السبت ١ أيار (مايو) ٢٠٠٤
بقلم أشرف بيدس

السقوط

(1)

حاولت. نعم حاولت بعزيمة متهالكة وقلب يتأرجح بين أنصاف الأشياء. وعين زائغة تبحث عن صورتك فى الجريدة الصباحية.

حاولت أن أتحلي بالرزانة والعقل و.. و.. والصبر. وأن أفتش عن عيوبك، وأطلق عليها سهام غضبى وحنقى ومفردات التهكم والمبالغة. وأحيانا كنت أختلق بعضها، لكي تصبح صورتك الجميلة المشرقة باهتة. فأغض النظر عنك. وأبحث عن لعبة أخرى ألهو بها.
ومع كل محاولة فاشلة، كان يزداد تعلقى بك. وكنت أفقد بعضا من مقاومتى ورباطة جأشى. وأصبح خيالك يملأ المكان ويشيع فى نفسي شعور بالانقياد والتبعية.

أدركت أخيرا أنني لا أجيد شيئاً سوى أن أعشقك. فعشقك أصبح مهنتى التي أقتات منها نسيم عمرى. فكل الأشياء تبدأ وتنتهي دائما وأبدا عند محطات عيونك ونواصى شفتيك. وعندما أحاول أن أسبح فى خيالاتى أجد نفسى غارقا فى ضفائر شعرك.

ذهبت بعيدا بعيدا. تاركا ورائى أحلاما لم تنته ولم تكتمل. وحينما وصلت إلى شاطئى المتعب، لاطمتنى أمواج حبك بكل قسوة. حاولت أن أغوص فيها. أتأملها. أتفحصها، أو حتى أروضها. ربما أفوق من سكرتى. من خيبتى. من عشقك الذي يسرى في دمى. لكن باءت محاولاتى بالفشل، فمعك لا أستطيع إلا أن أنقاد وراءك فى حضرة عيونك وفى حاشية ظلك.

(2) الفارس المهزوم

لا. لن أمكنك من قراءتى. ولن أكشف عن كلماتى. فحروفى تفضحنى. وتكشف عن كل علاتى. وعندئذ ستنهار معها كل الصروح الوهمية التى أتحصن بها وأختفى ورائها. فأنا لا أملك مثلك عينان لامعتان تفيضان حبا وعشقا ودفئا. ولا أملك قلبا ينبض على ضوء القمر، ويتهادى فوق السحاب ليستمد البقاء. ولا تلك الابتسامة التى تحتضن الدنيا، وتفرش أمامها بساتين من الطمأنينة والسكون. فكل ما أملكه قلب متعب مرهق، أجهدته التجارب المنكسرة، وسنين الحياة الذليلة. وليس فى صندوق ذكرياتى بطولة مشرفة، أو وردة باهتة، أو رسالة غرامية، أو لقاء لم يتم. ولا فتاة أحلام. ولا أجيد فن الكلام أو الحديث، وليس لى مواصفات خارقة تلفت الانتباه، أو تسترعى الاهتمام. فأنا فارس مهزوم فى كل المعارك الذى خاضها، والتى لم يخضها، فارس لم يمتط جوادا، ولم ينتظره قمر فى ليال ناعسة حالمة.
وقد ارتضيت فى نهايات العمر أن أنزوى فى أحد الأركان منتظرا نهاية عادية لعاشق وهمى، بنى أحلامه على رمال أكلتها الأمواج. وكتب على صفحات الريح قصائد العشق المستحيل.

يكفينى أن أجتر من عينيكى زاد يومى وقوت قلبى. يكفينى أن استرجع ضحكاتك عندما تشتد بى وحشة الأيام، فالبوح معك نهاية سريعة لحياتى. وأنا أعشق الذوبان والتحلل والموت البطئ.
لا. لن أكشف عن حروفى. فأنا لا أملك حروفا ولا أملك كلمات. وكل ما داخلى طلاسم وأبجديات وجمل ناقصة. فدعينى أذوب فى متاهاتى، فأنا عاشق مهزوم أتى من أزمنة لا تعرف العشق. وتربت على الخضوع والانكسار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى