاز المايكروويف في المطبخ يعجل بعملية التسخين والطبخ. ولكن عن هذا الجهاز تنشأ أيضا انبعاثات إشعاعية. وتنشأ انبعاثات إشعاعية عن جهاز الهاتف الخلوي. وللتجارب النووية الكثيرة التي كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ودول أخرى قد أجرتها آثار سلبية قي صحة الكائنات الحية ومنها البشر. وتنشأ آثار سلبية عن تشغيل المحطات النووية الكثيرة المنتجة للطاقة النووية والكهربائية وكثرة استعمال وسائل النقل من سيارات وقطارات وطائرات وسفن. هذه المحطات والوسائل، التي تلوث البيئة وتسبب الأمراض، تكثر في الغرب والبلدان الأخرى المتقدمة النمو وتقل في البلدان النامية. وذلك يعني أن الغربيين تقدموا على الشعوب النامية فيما يتعلق بمتوسط عدد الأجهزة التكنولوجية الحديثة ولكنهم تأخروا عنها فيما يتعلق بتوفر السلامة الصحية في سياق استعمال هذه الأجهزة.
وما فتئ الغرب يعاني من ظواهر وتطورات من قبيل الغلو في النزعة الفردية وشدة تزعزع العلاقات الاجتماعية وتفكك الأسرة وحرية العلاقات الجنسية، لدرجة الإباحة الجنسية في بعض البلدان وفي بعض الحالات، والسعي اللاهث وراء تكديس المال، وترتيب المتولين للمسؤولية لبعض جوانب حياة البشر بالآلة التي تؤدي وظيفتها دون مراعاة للمنظور الإنساني. ولهذه التطورات والظواهر آثار سلبية في نفس الإنسان وموقفه ونظرته وسلوكه. وعززت هذه التطورات والظواهر النظرة الأنانية والريبة التي لا يبدو أن لها ما يبررها وإزالة أو تضييق هامش احتمال الخطأ لدى إصدار الأحكام على سلوك الناس وطبيعة السلوك البشري وهشاشة أسس العلاقات الاجتماعية والإغراق في المادية والحيرة النفسية.

وللتخلف الذي يصيب جوانب معينة من حياة المجتمعات النامية أسباب، وأحد هذه الأسباب الأكثر يروزا هو سيطرة الجهات الأجنبية الرسمية وغير الرسمية على المجتمعات النامية في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتحكم تلك الجهات بمصائر ومقدرات تلك المجتمعات واستغلال قواها البشرية وسرقة ثرواتها وتحكم تلك الجهات بالتجارة العالمية وبرأس المال العالمي، وفرض تلك الجهات لسياستها على الشعوب النامية التي تعاني من حالة الضعف. ولا تتيح تلك الجهات للبلدان النامية أن تتخلص من الأزمات التي تعاني منها ومن وجوه تخلفها.

وممن تكلم طيلة عقود عن التخلف في الأراضي العربية والإسلامية عدد كبير من المستشرقين. اختلف المستشرقون بعضهم عن بعض في مدى الموضوعية التي توخوها في تناولهم للمسائل العربية والإسلامية أو في مدى تحيزهم ضد العرب والإسلام والمسلمين. حاول عدد من المستشرقين أن يتوخوا الموضوعية في هذا التناول، وتحيز عدد منهم عن وعي أو بدون وعي ضد العرب والمسلمين وتحاملوا وتطاولوا عليهم وشوهوا صورتهم. وخدم عدد منهم ودعموا على نحو متعمد نشاط الجهات الاستعمارية في الأراضي العربية والإسلامية.

وفي محاولة تلك الجهات لتنفيذ سياساتها الاستعمارية في تلك الأراضي وللتغلغل فيها وللتأثير في شؤونها الداخلية كانت تلك الجهات بحاجة إلى من يعرف اللغات التركية والعربية والفارسية والأوردية وغيرها من اللغات ومن بكون لديه اطلاع على الثقافة الإسلامية أو إلمام بها على الأقل. ووضع عن طيب خاطر عدد من المستشرقين معرفتهم هذه في خدمة حكوماتهم وتحت تصرفها. واعترف قسم منهم بأنهم أدوا وظيفة المنفذ أو المعاون أو الوكيل أو المستشار للسلطات الاستعمارية في نشاطها الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري في الأراضي العربية والإسلامية. وكان عدد لا يستهان به من القناصل والميشرين والمستشارين العسكريين والتجار والسفراء ولا يزالون من المستشرقين.

ونظرة الحكومات ذات السياسات الاستعمارية اتسمت بالعنجهية والغطرسة وبإهمال مراعاة مقومات ثقافات الشعوب المخضعة للسيطرة الاستعمارية. وأولئكم المستشرقون الذين أتاحوا أنفسهم لخدمة حكوماتهم في تنفيذ سياساتها وجهوا طاقاتهم الفكرية وهم يتناولون المسائل المتعلقة بالشعوب المخضعة باتجاه خدمة تلك السياسات. وفي أدائهم لتلك المهمة كان أحد أهدافهم معرفة مكونات نفوس الشعوب المخضعة لمعرفة الطرق التي يسهل بها عليهم السيطرة على تلك الشعوب، ولمعرفة بنى المؤسسات الاجتماعية التي تستلزم اعتبارات سيطرتهم على تلك الشعوب إخضاعَها أو تعزيزَها أو إبقاءها على حالها، ولمعرفة طبيعة النظام الطبقي ومصالح الطبقات بين الشعوب المخضعة، وذلك ابتغاء معرفة الأفراد المستعدين لتقديم مساعدتهم لتلك الحكومات. وقطع المستشرقون شوطا طويلا في تحقيق تلك الأهداف.

ومن الوسائل المفيدة في عملية التوصل إلى المعرفة توخي النهج العلمي الموضوعي في معالجة المسائل. بيد أن البيانات المكتوبة والشفوية لعدد من المثقفين والكتاب الغربيين وغير الغربيين لا تتسم بسمة النهج العلمي. وشهد القرنان التاسع عشر والعشرون دعوات من مستشرقين للمثقفين العرب إلى اعتماد النهج العلمي في معالجة المسائل المطروحة دون أن يدعوهم العرب إلى توجيه هذه الدعوة. وجه مستشرقون وما انفكوا يوجهون هذه الدعوة وكأن المفكرين والدارسين العرب لا ينتهجون هذا النهج وكأن أولئكم المستشرقين انتهجوا هم أنفسهم في بياناتهم المكتوبة والشفوية هذا النهج. أليس من القمين بهم أن يحرصوا على انتهاج ذلك النهج قبل أن يقوموا باتهام الآخرين بعدم اتباع ذلك النهج.

لقد أسهمت عوامل في تكوين هذا التحيز المقصود أو غير المقصود لدى عدد من المستشرقين. ومن هذه العوامل جهلهم بلغات الشعوب التي درسوا شؤونها أو عدم كفاية معرفتهم لها بصرفها ونحوها وعباراتها الاصطلاحية. ومن هذه العوامل أيضا التركة الاجتماعية والثقافية والدينية التي حملت شحنة من التعصب ضد الإسلام والمسلمين والعداء والكره لهم أو النفور منهم أو الاستخفاف بهم وبثقافتهم وحضارتهم. وأوجدت هذه التركة أو الخلفية في أذهانهم صورة المسلم بصفات سلبية وبالتالي عزز لديهم الميل إلى التطاول على الاسلام والمسلمين وإلى عزو صفات إليهم لا يتصف المسلمون بها، وإلى الحكم بأحكام سقيمة وتعسفية في مجالات الفكر والثقافة والأخلاق. ويقع قسم من هذه الأحكام في الأحياز الرمادية بالنسبة إلى أولئكم المستشرقين. والمقصود بالأحياز الرمادية الأحياز التي يصعب، بسبب عدم تلقيها لقسط واف من الدراسة، إصدار الحكم اليقيني بشأنها.

وخلال مدة تناول المستشرقين للمسائل التي تناولوها كان كثير من العرب والمسلمين، ولا يزالون، في حالة من الضعف السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وكان كثير منهم خاضعين للسيطرة والاحتلال الأوروبيين. وكانت أمية القراءة والكتابة والوظيفة ولا تزال متفشية في صفوفهم، وما زالوا لا يحسنون الدفاع عن أنفسهم. هذه الحالة من الضعف كانت عاملا شجع تشجيعا كبيرا على اتخاذ عدد لا يستهان به من المستشرقين لهذه الطريقة في تناول المسائل قيد النظر.

ويبدو أن سلوك هؤلاء المستشرقين مثال على الميل لدى البشر في حالات معينة إلى التحيز ضد الضعفاء أو إلى التحامل عليهم أو القيام بعزو صفات سلبية إليهم لا يتصف أولئكم الضعفاء بها، والميل أيضا إلى إنكار وجود صفات إيجابية يتصفون بها، وإلى اعتبار الضعفاء مكانا لإلقاء النفايات النفسية والاجتماعية والاقتصادية لدى الأقوياء، فضلا عن النفايات الإشعاعية والكيميائية التي تشمل آثارها المهلكة مساحات شاسعة وما انفكت تفتك بعشرات الملايين من البشر الأيرياء.

وميل مستشرقين إلى بث صورة مشوهة عن العرب والإسلام والمسلمين يمكن الإسهام في إزالته بإزالة أسباب هذا الميل. وتشمل هذه الأسباب الجهل بالثقافة العربية والإسلامية، والموقف الغربي القائم على الاعتقاد بمركزية الشعوب الغربية في العالم وما لهذا الاعتقاد من متضمنات سلبية بالنسبة إلى موقف الغربيين من الشعوب والثقافات غير الغربية. ويمكن الإسهام في إزالته بإضعاف دور المستشرقين المتحيزين عن طريق فضح تحيزهم وتحاملهم وعن طريق الإبانة عن الأضرار التي تلحق بالدول الغربية والنامية من جراء قيام هؤلاء بدورهم الرسمي على نحو متحامل، وأيضا عن طريق تعزيز الشعوب النامية لقوتها الذاتية السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية وتحقيق الحضور الفكري والحضاري على المستوى العالمي، وتعزيز قوتها على الدفاع عن نفسها، وباكتساب الشعوب النامية لمعرفة كيفية طرح قضاياها وكيفية تبيان خطأ الطروح الفكرية الغربية عن تلك الشعوب وثقافاتها، وإقامة مؤسسات حكومية وغير حكومية في البلدان النامية للنشر المكتوب والشفوي والمرئي من قبيل مراكز البحوث والمجلات والمواقع على الشبكة الدولية يكون هدفها الرئيسي تبيان العلاقة بين الحضارة العربية والحضارة الغربية، وما تدين الحضارة الغربية به للحضارة الإسلامية في خروج أوروبا من دياجير الجهل في القرون الوسطى. إذا حققت البلدان النامية هذه الأهداف أسهمت يقينا في تغيير الدول الغربية لمواقفها حيال البلدان النامية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى